q
الإنفاق بتوازن يجنب الفرد الوقوع في المشكلات المادية، وإدارة الامور المالية تعد من الأشياء الواجب مراعاتها من قبل الجميع، فلا يمكن ان يتجاوز معدل الإنفاق بالشكل الذي يجعل الفجوة تأخذ بالاتساع وقد يخرج الأمر عن السيطرة ويؤدي الى إصابة الإنسان بالفقر ويصبح من الاشخاص الذين لا يمتلكون قوت يومهم والسبب هو...

سمع زوجته تهاتف صديقة لها عند دخوله المنزل في الوقت المعتاد، فهم من سياق الحديث بأن هنالك مول تجاري جديد سيتم افتتاحه اليوم، والمكالمة تهدف لترتيب الامور من اجل الخروج معا في موعد الافتتاح المحدد عند السابعة مساءً.

هذا الاتصال والاتفاق بين الصديقتين يدلل على ان الرغبة الجامحة في التسوق هي من الغرائز المتجذرة في ذات الإنسان، لكنها تختلف من شخص لآخر، وبحسب دراسات مختصة ترتفع عند النساء بنسبة ‎%‎80، بينما نراها تنخفض عند الرجال لتصل الى ‎%‎20، وهو ما يفسر اهتمام النساء بصورة خاصة بالتسوق والذهاب الى المحال التجارية بطريقة منظمة ومستمرة.

يأتي من أسباب التسوق بشكل مفرط هو الحالة الاقتصادية التي يتمتع بها الفرد سواء كان رجل ام امرأة، فمن لديه المقدرة المالية تتولد لديه الرغبة في اقتناء الكثير من الأشياء، وقد تكون خارجة عن حاجته اليومية او الحاجات الاساسية بالنسبة له.

بينما يبقى المحتاج تكسو وجهه ملامح الحرمان، وتعيش بداخله عقده النقص المستمر، فهو بذلك يبقى قابع تحت ركام الفاقة، وامام عينيه أكداس الأمنيات المعطلة، تنتظر الوقت المناسب لتتحول من امنيات الى حقائق ملموسة، وربما لم تتمكن من رؤية النور بسبب بقاء الحالة المادية على حالها دون تحسن يذكر يساعد على حصول بعض الأشياء الاساسية في حياة الناس.

وللحرمان في الطفولة تأثير كبير على ظهور هذه الحالة لدى بعض النساء والرجال معا، فالطفولة التي قُضيت بالعوز الشديد وعدم الحصول على ما تتمناه النفس يبقى لصيقا في النفس عند الكبر ولا يرتاح الا بالحصول عليها بطريقة معينة، والسبب بذلك يعود الى الحالة النفسية بالنسبة للأشخاص الذين عانوا من هذه المسألة في صغرهم.

ومن اجل إشباع هذه الرغبة قد يضطر بعض الأفراد الى الحصول على قرض من جهة معينة لتلبية تلك الحاجات التي يراها ضرورية ولم يتمكن من شرائها في وقد مضى؛ بسبب قلة السيولة النقدية لديه، وعدم امتلاكه لمصدر دخل معين يساعده على تحقيق رغباته وشراء ما تطلبه نفسه.

ومن الأشياء الجديرة بالذكر والاهتمام هنا هو ان بعض الأسر ليس لديها سوى طفل او طفلين وتعمل على توفير الراحة لهم بشتى الوسائل، اذ تغدق عليهم بالعطايا والهدايا، ما يجعلهم يعيشون حالة من الدلال العابر للمعتاد، اذ ستلازم هذه الحالة هذا النوع من الاطفال حتى عند تقدمهم بالعمر وتصبح صفة يصعب التخلص منها على المدى البعيد.

وبالتأكيد فان هذه الصفات والانطباعات ستنتقل من الآباء الى الابناء وتستمر الحلقات الواحدة تكمل الأخرى، وفي بعض الاحيان يكون من الامور المعيبة هو التراجع عن افعال او تصرفات غير محمودة، ما يجعل الأفراد يقعون بمصيدة المديونية لتغطية تلك المتطلبات، والإبقاء على الصورة المتكونة لهم امام ابناء المجتمع.

بعض الأفراد يقولون انهم يشعرون بالسعادة بمجرد شراء الأشياء، بغض النظر عن مدى الحاجة اليها، وهنا ارتبط الهدف الأساس من التسوق بالحالة النفسية والراحة الذاتية للفرد، لكن هذا لا يعني ان الاشخاص لا يجب عليهم خلق نوع من التوازن بين دخلهم وما يجب ان يتم إنفاقه.

الإنفاق بتوازن يجنب الفرد الوقوع في المشكلات المادية، وإدارة الامور المالية تعد من الأشياء الواجب مراعاتها من قبل الجميع، فلا يمكن ان يتجاوز معدل الإنفاق بالشكل الذي يجعل الفجوة تأخذ بالاتساع وقد يخرج الأمر عن السيطرة ويؤدي الى إصابة الإنسان بالفقر ويصبح من الاشخاص الذين لا يمتلكون قوت يومهم والسبب هو عدم التدبير والتصرف السليم بالدخل الفردي.

من الأشياء التي تجعل الأفراد يصابون بفيروس التسوق المفرط هو تذليل جميع الصعوبات التي تحول دون وصول السلعة للمستهلك، فاغلب المحال التجارية عملت على تفعيل مسألة التوصيل المجاني او بمقابل معين في بعض الاحيان، وهذا بالتالي يجعل الأفراد يطلبون السلع والخدمات دون معاناة تذكر.

الى جانب ما تم ذكره هو تطوير أساليب الدفع، اذ اصبحت اغلب المولات التجارية تتبع الدفع بواسطة الكي كارت، وهذه الطريقة لها انعكاس نفسي على الزبون، فهو لا يشعر بقيمة النقود المدفوعة طالما لم يراها بعينه، وبالتأكيد فان هذا الشيء له تأثير في الجوانب النفسية.

يراهن منتجي السلع باختلاف أصنافها على ما تمتلكه المرأة من عاطفة، يجعل من قناعتها تتغير بين الحين والآخر، فنرى اغلب الإعلانات التجارية تخاطب المرأة بصورة أساسية، كونها تُجيد العزف على وتر العاطفة النسائية، وهذا الشيء لا نجده عند الرجال الذين يُغلبون لغة العقل على العاطفة في احيان كثيرة.

في موضوع التسوق او غيره من الموضوعات نرى التوازن هو العامل المهم والضروري لديمومة عجلة الحياة بالدوران، فبدون الوسطية يعيش الإنسان حالة غير مستقرة متجها ذات اليمين مرة وذات الشمال اخرى.

وبقي علينا ان لا ننسى ما أوصت به الشريعة الالهية، حين حثت على تجنب الإسراف والتبذير في كل شيء، وما يؤكد سلبية هذه الظاهرة هو جعل المبذرين بخانة الشياطين الذين غضبوا رب السماوات والأرضين ولم يمتثلوا لأوامره.

اضف تعليق