q

جاء عن الإمام الصادق، عليه السلام، أن المهدي إذا قام، أشرقت الأرض بنور ربها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته، أن يكف عن ذلك، فلا يجد أحداً يقبل منه الزكاة، لأنه ليس هنالك محتاج، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله...". وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر، عليه السلام: "...حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة".

بسبب شدّة الأزمات الاقتصادية وضياع الحلول الحقيقية، بل وضياع الأمل بعيش كريم لإنسان اليوم في العالم بشكل عام، وفي بلادنا الاسلامية بشكل خاص، فان القضاء على حالة الفقر بمختلف أشكالها، باتت اليوم تمثل حلماً وردياً جميلاً يبرد الخواطر، واحياناً يشعر الكثير بالانزعاج من حديث حول حلول ومشاريع واقتراحات و... غيرها، تتعلق بحالة الفقر والحرمان وضنك العيش الذي تعيشه نسبة كبيرة من سكان العالم، لان حالة التكيّف مع الفقر تعد أيسر على النفس الانسانية من العيش في ظل وعود فارغة ومشاريع وهمية تخفي خلفها جرائم اختلاس وفساد مالي واستئثار بالثروة وفرص العمل.

بيد أن في الأفق، أمل مشرق وكبير بنهاية حاسمة للفقر والحرمان، لاتنطلق من شعارات ووعود بدوافع سياسية، إنما على أساس من قواعد ونظم متطابقة مع الفطرة والعقل، بل انها تحمل معها عوامل النجاح برصيد ضخم من التجارب. وهذا ما لا ينكر وجوده الخبراء والعلماء الاقتصاديون في النظام الاقتصادي في الاسلام، واذا كان هذا النظام حقق نجاحاته وانجازاته في العهود الاولى من تاريخ الاسلام، فان العالم على موعد مع الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، لتطبيق هذا النظام الذي يضع حدّاً لكل المظالم والانحرافات التي يعجّ بها النظام الاقتصادي العالمي في الوقت الحاضر.

ارقام الفقر تختفي خلف مظاهر التقدم

بين فترة واخرى تنشر وسائل الاعلام ارقام عن معدلات الفقر في العالم، بين هبوط او ارتفاع نسبة الفقر في هذا البلد وذاك، بين أن الملاحظ في بعض الدول التي تعيش الحرمان والفقر والتخلف أنها تنشغل بما يردها من مظاهر التقدم التقني في وسائل الاتصال والسلع الاستهلاكية، فتنسى وجود الشريحة الفقيرة التي تنمو احياناً ببطء وهدوء وبشكل مخيف في عديد الدول الاسلامية والعربية. وربما يحاول البعض إخفاء حالة الفقر باقتناء السلع الاستهلاكية الجميلة التي توفر بعض الراحة والمتعة، بما يشبه نوعاً من التخدير والاسترخاء ونسيان الحالة المزرية التي يعيشونها، بما يؤدي – بالنتيجة- الى حالة من الاستمراء – إن صح التعبير- للحالة القائمة وعدم الحاجة للتغيير أو حتى التطلّع الى الأمل نحو الأفضل.

على سبيل المثال لا الحصر، فان الاحصائيات الرسمية في العراق تشير الى أن نسبة الفقر بلغت (23) بالمئة، وحسب بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) فان حوالي ستة ملايين انسان يعيشون تحت خط الفقر في بلد يصدر يومياً مليوني ونصف المليون برميل من النفط الى العالم، وتبلغ موزانته العامة حوالي 100 مليار دولار.

هذه الارقام وغيرها، ربما لا تظهر على الشارع العام، بسبب اندماج الفقراء في الحياة العامة في المدن الكبيرة ذات النشاط التجاري الفاعل، وابتكار أنواع واشكال من فرص العمل لكسب المال في الاسواق والطرقات، بيد ان المسكوت عنه، المساكن العشوائية الهائلة حول المدن، وجرائم السرقة والاحتيال والاختطاف والتخلّي عن القيم الاخلاقية والانسانية، وهو ما يمكن ملاحظته في عمالة الاطفال في الاسواق والطرقات، وايضاً النساء في معامل الطابوق وامتهان جمع النفايات. علماً أن هذه صورة نمطية لمجمل حالة الفقر التي تعاني منها بلادنا التي يفترض ان تعيش كلها، حالة من بحبوحة العيش، في حين نلاحظ الفقر المدقع، كما هو الحال في اليمن ومصر، حيث ان ثلثي سكان مصر يعيشون الفقر، فيما يعاني (48) من سكان اليمن من الفقر المدقع، وحسب الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة، فان حوالي نصف فقراء اليمن يعيشون على دخل يومي قدره (دولاران) فقط!.

الحلول العملية

البعض يتحدث عن مشكلة الفقر والحرمان بحاجة الى معجزة أو "عصا سحرية" لإزالتها نهائياً، ومن الناحية العقائدية فان علماؤنا يؤكدون أن المشيئة الإلهية دائماً باتجاه الخير والرفاهية للانسان، بيد ان المشكلة في الإرادة والعزم من الانسان للتحرك باتجاه تحقيق هذا الأمل المنشود، فهي تأتي لتواكب المشيئة الإلهية، فاذا يقرّ الجميع بفشل السياسات الاقتصادية والنظريات القائمة في تحقيق الرفاهية والسعادة – ولو النسبية- للانسان، فان معنى هذا أن ثمة خللاً في القضية، والآية الكريمة من (سورة المائدة)، تقدم لنا الحل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}.

فما هي آلية إقامة ما أنزل الله تعالى الى البشر من قوانين ونظم في المجال الاقتصادي؟

إنها نفس القوانين التي طبقها الرسول الأكرم، ومن بعده أمير المؤمنين، صلوات الله عليهما، ثم يأتي الامام الحجة المنتظر، ويعيد تلكم القوانين الى ارض الواقع، منها؛ أن تكون الأرض لمن يعمرها، وهنالك قانوناً يعتمد عليه العلماء في استنباط الاحكام المتعلقة بالاقتصاد، وهو عبارة عن حديث مروي عن المعصوم: أن "من سبق الى ما لم يسبق اله أحد فهو أحق به". ويوضحون في كتبهم الفقهية بأن الغابات والمياه والمناجم وغيرها من الاراضي المشاعة، ملكاً للجميع ولمن يبادر الى الاستثمار والإحياء، يبقى دور الدولة او الحكومة في التنظيم والإدارة بما يكفل عدم حدوث الفوضى وانتهاك لحقوق الآخرين، لذا فان سماحة الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي يشير الى هذه القضية في احدى بحوثه عن "عصر الظهور" بأن ذلك يتم بشرط عدم "الإضرار بالآخرين، ولا يكون هنالك إجحاف وظلم". وهكذا؛ فان عصر الظهور التي يبشرنا به الامام الباقر، عليه السلام، "... فلايبقى في الارض خراب إلا عُمّر".

أما الملاحظ اليوم في بلادنا الاسلامية، وجود العراقيل الغريبة أمام من الاستثمار والاستفادة العامة من الموارد والامكانات الي وهبها الله – تعالى- للانسان، وليس لهذه الحكومة وذاك القائد او ذلك الحزب الحاكم! ليس هذا وحسب، بل إن من يريد البناء للسكن او تأسيس مشروع للعمل عليه ان يمر بدهاليز التراخيص والضرائب وصولاً الى الرشاوى الفاحشة، ليتمكن من الاستفادة مما وهبه الله اليه، وليس للحصول على شيء من الدولة، فهو الذي ينفق ويتعب ويبني، وعليه ايضاً ان يعطي للحكومة ويسعى لترضيتها...!!

وهذا بالحقيقة يمثل قمة الشذوذ في الحالة التي نعيشها لوجود نموذج نابض من التاريخ المتقدم في عهد أمير المؤمنين، عليه السلام، وكيف أنه بنى البيوت والمتاجر في الكوفة وخلق فرص العمل وكافح بقوة، كل مظاهر الفقر مثل الاستعطاء وغيرها، ومن جهة ثانية ، وجود الوعد الحاسم والنهائي على يد الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، بحل جميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البشرية، مما يتعين علينا العمل بجد وثقة وعالية في طريق تحقيق ما يمكن تحقيقه من الرفاهية للإنسان من خلال الابتعاد عن القوانين التي اثبتت فشلها طيلة عقود وقرون من الزمن، واستبدالها بقوانين ونظم تحقق الرفاهية للجميع دون استثناء.

اضف تعليق