q

ربما لم تضع المملكة العربية السعودية في بالها، عندما شكلت وقادت "تحالفا عربيا" لإنهاء ما أسمته "تمردا حوثيا" ضد شرعية الرئيس "هادي" في اليمن، بانها قد تضطر في نهاية المطاف الى التنازل عن سقف شروطها المعلنة (وغير المعلنة) في "عاصفة الحزم" او "عودة الامل" او حتى في الصفحة الثالثة "التي ظلت من دون اسم"، بعد ان ضغطت الأمم المتحدة باتجاه غلق النهايات المفتوحة، والذهاب الى طاولة الحوار، بعد أكثر من شهرين توالت فيها الضربات الجوية وسط حصار اقتصادي بري-بحري-جوي، فاقم مأساة الملف الإنساني اليمني.

الحكاية بدأت عندما تحركت الأمم المتحدة، بعد استقالة مبعوثها الخاص الى اليمن "بن عمر" احتجاجا على تغليب منطق القوة كبديل عن الحوار الذي رعته الأمم المتحدة واقترب من جمع الفرقاء الى طاولة المحادثات، كما أشار المبعوث المستقيل، وكانت أولى هذه التحركات، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"... وقف فوري لإطلاق النار، هذا الموقف لم يلقى ترحيبا خليجيا، والاحتجاج كان سيد الموقف... بالمقابل اعلنت السعودية هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام، بعد قصف عنيف استمر سبعة أسابيع من دون توقف، ومع ان الأمم المتحدة رحبت بالهدنة، الا ان المملكة استأنفت عمليات القصف المكثف بعد انتهاء الهدنة، متجاهلة "النداءات المتكررة من جانب الأمم المتحدة" لتمديدها، ما ولد شعور "بخيبة الامل" وربما "عدم احترام" للمنظمة وامينها من قبل "التحالف العربي" ومن يقوده.

الخطوة اللاحقة كانت خطوة دبلوماسية سعودية-يمنية، وهي أيضا جاءت ربما كرد فعل على تحركات الأمم المتحدة لجمع الأطراف ذات الصلة بالأزمة اليمنية على طاولة حوار برعاية اممية، ورشحت "جنيف" لاستضافة هذا الحدث، فمدينة الرياض احتضنت (عوضا عن جنيف) مؤتمرا "لإنقاذ اليمن" تحت اشراف المملكة، وسبق هذا المؤتمر جملة من التغييرات السياسية للرئيس اليمني اللاجئ في السعودية "هادي"، وكان أهمها تعيين "بحاح" نائبا له، إضافة الى اختياره كرئيس لمجلس الوزراء، ومع ان السعودية عولت كثيرا على المؤتمر لممارسة نوع من الضغوطات السياسية على الحوثيين، وإعطاء المزيد من الدفع الدبلوماسي والدعائي لعملياتها العسكرية، الا ان المؤتمر واجه الكثير من التحديات والصعوبات... فالحوثيون غير مدعوون... والمؤيدون لصالح قاطعوا المؤتمر... وحتى قادة الحراك الجنوبي لم يتفاعلوا مع المؤتمر لعلمهم انه معد بطريقة لا تخدم مطالبهم بالانفصال، كما ان الحضور الاممي لم يكن بالمستوى المطلوب... إضافة الى الانتقادات الضمنية التي وجهتها روسيا والولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربي باعتبار ان المؤتمر غير مكمل لشروط انعقاده.

في هذه اللحظة بالذات وصل التوتر بين "التحالف العربي" و"الأمم المتحدة" الى القمة... فبعد شهرين ونيف من الضربات والحصار والقتال الداخلي بات الجميع يسأل.. ما الذي تغير بعد اعلان عاصفة الحزم في اليمن؟

- هل استطاع التحالف اجبار الحوثيين على الانسحاب من "صنعاء" او منعهم من التقدم نحو "عدن"

- هل استطاع تدمير القوة العسكرية للحوثيين او الجيش اليمني المتحالف معه

- هل استطاعت السعودية وحلفائه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2216

- هل استطاعت السعودية تامين حدودها الجنوبية من خطر الحوثيين

- هل استطاعت ابعاد النفوذ الإيراني من خلال اضعاف تواجده وضرب ذراعه (الحوثيون) في اليمن كما أعلن كبار المسؤولين في السعودية

- هل استطاع التحالف تجنيب المدنيين اثار القصف والحصار الاقتصادي

طبعا هناك الكثير من التساؤلات الأخرى التي أثيرت بعد "عاصفة الحزم" وانعقاد "مؤتمر انقاذ اليمن" في الرياض، والإصرار على تحجيم دور الأمم المتحدة او أي تحركات دبلوماسية من أي طرف اخر لمنع تفاقم الصراع في اليمن... الغريب حقا ما حدث بعد إصرار السعودية والتحالف الذي تقوده الى الذهاب الى اقصى الحدود مع خيار الحرب... هو القبول بوساطة "عمانية" جرى اعدادها بتوافق إيراني-امريكي، وبرعاية "الأمم المتحدة" التي اشترط على جميع الأطراف الذهاب الى المفاوضات "من دون شروط مسبقة"، مع التأكيد على تواجد الحوثيون في المفاوضات الأممية.

الوفود الدبلوماسية التي أعلن في وسائل الاعلام عن اشتراكها في محادثات ماراثونية انحصرت بالجانب الإيراني الذي زار سلطنة عمان في وقت سبق زيارة الجانب الأمريكي الى السلطنة ومن ثم الى الرياض، فيما انتقل وفد حركة "أنصار الله" الحوثيون الى السلطة للتباحث مع الوفد الأمريكي والمسؤولين العمانيين لترتيب اللمسات الأخيرة للمؤتمر الاممي الذي اشارت التسريبات انه قد يعقد في العاشر من الشهر القادم، وربما يمهد الطريق للمتغيرات التالية:

- وقف إطلاق النار بين الجانبين مؤقتا، مع العمل على وفق الاعمال العسكرية وإعلان انهاء كافة للعمليات العسكرية لاحقا.

- سيمثل المؤتمر... البداية للاعتراف بالحوثيين او "حركة أنصار الله" كقوة سياسية رئيسية ضمن المشهد اليمني.

- الطرفان سيقدمان بعض التنازلات من اجل تمرير "الصفقة الدبلوماسية" في اليمن.

اضف تعليق