q

يعتبر الشرق الأوسط المجال الحيوي لتحركات تنظيم "داعش"، على الأقل في الوقت الحالي، سيما في العالم العربي والإسلامي، وسيطر خلال هجماته الماضية، على مناطق واسعة في سوريا والعراق، كما ضمن له موطئ قدم في ليبيا ومصر واليمن، وموالين في لبنان والسعودية وشمال ووسط وغرب افريقيا من الحركات المتطرفة التي اعنت مبايعتها لزعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي"، وقد استفاد التنظيم كثيرا من الفوضى التي خلفها تنظيم "القاعدة"، في السابق، والربيع العربي، حاليا، لينشر اجنداته الخاصة به، ويتوسع في ضم عشرات الالاف من المقاتلين الأجانب والمعجبين بالتنظيم من 100 دولة بما فيها دول الاتحاد الأوربي، وعمل التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية على تحقيق النجاحات من خلال قاعدة "العبث بالجميع" ليتصدر مشهد التنظيمات المتطرفة ويؤسس لنفسه منظومة عسكرية واقتصادية ودعائية خاصه به، مستفيدا من التناقضات التي مكنته من العبث بكل منافسيه وهدر دمائهم سيما وانه:

- يقاتل الشيعة بحجة انهم "كفار" او "مشركين" ويدعوا للقصاص منهم

- يقتل السنة "المرتدين" لمعاونتهم الأنظمة "المستبدة"

- يقاتل الجماعات التكفيرية الأخرى باعتبارهم "مخالفين" لدين الله

- يقتل اتباع جميع الطوائف الدينية الأخرى، (المسيحيين، الايزيديين، الشبك، الصابئة...الخ) بنفس الاعتبارات السابقة، إضافة الى استرقاق النساء والأطفال وبيعهم في سوق النخاسة

- يدعو لإسقاط الأنظمة السنية والشيعية، باعتبار الأولى متعاونة مع بلاد الغرب الكافر والثانية دول صفوية ومجوسية كافرة

- يحث أنصاره على تنفيذ هجمات انتحارية في الغرب باعتبارها "بلاد الكفر" والكفار

ولا يكتفي التنظيم بسياسة العبث التي يقوم بها في هذا الجانب لترويج شرعية "الخلافة الإسلامية" التي ينادي بها فحسب، بل ويعتمد أيضا على التناقضات الواضحة بين جميع الأطراف التي يحاربها في التخلص من خصومة بيد غيره، مستفيدا أيضا من الخلافات الكبيرة التي لم تذوبها خطورة العدو المشترك "داعش" حتى اليوم، فعلا سبيل المثال:

- عندما قصفت السعودية بطائرتها اليمن مستهدفة "الحوثيين" خرج تنظيم "داعش" الى العلن ليؤكد سعيه للقضاء على الشيعة "الحوثيين" في اليمن، وأعلن بعدها عدة تفجيرات طالت مساجد للمسلمين الشيعة في اليمن.

- في الوقت الذي أعلن فيه التنظيم بان النظام السعودي هدف مباشر له يسعى لإسقاطه، كان يشجع أنصاره من المواطنين السنة في السعودية على شن هجمات انتحارية تستهدف المواطنين الشيعة في السعودية أيضا، باعتبار انهم "كفار مرتدون حلال الدم والمال وواجب علينا قتلهم وقتالهم وتشريدهم بل وتطهير الارض من رجسهم".

- في العراق قتل التنظيم الالاف من السنة بحجج مختلفة، خصوصا من أبناء العشائر التي رفضت مبايعة التنظيم، او التي أنظم أبناؤها للقوات الأمنية، لكن في ذات الوقت، استفاد من خوف "السنة" من المقاتلين الشيعة "الحشد الشعبي" الذين ساندوا القوات الأمنية العراقية في تحرير مناطق سنية وقعت تحت سيطرة التنظيم، ورفع بذلك شعار "الدفاع عن اهل السنة" في الانبار وصلاح الدين والموصل وغيرها.

- في سوريا قاتل الى جانب الحركات الدينية المتطرفة الأخرى ثم انقلب عليها لاحقا ليقاتلها، كما حدث مع "جبهة النصرة" فرع القاعدة وغيرها من الحركات الدينية، او كما تعاون مع الحركات المتطرفة للسيطرة على الموصل (النقشبندية، حزب البعث) لينقلب عليها فيما بعد.

- يقوم بحملات واسعة لهدم الاثار والأماكن التراثية القديمة لأسباب تتعلق بتفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية، وفي ذات الوقت ينهب الاثار المهمة لبيعها من خلال شبكة معقدة تجري خلالها صفقات كبيرة مع عصابات المافيا وتجار الاثار الى الغرب (الذي يعتبر نفسه في حالة حرب معه)، لتمويل نشاطاته، إضافة الى تهريب النفط وغسيل الأموال والاتجار بأعضاء البشر وغيرها من النشاطات المشبوهة.

طبعا كل ما تقدم يدلل على حالة من الفوضى بين جميع المتصدرين لمكافحة للتنظيم وإيقاف تمدده، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية، التي انقسمت على نفسها نتيجة للاتهامات المتبادلة بين الكونغرس والبيت الأبيض حول استراتيجية أمريكا في هزيمة التنظيم ومدى جديتها في القضاء على التنظيم.

كما ان الاتحاد الأوربي ما زال يراوح في مكانة وهو يشاهد الالاف من أبنائه ورعاياه يهاجرون او يحاولون الهجرة الى "ارض الخلافة" التي صورها لهم داعش على انها "الأرض المقدسة"، ولم تستطع دول الاتحاد الأوربي التوحد لسن قانون يكافح هذه الهجرة، فضلا عن عودة المهاجرين الى بلدانهم في المستقبل، كما ان حضورها في العراق وسوريا لتقديم المساعدة ما زال ضعيفا ودون مستوى الطموح.

العالم العربي هو الاخر منقسم بين دول لا يعنيها سوى الخلاف السني-الشيعي، او الخوف من هيمنة "إيرانية" شيعية على الأراضي "العربية" السنية، حتى وصل داعش الى السعودية وفجر فيها، من دون ان يعرف المتابع الى أي دولة أخرى سيصل خطر الإرهاب في الغد القريب، ويبدو ان العبث الذي مارسناه ومكن داعش من تحقيق ما حققه اليوم، سيستمر في تقديم خدمة مجانية للتنظيم في تحقيق المزيد والاستفادة على حساب الجميع من دون ان تكون هناك صحوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

اضف تعليق