q

مع التقدم الذي تحرزه قوات داعش الارهابية وحليفاتها المدعومة اسرائيليا وسعوديا ضد قوات النظام في سوريا يتوقع محللون سياسيون عديدون بأن سوريا العلمانية هي الآن قاب قوسين أو ادنى من الضياع وان نظام الخلافة التكفيري سيعلن لا محالة فيها. وعلينا أن نواجه حمامات دم لم يسبق للمنطقة أن سمعت بها منذ قرون. ولمنع حزب الله اللبناني من ارسال مقاتليه للقتال الى جانب النظام السوري في وقت تنشغل ايران في الحرب اليمنية يستعد الجيش الاسرائيلي بالتنسيق مع السعودية لشن عدوان استباقي على لبنان لعرقلة تدفق مقاتلي حزب الله الى سوريا وتكبيده اكبر ما يمكن من الخسائر لا يكون بعدها قادرا على تهديد اسرائيل. فمثل هذه الفرصة قد لا تسنح ابدا فهي بالنسبة لإسرائيل والسعودية فرصة ذهبية للإجهاز على هذا الحزب والانتهاء منه مرة والى الأبد. لكن هل ستسمح الولايات المتحدة بتولي تحالف القاعدة وداعش السلطة في سوريا ما بعد الأسد..؟؟

يجيب رئيس الاستخبارات الأمريكية جون برينان على هذا السؤال في كلمة ألقاها في مجلس السياسات الخارجية بواشنطن في 14 أبريلنيسان الماضي قائلا: "لواشنطن الاسباب للقلق حول من سيخلف الرئيس بشار الأسد في حالة انهياره اذ يبدو واضحا ان المنظمات الجهادية هي التي ستحل محله انها مخاوف مشروعة. فالمتطرفون الاسلاميون بما فيهم داعش والقاعدة يحتلون حاليا ويسيطرون على مساحات واسعة من سوريا. ان آخر شيء نفعله هو السماح لهم بدخول دمشق. ولهذا من المهم ان ندعم المعتدلين الاسلاميين داخل المعارضة السورية. لا أحد بما فيهم الولايات المتحدة وروسيا والحكومات في المنطقة على استعداد لقبول انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق."

لكن لإسرائيل والسعودية مواقفهم الثابتة من نظام الأسد فهما على ما يبدو مستعدان للتعايش مع دولة الخلافة الاسلامية وليس من المرجح أن يغيرا من مواقفهما فدعمهما مستمر للقوى الاسلامية الارهابية في سعيها لقلب النظام في سوريا. وبالنسبة لنتنياهو فانه يحظى بدعم واسع داخل الولايات المتحدة كما في حروبه السابقة التي شنها على قطاع غزة ولبنان وهكذا الحال الآن في سعيه للاطاحة بالاسد. سيجد نتنياهو الدعم الكامل من الدول الغربية وعلى رأسها الحكومة الامريكية ومجلس الكونغرس مبررين ذلك بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها. عدم تعرض المدن الاسرائيلية الى صواريخ حزب الله اللبناني كما حدث سابقا لا يمنع اسرائيل من شنها حربا على لبنان فالمبررات يمكن افتعالها حين الحاجة اليها.

عدا ذلك فان الحرب بحد ذاتها تشكل عنصرا أساسيا في السياسة الخارجية والعسكرية الاسرائيلية فبدونها لا تتدفق المساعدات المالية الى الخزانة الاسرائيلية التي تقدر بالبلايين اضافة الى دخول أبطال جدد في قائمة قادة اسرائيل العظام. فليس في حياة القادة الاسرائيليين من عسكريين ومدنيين أهم من اشباع رغبة دفينة في عقلهم الباطن بتحقيق نصر عسكري حتى وان كان العدو المفترض هم أبطال الحجارة في انتفاضات الفلسطينيين الذين لم يمتلكوا جيشا أو قواعد عسكرية او أسلحة نارية. الأمر الأهم بالنسبة لإسرائيل هو رؤية جيشا قويا آخر ينهار ونظاما عربيا آخر يختفي ليحل محله دويلات طوائف يسهل ترويضها كما يشاء لها أن تكون وهذا ما تسعى الى تحقيقه في العراق اليوم.

وتمهيدا للحرب الجديدة تتردد في الصحافة الاسرائيلية والغربية اتهامات لحزب الله اللبناني بإخفاء أسلحته في بيوت سكنية في مدن وقرى الجنوب اللبناني. وتطلق التهديدات بناء عليه بأن الجيش الاسرائيلي لا يتحمل اية مسئولية عن سقوط الضحايا من المدنيين في حالة رده على إطلاق حزب الله صواريخ على اسرائيل. ففي تحذير أطلقه وزير الدفاع الاسرائيلي موشي يالون في مؤتمر صحفي عقده في القدس أخيرا قال فيه " في حالة تعرضنا لنيران معادية سنضرب المدنيين اللبنانيين من الأطفال والعوائل.. لقد فعلناها في قطاع غزة وسنفعلها مرة أخرى بعد أي اعتداء نتعرض اليه في المستقبل ". مثل هذه التهديدات لم تطلق جزافا فالنية المبيتة هي حرب استباقية ضد لبنان.

ويبدو أن نتنياهو يقتفي أثر الهتلريين الألمان عندما شنوا حربهم على دول أوربا دون سبب وساقوا يهودها نحو محارق الغاز في أوشفيتز وغيرها لا لسبب الا لكونهم يهودا. فهو لا يستطيع احتمال بدء ولايته الوزارية الثالثة دون حرب فقد انتظر طويلا الضوء الأخضر من القصر الابيض للسماح له بشن حربه على ايران لكن طلبه رفض، ولهذا يفتعل اسبابه لقصف مدن وقرى لبنان لإشباع رغبته في التطلع الى آلاف النازحين من الاطفال والنساء والرجال العزل من السلاح هربا من الصواريخ والقنابل الانشطارية التي تقذف بها طائراته. انه يفعل ذلك لأنه يعرف مسبقا أن لا أحد قادر على مقاضاته، ففي حروب اسرائيل في أعوام 1972و1982 و1996 ضد لبنان وكذلك ضد قطاع غزة في عام 2008 و2009 و2014 كان ثلثي عدد الضحايا من الأطفال العزل ومع ذلك لم يدن أي مسئول اسرائيلي عن جرائم الحرب تلك.

لقد اتهمت اسرائيل حزب الله مرات كثيرة بأن الحزب يستخدم المدنيين كدروع بشرية للتغطية على اطلاق صواريخه ضد اسرائيل، لكن منظمات مراقبة حقوق الانسان رغم كل تحقيقاتها حول صحة هذا الاتهام لم تجد أي دليل على صحة اتهامات اسرائيل لحزب الله. بالعكس ان اسرائيل هي من خالفت أهم قواعد الحرب بعدم تمييزها بين الاهداف العسكرية والمدنية وتقرير لجنة غولدستاين عن خروقات اسرائيل لقوانين الحرب واضح ما فيه الكفاية. الدول الأخرى وبخاصة أصدقاء اسرائيل في الولايات المتحدة وأوربا ملزمون اخلاقيا قبل اي شيء آخر بإعلام تل أبيب بوضوح بأن مرتكبي الجرائم ضد المدنيين لن يفلتوا من العقاب وما لم يعاقب أي مسئول اسرائيلي عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين فانه لا معنى أبدا لوجود محكمة جرائم الحرب الدولية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق