q
إن كثرة هذه الأزمات وتعاقبها جعل أغلب المثقفين وأصحاب الفكر يُشكك في حقيقتها ويتساءل: هل فعلاً هي أزمات حقيقية أم مفتعلة من الحاكم ليضمن بقائهُ وحاشيته أطول فترةٍ ممكنة، فالذين كانوا يعادون النظام السابق ويصفونه بالدكتاتور والمستبد هم أنفسهم انتهجوا نفس منهجه، في خلق الأزمات...

عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي ملتقاه الفكري تحت عنوان (العراق في 2020: أزمات متتالية وحلول منتظرة)، ونظرا لظروف الوقاية الصحية من وباء كورونا، فقد تم التواصل مع الباحثين والمختصين والمهتمين الكترونيا، بمشاركة شخصيات أكاديمية وقانونية وإعلاميين وصحفيين.

أعد الورقة البحثية الأستاذ المساعد الدكتور قحطان حسين اللاوندي، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية والتدريسي في جامعة بابل، قائلا:

"من يتابع تطورات الأحداث في العراق يسيطر عليه شعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل بمستقبل أفضل، فيوم بعد يوم تزداد المشكلات وتتعقد المسائل وتتلاشى الحلول في ظل مشهد غير منتظم يحمل في جنباته مخاطر جمّة، سياسيا مازال العراق بلا حكومة قوية قادرة على التحكّم بالأوضاع وإدارة البلد بشكل طبيعي؛ بسبب عدم توافق شركاء العملية السياسية على مرشح بعينه، أمنيا يواجه العراق تحديّات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي أهمها، انتشار السلاح لدى فصائل لا تخضع لسلطة الدولة وضعف سلطة الأجهزة الأمنية الرسمية وتداعيات الصراع الأمريكي الإيراني وتصفية حسابات الطرفين على الأراضي العراقية.

اقتصاديا يتعرض العراق إلى تحديّات خطيرة على مستوى ضعف التنمية الاقتصادية وهبوط أسعار النفط وتزايد نسبة الديون الداخلية والخارجية في ظل عجز كبير وواضح في موازنة عام 2020.

فالعراق ولعقود طويلة من الزمن، ما أن يودع مشكلةً حتى يستقبل أخرى جديدة، حتى صارت أزماته كالسلسلة لا تنفك حلقاتُها، وكل هذا وأبناء الشعب هم من يدفع ثمن السلوكيات السياسية غير المنضبطة لمن يحكم البلد، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشعب هو جزءٌ لا يتجزأ من تلك المشكلات التي تعصف بهذا البلد، وهو يتحمّل جزءا من المسؤولية عمّا وصل إليه البلد من وضع خطير، وللأسفِ فقد عُرِف عن بعض أفراد الشعب العراقي خفة كفيه للتصفيق لكل من امتلك وحاز جزءا من مظاهر السلطة، وليس هذا اتهامٌ بقدر ما هو وصفٌ لواقع، فالتأييد غير الواعي لأرباب السلطة دفعهم إلى إتباع سياسات تكرّس حكمهم من خلال رفض كل الدعوات لإجراء إصلاحات حقيقية تنقذ البلد وشعبه من تبعات أزمات خطيرة غابت عنها الرؤى والأفكار التي تقدّم الحلول المنطقية لما أوجدته هذه الأزمات من مشكلات عامّة.

إن كثرة هذه الأزمات وتعاقبها جعل أغلب المثقفين وأصحاب الفكر يُشكك في حقيقتها ويتساءل: هل فعلاً هي أزمات حقيقية أم مفتعلة من الحاكم ليضمن بقائهُ وحاشيته أطول فترةٍ ممكنة، فالذين كانوا يعادون النظام السابق ويصفونه بالدكتاتور والمستبد هم أنفسهم انتهجوا نفس منهجه، في خلق الأزمات التي ضاق بها المواطن العراقي ذرعا.

من يتأمل الواقع جيدا قد يصل إلى الحقيقة المتمثلة بأن من يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن الأزمات المتتالية في العراق هم الحاكمون، فالأحزاب والكتل السياسية التي هيمنت وتفردت بالسلطة وإدارة الدولة لم تؤسس لنظام حكم وإدارة قائم على المؤسسات وليس الأشخاص، فغلبة المصالح الفئوية والحزبية الضيّقة على المصالح الوطنية عززت الانقسام المجتمعي وأدت إلى انعدام الثقة بين مكونات الشعب العراقي وهذا انعكس على طبيعة العلاقة بين شركاء العملية السياسية الذين اختلفوا على كثير من جوانب العملية السياسية واتفقوا فقط على توزيع مغانم السلطة فيما بينهم في وقت يعيش غالبية الشعب في ظروف معيشية سيئة.

إن الإدارة السيئة والفوضوية لشؤون ومقدرات العراق من قبل الأحزاب الحاكمة على الأصعدة كافة سواء على صعيد ضبط الأمن وفرض سلطة القانون على الجميع، أو على صعيد تنظيم العلاقات السياسية والدبلوماسية مع دول العالم بما يضمن مصالح العراق وشعبه، أو على صعيد الفشل في التخطيط الاقتصادي الضامن لتنمية اقتصادية شاملة وخلق اقتصاد متعدد الموارد، وحتى العجز عن مواجهة الأوبئة والأمراض، قد أوصلت العراق إلى مرحلة حرجة ووضع خطير يهدد بانهيار الدولة.

لكن وعلى الرغم من الأزمات المتتالية التي طغت على أحداث العراق منذ 2003 ولحد الآن، فأن البلد قادر على أن يفيق من سباتهِ وينهض من غفوته إذا أتخذ غالبية صنّاع القرار فيه إجراءات سريعة وقدموا مبادرات تستند إلى رؤية ومصلحة وطنية وابتعدوا عن الصراعات السياسية الهدّامة وتنزهوا من أدوات تسقيط المنافسين.

فالخلاص من الأزمات لن يتمّ بين ليلةٍ وضحاها فهو يتطلب إرادة سياسية مخلصة وقرارات علمية وشجاعة من قيادة وطنية تعمل لأجل العراق وشعبه فقط، لذا من الواجب على من يتصدر إدارة الدولة أن يتمسك بالعمل المؤسسي ولا ينحاز للتفرد في اتخاذ القرارات، ولا ننسى الدور المهم للشعب في تقويم مسار عمل الحكومة من خلال المشاركة السياسية الفاعلة والواعية من أجل المساهمة في رسم مستقبل العراق، فالشعب كلما كان أكثر وعياً وأعلى ثقافة فأنه لن يسمح للانتهازيين في حكمه واللعب بمصيره.

والأهم من كل هذا هو السعي إلى إيجاد تعاون مثمر وبناء بين الشعب والحكومة من خلال القيام بأدوار تكاملية من شأنها سد الطريق على كل دولة أو جهة خارجية تحاول التدخل بالشأن العراقي لتحقيق غايات وأهداف تضر بالعراق.

إن وضع الحلول والمقترحات لمواجهة الأزمات يتطلب جهدا كبيرا وكمّا معرفيا واسعا تأتي في مقدمته معرفة جوانب الأزمة وأسباب حدوثها وتطورها ومن يقف وراءها ومن المستفيد منها ومن المتضرر من نتائجها، والاهم من ذلك تحديد آليات ناجحة للحد من تفاقمها والتخفيف من آثارها.

ولتسليط الضوء أكثر على الموضوع، تم طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الأول/ كيف تنظر إلى الأزمات في عراق 2020 ومن يتحمل مسؤوليتها؟

قلة الوعي السياسي

الدكتور عدي المفرجي، التدريسي في جامعة كربلاء: "واضح أن الفئة السياسية الحاكمة التي حكمت فيما مضى، هي من تتحمل المسؤولية المباشرة لتقصيرها عن التفكير بالوطن ومصالحه، أما بالصورة غير المباشرة فهم العاملون بالسياسة وولاة الأمر، فالعاملون بالسياسة تفكيرهم الأول هو مصلحتهم الشخصية والدول الداعمة لهم مع قلة ثقافتهم ووعيهم السياسي، وولاة الأمر من القادة ووجوه المجتمع والنخب الثقافية وغيرهم فقد ألجموا أفواهم عن قول الحق".

اختلال بنية نظام الدولة

الدكتور ميثم عنيدي علي: "إن طبيعة الأزمة في العراق سياسية بامتياز، وما يشهده العراق اليوم من مشاكل أو أزمات اقتصادية، أمنية، دستورية، فساد سياسي، تشكيل حكومة، صنع قرار،...الخ، ما هي إلا أعراض أو تداعيات للأزمة السياسية، وهي أزمة تكمن ببنية نظام الدولة السياسي، ومن ثم فهي أزمة اختلال بنيوي، أزمة تراكمية قوامها (المحاصصة والتوافقية) تعود أصولها إلى أول تشكيل حكومي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 9/4/2003 وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي في 13/تموز/2003، قائما على أساس المحاصصة الطائفية والتوافق السياسي، وهذا يعني أن جميع الحكومات اللاحقة لمجلس الحكم الانتقالي حملت في طياتها ذات البذور التي قام على أساسها المجلس الانتقالي من حيث المحاصصة والتوافق، وهذا ما عبرت عنه مجازا بالاختلال الهيكلي في بنية نظام الدولة السياسي. هنا بتقديري نكون قد شخصنا الآتي:

1- طبيعة الأزمة في العراق، وهي أزمة سياسية بامتياز باعتبارها أزمة رئيسية (متغير مستقل)، بيد أن الحكومات المتعاقبة لم تتعاطى معها كأزمة رئيسية، وهذا يفسر لنا الآتي- إما التنكر لوجود أزمة سياسية، أو عدم وجود رؤية سليمة وإدراك لطبيعة الأزمة، وعدم الجدية أو القدرة على إدارة الأزمة السياسية، إضافة إلى محاولة التعاطي مع أعراض وتداعيات الأزمة السياسية دون التعرض لجوهر الأزمة بحقيقتها كونها أزمة سياسية، ومع ذلك اتسمت بعدم الجدية.

2- أسباب الأزمة السياسية، اختلال بنية نظام الدولة القائم على المحاصصة والتوافق وهذا يفسر لنا الآتي:

- غياب صانع القرار السياسي بحكم مبدأ التوافق أدى إلى عدم اتخاذ القرارات أو تعطيلها.

- ضعف الأداء الحكومي في ضبط الجماعات المسلحة والمنفلتة، وحصر السلاح بيد الدولة.

- ضعف الأداء الإداري.

- ضعف الضوابط القانونية.

3- أعراض وتداعيات الأزمة السياسية في العراق: وهي أزمات اقتصادية، أمنية، دستورية، تشكيل حكومة، فساد سياسي ومالي وإداري، وهي أزمات ثانوية (متغير تابع)، تعاطت الحكومات العراقية معها وفقا بمنهج الإدارة بالأزمات أو افتعال الأزمات أو التعاطي مع الأزمة بعد وقوعها بعيدا عن اعتماد المنهج الوقائي. واتسمت أيضا بعدم الجدية.

4- أبعادها الزمنية: أي منذ أول تشكيل حكومي في 13/تموز2003 من قبل بول بريمر.

عليه، يمكن القول أن إصلاح بنية نظام الدولة كفيل بزوال الأزمات الأخرى، بعبارة أخرى أن زوال الأزمة السياسية كفيل بزوال تداعياتها وأعراضها".

أزمات مركبة منذ عام 2003

الدكتور سليم كاطع/ جامعة بغداد: "إن مراجعة تحليلية موضوعية لطبيعة الأزمات التي تواجه العراق، يقتضي التوقف عند حقيقة أن هذه الأزمات هي أزمات مركبة نظرا لما تعرض له العراق من تحديات وأزمات وفشل في إدارة الدولة منذ العام ٢٠٠٣ وحتى يومنا هذا، فضلا عن كونها أزمات متعددة الفواعل ما بين الفاعل المحلي (الداخلي)، والفاعل الخارجي سواء كان إقليميا أم دوليا.

ولا شك، أن ما تقدم جعل من تلك الأزمات أزمات شمولية بمعنى لم تستثني جانبا أو قطاعا ما من عمليات الفشل والتدهور، وهو فشل لامس الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والصحية.

فعلى المستوى السياسي، نجد ومنذ العام ٢٠٠٣، هناك أزمة فكر وإدراك لدى أغلب الطبقة السياسية لطبيعة التحديات التي تواجه الدولة العراقية، إذ أن العقلية السياسية التي حكمت العراق لم تكن عقلية بناء وإصلاح، بل كانت عقلية هدم وتصفية حسابات، وعقلية كانت ولا زالت تعيش في الماضي وإرهاصاته، وعليه، فإن الواقع يؤشر أن المسار الذي اعتمدته الطبقة السياسية في العراق منذ العام ٢٠٠٣ وحتى الآن لم يكن مسارا ديمقراطيا حقيقيا بقدر ما مثل شكل من أشكال تقاسم السلطة والنفوذ واحتكار أدوات ووسائل القوة لديمومة تلك المغانم والمكاسب بغض النظر عن كون تلك الوسائل شرعية أم لا، طالما كانت تضمن الاستمرارية والبقاء للأحزاب والشخصيات السياسية. ولعل ما يؤيد ذلك أن النظام السياسي في العراق بعد التغيير لم ينتج لنا مؤسسات ديمقراطية حقيقية، تكرس سيادة القانون والنظام في البلد، بقدر ما أنتج لنا نمو وتعزيز سلطة الطبقة السياسية وسلطة الأحزاب على اختلاف مسمياتها على حساب المصلحة الوطنية العراقية.

ووفقا لهذه الرؤية فلا غرابة أن يستشعر المواطن العراقي بصعوبة وخطر الأزمات التي يتعرض لها يوميا، كونها افرازات لما سبق من فشل وإخفاق مستمر في كافة المجالات، سياسيا عبر الفشل في إيجاد نظام سياسي مستقر وفقا لمبدأ تكريس الديمقراطية الحقيقية بالابتعاد عن منطق التغالب والمحاصصة، واقتصاديا بالفشل في إيجاد نظام اقتصادي متطور قادر على النهوض بواقع البلد والارتقاء به إلى مصاف الدول المتطورة، وأمنيا من خلال فشل الحكومات المتعاقبة على فرض سلطة القانون والنظام العام، وصحيا من خلال تدهور النظام الصحي في العراق وعدم قدرته على مواجهة التحديات الصحية التي تعصف بالبلد، وهو ما يدفعنا إلى الإقرار بصعوبة تلك الأزمات وخطورتها على حاضر العراق ومستقبله نظرا لغياب الرؤية الموضوعية والعقلانية، لكيفية التعامل معها من قبل الحكومة والمسؤولين على إدارة الوزارات المعنية".

الأزمات الاجتماعية هي أصل الأزمات

الدكتورة أسراء علاء الدين/كلية العلوم السياسية- جامعة النهرين: "لا يخفى على كل متابع للشأن العراقي أن الأزمة متلازمة نفسية عميقة ومتأصلة في طبيعة الشخصية العراقية لم يكد يخرج من أزمة حتى يدخل في أتون أخرى هي أشد وأدهى من أختها، وتعتبر الأزمات الاجتماعية هي الأصل في كل الأزمات الأخرى سواء كانت سياسية أو اقتصادية وهذا يعود للتركيبة الاجتماعية للمجتمع العراقي، لو تتبعنا الأحداث التي تلت احتلال العراق عام ٢٠٠٣ نرى أن الجدليات التي رافقت الاحتلال ثلاث جدليات وهي جدلية الداخل والخارج، وجدلية التوحد والتجزئة، وجدلية التعارض بين الهوية السياسية والهويات غير السياسية.

ففي الوقت الذي كنا ننتظر أن تأتي طبقة سياسية تنتقل بمجتمعنا المتنوع غير المنسجم إلى مجتمع متنوع منسجم. لكن الذي حدث أن جدلية الخارج تفوقت على جدلية الداخل، وجدلية التجزئة على جدلية التوحد، وجدلية الهويات الفرعية على الهوية الوطنية، وهذه لم تأتي اعتباطا بل كان مخطط لها ونفذت بأدوات مدربة ومؤدلجة، ولهذا نرى أن السياسي الشيعي وقف في البيت الشيعي وينظر للعراق من نافذة الشيعة والكُردي وقف في البيت الكُردي وينظر للعراق من النافذة الكردية وكذلك السني والتركماني. هذه جميعا أنتجت صورة مشوهة لدولة تفتقد كل مقومات الدولة وعملت هذه الطبقة السياسية على تأسيس سلطة بعيدا عن الدولة وكان ثمار هذا العمل: (عوز تشريعي، عجز خدمي، عوق مؤسساتي، عطب معرفي، عبث بالمال العام، عقم إنتاجي، عمى بالأولويات).

هذه الصورة للسلطة التي تأسست أنتجتها الأحزاب التي جاءت مع المحتل وخاصة الإسلامية منها، التي عملت من وقت مبكر على الإنفراد بالسلطة وإبعاد كل الشركاء والفرقاء فلا مشاكل الحكومة المركزية مع الإقليم تم تسويتها، ولا الإدارة المركزية للدولة تجاوزوا لإعطاء صلاحيات للمحافظات، وما استطاعوا إرضاء الجانب السني الذي تم استفزازهم بكل أنواع الاستفزازات من خلال قانون اجتثاث البعث الذي أصبح فيما بعد المسائلة والعدالة والتطبيق الانتقائي له أو من خلال الاعتقالات العشوائية بالمخبر السري واتهامهم بالبعث وغيرها. ولم يستفادوا من تجربة تفرد البعث بالسلطة وما ترتب عليها من مفاسد كبيرة.

هذه البيئة السياسية، أنتجت طبقة أخرى زاحمت أهل السلطة وهم أصحاب النفوذ الذين أصبحوا أقوى من الدولة والسلطة وتسلح أصحاب النفوذ بميليشيات مسلحة وسيطرت هذه الميليشيات على كل مفاصل الدولة وأصبحت هي الآمر والناهي.

وكان عام ٢٠١٤ ودخول داعش الفرصة الذهبية لهذه الميليشيات لشرعنة وجودها من خلال استغلال فتوى المرجعية والانضمام للحشد الشعبي تحت عنوان متطوعين لقتال داعش.

وعندما دخلنا عام ٢٠٢٠ كان البلد يشهد انتفاضة شعبية كبيرة بدأت المطالبة بالخدمات وتحولت إلى المطالبة بإسقاط الطبقة السياسية برمتها وحكومة جاءت من خلال انتخابات مزورة وميزانية خاوية، وأخيرا ظهور وباء كورونا".

الولاء بديلا عن الكفاءة

الدكتور حسين عليوي/ كلية العلوم السياسية- جامعة الكوفة: "الأزمة العراقية هي أزمة مدولبة تراكمية، بدأت منذ بداية تسعينات القرن الماضي بقرار خاطئ لتعصف بالمنتظم الأخلاقي والسلوكي للمنظومة السياسية وتتوج بالسقوط عام ٢٠٠٣، وللأسف سعى من امتلك السلطة إلى بناء منظومة حكم، سلطة وليست مأسسة الدولة بسبب التقوقع في هاجس الماضي، فمن كان في السلطة تعامل وكأنه لا يزال في المعارضة قافزا بالمريدين من فضاء الوطنية الواسع إلى المنتظم الضيق (العشيرة)، مدعوما بنصوص دستورية كتبت للعرق والطائفة والمكون، فكان عبارة عن نصوص متناثرة يشوبها الوهن التشريعي والغموض في الهدف ما أربك المنظومة القانونية، خصوصا حينما نص على آلية معقدة في التعديل ما أسبغ على الدستور الجمود وجرف معه التقنين إلى مآلات حرجة انعكست على الدولة ككيان، وأضاعت معها هيبة الإدارة المؤسسية برمتها، ما أفقد الدولة هيبة إطاعة النص وإبداله بتركيبات مجتمعية لا تتلائم مع التكوين الدستوري للدولة كمنتظم أساسه المواطنة وإطاعة القانون لتحل معه الولاءات الضيقة، وبالتالي خلقت أزمة مركبة انعكست على الأداء المؤسسي للإدارة التي جعلت الولاء بديلا عن الكفاءة ليراكم بذلك تعقيدات المشهد السياسي، وانعكس سلبا على الأداء في كافة جوانبه وخاصة الجانب الأمني الذي توج باجتياح إرهاب داعش لثلث أرض العراق بعد أن أفرزت السياسات الحكومية عمقا نفسيا في الذات العراقية قولبته في إطار نفسي مكوناتي وليس وطنيا، وبالتالي باعد بقصد أو دون قصد بين أطياف المجتمع العراقي خاصة بعد ظهور البون الشاسع في تركيبة العراقيين معاشيا، هذا كله أدى إلى إنشطارات مجتمعية عمودية وليست أفقية أنتجت جيوش من البطالة وسائرة بالمجتمع نحو ركود ذاتي اقتصاديا، مما وسع هذا التراكم في النفسية العراقية وخاصة من أجيال الشباب المتأثر بالانفتاح السيبراني ضد المنظومة السياسية مترافقا مع السياسات المبسترة والتي قفزت على الواقع العراقي لتعدد أوجه الأزمة العراقية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".

صراع الدولة واللادولة

الدكتور أسعد كاظم شبيب/عميد كلية العلوم السياسية-جامعة الكوفة: "ترجع الأزمات التي ضربت الدولة العراقية قبل وبعد عام 2003 إلى عناصر بنيوية مرتبطة بالأنظمة السياسية التي عرفها العراق فصراع الديمقراطية والشمولية، وصراع الدولة واللادولة، وصراع المدينة والريف، المواطنة والطائفية والعرقية، كان له تأثير واضح في مخرجات الأنظمة السياسية التي حكمت العراق، فولدت لنا أزمات لا تزال الدولة العراقية تراوح في خندق هذه الصراعات، بل تشعبت منها الأزمة السياسية منذ العام 2003 وإلى غاية هذا العام 2020 التي تضرب بالبلد حيث تكلسات السلطة وصراع الفرقاء وتحاصصهم على مغانمها، فإذا لم تحتاج الكتل والمجموعات السياسية الاستحقاقات القانونية، ذهبت إلى خيارات توظيف القومية والطائفية، ويساعد على إشعال الأزمات المذكورة الدعم الإقليمي والدولي الذي يبحث هو الآخر عن مصالحة عن طريق المجموعات العرقية والطائفية، والنتيجة لا تكون في النهاية إلا على حساب أمن واستقرار الدولة العراقية، ورفاهية شعبها".

الحكومات التي شكلها السياسيون

الدكتور أسعد البدري/جامعة تكريت: "الأزمات في العراق هي قديمة-جديدة، وبرزت في تسعينيات القرن الماضي بعد احتلال العراق للكويت 1991 وفرض الحصار الاقتصادي لمدة ثلاثة عشر عام ومارافقته من ضربات موجعة لعصب الاقتصاد العراقي واعتماده الكبير على برنامج النفط مقابل الغذاء (1996-2003). وبعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة 2003 ومارافق الاقتصاد العراقي جملة من التغييرات من حيث فلسفة النظام الاقتصادي الجديد ومارافقه من انفتاح وخصخصة لكثير من المرافق الاقتصادية، مما يعني انفتاح بدون قاعدة اقتصادية متينة ونسبة عالية من الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط دون الأخذ بنظر الاعتبار القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والتجارة والسياحة وغيرها، إذ بلغت حجم الصادرات النفطية للعراق (17.3) مليار دولار عام 2004 ونسبة الصادرات غير النفطية (0.02)% وازدادت نسبة الاعتماد على الصادرات النفطية عام 2019 لتصل إلى (96) مليار دولار لتكون نسبة الصادرات غير النفطية أقل لتصل (0.005) % وهذا مؤشر على عدم وجود أية سياسة تنموية مستدامة يستفاد منها البلد خلال السنوات (2003-2019).

فالأزمة الاقتصادية كارثية إذا ما قلت أسعار النفط وازدادت نسبة العجز في الميزانية في عام 2020، ومن يتحمل هذا الموضوع هي الحكومات التي شكلها السياسيون والتي امتازت بعدم شفافيتها وكثرة شبهات الفساد المالي التي رافقت الكثير منهم، هذا بالإضافة إلى الأزمات السياسية التي يعاني منها العراق نتيجة فشل العملية السياسية بين السياسيين أنفسهم وبينهم وبين الشعب العراقي بشكل عام".

الشعب والسلطة يتحملون المسؤولية

الدكتور جابر كاظم الحمداني: "الأزمة العراقية هي ليست أزمة ولدت الآن، وإنما هي موجودة منذ تأسيس الدولة العراقية، وبطبيعة الحال كل فترة زمنية لها شكل معين وظرف معين لأزمات معينة، وأنا اعتقد أن الأزمات بدأت تنعكس سلبا على العراق بشكل مؤثر بعد استلام البعث للسلطة بعد ١٩٦٨، وخصوصا بعد استلام صدام حسين للحكم عام ١٩٧٩، حيث كانت فترة حروب وحصار وحكم دكتاتوري، حكم بنظام الحزب القائد بالحديد والنار، انتهت بسقوط النظام على أيدي قوات التحالف عام ٢٠٠٣ والمجيء بالمعارضة العراقية من الخارج لإدارة حكم العراق بديمقراطية جديدة، وأصبحت أزمات العراق تأخذ منحى آخر، حيث أن الأزمة الجديدة يتحمل مسؤوليتها الشعب والسلطة على حد سواء، إذ السلطة قائمة على نظام المحاصصة الهادفة إلى بناء هياكل الأحزاب والكيانات السياسية ومصالح الأفراد بعيدا عن البناء المؤسسي للبلد وإشاعة حكم القانون، واستشراء الفساد الذي أكل الأخضر واليابس والشعب انشغل بفوضوية الديمقراطية بعيدا عن روح المواطنة التي مورست عليها برامج القتل والإضعاف منذ زمن النظام البائد، وأنتجت مواطن بدون مواطنة وكانت خياراته بالانتخابات غير موفقة، أنتجت طبقة سياسية فاسدة وأوغلت في فسادها بعدما وجدت أن الشعب غائب تماما عن محاسبتها حتى وصل الحال إلى ماوصلنا إليه الآن من دولة فاشلة منزوعة السيادة خاوية اقتصاديا وشعب نسبة الفقر فيه ٢١٪ حسب الإحصاءات الرسمية، والواقع هو أكثر من ذلك وخالي من البنى التحتية التي تمكنه من مقاومة أي ظرف طارئ".

غياب دراسة الأزمة والتخطيط لها

الدكتور مناضل عباس حسين الجواري (كلية الادارة والاقتصاد-جامعة كربلاء): "يعاني العراق نصيب أكبر من الأزمات سواء كانت أزمات خارجية أم داخلية، فالعراق كسائر البلدان النامية مكان لتصريف الأزمات، ولكونه بلدا نفطيا فإن التقلبات في أسعار النفط العالمي من جهة، واعتماد سياسات نفطية من قبل بعض الدول النفطية في السوق النفطي، لها تأثيرها الواضح في الاقتصاد العراقي وفي اهتزاز وعدم انتظام القدرة المالية ونظام التمويل المالي فيه على معظم الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، إذ أن الاقتصاد العراقي اقتصاد هش غير محمي بسياسات الحماية الاقتصادية ولكونه رغب في الاعتماد على الاستيراد من الخارج تاركا قطاعاته الاقتصادية راكدة دون تنمية أو تطوير، أي غياب التنمية الاقتصادية الحقيقية التي يفترض لها أن تنبع من الداخل وليس من الخارج، حيث أن النسيج التكنولوجي الضعيف للاقتصاد العراقي جعله مرتعا للازمات المتعددة التي تعصف بكيانه من زمن بعيد، فهل هناك يا ترى ثوابت في السياسة الاقتصادية في العراق ومصدات للازمات المختلفة، التي تتطلب اقتصاد نوعي غير متخصص بإنتاج مادة واحدة أولية أو استخراجية على الأغلب؟، فالمشاكل الاقتصادية أو الأزمات تنتج بنقص ما في الاقتصاد وعدم كفايته، وهناك أيضا مصطلح الصدمات الاقتصادية، وصدمات العرض، وصدمات الطلب، والصدمات النقدية وغيرها كثير، والصدمة تعني تغير في متغير ما صعودا أو نزولا وانعكاساته على مجمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فإذا أراد بلد ما مثلا بلدنا العراق التخلص من الأزمات والمشاكل المختلفة، عليه بوضع الحلول والمعالجات سلفا قبل حلول الأزمات أي دراسات مسبقة لحدوث الأزمة أو المشكلة والتخطيط لها، وهنا يدخل التخطيط الاقتصادي من الباب وليس من الشباك".

العجز عن تقديم مشروع سياسي ناجح

الدكتور ميثاق مناحي العيسى/جامعة كربلاء: "أصبحت الأزمات في العراق ما بعد 2003 سلوك ملازم للعملية السياسية العراقية؛ نتيجة للإخفاقات والسلوكيات التي تعتمدها القوى السياسية العراقية على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالأزمة السياسية الحالية وأزمة تشكيل الحكومة، فضلا عن أزمة الخروقات المتكررة للسيادة العراقية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والفصائل الشيعية، وضعت الدولة العراقية في موقف حرج جداً على الصعيدين المحلي والخارجي، وهذا قد تترتب عليه تداعيات كبيرة جدا، ربما تدفع ثمنها القوى السياسية الشيعية بشكل خاص، لأن من يتحمل هذه الأخطاء التاريخية التي ترتكب يومياً سواء ما يتعلق منها بأزمة تشكيل الحكومة المؤقتة وقمع المتظاهرين أو ما يتعلق بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالدرجة الأولى هي القوى السياسية الشيعية. وهذه القوى ما تزال عاجزة عن تقديم مشروع سياسي ناجح يمكنه أن ينتشل العراق من عمق الفشل وحالة عدم الاستقرار".

العوامل الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية

الدكتور محمد الخاقاني/وزارة الخارجية: "حقيقة لا يمكن النظر للأزمات المتتالية في العراق إلا من خلال العودة إلى الوراء وتحديدا منذ التغيير في عام ٢٠٠٣ وما نجم عنها من أحداث وتداعيات أثرت بشكل كبير في الوضع العراقي، فمن أزمة إلى أخرى يدخل البلد مع تراكمات قديمة مع عدم محاولة لإيجاد الحلول بشأنها أو على الأقل معالجتها، فكل أزمة تولد معها أزمات جديدة وتترك تلك الأزمات من دون حلول جذرية للتعامل معها وهكذا نجد كم هائل من الأزمات التي تركت إنطباعا لدى الشعب العراقي بشأن عدم جدية القوى السياسية والشخصيات التي تولت حكم البلد خلال المدة الماضية، وبالتالي أصبحنا نواجه في كل يوم أزمة جديدة، فإذا ما تناولنا الأزمات المتأصلة فإننا نعزو السبب إلى عوامل ودوافع سياسية بالدرجة الأولى مع الأخذ بنظر الإعتبار حجم المتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيراتها المباشرة على الوضع داخل العراق، كل تلك العوامل كانت أساس الأزمات، ولذلك يمكن أن نقسم الأزمات إلى سياسية وما نتج عنها من إنسداد في أفق الحل للأزمة الحالية، وتأثيراتها في إختيار رئيس وزراء يعمل على تشكيل وزارة بعيدة عن المحاصصة المتعارف عليها منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية الآن، وهذا ما يتجلى بمطلب الساحات المنتفضة منذ شهرين تشرين الأول ٢٠١٩ ولغاية الآن مع عدم مغادرة القوى والأحزاب السياسية المتنفذة والماسكة بخيوط اللعبة السياسية لتلك العقلية التي حكمت البلد.

ومن الجانب الآخر، نرى بأن أسباب الأزمات في البلد لا تعزى فقط لتكالب القوى والكتل السياسية في تأثيرها السياسي، وإن كان ذلك العامل هو المؤثر والمحرك لكل الأزمات المتتالية، بل يمكن القول، بأن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية لها من التأثيرات المباشرة في خلق الأزمات الواحدة تلو الأخرى، فالبطالة المقنعة وانعدام فرص العمل وتزايد أعداد الخريجين وحملة الشهادات العليا كلها عوامل مؤثرة في تزايد الأزمات مع عدم إغفال الجوانب المجتمعية الأخرى المتمثلة في تزايد أعداد السكان مع عدم توافر متطلبات السكن الجيد والمناسب للعوائل وانخفاض القدرة الشرائية لهم أدت بالنتيجة إلى تضخم الأزمات مع عزم إيجاد الحلول المناسبة للتعامل مع تلك المشاكل، وبالتالي عدم وجود إستراتيجيات معتمدة من قبل الحكومات المتعاقبة من أجل الحل الشامل للأزمات التي تعاني منها الدولة".

تحطيم جسور الثقة

الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: "الأزمة العراقية التي تولدت منها باقي الأزمات تمثلت في الصراع الشرس على السلطة والاستحواذ على الموارد لما بعد ٢٠٠٣ ومحاولة كل جهة من الكتل السياسية بمختلف مشاربها استخدام مالديها من نفوذ دولي وإقليمي لضرب خصومها مما ولد صراع إقليمي ودولي في داخل الساحة العراقية، وتولدت أزمات العداء الشخصي بين زعماء بعض الكتل بناءا على مواقف المعارضة أو الدعم لتولي رئاسة مجلس الوزراء في أغلبها. ومن هنا، تحطمت جسور الثقة بشكل كبير بين أغلب تلك الكتل السياسية التي لم تنفع معها العديد من محاولات لم الشمل كميثاق مكة ومؤتمر أربيل وغيرها، ولم تفلح الضغوط الخارجية في كسر حاجز العداء بين بعض الشخصيات السياسية.

هذه الأزمات الشخصية الناتجة من فقدان لأغلب زعماء العمل السياسي في العراق لروح الديمقراطية الجديدة، ولد ارتدادات كبيرة تعثر من خلالها الاقتصاد واستفحل وباء الفساد كجزء من منظومة الدعم لبعض الجهات المتمحَورة حوله الطبقة السياسية وتشظت القوانين وارتخت قبضة العدالة في تنفيذ الدستور، مما سبب أزمات متتالية ومتراكمة اقتصادية وأمنية واجتماعية".

الافتقاد لمشروع الدولة

الدكتور حسين أحمد السرحان الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: "يمكن النظر للازمات في العراق على أنها أزمات مركبة، أي أن عوامل الأزمة (عناصرها) متعددة، وبالتالي تكون تداعياتها متعددة أيضا وتتوزع على مجالات عوامل وعناصر الأزمة. فإذا ما تأملنا في أزمات البلاد بعد عام 2003 نجد أن هناك عامل قائد للأزمة ويحرك عناصرها وهو العامل السياسي وهو من يحرك عوامل الأزمات الأخرى وأهمها الامنية والاقتصادية. عليه يمكن القول أن السلطة والأحزاب والقوى السياسية المشتركة في إدارتها هي أساس المشكلة كونها بدون هدف ولا تنظر سوى الأمام بأطر ضيقة على كافة المستويات وبما يخدم مصالحها الحزبية والشخصية. بعبارة أخرى فاقدة لمشروع الدولة وبالتالي لا تدرك ما هي هوية الدولة المراد بنائها بعد عقود من الدكتاتورية. فضلا عن ذلك، لا ننسى تنوع العوامل الإقليمية والدولية السياسية والاقتصادية والأمنية وتأثيرها على تعقيد الأزمات في العراق. وهذا شيء طبيعي، فالهشاشة الامنية والسياسية تدعو صناع القرار في الدول المجاورة والدول المؤثرة إقليميا ودوليا (الفواعل) إلى العمل لضمان مصالحها وبما يؤمن أمنها الوطني عبر جعل البلد الهش ضمن أوراقها السياسية والأمنية.

كذلك، وفي إطار العمل على ضمان مصالحها الفئوية الضيقة، لم تكتفي القوى السياسية بالعمل على كونها عناصر في النظام السياسي الحاكم، بل بحثت عن دور أوسع في إطار سباق تأمين المصالح عبر تشكيلها – في اغلبها – إلى خلق فواعل غير حكوميين على المستوى الأمني وأنشأت مليشيات مسلحة جزأت المفهوم العام للأمن، وشلت المؤسسات الامنية في الدولة كونها هي صاحبة الحق في الإكراه واستخدام القوة. وتصاعدت قوة تلك المليشيات في إطار القتال ضد داعش. واليوم هي تمارس تأثير سياسي كبير وتسعى لأن تكون ذا دور موازي للدولة على مستوى السياسية الخارجية والسياسيات الامنية.

أزمات متنوعة وحلول فاشلة

الكاتب علي حسين عبيد/ شبكة النبأ المعلوماتية: "يمكن تصنيف أزمات العراق إلى أنواع كثيرة بحسب مجال حدوثها، كالأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها.. لكن هناك توصيف الأزمة من حيث الحجم والتأثير، أي هناك أزمات كبيرة وأخرى متوسطة وثالثة صغيرة، والعراق يحتوي على جميع هذه الأنواع، فمثلا بمجرد تمطر السماء بغزارة تغرق الشوارع وتطفو البيوت فوق المياه بسبب ضعف شبكات التصريف والمتوسطة مثل تهديد مدينة البصرة بالماء الملوث، وما يتعرض له العالم والعراق لوباء كورونا، فإذا سلّمنا بعجز الحكومة عن معالجة النوع الصغير من الأزمات فماذا نتوقع منها تجاه الأزمة المتوسطة والكبيرة؟، لهذا فإن من يتحمل مسؤولية أزمات العراق هو الحكومة أولا وثانيا وثالثا".

ضعف الوعي والمسؤولية

الدكتور حيدر آل طعمه الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: "نعتقد بأن أزمات العراق عام ٢٠٢٠ مركبة وأكثر تعقيد من أزمات حادة مر بها البلد، تضافرت عوامل خارجية وداخلية في تعقيد المشهد السياسي والأمني والاقتصادي مع بوادر نهوض ووعي شعبي لم تسانده الظروف في قلب المعادلات الحاكمة منذ عام ٢٠٠٣، ويتحمل رزايا الوضع الراهن كافة القوى السياسية المدعومة إقليميا وجزء من المسؤولية تقع على الشعب لضعف الوعي والمسؤولية تجاه قضايا عليا منها الانتخابات".

بيئة مناسبة لاستقبال الأزمات

الأستاذ حامد الجبوري الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: "هذا الوضع المُنتج للأزمات أصبح في العراق بيئة مناسبة لاستقبال الأزمات الخارجية لسببين:

الأول: العولمة وترابط العالم بشكل وثيق بواسطة إزالة الحدود وثورة المعلومات والاتصالات.

الثاني: اعتماد العراق في تمويل اقتصاده بشكل كبير على النفط الخاضع لمحددات دولية وليس محلية.

ولولا البيئة المناسبة لاستقبال الأزمات من جانب، ولولا العولمة والنفط من جانب آخر، لما انتقلت آثار فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط بشكل سلسل للعراق".

سوء إدارة الدولة

حيدر الاجودي الكاتب في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: "الحقيقة أنّ العراق في أزمة جليّة لا يمكن لكلّ منْ يملك بصراً وبصيرة أن يُنكرها، وعليه لا بدّ بداية من أن نتّفق على وجود الأزمة؛ لأنّ هذا الاتّفاق من أهمّ عوامل الوصول إلى حلحلة الأزمة، فإن من أعظم الروافد المغذّية للأزمة العراقيّة المركّبة بسبب (العمليّة السياسيّة) المعترف بها من قبل دول خارجية؛ ولهذا ليس من السهولة الطعن بشرعيّتها، رغم قناعة غالبيّة تلك الدول بالخلل الواضح في إدارة الدولة. لكن يبدو أنّ تلك الدول قدّمت مصلحتها على حساب مصلحة العراقيّين الذين يعانون من تداعيات أزمات بلادهم المُتداخلة، لذا فالأزمة العراقيّة بحاجة إلى عمليّة تفكيك وتركيب، وأثناء مرحلة التفكيك (غير السهلة وغير المنظورة حالياً) ينبغي تطبيق القانون وتنفيذه على الجميع ومحاسبة كل مقصر، سواء من المشاركين في العمليّة السياسيّة، أو غيرهم، وضرورة إنزال العقاب القضائيّ اللائق بكل مخالف".

وطرح مدير الجلسة الإلكترونية أمام المشاركين بـ

السؤال الثاني: ما الحلول المقترحة لمواجهة الأزمات التي يعاني منها العراق؟

الدكتور عدي المفرجي: "الحلول كثيرة منها، التفكير خارج الصندوق بتشكيل حكومة مستقلين وحكومة كفاءات وحكومة الشباب وحكومة الجامعيين المكونة من الأساتذة المستقلين".

الدكتور ميثم عنيدي "هناك سيناريوهات مقترحة بهذا الصدد:

المشهد الأول: عبر إعادة بناء الدولة على اعتبار أن واقع الأزمة يكمن في بناء الدولة السياسية، ومن ثم فان إعادة البناء كفيل بتجاوز الأزمات. ولكن ما هي احتمالية نجاح هذا السيناريو؟ وهل يمكن بلوغه ضمن الأطر الدستورية ومفهوم الشرعية والمشروعية في ظل واقع التحديات الداخلية والخارجية؟.

المشهد الثاني: عبر تصحيح مسار بناء الدولة السياسي ضمن الأطر الدستورية ومفهوم شرعية ومشروعية العمل السياسي من خلال الانتخابات وعبر اعتماد آلية تقتضي تشريع قانون انتخابات جديد قائم على أساس الانتخاب الفردي ذات الدوائر المتعددة وهذا يتضمن الآتي:

- تشكيل حكومة تصريف أعمال.

- إعلان انتخابات مبكرة.

السؤال هنا، ترى هل بالإمكان إصلاح بنية نظام الدولة السياسي في ظل المتغيرات الآتية:

- غياب صانع القرار السياسي.

- طبيعة بناء الدولة السياسي.

- مصالح القوى الحزبية وقادة الكتل السياسية.

- المتغير الخارجي سيما (الولايات المتحدة، إيران)؟".

الدكتور سليم كاطع "إن خطورة الأزمات الحالية في العراق تؤشر حقيقة أن معالجة تلك الأزمات والمشكلات لن يكون بالأمر اليسير، ولن نتوقع حلول تكون نتائجها ملموسة بصورة سريعة، إلا أن ذلك لا يعني فقدان الحلول وعدم القدرة على مواجهة تلك التحديات والنهوض من جديد، ومن ثم فأن محاولة وضع الحلول والمعالجات الآنية والمستقبلية لها يستدعي أولا وجود طبقة سياسية على قدر كبير من الحكمة والعقلانية في التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية، وهو ما تفتقده الطبقة الحالية، إذ لا يمكن للفاشل أن يكون سببا للنجاح، وأن يأتي بالحلول، فضلا عن إيجاد نوع من التوازن في توجه الحكومة العراقية القادمة تجاه التحديات المحلية والإقليمية والدولية، وبما يضمن مصلحة العراق أولا وأخيرا، وهو ما يقتضي أولا إبعاد جميع الأطراف الفاشلة والفاسدة من العملية السياسية والتي جربها الشعب العراقي منذ العام ٢٠٠٣ وحتى يومنا هذا، من خلال وجود وعي وتثقيف شامل لمختلف فئات الشعب العراقي بضرورة التغيير نحو الأفضل كونه الضمانة الحقيقية لحياة حرة كريمة للأجيال القادمة، من خلال اختيار الأشخاص الذين يتحلون بالنزاهة والكفاءة والإخلاص. فالتغيير نحو الأفضل لا يمكن أن يكون مستوردا من الخارج، بل يجب أن يأتي من الداخل، يلبي حاجات الشعب وهمومه، وصولا إلى شاطئ الأمان".

الدكتورة أسراء علاء الدين: "لا يوجد بالأفق حل إلا بإسقاط هذه الطبقة السياسية من خلال تطور الانتفاضة وانضمام جميع قطاعات الشعب لها أو من خلال تدخل أممي متمثل بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، خاصة وأن الحكومة العراقية انتهكت المادة ٢ من ميثاق العهد الدولي التي تنص على سقوط ضحايا جراء سوء استخدام السلطة والذي يترتب عليها إعادة العراق للفصل السابع".

الدكتور حسين عليوي: "تتطلب الأزمات حلولا تبدأ من إعادة هيبة المنتظم السياسي للدولة عن طريق السلوك الحكومي المستند على تجاوز دور كل عثرات التجربة العراقية بعد عام ٢٠٠٣، ويجب أن تكون عند ذاك للفرد التراتبية الأولى في سلم اهتمامات الحكومة بعيدا عن الفضاءات الضيقة (المكون، العرق، العشيرة)".

الدكتور أسعد شبيب: "من ضمن الحلول المقترحة للمعالجة، نكران الذات وتقديم التنازلات لمصلحة الدولة العراقية، وهذا سيكون بمثابة مقدمة لتأسيس عقد سياسي واجتماعي جديد يقدم مصلحة الوطن على المصالح المكون والحزب، ويحقق الشفافية في التداول السلمي للسلطة، وفق أسس مواطناتية مقننة، تبعد شبح الصراعات المذكورة في أعلاه عن الدولة العراقية وتضع الجميع أمام فيصل واحد وهو سيادة القانون".

الدكتور أسعد البدري: "يمكن طرح مجموعة من الحلول لمواجهة الأزمات:

أولاً: إجراء انتخابات حرة بإشراف أممي لجميع الدوائر الانتخابية في العراق واستبعاد كافة الأجهزة الأمنية من الدخول للانتخابات واقتصار جهودهم على خدمة الدولة.

ثانياً: تشكيل حكومة طوارئ لمواجهة الأزمات التي يمر بها البلاد تحظى بقبول شعبي عبر استفتاء عام وبرعاية الأمم المتحدة.

إن فشل تشكيل الحكومة وعدم سيطرتها على الوضع الأمني يعني رجوع العراق مجددا إلى الفصل السابع من جديد، مما يعني التدخل الاممي المباشر في إدارة مرافق البلد من جديد وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية".

الدكتور جابر الحمداني: "أعتقد أن الحل يكمن أولا بيد الطبقة السياسية بأن تستفيد من تجربة الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في ٢٠١٩/١٠/١ مع كل ملاحظاتنا على بعض ما صدر عنها وإعادة النظر بأدائها السياسي على المستويين الداخلي والخارجي والحصول على شرعية الحكم من خلال ما تقدمه من انجازات للشعب والوطن تعود بالنفع عليهما والطرف الآخر بالحل، هو أن الشعب يحسن اختياره في انتخابات المرحلة القادمة ويتخلى عن الفئوية والعشائرية والطائفية في اختياره والطرف الثالث بالمعادلة هو منظمات المجتمع المدني الفاعلة التي يجب أن تعمل على بناء وتعزيز روح المواطنة لدى الشعب".

الدكتور مناضل الجواري: "إن حل المشكلات الاقتصادية والتصدي للازمات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني في العراق وغيره من واجب الحكومة، وان الحمل الاقتصادي يصبح ثقيلا في حالة تدهور أو انخفاض أسعار النفط، الأمر يخلق مشاكل مزدوجة داخل الاقتصاد، كون النفط المصدر الرئيس للتمويل والإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري، والإنفاق على الصحة في ظل ما يسمى اليوم (فيروس كورونا) المثير للجدل، فعلى الحكومة تبني سياسات اقتصادية والتفكير باستغلال موارد أخرى إلى جانب النفط (مصادر تعدينية) أخرى لتوفير مورد اقتصادي آخر دون النفط".

الدكتور ميثاق مناحي: "حقيقة الأمر الحديث عن الحلول للازمات السياسية في العراق سهل جدا، لكنها صعبة التحقيق؛ لكونها مرهونة بإرادة القوى السياسية بشكل عام. إلا أن حل أزمة تشكيل الحكومة المؤقتة والاستجابة لمطالب المتظاهرين، يمكن أن يكون مفتاح للازمة السياسية الراهنة بشكل كبير، وهذا من شأنه قد يسهم في حل الأزمات والإشكاليات الأخرى المرافقة لها، ولاسيما أزمة التصعيد العسكري بين الفصائل الشيعية والولايات المتحدة. أما آليات حل الأزمة فلا يمكننا الخوض بها نظرياً؛ لأنها تتعلق بدهاليز وإرادات ومشاريع قوى سياسية فاسدة وفاشلة بدليل وبالمنطق وبالتجربة".

الدكتور محمد الخاقاني: "مع ازدياد حجم الأزمات وتداعياتها بشكل فعال على مسيرة البلد من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإننا يمكن أن نشخص مجموعة من الحلول لتجاوز الأزمات التي يعاني منها البلد:

1- العمل على تشكيل مجلس أعلى لإدارة الأزمات.

2- العمل على وضع إستراتيجية واضحة للحكومة المقبلة لمعالجة الأزمات المستدامة وخلال مدة مستقبلية لا تتجاوز 10 سنوات.

3- إيجاد آليات جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة وخصوصا في التعليم والصحة وجعل مدخلاتهما ومخرجاتهما تتناسب مع حاجة السوق.

4- العمل على تشجيع وتنمية القطاع الخاص وبما يتناسب مع التوجهات الإقتصادية للبلد لمعالجة الآثار السابقة الناتجة عن عدم وضع الخطط الكفيلة الداعمة لتعزيز فرص القطاع الخاص والمباشرة في وضع الخطط الاقتصادية الطموحة وللمرحلة القادمة وبشكل خطط تنموية تمتد لمدة 10 سنوات لكل مرحلة".

الأستاذ عدنان الصالحي: "الحل يقع في تطبيق الدستور مهنيا لا سياسيا، وإنفاذ القانون بلا مجاملة وتقوية القضاء وتركه يبطش قانونيا بعمالقة الفساد وأتباعهم وإيقاف مسلسل التوافقات التراجيدية، وعندها سيعيد المواطن العراقي الثقة بالعملية السياسية ويكون مدافعا عنها، وبخلاف ذلك قد يتركها تواجه مصير مشابه لمصير النظام السابق إن لم يجد المواطن نهاية لأزماته".

الدكتور حسين السرحان: "لابد من التأكيد في الوقت الحاضر على إجراء انتخابات قائمة على ضمان مشاركة الأحزاب الجديدة التي ستشكل في المرحلة القادمة والترشيح الفردي، وبشفافية ونزاهة بعيدا عن تأثير السلاح وأموال الفساد، وهي بالتأكيد ستنتج لنا قوى سياسية غير الموجودة حاليا وبنسبة تغيير كبيرة جدا، في برلمان جديد.

وأن تعمل القوى الجديدة على إعادة النظر بالدستور وحسم هذا الملف وفق مصالح البلاد وبالاستفادة من تجربة الأعوام الماضية على المستوى القانوني والسياسي والاقتصادي وباقي المجالات. وان تنتهج نهجا واضحا يضع العراق أولا على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية للعراق.

أما على المستوى الأمني، هذه القوى تحتاج إلى أن تتفق على تجميد أو إلغاء قانون هيئة الحشد الشعبي ودمج عناصرها في القوات الامنية وان تتولى القوات الامنية السيطرة الفعلية على الحدود البرية وكامل إقليم الدولة. وأن تتوفر إرادة وطنية باتجاه مواجهة أي فصيل أو مليشيا تريد أن تعمل خارج نطاق الدولة وبشكل حساس كما جرى التعامل مع داعش. علما انه تجربة داعش وقرار مواجهتها تُفيد لنا بأنه بالإمكان بلورة قرارات وطنية في مواجهة الأخطار الوجودية التي تهدد وجود الدولة. وبموازاة ذلك، يتم العمل على منهجية إصلاح اقتصادي بالإفادة من الاستراتيجيات العديدة التي وضعتها مؤسسات الدولة ولم تنفذها، ووضع خطط عمل لتفعيل دور القطاع الخاص من خلال إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في العراق وهو مكتمل الإعداد كمشروع قانون لدى الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

الكاتب علي حسين عبيد: "إذا لم يتم معالجة الأسباب من جذورها لا يمكن التصدي لهذه الأزمات بنجاح، أما الأسباب فهي تأتي في شقّين خارجي وداخلي، معالجة الأول تعتمد على معالجة الثاني، أي أن الأسباب الخارجية التي تساهم بل تصنع الأزمات العراقية لا يمكن معالجتها إلا بعد معالجة الأسباب الداخلية التي تتلخص بالتالي: ما لم يتم تحرير القرار السياسي العراقي من التدخل الخارجي وتحرير الإرادة الوطنية من التدخلات الإقليمية والدولية لا يمكن معالجة الأزمات العراقية بكل أنواعها، بصريح العبارة ووضوحها، العراق يحتاج إلى طبقة سياسية ذات حس ونهج وفكر ومبدأ وطني بحت يضع مصلحة العراق فوق المصالح الذيلية بنوعيها الإقليمي والدولي، وهذا مرهون ببناء طبقة سياسية من أحزاب وحركات لها القدرة على صناعة قرار وطني حر يحمي العراق من الأزمات بكل أشكالها".

الدكتور حيدر آل طعمه: "لا توجد حلول جاهزة ومناسبة للتحديات المركبة، لكن قد يكون اقتراح التركيز على حلول الأجل القصير أكثر نجاعة خصوصا في الجانب الاقتصادي، لأن خلط الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل قد يضعف كافة الأهداف، وبالتأكيد لن يتحقق شيء يذكر دون حكومة قوية بعيدة عن سطوة الأحزاب قادرة على فرض القانون وإجراء إصلاح حقيقي يبدأ من مكافحة الفساد".

الأستاذ حامد الجبوري: "إن الأزمات المتراكمة المتجددة لا يمكن علاجها بيوم وليلة، أي أنها تحتاج لوقتٍ من الزمن ليتم تلافيها، ويمكن القول، إن الانطلاقة الصحيحة لعلاج الأزمات هو الاستثمار في التنمية البشرية ووفق ثلاثة جوانب:

الجانب الأول، الاستثمار في التعليم، وذلك من خلال خطة متكاملة للنهوض بالقطاع التربوي والتعليمي، لأن التعليم هو القوة وليس من يمتلك المال كما كان سائداً، وهو يستطيع التغلب على الأزمات المتراكمة ومواجهة الأزمات القادمة.

الجانب الثاني، الاستثمار في الصحة، إذ أن العمل على بناء إنسان معافى بدنياً وسليم عقلياً سيكون قادرة على تشخيص مواطن الضعف ومواطن القوة، فيكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات بشكل عقلاني.

الجانب الثالث، الحرية الاقتصادية، أي العمل على إتاحة الفرصة الاستثمارية للقطاع الخاص، أفراداً وشركات، بشكل عادل ونزيه بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية، بالتزامن مع تمكين القطاع الخاص الذي لا يمتلك المؤهلات الكافية حتى يستطيع أن يشارك في استثمار الفرص الاقتصادية المتاحة، وبهذا يكون الاقتصاد تشاركي وليس إقصائي.

حيدر الاجودي: "العلاج الأنجع للأزمة العراقيّة تتمثل: أولا في إبعاد ومحاسبة كل الأطراف الفاسدة والفاشلة والتي أجرمت بحق العراقيين لأكثر من سبعة عشر عاما، وثانيًا في اختيار الأشخاص الأكفاء بتشكيل لجنة تحقيق وطنيّة مستقلّة، مهنيّة، لتشخيص أسباب الأزمة، وتحديد كافّة المسؤولين عنها، ثمّ بعد ذلك يكون القول الفصل للقضاء، وحينها يمكن أن نتلمّس بعض خيوط الأمل لحلّ الأزمة المعقّدة، وثالثا العمل على خلق عراق ديمقراطي مستقر وموحد ومنيع يحفظ حقوق كل أبناءه من شماله إلى جنوبه، ويسخر ثرواته الهائلة لخدمتهم".

وفي ختام الملتقى يتقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان حسين اللاوندي، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2020Ⓒ

اضف تعليق


التعليقات

د.حسن تركي الاوسي
العراق
ان ادارة الازمات يتطلب ارادة سياسية وشعبية من قبل جميع القوى الفاعل في المجتمع وفي حال اتفاق الارادتين يمكن اصلاح الحال وتجاوز الازمات بكل انواعها ... وفيما يتعلق بالعراق فالامر يتطلب مراجعة دقيقة وموضوعية للدستور لانه كتب في ظروف استثناية وبعقلية المظلومية والمعارضة واقصاء الاخر مما ادى الى تغليب المكونات على الانتماء الوطني... لذا ارى من المناسب في الوقت الحال الى مراجعة عامة ومن قبل مختصين في القانون الدستوري والنظم السياسية غير المتحزبين والطائفيين ان يتناولوا هذه المراجعة للدستور النافذ ... اما بالتعديل او بالتجديد... لغرض حل الازمات وبناء المؤسسات وسيادة القانون وضمان الحقوق للجميع .2020-04-21