q
سواء كنا أشخاصاً متعلقين بجذورنا أم لا، نحتاج للشعور مع مرور الوقت بأننا أشخاص مفيدين وأن حياتنا ذات قيمة. أسئلة مثل ما هو المعنى الحقيقي لحياتي؟ ما هي ماهيتي؟ تعتبر حاسمة من أجل صحتنا النفسية. بالنظر إلى الأوقات الصعبة التي نعيشها أصبحت تلك الأسئلة أكثر...
بقلم: ليندا بريم

الوصول إلى المصادر التي تعطي معنى لحياتنا، يساعدنا في التعامل مع شعورنا المتزايد بحالة عدم الأمان في حياتنا وعائلتنا وعملنا

سواء كنا أشخاصاً متعلقين بجذورنا أم لا، نحتاج للشعور مع مرور الوقت بأننا أشخاص مفيدين وأن حياتنا ذات قيمة. أسئلة مثل "ما هو المعنى الحقيقي لحياتي؟ ما هي ماهيتي؟" تعتبر حاسمة من أجل صحتنا النفسية. بالنظر إلى الأوقات الصعبة التي نعيشها –والتي تسيطر عليها حالة عدم اليقين من الناحية الاقتصادية وتنامي التعصب للقومية وأزمة المناخ التي تلوح بالأفق– أصبحت تلك الأسئلة أكثر أهمية مع فقداننا للشعور بالأمان.

من أنا؟ ما الذي أصبحت عليه؟ هل يعجبني ما أراه؟ عندما نتأمل بالمراحل المختلفة لحياتنا، هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على طريقة رؤيتنا للأمور. وهي مزيج معقد من القوى الشخصية والمهنية والاجتماعية والثقافية والعلاقاتية، تساهم في تحديد وإعادة تعريف المعنى الشخصي في حياتنا.

المواطنون العالميون، وهي مجموعة من الأشخاص حول العالم قمت بإجراء بحث عنهم من أجل كتابين أصدرتهما مؤخراً (والثالث سيصدر قريبا)، هم عبارة عن مجموعة من أصحاب المواهب والحاصلين على درجات علمية عالية ويتحدثون عدة لغات، والذين عاشوا وعملوا ودرسوا لفترة معينة في فترات ثقافية مختلفة. ساهمت تلك الخبرات من توسيع مداركهم التي مع كل منعطف من منعطفات الحياة يواجهون تغيرات والطريقة التي تؤثر فيها على جوانب مختلفة من حياتهم.

عند اختبار التحديات التي تنطوي عليها الحياة حول العالم -وحصد فوائدها- يتخذون قرارات معقدة كونها تخلق فصول جديدة من حياتهم تؤثر أيضًا على المعاني المختلفة لها. فبالنسبة لهم المعنى الذي يبحثون عنه بعيد كل البعد عن أن يكون ثابتاً.

في حين أن كل جزء من حياتنا يعتبر شخصي وقابل للتطور، فإن التحدي المتمثل في الحفاظ على معنى لحياتنا يكون أكثر وضوحاً بالنسبة للمواطنين العالميين بشكل خاص. فمن دون القاعدة الاجتماعية للثقافة الواحدة، والتي تساعد على تحديد المعنى الذاتي، يواجهون مهمة ابتكارية وغالبًا ما تكون صعبة لابتكار بدائل. في بعض الأحيان ومن دون إدراك ذلك، يكافح هؤلاء الأشخاص لتوحيد حياتهم المهجنة ثقافياً بطريقة متماسكة، مفسحين بذلك الطريق أمام مجموعة أكبر من الأشخاص لا تشملهم هذه الدراسة.

كي تتعلم مجموعة أكبر من الأشخاص من خبرات المواطنين العالميين، حاولت ذكر وشرح عدة مصادر حول المعنى الشخصي وتعريفه. تلك المصادر معقدة ومتشابكة. وبغض النظر عما نكون، فإن القصة التي تحدد هويتنا محبوكة بعناية من خلال التزامات وعلاقات ووجهات نظر متغيرة. يمكن أن يبدأ ذلك بتقديم قائمة مؤقتة كون الأشخاص ينظرون إلى خلق فصل جديد من حياتهم.

الهوية: في حين أن الاحترام والقدرة على خلق وتحقيق أهداف تحفيزية قد تكون من الأمور الأساسية للإحساس بالهوية بالنسبة للأشخاص موضوع الدراسة، تستطيع الأدوار الأخرى في الحياة والخبرات الداخلية من المساهمة بشكل كبير بالشعور بالرفاهية. فالبنيان الأساسي للهوية قد يصبح ذو أهمية مع نضوج الشخص.

يمكن التخلص من مركزية جانب واحد من جوانب الهوية عندما تقلب القرارات الحياتية الصورة المغروسة في مخيلة الفرد. تركز التحركات العالمية غالباً على الفجوات أو التغيرات في المعارف الشخصية، وترى أنها مرتبطة بالثقافة أو التقاليد الروحية أو القيم. أخذ القرار بالانتقال إلى مكان تعتبره بيتك أو رفض مكان آخر، قد يثير تساؤلاًت مثل "إلى أي مدى أعتبر شخص عالمي؟، بإمكانه أيضاً إثارة تساؤلات حول إذا ما كانت تلك الخطوة ستخولنا من استخدام مهارات أسياسية في جوانب شخصيتنا، وقدرتنا على المساهمة بشكل هادف.

الذات العلائقية: لطالما تشابكت هويتنا مع علاقتنا بالآخرين. يساعد هذا الرابط على تشكيل شخصيتنا، وإعطاء حياتنا هيكل عاطفي وأخلاقي وعملي. أن تكون شريك أو طفل أو والد جيد، يعد أمراً أساسياً لاستكمال اللوحة.

وجود أطفال على سبيل المثال بإمكانه إحداث تغيير كبير بالكيفية التي يرى بها الأشخاص أنفسهم. فهو يستطيع إرغامنا على التفكير بنقل قيم ومصادر جوهرية لمعنى حياتنا للجيل القادم. بالمثل، الاهتمام بالعائلة والأصدقاء يؤكد قيم ويخلق طقوس ولحظات تفرض أمور على حياتنا. غالباً ما يشعر الأشخاص العالميون بالألم بعيداً عن العائلة والصداقات التي صنعوها خلال حياتهم. وعندما يتوفى شخص قريب منهم، تكون خسارتهم مضاعفة، بسبب الموت وبسبب خسارة الصورة الذاتية كشخص موجود من أجل أشخاص متابعين للأحداث وللحياة.

الانتماء الذاتي: يثير هذا البعد أسئلة على غرار: "أين أنتمي وأشعر أنني في وطني؟ هل المكان مهم؟ "بالنسبة للأشخاص العالميين لا يرتبط الوطن بلون جواز السفر. فبالنهاية قد لا يعودون لمكان ولادتهم لسنوات أو عقود. يسلط الأشخاص العالميون الضوء على أهمية تحديد معنى الانتماء لخلق شعور بالوطن وامتلاك قيم تساهم في الشعور بمعنى الوجود، بعيداً عن جذورهم من بلدهم الأصلي.

تنشأ مناقشات حثيثة عندما يناقش الأشخاص العالميون مسألة الانتماء والوطن وأهمية المكان. تختلف التعريفات اختلافًا كبيرًا. في مراحل زمنية مختلفة، يحكي أفراد العائلة كيف يثقل كاهلهم فكرة الذهاب إلى الوطن أو عدمه. يصف المواطنون العالميون في كثير من الأحيان القرارات الصعبة التي تدور حول كونهم أعضاء جيدين في العائلة ويتبعون في الوقت نفسه أحلامهم وخياراتهم المهنية أو حتى مشاريع هامة تشعرهم بأهمية حياتهم. في النهاية قد تهدد تلك القرارات رغبات أفراد العائلة وحاجاتهم التي تعطي لحياتهم معنى.

الذات المسؤولة والمؤثرة: أين وكيف بإمكاني إحداث تغيير أو تأثير ذو أهمية؟ هل أستطيع أن أجعل أهدافي ومهاراتي تتماشى مع قيمي وشعوري بالمسؤولية الاجتماعية؟

يريد معظمنا الشعور بأننا نجحنا بإحداث فرق، وأن العالم حاله أفضل بوجودنا. تتغير فكرة المرء عن قيامه بذلك مع الوقت. بالنسبة للعديد من المواطنون العالميون تكون الحاجة والرغبة بإحداث تأثير بالعالم تكون فورية، ويمكن تحديد نطاقها على صعيد العالم. ولكنه قد يكون أكثر صعوبة عندما تكون حياة الفرد وولاءه موزعة عبر الحدود. الإضرار بالقومية لتلك المجموعة كمواطنين لا ينتمون لمكان ولديهم تحيز للعالم ككل من شأنه أن يثير مخاوف عدة. بالنظر إلى قدرتهم على رؤية التحديات كفرص وسلوكهم الإيجابي، يبادر العديد للشروع بمشاريع تمكنهم من إحداث تأثير عالمي، أو تستحضر حوار ملهم حول العولمة لأماكن يسمونها "وطن".

تغيير النمط: خلق حياة ذات معنى تعتبر بمثابة عملية مستمرة. فمع كل منعطف في نمط حياتهم، يتعين على المواطنين العالميين دمج المصادر التي تعطيهم معنى لحياتهم مع عملية صنع القرار، مع العلم أن التغيرات في السياق العالمي وفي حياتهم الشخصية والمهنية متحولة أيضاً. هم يعرفون أن الأهداف التي خلقوها بمرحلة ما، قد لا تكون ذات صلة في وقت آخر. فإدراكنا لعدم وجود منهج واضح لحياة ذات معنى، والتركيز على الأبعاد الحياتية الواردة أعلاه، قد يساعد على توضيح ما هو مهم على الأخص عندما يفكر الأشخاص من فتح فصل جديد في حياتهم.

في سلسلة من المنشورات التي ستنشر خلال الأشهر المقبلة سأتناول بشكل مفصل كل مصدر يساعد على خلق معنى للحياة.

* ليندا بريم، أستاذ فخري في السلوك التنظيمي بكلية إنسياد
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق