q
تشكل الصراعات المحلية مرايا للنزاعات العالمية؛ حيث تعكس طريقة اشتعالها، وتكشّفها، واستمرارها، وتسويتها التحولات في علاقات القوى العظمى، وشدة تنافسها، واتساع طموحات اللاعبين الإقليميين. وهي تُبرز القضايا التي يظهر النظام الدولي هوساً بها وتلك التي يبدي اللامبالاة حيالها. اليوم، تروي هذه الحروب قصة نظام عالمي عالق...
بقلم: روبرت مالي

لم يعد لا الأصدقاء ولا الأعداء يعرفون أين تقف الولايات المتحدة. بالنظر إلى أن واشنطن تُفرط في وعودها وتقصّر في الوفاء بها، فإن القوى الإقليمية تبحث عن حلول بأنفسها، من خلال العنف والدبلوماسية على حد سواء.

تشكل الصراعات المحلية مرايا للنزاعات العالمية؛ حيث تعكس طريقة اشتعالها، وتكشّفها، واستمرارها، وتسويتها التحولات في علاقات القوى العظمى، وشدة تنافسها، واتساع طموحات اللاعبين الإقليميين. وهي تُبرز القضايا التي يظهر النظام الدولي هوساً بها وتلك التي يبدي اللامبالاة حيالها. اليوم، تروي هذه الحروب قصة نظام عالمي عالق في أولى مراحل تغيير كاسح، وقادة إقليميين يبدون جرأة وخوفاً في الآن نفسه حيال الفرص التي توفرها مثل هذه الحقبة الانتقالية.

وحده الزمن سيظهر القدر الذي سيتبقى من النزعة الإجرائية الأحادية التي تنتهجها الولايات المتحدة، وازدراءها لحلفائها التقليديين، ومغازلتها لخصوم تقليديين – والقدر الذي سيتلاشى مع رئاسة دونالد ترامب. إلا أنه سيكون من الصعب إنكار أن ثمة شيئاً يحدث. إن التفاهمات وتوازنات القوى التي بني عليها النظام العالمي ذات يوم –مهما كانت غير مثالية، وغير منصفة، وإشكالية– لم تعد صالحة للعمل. فواشنطن متشوقة للاحتفاظ بمزايا قيادتها وفي الوقت نفسه غير مستعدة لتحمل الأعباء المترتبة عليها. ونتيجة لذلك، فهي مذنبة بارتكاب الإثم الرئيسي الذي ترتكبه أي قوة عظمى، أي السماح للفجوة الفاصلة بين الغاية والوسيلة بالاتساع. هذه الأيام، لم يعد لا الأصدقاء ولا الأعداء يعرفون أين تقف الولايات المتحدة.

كما أن أدوار القوى الرئيسية الأخرى تتغير هي أيضاً. فالصين تظهر صبر أمة واثقة بنفوذها المتزايد، لكنها غير مستعجلة على ممارسة ذلك النفوذ بشكل كامل. إنها تختار معاركها، وتركز على الأولويات التي تحددها، وهي السيطرة محلياً وقمع المعارضة المحتملة (كما في هونغ كونغ، أو احتجاز أعداد كبيرة من المسلمين في إقليم شينجيانغ)؛ وبحر الصين الشرقي والجنوبي؛ ومعركة شد الحبال التكنولوجية الناشئة مع الولايات المتحدة، ووجود أشخاص مثل زميلي مايكل كوفريغ، المعتقل دون مبرر في الصين لأكثر من عام، مجرد أضرار جانبية. أما في مناطق أخرى فلعبتها لعبة طويلة.

أما روسيا، فهي على العكس تظهر نفاد صبر أمة ممتنة للقوة التي منحتها إياها هذه الظروف غير الاعتيادية ومتشوقة لاستخدامها قبل نفاد الوقت. سياسة موسكو الخارجية انتهازية، فهي تسعى إلى تحويل الأزمات لصالحها، رغم أن ذلك تحوّل اليوم إلى استراتيجية بالقدر الذي تحتاجه. إنها تصور نفسها على أنها شريك أكثر صدقاً وموثوقية من القوى الغربية، فهي تدعم بعض الحلفاء عبر الدعم العسكري المباشر بينما ترسل شركاتها الخاصة المتعاقدة إلى ليبيا وأفريقيا جنوب الصحراء لتبعث بإشارة عن نفوذها المتزايد.

بالنسبة لجميع هذه القوى، فإن منع أو تسوية الصراع لا يحمل قيمة كامنة بحد ذاته. بل إنها تقيّم الأزمات من حيث المدى الذي تخدم فيه مصالحها أو تلحق الأذى بها، وكيف يمكن لها أن تعزز أو تقوض مصالح خصومها. يمكن لأوروبا أن تشكل ثقلاً موازياً، لكنها في اللحظة التي تحتاج فيها إلى الانخراط في هذه المعمعة تماماً، نجدها تصارع ضد الاضطرابات المحلية، والخلاف بين قادتها، وانشغالها الاستثنائي بالإرهاب والهجرة اللذان يشوهان سياستها في كثير من الأحيان.

يمكن لتبعات هذه النزعات الجيوسياسية أن تكون مهلكة؛ حيث إن الإيمان المبالغ به بالمساعدة الخارجية من شأنه أن يشوه حسابات اللاعبين الداخليين، ويدفعهم إلى مواقف غير تسووية ويشجعهم على مغازلة أخطار يعتقدون أنهم محصنون ضدها. في ليبيا، ثمة أزمة تخاطر بالانتشار كمرض خبيث مع تدخل روسيا دعماً لجنرال متمرد يندفع بجنوده نحو العاصمة، وترسل الولايات المتحدة رسائل مختلطة، وتهدد تركيا بأنها ستهب لإنقاذ الحكومة، وأوروبا –على مرمى حجر– تظهر انعدام قدرتها وسط انقسامات داخلية. في فنزويلا، يصطدم عناد الحكومة، الذي يغذيه الاعتقاد بأن روسيا والصين ستمنعان انهيارها الاقتصادي، بافتقار المعارضة للواقعية، بتشجيع من إشارات الولايات المتحدة إلى أنها ستُسقط الرئيس نيكولاس مادورو.

سورية –وفيها صراع لا يرد على هذه القائمة– كانت عالماً مصغراً يجمع جميع هذه النزاعات؛ فهناك، جمعت الولايات المتحدة تبجح قوة مهيمنة إلى موقف مراقب لا مبالٍ. لقد تشجع اللاعبون المحليون (مثل الأكراد) نتيجة وعود الولايات المتحدة المفرطة، ومن ثم شعروا بالخيبة من أن الولايات المتحدة لم تفِ بوعودها. في هذه الأثناء، وقفت روسيا بثبات خلف حليفها الشرس، بينما سعى آخرون في الجوار (أي تركيا) إلى الاستفادة من الفوضى.

لكن قد يكون للأخبار السيئة جانب جيد. فمع فهم الزعماء لحدود دعم حلفائهم، تتعزز لديهم الواقعية. فالسعودية التي تشجعت في البداية جراء ما بدا على أنه ’شيك على بياض‘ منحتها إياه إدارة ترامب، استعرضت عضلاتها الإقليمية إلى أن أظهرت سلسلة من الهجمات الإيرانية الجريئة وعدم الرد اللافت من قبل الولايات المتحدة أظهر للمملكة مدى انكشافها، ما دفعها إلى السعي إلى تسوية في اليمن، وربما خفض التصعيد مع إيران.

بالنسبة لكثير من الأمريكيين، فإن أوكرانيا تستحضر حكاية مبتذلة عن سياسة الخدمات المتبادلة ومحاولة عزل الرئيس. لكن بالنسبة لرئيسها الجديد الموجود الآن في عين العاصفة، فولوديمير زيلينسكي، فإن الأولوية هي وضع حد للصراع في شرق البلاد، وهو هدف يدرك أن على كييف أن تساوم لتحقيقه.

آخرون قد يقومون أيضاً بتعديل وجهات نظرهم، من حيث تَقبُّل الحكومة الأفغانية واللاعبون الآخرون المعادون لطالبان لحقيقة أن القوات الأمريكية لن تبقى موجودة إلى الأبد؛ وإدراك إيران والنظام السوري أن الاستعراضات الروسية الجديدة في الشرق الأوسط بالكاد تحميهما من الضربات الإسرائيلية. قد لا يكون هؤلاء اللاعبون بمفردهم، لكن إدراكهم لحقيقة أن دعم حلفائهم يصل إلى هذا الحد وحسب سيجعلهم يعودون للتصرف بواقعية. وثمة فضيلة في الواقعية.

وثمة نزعة أخرى تستحق الاهتمام، وهي ظاهرة الاحتجاجات الجماهيرية في سائر أنحاء العالم. فهي تعبر عن الاستياء من عدم تكافؤ الفرص، وتهز بلداناً محكومة من قبل اليسار واليمين، والجمهوريات والأنظمة المستبدة، الغنية منها والفقيرة، من أمريكا اللاتينية إلى آسيا فأفريقيا. والاحتجاجات التي يشهدها الشرق الأوسط ملفتة للنظر على نحو خاص، لأن العديد من المراقبين اعتقدوا أن انهيار الأوهام وسفك الدماء المريع الذي أعقب انتفاضات العام 2011 سيقنع الناس بعدم الشروع في جولة أخرى منها.

لقد تعلم المحتجون دروساً، حيث تستمر احتجاجاتهم لفترة طويلة ويتجنبون في معظم الأحيان العنف الذي يستغل من قبل أولئك الذين يحتجون ضدهم. والنخب السياسية والعسكرية تعلمت هي أيضاً بالطبع، حيث تلجأ إلى وسائل مختلفة في مواجهة العاصفة. ففي السودان، الذي يمكن القول إنه يشكل أحد الأخبار الأفضل في العام الماضي، أفضت الاحتجاجات إلى سقوط عمر البشير، الحاكم المستبد الذي مضى على وجوده في السلطة وقت طويل، وإلى إطلاق عملية انتقالية يمكن أن تفضي إلى نظام أكثر ديمقراطية وسلمية. في الجزائر، في هذه الأثناء، اكتفى القادة بممارسة لعبة الكراسي الموسيقية. في العديد من المناطق الأخرى، قاموا بممارسة القمع. رغم ذلك، وفي جميع الحالات تقريباً، فإن الشعور السائد بانعدام العدالة الاقتصادية الذي أخرج الناس إلى الشوارع يبقى موجوداً. وإذا لم تتمكن الحكومات، الجديدة منها أو القديمة، من معالجة ذلك، ينبغي على العالم أن يتوقع أن يشب الحريق في المزيد من المدن في هذا العام القادم أيضاً.

1. أفغانستان

يُقتل نتيجة القتال الدائر في أفغانستان عدد من الناس أكبر مما يقتل في أي صراع دائر حالياً في العالم. لكن قد تتاح فرصة في هذا العام القادم لإطلاق عملية سلام تهدف إلى وضع حد للحرب المستمرة منذ عقود.

لقد ارتفعت مستويات إراقة الدماء على مدى العامين الماضيين. وهزت هجمات منفصلة شنها متمردو طالبان ومسلحو تنظيم الدولة الإسلامية المدن والبلدات في سائر أنحاء البلاد. لكن إراقة الدماء في الأرياف لا تحظى بنفس التغطية. وقد صعدت واشنطن وكابول هجماتهما الجوية والغارات التي تشنها قواتهما الخاصة، حيث يتحمل المدنيون ويعانون في كثير من الأحيان من آثار العنف. فالمعاناة في المناطق الريفية هائلة.

وسط تصاعد حدة العنف، أجريت الانتخابات الرئاسية في أواخر أيلول/سبتمبر. وتمنح النتائج الأولية، التي أعلنت في 22 كانون الأول/ديسمبر، الرئيس الحالي أشرف غني هامشاً ضئيلاً جداً أكثر من الخمسين بالمائة الضرورية لتجنب إجراء جولة انتخابية ثانية. ولا يتوقع صدور النتائج النهائية، بعد المعالجة القضائية للشكاوى، قبل نهاية كانون الثاني/يناير. يدعي خصم غني الرئيسي، عبد الله عبد الله، الذي طعن بالنتائج استناداً إلى عمليات تزوير واسعة النطاق في انتخابات 2014 أدت إلى أزمة طويلة وفي النهاية إلى اتفاق تقاسم للسلطة، يدعي بوجود انتهاكات هذه المرة أيضاً. من غير الواضح ما إذا كان النزاع سيفضي إلى جولة جديدة من التصويت، لكن مهما كانت نتائجها فإنها من المرجح أن تستهلك القادة الأفغان في العام 2020.

إلا أن العام الماضي شهد بعض الضوء في العمل الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وطالبان. فللمرة الأولى منذ بداية الحرب، أعطت واشنطن الأولوية للتوصل إلى اتفاق مع المتمردين. وبعد شهور من المحادثات الهادئة، اتفق المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد وقادة طالبان على مسودة نص وقعوه بالأحرف الأولى. وبموجب الاتفاق، تعهدت الولايات المتحدة بسحب قواتها من أفغانستان – وهو المطلب الرئيسي لطالبان – وبالمقابل، وعد المتمردون بالانفصال عن القاعدة، ومنع استخدام أفغانستان للتخطيط لهجمات في الخارج، والدخول في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية وأيضاً مع لاعبين رئيسيين آخرين.

لكن تبددت الآمال عندما أعلن ترامب فجأة موت المفاوضات في مطلع أيلول/سبتمبر. كان قد دعا قادة طالبان، مع غني، إلى كامب ديفيد، وعندما امتنع المتمردون عن القدوم ما لم يتم توقيع الاتفاق أولاً، استحضر ترامب هجوم طالبان الذي أدى إلى مقتل جندي أمريكي كسبب لرفض الاتفاق الذي كان مبعوثه قد وضعه.

بعد ما بدا من أن تبادلاً للسجناء في تشرين الثاني/نوفمبر قد تغلب على مقاومة ترامب، بدأ دبلوماسيون أمريكيون وممثلون عن طالبان بالتفاوض مرة أخرى، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانوا سيعودون إلى نفس التفاهم. في الواقع، ليس لدى الولايات المتحدة خيار أفضل من السعي للتوصل إلى اتفاق مع طالبان؛ حيث إن استمرار الوضع الراهن لا يوفر سوى احتمال استمرار حرب لا نهاية لها وحسب، بينما التهور بسحب القوات الأمريكية دون التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يعلن العودة إلى الحرب الأهلية متعددة الجبهات التي دارت في تسعينيات القرن العشرين والعودة إلى حلقة عنف أسوأ.

ينبغي لأي اتفاق أن يمهد الطريق لمحادثات بين الأفغان، ما يعني ربط إيقاع انسحاب القوات الأمريكية ليس فقط مع أهداف محاربة الإرهاب بل أيضاً مع مشاركة طالبان بنيّة طيبة في المحادثات مع الحكومة الأفغانية والقادة الأفغان الأقوياء الآخرين. من شأن اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان أن يشكل ليس فقط بداية طريق طويل نحو التسوية بين الأفغان، والذي يشكل أحد متطلبات السلام. لكن من شبه المؤكد أن يوفر ذلك الأمل الوحيد في تهدئة أكثر الحروب تدميراً اليوم.

2. اليمن

في العام 2018، منع التدخل الدولي العدواني ما اعتبره مسؤولو الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم من التفاقم. يمكن لعام 2020 أن يوفر فرصة نادرة لوقف الحرب. إلا أن تلك الفرصة هي نتاج لتضافر عوامل محلية، وإقليمية، ودولية، إذا لم يتم اغتنامها، فقد تتلاشى بسرعة.

الكلفة البشرية للحرب واضحة بشكل مؤلم؛ فقد أدت بشكل مباشر إلى مقتل ما يقدر بـ 100,000 شخص بينما دفعت بلداً كان أصلاً أفقر بلدان العالم العربي إلى حافة المجاعة. لقد أصبح اليمن خط تصدع حاسم في الخصومة الممتدة على اتساع الشرق الأوسط بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى. لكن بعد عام من استحواذه على عناوين الأخبار العالمية، فإن الصراع المستمر منذ خمسة أعوام يخاطر بتلاشيه من الوعي الدولي.

يشكل فقدان التركيز الجانب الآخر من الأخبار الجيدة التي ظهرت مؤخراً. فاتفاق كانون الأول/ديسمبر 2018 الذي عُرف باتفاق ستوكهولم، عزز وقف إطلاق نار هش حول مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر بين حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً والمتمردين الحوثيين الذين انتزعوا منه السيطرة على العاصمة، صنعاء، في أيلول/سبتمبر 2014. من المرجح أن يكون الاتفاق قد منع حدوث مجاعة وجمد القتال فعلياً بين الطرفين. ومنذ ذلك الحين، تحولت الأوجه الأكثر ديناميكية للصراع إلى معركة داخل الجبهة المعادية للحوثيين حيث يقف الانفصاليون الجنوبيون ضد حكومة هادي، وإلى حرب عبر الحدود شهدت إطلاق الحوثيين للصواريخ على السعودية وضربات جوية سعودية انتقامية.

تعكس الفرصة المتاحة اليوم حراكاً على هاتين الجبهتين الأخيرتين. أولاً، فقد دفع القتال بين الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة في آب/أغسطس 2019 الكتلة المعادية للحوثيين إلى نقطة الانهيار. رداً على ذلك، لم يكن أمام الرياض خيار سوى التوسط للتوصل إلى هدنة بينهما للمحافظة على المجهود الحربي. ثانياً، في أيلول/سبتمبر، أبرز هجوم صاروخي على منشآت نفطية سعودية رئيسية –أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه، لكن كان هناك شكوك على نطاق واسع بأن إيران شنته– مخاطر نشوب حرب تشمل الولايات المتحدة، وحلفاءها الخليجيين، وإيران لا يبدو أن أياً من هذه الأطراف يريدها. وقد ساعد هذا على دفع السعوديين والحوثيين للانخراط في محادثات تهدف إلى خفض تصعيد صراعهم وإخراج اليمن من ميدان صراع القوى بين إيران والسعودية؛ وقد خفض الطرفان ضرباتهما عبر الحدود بشكل كبير. إذا أفضى هذا إلى عملية سياسية تتوسط فيها الأمم المتحدة في العام 2020، فقد تكون نهاية هذه الحرب باتت متاحة.

لكن الفرصة قد تتبخر؛ إذ إن انهيار اتفاق الحكومة الهش مع المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب أو اتفاقها الضعيف أيضاً مع الحوثيين على ساحل البحر الأحمر قد يقوض جهود صنع السلام. فنفاد صبر الحوثيين حيال ما يعتبرونه تباطؤ السعوديين في الانتقال من خفض التصعيد إلى وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد، مصحوباً بوصولهم إلى مخزون من الصواريخ، من شأنه أن يعيد إشعال الحرب عبر الحدود بسرعة. كما أن تصاعد التوترات الأمريكية – الإيرانية يمكن أيضاً أن يمتد إلى اليمن. بعبارة أخرى، فإن الهدوء في الصراع العنيف في النصف الثاني من العام 2019 ينبغي ألا يعتبر خطأ على أنه الوضع الطبيعي الجديد. ينبغي اغتنام فرصة السلام الآن.

3. إثيوبيا

قد لا تكون الآفاق الواعدة والمخاطر للعام القادم أكثر وضوحاً مما هي في إثيوبيا، الدولة الأكبر والأكثر نفوذاً في شرق أفريقيا.

منذ استلامه مهام منصبه في نيسان/أبريل 2018، اتخذ رئيس الوزراء آبي أحمد خطوات جريئة لفتح الحياة السياسية في البلاد. فقد أنهى مواجهة دامت عقوداً مع جارته أرتيريا، وأطلق سراح السجناء السياسيين، ورحب بعودة المتمردين من المنفى، وعين شخصيات إصلاحية في المؤسسات الرئيسية. وقد اكتسب الثناء داخلياً وخارجياً – بما في ذلك حصوله على جائزة نوبل للسلام لعام 2019.

غير أن ثمة تحديات هائلة تلوح في الأفق. فالاحتجاجات الشعبية بين عامي 2015 و2018 والتي أوصلت آبي إلى السلطة كانت مدفوعة بشكل رئيسي بمظالم سياسية واقتصادية. لكن كان لها مضامين إثنية أيضاً، وخصوصاً في إقليمي إثيوبيا الأكبر من حيث عدد السكان، أمهرة وأوروميا، اللذان كان قادتهما يأملون بتقليص نفوذ أقلية التيغراي المهيمنة منذ أمد بعيد. وقد منحت جهود آبي الليبرالية لتفكيك النظام القائم طاقة جديدة للنزعة القومية – الإثنية، بينما أضعفت الدولة المركزية.

لقد اشتدت حدة الصراع الإثني في سائر أنحاء البلاد، فأدى إلى مقتل المئات، وتهجير الملايين، وغذى العداء بين قادة أكثر الأقاليم قوة. قد تكون الانتخابات المقررة في أيار/مايو 2020 عنيفة وقد تتسبب في انقسامات، مع تنافس المرشحين في المغالاة في خطابهم الإثني للحصول على الأصوات.

ما يزيد من حدة التوترات هو نقاش مشحون حول النظام الفيدرالي الإثني في البلاد، الذي يفوض السلطة لأقاليم محددة على أسس إثنية – لغوية. يعتقد أنصار النظام أنه يحمي حقوق المجموعات في بلد متنوع تشكَّل عبر انتصار مجموعة على أخرى واستيعاب مجموعة في مجموعة أخرى. أما منتقدو النظام فيجادلون بأن أي نظام قائم على أساس إثني يلحق الضرر بالوحدة الوطنية. ويقولون إن الوقت قد حان لتجاوز السياسات الإثنية التي طالما ساهمت في تعريف وانقسام البلاد.

سعى آبي بشكل عام إلى موقف وسطي. لكن بعض الإصلاحات التي أجريت مؤخراً، بما فيها قيامه بدمج وتوسيع التآلف الحاكم، الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية تضعه بشكل أكثر ثباتاً في معسكر الإصلاحيين. وعلى مدى العام القادم، سيترتب عليه بناء الجسور بين الأقاليم الإثيوبية حتى مع تنافسه مع القوميين – الإثنيين في صناديق الاقتراع. وسيتحتم عليه إدارة المطالبة بالتغيير في الوقت الذي يقوم فيه بتهدئة الحرس القديم الذي من المتوقع أن يخسر نتيجة لذلك.

تبقى العملية الانتقالية في إثيوبيا مصدراً للأمل وتستحق كل الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه، لكن ثمة مخاطر أيضاً في أن تتفكك بشكل عنيف. في سيناريو الوضع الأسوأ، يحذر البعض من أن البلاد يمكن أن تنقسم كما حدث في يوغسلافيا في تسعينيات القرن العشرين، مع تداعيات كارثية لمنطقة مضطربة أصلاً. ينبغي على شركاء إثيوبيا الدوليين أن يفعلوا كل ما في وسعهم – بما في ذلك الضغط على جميع قادة البلاد لوقف الخطاب التحريضي، وتقديم النصح لرئيس الوزراء بالتقدم بحذر في أجندته الإصلاحية، وتقديم مساعدات مالية لعدة سنوات – لمساعدة آبي على تحاشي مثل تلك الحصيلة.

4. بوركينا فاسو

بوركينا فاسو آخر بلد يقع ضحية لعدم الاستقرار الذي ابتليت به منطقة الساحل في أفريقيا.

يشن مسلحون إسلاميون تمرداً غير مكثف في شمال البلاد منذ العام 2016. قاد التمرد في البداية أنصار الإسلام، وهو تنظيم يقوده مالام إبراهيم ديكو، وهو مواطن بوركيني وداعية محلي. ورغم تجذر التمرد في شمال بوركينا فاسو، بدا أن له ارتباطات وثيقة بالجهاديين في مالي المجاورة. بعد وفاة ديكو في صدامات مع القوات البوركينية في العام 2017، تولى شقيقه جعفر قيادة التنظيم، لكن ذكر أنه قتل في ضربة جوية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

انتشر العنف فأحدق بجزء كبير من شمال وشرق البلاد، وأدى إلى تهجير نحو نصف مليون شخص (من أصل 20 مليون نسمة وهو العدد الإجمالي للسكان) وهدد بزعزعة استقرار مناطق أخرى، بما في ذلك الجنوب الغربي. من الصعب في كثير من الأحيان معرفة المسؤول بدقة. فإضافة إلى أنصار الإسلام، تعمل تنظيمات جهادية تتخذ من مالي مقراً لها، بما في ذلك الفروع المحلية لتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، في بوركينا فاسو أيضاً. قد تختلط ضربات المسلحين أيضاً مع مصادر أخرى للعنف، مثل العصابات، والتنافس بين الرعاة والمزارعين، والنزاعات الشائعة على الأرض. كما تغذي مجموعات الدفاع الذاتي التي تم حشدها على مدى السنوات القليلة الماضية لحراسة المناطق الريفية صراعات بين المجتمعات المحلية أيضاً. وتنهار الأنظمة القديمة لإدارة النزاعات، مع تشكيك الشباب بسلطة النخب التقليدية الموالية لدولة هي نفسها ليست موضع ثقة. وكل هذا يوفر تربة خصبة لتجنيد المسلحين.

تعيق الاضطرابات في العاصمة، واغادوغو، الجهود الرامية للقضاء على التمرد. ويخرج الناس بشكل منتظم إلى الشوارع ويُضربون احتجاجاً على ظروف العمل أو على فشل الحكومة في معالجة تنامي انعدام الأمن. من المقرر إجراء انتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ويمكن أن يؤثر العنف في مصداقيتها وبالتالي في شرعية الحكومة القادمة. الحزب الحاكم وخصومه يتهمون بعضهم بعضاً بتحضير مجموعات محلية لحشد الأصوات. وتبدو البلاد قريبة من الانهيار، ورغم ذلك تركز النخب على صراعات مميتة على السلطة.

التقلبات الجارية في بوركينا فاسو مهمة ليس فقط بسبب الضرر الذي تحدثه على سكانها، بل لأن البلاد تحاذيها دول على الساحل الغربي لأفريقيا. لم تتعرض تلك البلدان سوى لعدد قليل من الهجمات منذ ضرب الجهاديون منتجعات في ساحل العاج في العام 2016. لكن تشير بعض الأدلة، بما فيها تصريحات المسلحين أنفسهم إلى أنهم قد يستخدمون بوركينا فاسو كنقطة انطلاق للقيام بعمليات على طول الساحل لترسيخ وجودهم في المناطق الواقعة في أقصى الشمال مثل ساحل العاج، أو غانا، أو بنين. في أيار/مايو 2019، ذكرت سلطات ساحل العاج بأنها أحبطت هجمات كان مخططاً لها في أكبر مدن البلاد، أبيدجان. وتظهر الدول الساحلية ضعفاً استغله المسلحون في جاراتها الشماليات، خصوصاً المناطق النائية المهملة التي يسودها الاستياء. بعض البلدان – خصوصاً ساحل العاج – تواجه أيضاً انتخابات يسودها تنافس شديد هذا العام. وهذا يشتت انتباه الحكومات ويعني أن أي أزمة يمكن أن تجعلها أكثر ضعفاً أيضاً.

رد الحكومة في بوركينا فاسو نفسها على التمرد الذي يزداد اتساعاً، بالاعتماد بشكل طاغٍ على القوة، يجعل الأمور أسوأ. فالجنود يسيئون معاملة الناس في كثير من الأحيان، ما يزيد من غضبهم ضد الدولة. وكما هي الحال في مناطق أخرى في الساحل، فإن المسؤولين يلطخون في كثير من الأحيان سمعة مجموعة الفولاني الإثنية، خصوصاً بعض القبائل الفرعية البدوية، على أنها متعاطفة مع الجهاديين. العمليات التي تستهدف الفولاني تجبرهم على البحث عن الحماية لدى المسلحين، ما يغذي حلقة من وصمهم بالنعوت السلبية والاستياء منهم.

لقد ركز التعاون بين بوركينا فاسو وجيرانها حتى الآن بشكل رئيسي على العمليات العسكرية المشتركة. وربما تحضر دول الساحل نفسها لفعل الشيء نفسه. غير أنه سيكون من الأفضل لحكومات المنطقة أن تركز بالقدر نفسه على تبادل المعلومات الاستخبارية، والسيطرة على الحدود، والسياسات الرامية إلى كسب سكان القرى في المناطق المتأثرة. إذ دون اتخاذ تلك الإجراءات، يبدو أن الاضطرابات ستنتشر إلى مناطق أوسع.

5. ليبيا

تخاطر الحرب في ليبيا بأن تزداد سوءاً في الأشهر القادمة، مع اعتماد الفصائل المتنافسة بشكل متزايد على الدعم العسكري الخارجي لتغيير ميزان القوى. وقد ظهر التهديد بنشوء عنف كبير في الأفق منذ انقسام البلاد إلى إدارتين متوازيتين في أعقاب الانتخابات التي طعن بنتائجها في العام 2014. لقد ترنحت محاولات الأمم المتحدة لإعادة توحيد البلاد؛ ومنذ العام 2016 وليبيا منقسمة بين حكومة معترف بها دولياً برئاسة رئيس الوزراء فايز السراج في طرابلس وحكومة منافسة في شرق ليبيا. أوجد تنظيم الدولة الإسلامية موطئ قدم صغير له لكنه هزم؛ وتحاربت الميليشيات للسيطرة على البنية التحتية للنفط في ليبيا على الساحل؛ وزعزعت الصدامات القبلية الاستقرار في الصحراء الشاسعة جنوب البلاد. إلا أن القتال لم يتطور إلى مواجهة أوسع.

لكن على مدى العام الماضي، حدث تطور خطير. ففي نيسان/أبريل 2019، حاصرت القوات التي يقودها خليفة حفتر، والمدعومة من الحكومة في الشرق، حاصرت طرابلس، بشكل يدفع البلاد نحو حرب شاملة. يدعي حفتر أنه يحارب الإرهابيين. في الواقع، وفي حين أن بعض خصومه إسلاميين، فإنهم أفراد في نفس الميليشيات التي هزمت تنظيم الدولة الإسلامية، بدعم من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، قبل ثلاث سنوات.

لقد كانت ليبيا حلبة للتنافس الخارجي منذ أمد بعيد. فالفوضى التي أعقبت الإطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي في 2011، سعت الفصائل المتنافسة للحصول على الدعم من رعاة أجانب. وطغت التنافسات الإقليمية على الانقسام بين الحكومتين المتنافستين والائتلافات العسكرية لكل منهما، حيث تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة القوات التي يقودها حفتر وتدعم تركيا وقطر المجموعات المسلحة الغربية الموالية للسراج.

وقد وجد آخر هجوم لحفتر دعماً ليس فقط في القاهرة وأبو ظبي بل أيضاً في موسكو، التي قدمت لحفتر مساعدات عسكرية تحت غطاء شركة أمنية خاصة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دعمت إدارته حكومة السراج وعملية السلام التي رعتها الأمم المتحدة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، عكس توجهه في نيسان/أبريل 2019، بعد اجتماع عقده مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. تركيا، بدورها، زادت من دعمها لطرابلس، وجنبتها عدم السقوط في يد حفتر حتى الآن. وتهدد أنقرة الآن بالمزيد من التدخل.

نتيجة لذلك، فإن أطراف الصراع لم يعودوا مجرد تنظيمات مسلحة تصد هجوماً يشنه قائد عسكري صعب المراس. بدلاً من ذلك، فإن الطائرات والمسيّرات الإماراتية، ومئات المتعاقدين العسكريين الخاصين الروس، والجنود الأفارقة المجندين في قوات حفتر يواجهون مسيّرات وعربات عسكرية تركية، ما يثير شبح معركة متصاعدة بالوكالة على ساحل المتوسط.

كما أن تعدد اللاعبين يحبط جهود وضع حد لسفك الدماء. يبدو أن محاولة تقودها الأمم المتحدة في برلين لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات تتلاشى الآن. وما يزال من غير الواضح ما إذا كان مؤتمر السلام الذي كانت الأمم المتحدة وألمانيا تأملان بعقده في مطلع العام 2020 سيعقد أم لا. الأوروبيون، من جهتهم، ليسوا مستعدين لمثل هذه التطورات. وقد كانت هواجسهم الرئيسية وقف تدفق المهاجرين، إلا أن الخلافات بين قادتهم حول كيفية ممارسة نفوذهم سمحت للاعبين آخرين بتغذية صراع يتعارض مباشرة مع مصلحة أوروبا بوجود ليبيا مستقرة.

من أجل إنهاء الحرب، سيترتب على القوى الأجنبية وقف تسليح حلفائها الليبيين والضغط عليهم للتفاوض بدلاً من ذلك، إلا أن آفاق حدوث هذا تبدو قاتمة. ويمكن أن تكون النتيجة مأزقاً أكثر تدميراً أو إحكام السيطرة على طرابلس وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى قتال طويل الأمد بين الميليشيات، بدلاً من التوصل إلى حكومة واحدة مستقرة.

6. الولايات المتحدة، وإيران، وإسرائيل، والخليج الفارسي

ارتفعت حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل خطير في العام 2019؛ ويمكن للعام القادم أن يوصل هذه الخصومة إلى نقطة الغليان. لقد فرض قرار إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي في العام 2015 وفرض عقوبات أحادية متزايدة على طهران أثماناً كبيرة، لكنه لم ينتج حتى الآن لا الاستسلام الدبلوماسي الذي تسعى إليه واشنطن ولا الانهيار الداخلي الذي قد تأمل به. بدلاً من ذلك، ردت إيران على ما تعتبره حصاراً شاملاً بتوسيع برنامجها النووي تدريجياً في انتهاك للاتفاق، واستعراض عضلاتها الإقليمية بشكل عدواني، وقمع أي علامة على الاضطرابات الداخلية بشدة. كما ازدادت التوترات بين إسرائيل وإيران. ما لم يتم كسر هذه الحلقة، فإن مخاطر حدوث مواجهة أوسع ستزداد.

لقد كان تحوّل طهران من سياسة أقصى درجات الصبر إلى سياسة أقصى درجات المقاومة نتيجة للعب الولايات المتحدة لإحدى أوراقها القسرية القوية والتي تمثلت في إنهاء الإعفاءات المحدودة أصلاً لمبيعات إيران من النفط. وعندما لم يرَ منفعة تذكر من الأطراف التي بقيت في الاتفاق النووي، أعلن الرئيس حسن روحاني في أيار/مايو أن حكومته ستبدأ بانتهاك الاتفاق بشكل تدريجي. ومنذ ذلك الحين، تجاوزت إيران الحدود القصوى لمعدلات تخصيبها لليورانيوم وأحجام مخزونها، وبدأت باختبار أجهزة طرد مركزي متطورة، وأعادت تشغيل مصنع تخصيب اليورانيوم في منشأة فودرو تحت الأرض. ومع كل انتهاك جديد، قد تفرغ إيران المكاسب التي تحققت من الاتفاق في مجال الانتشار النووي إلى حد أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق ستقرر فرض عقوبات خاصة بها. وعند نقطة معينة، قد يدفع التقدم الذي تحققه إيران إسرائيل والولايات المتحدة إلى اللجوء إلى العمل العسكري.

أبرزت سلسلة من الأحداث في الخليج في العام الماضي، وصلت إلى أوجها في الهجوم على منشآت الطاقة السعودية في 14 أيلول/سبتمبر، كيف أن المواجهة الأمريكية – الإيرانية لها تداعيات في سائر أنحاء المنطقة. في هذه الأثناء، تشكل الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة لأهداف إيرانية ومرتبطة بإيران داخل سورية ولبنان – وكذلك في العراق وحوض البحر الأحمر، طبقاً لطهران – جبهة جديدة خطيرة. يمكن لأي من نقاط المواجهة هذه أن تنفجر، عمداً أو عرضاً.

لقد دفع الاعتراف بالرهانات والأثمان المرتفعة للحرب بعض خصوم إيران الخليجيين إلى السعي إلى خفض التصعيد حتى مع استمرارهم بدعم مقاربة إدارة ترامب في فرض "أقصى درجات الضغط". فقد فتحت الإمارات العربية المتحدة خطوط الاتصال مع طهران، وانخرطت السعودية في حوار جدي مع الحوثيين في اليمن.

كما دفعت احتمالات حدوث الصراع جهوداً قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمساعدة الولايات المتحدة وإيران على التوصل إلى تسوية دبلوماسية. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الحريص على تجنب الحرب، كان مستعداً لسماع مقترحه، كما أن الإيرانيين مهتمون بأي مقترح يوفر لهم رفعاً لبعض العقوبات.

لكن مع انعدام الثقة، نزع كل طرف إلى انتظار الطرف الآخر لتقديم التنازل الأول. رغم ذلك، يبقى تحقيق اختراق دبلوماسي لخفض تصعيد التوترات بين دول الخليج وإيران أو بين واشنطن وطهران أمراً ممكناً. لكن مع إحداث العقوبات لآثارها ورد إيران عليها، فإن الوقت ينفد.

7. الولايات المتحدة – كوريا الشمالية

بدت أيام العام 2017، عندما تبادل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الإهانات والتهديدات بالإبادة النووية، بعيدة خلال معظم العام 2019. إلا أن التوترات عادت إلى التصاعد من جديد.

تراجعت الأخطار في عام 2018 ومطلع العام 2019 التي كانت أكثر هدوءاً؛ فقد أوقفت الولايات المتحدة معظم تدريباتها العسكرية مع كوريا الجنوبية، وأوقفت بيونغ يانغ اختباراتها للصواريخ بعيدة المدى واختباراتها النووية. تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى حد ما، بانعقاد اجتماعات القمة بين ترامب وكيم. فقد أنتجت القمة الأولى – في سنغافورة في حزيران/يونيو 2018 – بياناً مهلهلاً حول المبادئ المتفق عليها واحتمال إجراء مفاوضات دبلوماسية. أما الثانية – في هانوي في شباط/فبراير 2019 – فقد انهارت عندما أصبحت الفجوة بين الزعيمين على نطاق وتتالي عمليات نزع السلاح النووي ورفع العقوبات واضحة.

ومنذ ذلك الحين، تردى المناخ الدبلوماسي. ففي نيسان/أبريل 2019، وضع كيم أحادياً موعداً نهائياً هو آخر السنة كي تقدم الحكومة الأمريكية اتفاقاً من شأنه الخروج من المأزق. وفي حزيران/يونيو، اتفق ترامب وكيم، وتصافحا في المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل الكوريتين، على الشروع في محادثات عملية. لكن في تشرين الأول/أكتوبر، لم يفضِ اجتماع عقد بين مبعوثين من البلدين في السويد إلى شيء.

لقد طرح الزعيمان أحياناً فكرة عقد قمة ثالثة، لكنهما تراجعا على الأقل في الوقت الراهن. وقد يكون ذلك أفضل، لأن اجتماعاً لا يتم التحضير له بشكل جيد قد يجعل الطرفين يشعران بإحباط خطير.

في هذه الأثناء، زادت بيونغ يانغ – التي تستمر في السعي إلى الحصول على تعليق للعقوبات ووقف التدريبات العسكرية المشتركة – من اختباراتها على الصواريخ البالستية قصيرة المدى، التي يعتقد على نطاق واسع أن التجميد غير المكتوب لا يغطيها. وبدا أن كوريا الشمالية مدفوعة بأسباب عملية (فالاختبارات توصل تكنولوجيا الصواريخ إلى درجة الكمال) وأسباب سياسية (تبدو تلك الاختبارات أداة ضغط على واشنطن لطرح اتفاق أكثر ملاءمة). في مطلع كانون الأول/ديسمبر، ذهبت بيونغ يانغ أبعد من ذلك فاختبرت ما بدا أنه محرك إما لمركبة إطلاق فضائية لصاروخ بعيد المدى والتكنولوجيا المرتبطة به، في موقع ادعى ترامب أن كيم وعده بتفكيكه.

رغم أن تحذير بيونغ يانغ بتقديم "هدية عيد ميلاد" لواشنطن إذا لم تقترح الولايات المتحدة مساراً إلى الأمام تعتبره مرضياً لم يتحقق في وقت كتابة هذا التعليق، فإن آفاق التسوية الدبلوماسية تبدو بعيدة.

رغم ذلك، ينبغي على الطرفين التفكير بما سيحدث إذا أخفقت الدبلوماسية. فإذا صعدت كوريا الشمالية من استفزازاتها، يمكن أن ترد إدارة ترامب كما فعلت في العام 2017، بالشتائم وبجهود لتشديد العقوبات واستكشاف الخيارات العسكرية مع ما لذلك من تبعات لا يمكن تخيلها.

ستكون الديناميكيات الناشئة سيئة للمنطقة، وللعالم، وللزعيمين. ويبقى أفضل خيار لكلا الطرفين اتفاق يقضي باتخاذ إجراءات بناء ثقة متبادلة يقدم منافع متواضعة لكل منهما. فبيونغ يانغ وواشنطن بحاجة لتخصيص الوقت للتفاوض وتقدير احتمالات التسوية. في العام 2020، ينبغي لترامب وكيم أن يخرجا من الاستعراضات رفيعة المستوى والاستفزازات الدراماتيكية، وتمكين مفاوضيهما من الشروع في العمل.

8. كشمير

بعد خروجها من تغطية الرادارات الدولية لسنوات، فإن مواجهة بين الهند والباكستان في العام 2019 على إقليم كشمير المتنازع عليه أعاد الأزمة إلى مجال التركيز. كلا البلدان يدعيان ملكية المنطقة الواقعة في جبال الهمالايا، والتي تقسمها حدود غير رسمية، تعرف بخط السيطرة، منذ الحرب الهندية – الباكستانية الأولى في 1947-1948.

حدث أولاً الهجوم الانتحاري في شباط/فبراير الذي نفذه مسلحون إسلاميون ضد قوات شبه عسكرية هندية في كشمير. ردت الهند بقصف ما ادعت أنه معسكر للمسلحين في الباكستان، ما دفع الباكستان إلى توجيه ضربة في الجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير. وتزايدت التوترات مرة أخرى في آب/أغسطس عندما ألغت الهند وضع الحكم الذاتي الذي تتمتع به ولاية جامو وكشمير، والذي كان أساساً لانضمامها إلى الهند قبل 72 عاماً، ووضعتها تحت الحكم المباشر لدلهي.

نفذت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، التي باتت أكثر جرأة بفضل فوزها في انتخابات أيار/مايو، التغيير في الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة دون مشاورات محلية. ليس هذا وحسب، بل قطعت الاتصالات، واعتقلت آلاف الكشميريين، بمن فيهم جميع أفراد الطبقة السياسية، والعديد منهم لم يكونوا معادين للهند.

أدت هذه التحركات إلى مفاقمة ما كان أصلاً مشاعر عميقة من الاستياء في أوساط الكشميريين ومن المرجح أن تغذي تمرداً انفصالياً مستمراً منذ أمد بعيد. وفي تطور منفصل، أدى قانون جنسية جديد أصدرته الحكومة الهندية، اعتبر على نطاق واسع معادياً للمسلمين، إلى خروج احتجاجات وردود عنيفة من قبل الشرطة في عدة أنحاء من الهند. هذه التطورات، إضافة إلى الإجراءات المتخذة في كشمير، تبدو منسجمة مع اعتزام مودي تنفيذ أجندة قومية هندوسية.

ادعاءات نيودلهي بأن الوضع عاد إلى طبيعته مضللة. إذ يبقى الوصول إلى الإنترنت مقطوعاً، والجنود الذين انتشروا في آب/أغسطس ما زالوا موجودين، وما يزال جميع القادة الكشميريين في المعتقل، ولا يبدو أن لدى حكومة مودي خريطة طريق لما سيحدث تالياً.

لقد حاولت باكستان حشد الدعم الدولي ضد ما تصفه بقرار الهند غير القانوني بشأن وضع كشمير. لكن لا يساعد قضيتها كثيراً سجلها الطويل في دعم الجهاديين المعادين للهند. علاوة على ذلك، فإن معظم القوى الغربية ترى في نيودلهي شريكاً مهماً. ومن غير المرجح أن تهز قارب علاقاتها بها بسبب كشمير، ما لم يخرج العنف عن نطاق السيطرة.

ويتمثل أبرز الأخطار في حدوث هجوم يشنه المسلحون يطلق تصعيداً جدياً. ففي كشمير، يتوارى المتمردون عن الأنظار الآن لكنهم ما زالوا نشطين. وبالفعل، فإن عمليات الهند العسكرية ثقيلة الوطأة في كشمير على مدى السنوات القليلة الماضية أدت إلى نشوء جيل محلي من المرجح أن يزداد عدده بعد عمليات القمع الأخيرة. ومن شبه المؤكد أن ضربة توجه إلى القوات الهندية ستحدث رداً انتقامياً هندياً ضد الباكستان، بصرف النظر عما إذا كانت إسلام أباد ضالعة في التخطيط للحدث أم لا. وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن للجارين النوويين أن يندفعا نحو الحرب.

ينبغي على الأطراف الخارجية الدفع نحو التسوية قبل فوات الأوان. ولن يكون ذلك سهلا ً؛ إذ ينشط الجانبان أمام جمهور محلي ليس في مزاج التوصل إلى تسوية. إن استئناف الحوار الثنائي، المعلق منذ العام 2016، أمر جوهري ويتطلب ضغوطاً متضافرة، خصوصاً من العواصم الغربية. وتحقيق أي تقدم يتطلب من باكستان اتخاذ إجراءات ذات مصداقية ضد الجهاديين الذين ينطلقون من أراضيها، وهو ما يشكل شرطاً غير قابل للتفاوض بالنسبة للهند كي توافق على مجرد الانخراط في حوار. كما ينبغي على الهند، من جهتها، أن توقف قطع الاتصالات، وأن تطلق سراح السجناء السياسيين، وأن تعود بشكل عاجل إلى الحوار مع القادة الكشميريين. وينبغي على الطرفين استئناف التجارة والسفر للكشميريين عبر الحدود.

إذا ظهرت أزمة جديدة، سيترتب على القوى الخارجية رمي ثقلها الكامل وراء المحافظة على السلام على الحدود المتنازع عليها.

9. فنزويلا

انتهت سنة قضتها فنزويلا بحكومتين دون تسوية. فما يزال الرئيس نيكولاس مادورو ممسكاً بزمام الأمور، بعد نجاحه في مواجهة انتفاضة مدنية – عسكرية في نيسان/أبريل وتجاوز مقاطعة إقليمية وجملة من العقوبات الأمريكية. إلا أن حكومته تبقى معزولة ومحرومة من الموارد، بينما يعاني الفنزويليون من الفقر المدقع وانهيار الخدمات العامة.

خوان غوايدو، رئيس الجمعية الوطنية تولى الرئاسة المؤقتة في كانون الثاني/يناير الماضي، واجتذب حشوداً كبيرة ودعماً خارجياً لمطالبته لمادورو، الذي أعيد انتخابه في انتخابات إشكالية في العام 2018، بترك منصبه. إلا أن بقاء الحكومة التي لا تحظى بالشعبية قدم لغوايدو، وكذلك للولايات المتحدة وحلفائها في أمريكيا اللاتينية مثل البرازيل وكولومبيا، دروساً قاسية. ولا يستطيع أحد أن يستبعد انهيار الحكومة. رغم ذلك، فإن الأمل بحدوث ذلك يشبه، على حد تعبير أحد نواب المعارضة الذي قال لأحد الزملاء في مجموعة الأزمات، "كالفقير الذي ينتظر ربح ورقة يانصيب".

بداية، قلل خصوم مادورو من قوة حكومته – وخصوصاً ولاء القوات المسلحة. لكن رغم الصعوبات، ظلت المجتمعات الفقيرة غير مقتنعة بشكل عام بالمعارضة. وأضافت العقوبات الأمريكية الضغوط على السكان ودمرت صناعة النفط المترنحة، لكن تم الالتفاف عليها من قبل لاعبين يعملون في الظل عبر ثغرات الاقتصاد العالمي. وأبقت صادرات الذهب والحصول على الدولارات نقداً البلاد عائمة وساعدت على إثراء نخبة محدودة العدد. وانضم كثيرون ممن ظلوا خارج اللعبة إلى الأعداد الكبيرة من الفنزويليين الذي خرجوا من البلاد، والذين يبلغ عددهم حالياً 4.5 مليون، والذين يرسلون بدورهم عائدات إلى البلاد للمحافظة على بقاء عائلاتهم.

للأزمة تداعيات أخرى؛ حيث تقدر الأمم المتحدة أن سبعة ملايين فنزويلي بحاجة للمساعدات الإنسانية، وكثيرون منهم على المناطق الحدودية التي تنشط فيها مجموعات مسلحة، بمن فيها مجموعات حرب العصابات الكولومبية. رغم أن الحكومتين الكولومبية والفنزويلية تتشاطران حدوداً بطول 1,300 ميل ينتشر فيها المجرمون، والعنف وأجزاء كبيرة منها غير محروسة، فإنهما لا تتحدثان إلى بعضها البعض، وتتبادلان بدلاً من ذلك الإهانات وتحميل المسؤولية بإيواء مجموعات مسلحة عميلة. وقد أصبحت الحدود نقطة الاشتعال الرئيسية لفنزويلا. وفي هذه الأثناء، فإن الانقسام بين دول أمريكا اللاتينية التي تدعم غواديو وتلك التي تدعم مادورو فاقم مناخ الاستقطاب الإقليمي.

مع تقليل الولايات المتحدة فيما يبدو من احتمال التدخل العسكري – رغم أن متشددي المعارضة الفنزويلية يطالبون بذلك – فإن القضية الآن هي ما إذا كان عناد مادورو وغياب الواقعية لدى المعارضة وواشنطن سيعني تعمق الأزمة واحتمال اشتعالها، أو ما إذا كان باستطاعة الأصوات الأكثر براغماتية العثور على مسار نحو الاتفاق. المؤشرات ليست واعدة جداً؛ فقد تم تعليق المحادثات بين الحكومة والمعارضة بتيسير من النرويج في أيلول/سبتمبر.

لكن ما يزال من الممكن العثور على مخرج تفاوضي من الاضطرابات. وتحقيق ذلك يتطلب تنازلات من جميع الأطراف: سيترتب على المعارضة التخلي عن مطلبها بمغادرة مادورو لمنصبه الآن؛ وسيترتب على الحكومة القبول بخطوات تضمن إجراء انتخابات برلمانية ذات مصداقية وبرقابة دولية في العام 2020 وأيضاً انتخابات رئاسية مبكرة – ذات مصداقية مماثلة – في المستقبل القريب؛ وسيكون على الحكومة الأمريكية رفع العقوبات تدريجياً مع تحقيق التقدم نحو التسوية. وسيكون ذلك ثمناً مقبولاً لسلام فنزويلا واستقرارها، ولتحاشي كارثة أسوأ بكثير.

10. أوكرانيا

لقد دفع الكوميدي الأوكراني الذي تحول إلى رئيس، فولوديمير زيلينكسي، الذي انتخب في نيسان/أبريل 2019 طاقة جديدة في الجهود لإنهاء صراع كييف المستمر منذ ست سنوات مع الانفصاليين المدعومين من روسيا في مقاطعة دونباس شرق البلاد. لكن ورغم أن السلام يبدو أكثر قابلية للتحقق مما كان قبل سنة، فإنه ما يزال بعيداً عن أن يكون مضموناً.

سلف زيلينسكي، بيترو بوروشينكو، تفاوض على اتفاقات مينسك في عامي 2014 و2015، بهدف إنهاء الصراع في دونباس؛ حيث تدعو الاتفاقات إلى إعادة إدماج المناطق الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين في أوكرانيا مقابل منحها حكماً ذاتياً، أو "وضعاً خاصاً". إلا أن الاتفاقات تبقى دون تنفيذ بالنظر إلى اختلاف كييف وموسكو على تفاصيلها وتتابع خطواتها.

تعهد زيلينسكي خلال حملته الانتخابية بتحقيق السلام. وفسر فوزه وفوز حزبه في انتخابات العام 2019 بأنه تفويض لفعل ذلك. وبدأ بالتفاوض على انسحابات متبادلة من المواقع على خطوط الجبهة وعلى وقف إطلاق للنار مع روسيا والمجموعات الموالية لها. في أيلول/سبتمبر، توصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تبادل الأسرى. وفي الشهر التالي، صادق على ما يسمى صيغة شتاينماير التي قدمها في العام 2016 فرانك – وولتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا حينذاك ورئيسها الآن، التي اقترحت إجراء انتخابات في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، انتخابات تفضي إلى منحها وضعاً خاصاً مؤقتاً، ومن ثم إذا كانت الانتخابات ذات مصداقية، وضعاً خاصاً دائماً وإعادة إدماجها في أوكرانيا.

من وجهة نظر زيلينسكي فإن الصيغة تتطلب سيطرة أوكرانيا على تلك المناطق قبل إجراء الانتخابات. لكنه واجه رغم ذلك رد فعل محلي فوري من تحالف لمنظمات المحاربين القدماء، ومجموعات اليمين المتشدد، ومن المثقفين. على العكس من ذلك، فقد رحبت موسكو والقادة الانفصاليين بقبول زيلينسكي بالصيغة، رغم شروطه.

في كانون الأول/ديسمبر، اجتمع زيلينسكي وبوتين في باريس مع ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. لم يتمكن القادة من الاتفاق على تتابع خطوات مينسك لكنهم غادروا ومعهم خطط لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار، ومزيد من فك الاشتباك في مواقع خط الجبهة، وزيادة مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وفتح معابر جديدة للمدنيين عند خط التواصل الذي يفصل بين القوات الأوكرانية والانفصالية.

يبدو منتقدو زيلينسكي الداخليين راضين بأنه لم يتنازل في باريس. وهذا يعطيه مجالاً للمناورة. إذا مضت الأمور كما هو مخطط لها، فإن الاجتماع التالي في فرنسا، المتوقع عقده في الربيع، ينبغي أن يعالج المكونات الأخرى لاتفاق مينسك، بما في ذلك حالات العفو، والمزيد من انسحاب القوات، وإيجاد مسار نحو إعادة إدماج المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في أوكرانيا.

هناك الكثير مما قد لا يسير كما هو مخطط له. فخطط وقف إطلاق النار وفك الاشتباك سوف تنهار ويمكن للقتال أن يتصاعد. حتى إذا صمدت، فإن زيلينسكي بحاجة لتنازلات من موسكو كي يكون أمام السلام فرصة. لكن حتى الآن، ورغم أن موسكو كانت أكثر استعداداً للقبول باتفاقات مع زيلينسكي مما كانت مع سلفه، فإن مواقفها الجوهرية ما تزال دون تغيير؛ فهي تنكر أنها طرف في الصراع الذي أطلقته، وحاربت فيه، وموّلته. وتصر على أنه يتوجب على كييف أن تتفاوض على الحكم الذاتي لدونباس مع القادة الانفصاليين.

سيوفر السلام مكاسب لأوكرانيا وسيحمل مزايا لروسيا؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى رفع العقوبات وإزالة عبء الدعم المالي والعسكري للمناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون. ومن حلفائه الغربيين، يحتاج زيلينسكي إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها مع استمراره في كسب قلوب الناس في شرق أوكرانيا والتواصل مع موسكو.

* نشرت اصل المقالة في فورين بوليسي
https://www.crisisgroup.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق