q
ندرك قيمة الدولة ودورها في تسيير شؤون الناس وتنظيم مصالحهم، ننظر حينما تغيب هذه الفكرة ـ المؤسسة، عن حياة أي مجتمع، حيث تنتشر الفوضى، ويدب الخصام والصراع بين مكونات وتعبيرات المجتمع، ويضحى الإنسان مهددا في كل شؤونه. وجود مؤسسة الدولة في أي بيئة إنسانية، هو...

في الحياة الإنسانية ثمة منجزات نوعية، لا زالت قادرة على تقديم مكاسبها للإنسان الفرد والجماعة ولولاها لدخلت الكثير من المجتمعات الإنسانية في دائرة ضياع المصالح والفوضى التي تدمر كل شيء.

وأحسب أن من أهم المنجزات التي صنعها الإنسان في هذه الحياة الطويلة، هي فكرة الدولة، بوصفها مؤسسة كبرى لتنظيم شؤون المجتمعات وإدارة مصالحها والحفاظ على مكاسبها.

وإذا أردنا أن ندرك قيمة الدولة ودورها في تسيير شؤون الناس وتنظيم مصالحهم، ننظر حينما تغيب هذه الفكرة ـ المؤسسة، عن حياة أي مجتمع، حيث تنتشر الفوضى، ويدب الخصام والصراع بين مكونات وتعبيرات المجتمع، ويضحى الإنسان مهددا في كل شؤونه.

لهذا فإننا نعتقد أن وجود مؤسسة الدولة في أي بيئة إنسانية، هو من ضرورات الحياة، وأنه لولا وجود هذه المؤسسة، لضاعت الحقوق، وتلاشت المكاسب، وأضحت حياة الإنسان بدون ناظم لتنظيم مصالحهم المختلفة.

من هنا فإن الدولة كفكرة ومؤسسة عامة. هي ضرورة من ضرورات الوجود الإنساني، وأنه لا يمكن أن تنظم مصالح الناس المختلفة بدون وجود مؤسسة الدولة. فهي ضرورة وحاجة في آن. لأن المجتمعات الإنسانية التي تفتقد الدولة ـ المؤسسة، ترى أن ضمن أولوياتها وأهدافها الملحة بناء مؤسسة الدولة لتنظيم شؤونهم المختلفة، والحفاظ على مصالح الأفراد والمجموعات البشرية في آن.

ولكون العديد من المجتمعات العربية اليوم مهددة بانهيار الدولة ودخولها في نفق الفوضى الرهيبة، من الضروري في هذا السياق بيان وذكر النقاط التالية:

1ـ إن الدول بصرف النظر عن أيدولوجياتها ومستوى قدرتها على إدارة شؤون الناس فيها، ومدى التزامها بمقتضيات العدالة والتداول، لا زالت ضرورة من ضرورات الوجود الإنساني. وإنه لا يمكن لأي مجتمع اليوم من الاستغناء عن فكرة ومؤسسة الدولة. فكل المجتمعات الإنسانية اليوم بصرف النظر عن درجة تقدمها أو تخلفها وبمدى التقدم الذي أحرزه الناس في حياتهم المختلفة، لا زالت كل المجتمعات الإنسانية بحاجة إلى الدولة، بوصفها هي المعادل الموضوعي للنظام القادر على تنظيم شؤون الناس وتصريف مصالح الناس بدون التعدي عليها أو الاستخفاف بها أو الافتئات عليها.

لذلك فإن كل المشروعات الأيدلوجية والسياسية التي تفكر في الاستغناء المباشر أو غير المباشر عن فكرة ومؤسسة الدولة، هي مشروعات تساهم بشكل مباشر في ضياع مصالح الناس ومكاسبهم المختلفة. فالدولة في كل المجتمعات الإنسانية لا زالت ضرورة وجود وحياة. وإن هذه المؤسسة الكبرى مهما كانت عيوبها أو أخطائها فإن كل هذه العيوب والأخطاء، لا يمكن أن تعالج بالتخلص من فكرة الدولة أو إلغاءها من الوجود الإنساني. فلا زالت هي حاجة ملحة وضرورية لكل الناس.

2ـ لكون المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، تعاني من خطر الإرهاب والعنف الذي بدأ بالبروز في الحياة العامة. فإن هذه المجتمعات لا يمكن أن تواجه تحديات الإرهاب والعنف بتضعيف مؤسسة الدولة أو التشجيع على إلغاءها عن الحياة العامة. لأن هذه الخطوة ستفضي من الناحية الواقعية بالمزيد من فرص انفجار العنف واستخدامه بدون مرجعية قانونية أو إدارية، مما يحول غياب أو ضعف الدولة في أي مجتمع، إلى فرصة لتدهور الأوضاع على كل المستويات وبروز أمراض الانتقام والقتل العشوائي وما أشبه ذلك.

لذلك إننا نعتقد أن كل التحديات التي تطلقها آفتي العنف والإرهاب، لا يمكن مواجهتها إلا بمؤسسة الدولة وأجهزتها المختلفة.

صحيح قد تصاب بعض أجهزة الدولة ببعض العيوب، ولكن مهما كانت عيوب الدول، لا غنى عنها كمؤسسة ناظمة لمصالح الجميع ومحافظة على آليات الانتظام العام.

من هنا وفي ظل هذه الظروف الحساسة التي تعيشها المنطقة بأسرها على كل المستويات، بحاجة أن نعيد الاعتبار لفكرة ومؤسسة الدولة، وإن المجتمع بكل مكوناته وتعبيراته، ليس بديلا عن الدولة ومؤسساتها.

لذلك مهما كانت المشاكل والصعوبات، نحن أحوج ما نكون إلى حماية فكرة الدولة في فضائنا السياسي والاجتماعي في كل بيئاتنا العربية.

وإن العيوب والمشاكل التي نواجهها في العالم العربي، لا يمكن أن تواجه بتغييب فكرة ومؤسسة الدولة.

ولا نريد لوطننا العربي أن ينخرط في فتنة تغييب أو تضعيف مؤسسة الدولة.

لأن كل محاولة لتضعيف فكرة ومؤسسة الدولة، ستفضي إلى نتائج كارثية على مستوى الحياة العامة. وإنه لا يمكن لأي فئة اجتماعية أن تقبض على مصالحها بدون وجود إطار ومؤسسة الدولة.

3ـ لو تأملنا في حياة المجتمعات العربية التي احتربت داخليا مع بعضها البعض، وعاشت مرحلة الحرب الأهلية بكل مكوناتها وتعبيراتها. سنجد أن هذه المجتمعات وبعد تجربتها المرة في الحرب الأهلية، ترى أنه لا حل ولا علاج لوضعها إلا بالدولة. فالدولة حينما تغيب والمجتمع بكل تعبيراته ومكوناته، يعيش الصراع والتنافس الصريح بين كل أطرافه، فإن الصراع المفتوح بين جميع الأطياف، سيقود إلى انهيار المجتمع بكل فئاته في أتون الحرب والقتل المتبادل.

وإن وقف الانهيار الاجتماعي، لا يمكن أن يتحقق عمليا بدون إعادة الاعتبار إلى الدولة كفكرة ومؤسسة، فهي القادرة على إخراج المجتمع من صراعاته الداخلية، وهي المؤسسة الوحيدة القادرة على تنظيم مصالح كل الفئات والأطياف بعيدا عن احتمالات الحرب أو الصراع المفتوح.

لذلك فإن المطلوب في هذا السياق رفض كل نزعة تستهدف إسقاط الدولة كمؤسسة ناظمة لشؤون المجتمع من التجربة العربية المعاصرة.

فمهما كانت عيوب الدولة في التجربة العربية المعاصرة، فإن غيابها أكثر عيبا وخطرا على الجميع.

والناس بكل مكوناتهم وتعبيراتهم، مهما كانت قوتهم الفعلية أو الافتراضية، ليسوا بديلا عن مؤسسة الدولة. ولا نريد لمجتمعاتنا الوقوع في براثن الفوضى أو الضياع في متاهات مشروعات سياسية وأيدلوجية تستسهل فكرة تغييب مؤسسة الدولة.

وعليه فإن مؤسسة الدولة بكل أجهزتها، هي المعنية بأمن الناس والمجتمعات التي تديرهم.

وإن كل الجهود الاجتماعية المبذولة في هذا السياق، ينبغي أن تكون داعمة لأجهزة الدولة وليست بديلا عن أجهزة الدولة.

أسوق كل هذا الكلام، لتفنيد كل أوهام الاستغناء عن فكرة ومؤسسة الدولة.

فهي أي مؤسسة الدولة، هي ضامن وحدة الوطن وهي القادرة وحدها على حماية أمن المواطنين، وهي الضرورة التي لا يمكن لأي مجتمع الاستغناء عنها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق