q

تعد العمامة من أكثر أغطية الرأس شرفاً وهيبة وقدسية واعتباراً.. وهي تختلف عن باقي الأغطية بعظم رمزيتها، واتساع أثرها، واتباع العامة لمن يلبسها.. فهي تتفوق على العقال، مع ما له من رمزية، واصول عشائرية، وأعراف مجتمعية.. كما أن "للسدارة " و"الفينة" و"الجراوية" و"العرقجين" و"اليشماغ" و"الكاسكيتة" و"الخوذة" و"البيرية" وغير ذلك من أغطية الرأس مكانتها.. إلا ان جميع هذه الاغطية لاترقى الى مستوى العمامة.. فلكل زيه ومزاياه، وأعرافه وتقاليده، وبيئته ومجتمعه.. ولعل تأريخ العمامة شاهد على عظمة هذا الرداء ومكانته في المجتمعات.. وإذا كان كل من هب ودب يستطيع أن يلبس العقال والسدارة و"الجراوية"، فإن للعمامة طقوساً خاصة.

وهي من أغطية الرأس ذات الخصوصية الفريدة، والذين يلبسونها مميزون، وهناك مراسم خاصة عند لبسها لأول مرة، وهي اضافة إلى بعدها التاريخي، فهناك بعدان آخران أكثر أهمية.. ألا وهما البعد الديني، والبعد العلمي، فقد ارتبطت العمامة بالاسلام وغيره من الاديان، وأصبح مرتديها واعظاُ، ومرشداً، وعالماً، ومفتياً، ومجتهداً، ومدرساً او دارسا لعلوم الدين.. ولعل قدسيتها اتت من قدسية الدين وآثاره الروحية على الناس. والعمامة علامة الورع والتقوى، والالتزام، والتفقه، والعلم.. فلا يلبس العمامة جاهل أو متجاهل.. فهو أما طالب علم أو عالم.. ومن هنا توجب العمامة على مرتديها جملة ضوابط سلوكية، ولفظية، واتكيت خاص يتلائم مع مكانتها الاجتماعية..

واليوم نتحدث عن سلوكيات مرتدي العمامة ومسؤولياتهم الدينية والاجتماعية، وتوجهاتهم الحزبية والسياسية والمذهبية.. فهذه العمائم تضعنا احيانا في هرج ومرج، ومواقف لا نحسد عليها، وتراها في أحيان كثيرة سبباً للبلاء والبلوى، ولعل كثيرا من دماء العراقيين نزفت نتيجة فتوى ومواقف متشددة، صدرت من هذه العمامة أو تلك.. وما زالت بعض العمائم لا تليق برؤوس مرتديها.. فتلك الرؤوس ترتدي العمامة دون قيم.. بل كما ترتدي الأقدام الأحذية، لأنها خاوية.. ولا تُبقي للعمائم أية قيمة..

فالعمامة الحقة، هي تلك التي تسعى إلى الجمع والجماعة، ورفض الظلم، والسعي إلى العدالة، والتمثل بالقيم النبيلة، وحقن الدماء، والميل إلى السماحة والتسامح، وحث الناس على حب بعضهم بعضاً.. أما تلك العمائم المزيفة فإنها لا تساوي اكثر من ثمن القماش الذي صنعت منه.. أما القيم والاعتبارات والقدسية والشرف فإنها خالية منها تماما.

إن الأحداث التي مرت بالعراق بعد سقوط النظام جعلتنا نتعرف على عمائم تشبه الغنائم.. لا تجلب إلا الغم، ولا تنطق إلا بالهم، ولا تدعو إلا إلى الدم.. وكانت وما زالت تلك العمائم تقطر دماً وطائفية، ولا يخجل مرتدوها من رسول الله (ص).. الذي ارتدى العمامة وزادها شرفا ورفعة.. بل أنهم لا يخجلون من الله عز وجل.

إننا نرى يومياً ردود فعل عن ما يحدث في بلادنا، من قتل وتدمير، وتهجير، ونضع ذلك في الميزان، فإذا رجحت كفة العقل عند طرف، فإن كفة الرعونة والتحريض والوعيد ماثلة عند الطرف الآخر. ففي الوقت الذي يدعو فيه العلماء الاعلام إلى التهدئة والصبر على ما يجري، ويشجبون كل يوم أي توجه للقتل أو التهجير.. نرى أن بعض ممن ارتدى العمامة يبارك القتل، بل يدعو إليه ويحرض عليه، ويهيئ حيوانات مفخخة لتبعث بالموت والدمار في الأسواق والمقاهي، وتجمعات الناس والمساجد، حتى وصلت المفخخات إلى المآتم.. في الوقت ذاته هناك عمائم مازالت ملتزمة بنهج النبي (ص) وتحث المسلم على الصبر والتحسب لله عز وجل، حتى لا يرتكب خطأ، وردة فعل، عندما يجد أباه واخاه أو زوجته وابنه وقد مزقتهم مفخخات العمائم المزورة، وعمائم داعش الباغية.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق