q
يواجه العراق بعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحدّيات كبيرة من شأنها أن تؤدّي إلى الإطاحة بالنظام السياسيّ، إن لم تنجح الطبقة السياسيّة في إدارة المرحلة الانتقاليّة بحكمة، فقد أعلن رئيس الوزراء العراقيّ عن استقالته، في ردّة الفعل الحكوميّة الأولى تجاه الحراك الجماهيريّ الواسع، الذي يواصل نشاطه...

يواجه العراق بعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحدّيات كبيرة من شأنها أن تؤدّي إلى الإطاحة بالنظام السياسيّ، إن لم تنجح الطبقة السياسيّة في إدارة المرحلة الانتقاليّة بحكمة، فقد أعلن رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أنّه سيقدّم استقالته في شكل رسميّ إلى مجلس النوّاب، في ردّة الفعل الحكوميّة الأولى تجاه الحراك الجماهيريّ الواسع، الذي يواصل نشاطه في العراق منذ نحو الشهرين.

ويشرح القاضي السابق والخبير القانونيّ علي التميمي الخطوات القانونيّة التي يقرّها الدستور، بعد إعلان رئيس الحكومة الاستقالة، بالقول إنّ "رئيس الجمهوريّة يوافق عليها وفق المادّة 18 من نظام مجلس الوزراء، حيث تعتبر الحكومة مستقيلة بكامل وزرائها"، مشيراً إلى أنّ "للبرلمان الحقّ في إقالة رئيس الوزراء حيث تعتبر الحكومة كلّها مستقيلة".

وقال التميمي إنّ "الدستور، وبعيداً عن إرادات الكتل السياسيّة التي غالباً ما تلتفّ على القوانين، ينصّ على أنّ الكتلة البرلمانيّة الأكبر، وهي تحالف سائرون هي التي اختارت رئيس الوزراء الحاليّ، وبالتالي فإنّ المرشّح الجديد يجب أن يرشّح من الكتلة التي تلي سائرون في عدد المقاعد النيابيّة، وهي الفتح".

لكنّ التميمي يشكّك في نجاح ذلك، لأنّ المتظاهرين "يريدون تغييراً سياسيّاً ودستوريّاً شاملاً، الأمر الذي يضع الأزمة على أبواب مفتوحة من التصعيد"، وهو ما يؤكّده أيضاً الناشط في ساحة التظاهرات نذير الأسدي الذي يقول إنّ "استقالة رئيس الحكومة ليست الهدف النهائيّ للمتظاهرين الذي يسعون الى إزالة الطبقة السياسيّة والبرلمانيّة في الكامل، والتي تخشى الانتخابات المبكرة، خوفاً من فقدانها مواقعها ومناصبها".

لكنّ حديث النائب صادق السليطي عن تحالف سائرون، المشارك الأساسيّ في الحكومة، وله الكتلة الأكبر في البرلمان، لا يشير إلى خشية من الانتخابات المبكرة، فيقول إنّ "التحالف يدعم انتخابات مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات"، مشترطاً أن "يتمّ اختيار رئيس الوزراء من خلال استفتاء شعبيّ مباشر".

ويرى السليطي أنّ "ذلك سوف يرضي الشعب، بعد أن يكون رئيس الوزراء قادراً على اختيار الوزراء، بعيداً عن محاصصة الأحزاب والفصائل والطوائف"، وتتجاوز مطالبات المتظاهرين ما يعتقده السليطي، ففي بيان لهم، أعلن متظاهرو 10 محافظات عراقيّة عن 7 نقاط بعد اعلان عبد المهدي الاستقالة، وهي "استمرار التظاهرات حتّى الخلاص من الأحزاب وإنهاء المحاصصة، وتعديل الدستور، وتعيين قانون انتخابات عادل ومفوّضيّة انتخابات جديدة، وانتخابات مبكرة بإشراف أمميّ، ومحاسبة كلّ الذين شاركوا في قتل المتظاهرين، ضمنهم عادل عبد المهدي".

وسعت أحزاب سياسيّة أيضاً إلى طرح خارطة طريق لمرحلة ما بعد عبد المهدي، إذ طالب رئيس ائتلاف الوطنيّة إياد علّاوي، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بـ"تشكيل حكومة تصريف أعمال، مهمّتها التهيئة لإجراء انتخابات نزيهة مبكرة بمدّة لا تتجاوز الـ4 أو 5 أشهر، وإقالة المفوّضيّة الحاليّة واعتماد مفوّضيّة جديدة"، فيما دعا حزب الدعوة "جميع الأطراف العراقيّة إلى اختيار رئيس وزراء يرضي الجميع".

وكانت مصادر إعلاميّة ووسائل تواصل اجتماعيّ روّجت لأسماء مرشّحة لرئاسة الوزراء، وفي حين لم يصدر عن أيّ جهة سياسيّة في صورة رسميّة ما يؤكّد ذلك، إلّا أنّ البعض عدّها جسّ نبض للشارع العراقيّ، وكذّبها بيان لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 الذي ورد اسمه في القائمة المفترضة، معتبراً أنّ "جهة سياسيّة تسعى إلى رئاسة الوزراء هي التي روّجت لقائمة المرشّحين لأجل التسقيط السياسيّ".

لكنّ النائب في البرلمان العراقيّ عبّاس يابر لا يتحدّث عن زيف الأسماء بقدر الإشارة إلى أنّ "البدلاء المفترضين الذين تمّ الترويج لهم ليس لديهم قبول شعبيّ"، مشيراً إلى أنّ "المداولات النيابيّة تفضي إلى الاتّفاق على أن يكون رئيس الحكومة الجديد مستقلّاً تماماً عن الأحزاب"، تتّفق وجهة نظر مكتب الأمين العامّ لحركة إنجاز التابع إلى وزير الداخليّة السابق باقر جبر الزبيدي في اتّصال لـ"المونيتور" معه، مع حلول الأزمة التي طرحها المتظاهرون في "التأسيس لمفوّضّية انتخابات بعيدة عن سيطرة المتنفّذين، تجنّباً لأساليب الحرق والتزوير"، معتبراً أنّ ذلك "سوف ينتج برلماناً حقيقيّاً وحكومة قويّة".

وفي تفهّم كامل لمطالب المتظاهرين، من دون الحلول الجزئيّة، قال النائب عن تحالف الفتح محمّد البلداوي إنّ "المباحثات سياسيّة تقترب من تلبية المطالب الجماهيريّة في حلّ مجلس النوّاب بعد تشكيل الحكومة الجديدة، لا سيّما وأنّ إلغاء عمل الرئاسات الثلاث هو مطلب رئيسيّ للمتظاهرين".

لا يعتقد مدير مركز دراسات المشرق العربيّ الدكتور علي المؤمن، أنّ "خارطة الطريق القانونيّة والسياسيّة معقّدة في اتّجاه إنتاج حكومة جديدة، وربّما تكمن الصعوبة النسبيّة من الناحية السياسيّة في توافق الكتل البرلمانيّة على إيجاد شخصيّة رئيس الوزراء البديل، كما أنّ هناك صعوبة أيضاً من الناحية القانونيّة في تحديد الكتلة العدديّة الأكبر في البرلمان والتي تقدّم مرشّحها إلى رئاسة الحكومة الجديدة".

وفق المؤمن، فإنّ "الحكومة الحاليّة ستكون حكومة تصريف أعمال بعد سحب البرلمان الثقة عنها، وهذا يعني عدم خلوّ منصب رئيس الوزراء، بل كون من يشغله منتهية ولايته، لكنّه يصرّف الأعمال إلى حين تصويت مجلس النوّاب على رئيس وزراء جديد يحلّ محلّه"، مشيراً إلى أنّه "ستكون أمام رئيس الجمهوريّة فرصة 30 يوماً لتكليف مرشّح جديد لرئاسة الوزراء، لكن ينبغي ابتداء تحديد الكتلة الأكبر عدديّاً بالسياقات القانونيّة، ثمّ تقدّم الكتلة مرشّحها ليكلّفه رئيس الجمهوريّة، ليقوم رئيس الوزراء المكلّف بترشيح الوزراء الجدد، وسيكون أمامه فرصة 30 يوماً للحصول على ثقة البرلمان"، مشيراً إلى أنّه " في إمكان الحكومة الحاليّة البقاء 60 يوماً لتصريف الأعمال".

وفي حين يتوقّع المؤمن أنّ "رئيس الوزراء سيكون مستقلّاً وكذلك الوزراء، وأنّ الحكومة الجديدة التي تعقب الموقّتة ستكون حكومة سياسيّة كتلويّة، أي تابعة إلى الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد"، يرى المحلّل السياسيّ في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجيّة هشام الهاشمي أنّ "القوى السياسيّة النافذة وكتلها البرلمانيّة تسعى إلى التهدئة عبر الاتّفاق على حكومة موقّتة لمدّة 6 أشهر كمحطّة للاستعداد لانتخابات مبكرة"، مشيراً إلى أنّ "هذا الاحتمال هو الأقرب إلى التحقيق"، غير أنّ هذه التهدئة، ربّما تكون قصيرة الأمد، إذا ما أخذت في الاعتبار طروحات التظاهرات في الإصرار على الاستمرار، إلى تحقيق الغاية المنشودة، وهي الإطاحة بالطبقة السياسيّة والبرلمانيّة بكاملها.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق