q

يقول الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي ـ مون "ما زال العنف ضد النساء والفتيات مستمراً دون هوادة في جميع القارات والبلدان والثقافات. وهو يحدث أثراً ‏مدمراً على أرواح النساء وعلى أسرهن وعلى المجتمع بأسره. ورغم أن معظم المجتمعات تحظر هذا العنف – إلا ‏أنه في واقع الأمر يتم التستر عليه أو التغاضي عنه ضمنياً في أكثر الأحيان".‏

وفي هذا الإطار، استنتجت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، الدورة الحادية عشرة، 1992، "أن تقارير الدول الأطراف لا تعكس على نحو كاف الصلة الوثيقة بين التمييز ضد المرأة والعنف القائم على أساس نوع الجنس، وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ويقتضي التنفيذ الكامل للاتفاقية أن تتخذ الدول تدابير عملية للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة".

فما معنى العنف ضد المرأة؟ وما هي أسبابه ووسائله؟ وما هي الضمانات المطلوبة لحماية المرأة من العنف؟

هناك مجموعة من الحقوق والحريات التي ينبغي أن تتمتع بها المرأة، وتشتمل هذه الحقوق والحريات: أ-الحق في الحياة؛ ب- الحق في ألا تخضع المرأة للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ ج-الحق في الحماية المتساوية بموجب القواعد الإنسانية وقت النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية؛ د- الحق في حرية شخصها وأمنها؛ هـ- الحق في الحماية المتساوية أمام القانون؛ و- الحق في المساواة في نطاق الأسرة؛ ز- الحق في التمتع بأعلى المستويات الممكنة من الصحة الجسدية والنفسية؛ ح- الحق في العمل في ظروف عادلة ومواتية.

وبالتالي، فان العنف القائم على أساس نوع الجنس الذي ينال من تمتع المرأة بتلك الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي أو بمقتضى اتفاقيات حقوق الإنسان، أو يبطل تمتعها بتلك الحقوق والحريات، يعتبر تمييزا في إطار معنى المادة "1" من اتفاقية التمييز ضد المرأة. وكما نص إعلان بيجين في سنة 1995 بأن العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان وعائق لتمتع المرأة التام بكل حقوق الإنسان.

 يعرّف العنف ضد المرأة بأنه "سلوك أو فعل موجّه إلى المرأة يقوم على القوة والشدّة والإكراه، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية، ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، والذي يتخذ أشكالا نفسية وجسدية ومتنوعة في الإضرار. (إبراهيم بهلوي – العنف ضد المرأة، مظاهره ونتائجه).

 أما الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي وقعته الأمم المتحدة سنة 1993 فقد عرّف العنف ضد المرأة بأنه (أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحريـة، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة).

 يأتي العنف في إطار العلاقات الأسرية في مقدمة العنف الذي تتعرض له النساء من جميع الأعمار، بما في ذلك الضرب، والاغتصاب، وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي، والعنف النفسي وغيره من أشكال العنف التي ترسخها المواقف التقليدية. وعدم الاستقلال الاقتصادي يرغم كثير من النساء على البقاء في علاقات عنف. وتحلل الرجال من مسؤولياتهم الأسرية يمكن أن يعتبر شكلا من أشكال العنف والإكراه. وهذه الأشكال من العنف تعرض صحة المرأة للخطر وتضعف قدرتها على المشاركة في حياة الأسرة والحياة العامة على أساس من المساواة.

 ويزيد الفقر والبطالة في إطار العلاقات المجتمعية العامة من فرص العنف ضد المرأة، مثل الاتجار بالمرأة، وأعمال الاستغلال الجنسي في ما يعرف بالسياحة الجنسية، وتوظيف العاملين في المنازل من البلدان النامية للعمل في العالم المتقدم النمو، والزيجات المنظمة بين نساء العالم النامي والمواطنين الأجانب. كما أن الفقر والبطالة يرغمان كثيرا من النساء ومنهن الفتيات الصغيرات على البغاء. وهذه الممارسات لا تتماشى مع تساوي المرأة في التمتع بالحقوق، ومع احترام حقوقها وكرامتها. فهي تضع المرأة في خطر خاص من العنف وإساءة المعاملة.

 وفي مجال العمل والاختلاط بين الجنسين يمكن أن تحدث إساءة بالغة إلى المساواة في العمالة عندما تتعرض المرأة لعنف أساسه نوع الجنس، مثل المضايقة الجنسية وهو أي سلوك مقيت ومتعمد أساسه الجنس، مثل الملامسات البدنية والعروض المادية، والملاحظات ذات الطابع الجنسي، وعرض المواد الإباحية والمطالب الجنسية سواء بالقول أو بالفعل.

 من جانب آخر، كثيرا ما تؤدي الحروب والمنازعات المسلحة واحتلال الأراضي إلى زيادة البغاء والاتجار بالنساء والاعتداء الجنسي عليهن، كما في المناطق التي اغتصبها تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، مما يستدعي تدابير وقائية وجزائية معينة.

 بينما يعتقد بعض الباحثين "أن أشد الأسلحة أو الوسائل عنفا ضد المرأة يعتمده الرجل عند ارتكابه للعنف ضد المرأة هو (القانون أو التشريع) فهناك عدد لا يستهان به من القوانين والتشريعات التي تشكل عنفا وتمييزا ضد المرأة وتسمح للرجل بأن يمارس عنفه ضدها أو تبرره له فضلا عن غياب نصوص تشريعية تجرّم أفعالا يمارسها الرجل ضد المرأة وتشكل عنفا وانتهاكا لحقوقها وآدميتها وكرامتها. (الدكتورة بشرى العبيدي، العنف المرتكب ضد المرأة).

 وبالتالي، فإن النتائج التي تنطوي عليها هذه الأشكال من العنف القائم على أساس نوع الجنس تساعد على إبقاء المرأة في أدوار تابعة، وتساعد على انخفاض مستوى اشتراكها السياسي، وعلى انخفاض مستوى تعليمها ومهاراتها وفرص عملها، كما تساهم هذه المواقف في نشر الإباحية وتصوير المرأة واستغلالها تجاريا باعتبارها أدوات جنسية وليست بشرا سويا. وهذا بدوره يسهم في العنف القائم على أساس نوع الجنس.

 من هنا لابد من دراسة أسباب العنف ضد المرأة وعواقبه وفعالية التدابير الوقائية، ولابد من اتخاذ تدابير متكاملة لمنع العنف ضد المرأة والقضاء عليه. وبناء عليه، فان هناك جملة من التوصيات يمكن أن تساهم في تقليل حدة العنف ضد المرأة، وهي:

أولا- ينبغي أن تتيح القوانين التي تناهض العنف وإساءة المعاملة في الأسرة، والاغتصاب، والاعتداء الجنسي وغيره من أشكال العنف القائم على أساس نوع الجنس، حماية كافية لجميع النساء، واحترام سلامتهن وكرامتهن.

ثانيا- تدريب العاملين في القضاء وفي إنفاذ القوانين وغيرهم من الموظفين الحكوميين على الإحساس بتمايز الجنسين أمر أساسي لفعالية تنفيذ الاتفاقية.

ثالثا- ينبغي اتخاذ تدابير لمنع الإكراه فيما يتعلق بالخصوبة والإنجاب، وأن تكفل عدم اضطرار المرأة إلى اللجوء إلى الإجراءات الطبية غير المأمونة كالإجهاض غير المشروع بسبب الافتقار إلى الخدمات المناسبة فيما يتعلق بالتحكم في الخصوبة.

 رابعا- سن تشريعات لإبطال دفاع الشرف فيما يتعلق بالاعتداء على إحدى أفراد الأسرة الإناث أو قتلها.

خامسا- اتخاذ تدابير الحماية، بما في ذلك توفير خدمات المأوى والإرشاد وإعادة التأهيل والدعم للنساء اللائي يقعن ضحية للعنف أو يتعرضن لخطر العنف.

سادسا- وضع برامج لإعادة التأهيل خاصة بمرتكبي العنف المنزلي؛ ودعم الخدمات المقدمة للأسر التي حدثت فيها حوادث السفاح أو الاعتداء الجنسي.

سابعا- ينبغي أن تشتمل تدابير حماية المرأة من العنف على توفير فرص التدريب والعمالة ورصد ظروف العمالة بالنسبة للعاملات في المنازل.

ثامنا- فرض عقوبات جنائية عند الاقتضاء ووسائل انتصاف مدنية في حالة حدوث العنف المنزلي.

تاسعا- من الضروري اتخاذ تدابير وقائية وعقابية محددة للتغلب على الاتجار بالمرأة والاستغلال الجنسي.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://adamrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

..........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق