q
عملي يحتم عليّ التجول في ازقة وشوارع المدينة وفي اوقات مختلفة، ففي كل مرة اصادف شيئا جميلا وأحيانا أخرى ألاحظ الاجمل، فهم اطفال بعمر الورود يغادرون منازلهم ووسائل تسليتهم وراحتهم ليكونوا الى جانب الكبار مشاركين فاعلين بتقديم الخدمة للزائرين الوافدين من مختلف انحاء العالم اجتمعوا بجوار سيد الشهداء...

عملي يحتم عليّ التجول في ازقة وشوارع المدينة وفي اوقات مختلفة، ففي كل مرة اصادف شيئا جميلا واحيانا أخرى ألاحظ الاجمل، فهم اطفال بعمر الورود يغادرون منازلهم ووسائل تسليتهم وراحتهم ليكونوا الى جانب الكبار مشاركين فاعلين بتقديم الخدمة للزائرين الوافدين من مختلف انحاء العالم اجتمعوا بجوار سيد الشهداء عليه السلام لاحياء ذكرى اربعينيته.

عندما تطالع في وجوههم تجد البراءة في عيونهم وتفيض من شفاههم عبارات الذوبان في العشق الحسيني، تُرى لماذا يعشقون ولماذا يقفون ايضا؟.

في علم الوراثة اثبتت الدراسات والتجارب العلمية ان الابناء يحملون الكثير من صفات الابويين فاذا كانا صالحين صلحا، واذا كان العكس من ذلك فان من الطبيعي سينعكس على تربية الابناء ونشأتهم بصورة عامة.

فالعيش ببيئة لم تخلو ساعات من الحديث بسيرة نبي الرحمة واهل بيته الاطهار عليهم الصلاة والسلام لاشك سيعمل على وضع البذرة الاولى في نفوس الاطفال من اجل اتباع النهج السماوي المعتدل والمتجسد بفكر وعلوم اهل البيت عليهم السلام.

فمشاركة الاطفال تعطي انعكاسات كثيرة من بينها ان الخط الحسيني ولاد ولا يمكن ان يحيد عنه اصحاب العقول المنغمسة بفكر ونهج القضية الحسينية الخالدة، وكذلك تبين مدى نجاح الثورة الحسينية من ضرب جذورها في اعماق النفوس والوجدان لدى بعض المجتمعات الانسانية.

مشاركة الاطفال في تقديم الخدمة لا يمكن ان ينظر اليه نظرة عابرة فهو امر في غاية الاهمية، اذ ينبأ عن ظهور جيل قوي عازم على اصلاح المجتمع بالاعتماد على اسس النهضة الاصلاحية للامام الحسين عليه السلام.

اذا اردنا اصلاح المجتمعات علينا إعداد منظومة مجتمعية مبنية بشكل سليم لتكون قادرة فيما بعد على الاصلاح ومحاربة الافكار الضالة والمشبوهة التي تمارس من قبل بعض الافراد غير المتنورين، فبدون هذه المنظومة لا يمكن لعجلة الاصلاح ان تتقدم خطوة نحو الامام، ولايمكن ان تعاد للمجتمع الحقوق المسلوبة من قبل المتنفذين فيه بغير وجه حق، سوى انهم يمتلكون المهارة العالية في الضحك على الذقون ويجيدون التسلق على اكتاف الآخرين.

فلوا عدنا الى الوراء قليلا وتذكرنا مشهد المظاهرات الاخيرة التي شهدتها اغلب المدن العراقية نجد ان النسبة الكبيرة منهم لم يتجاوز الخمسة والعشرين عاما حاملين راية الامام الحسين بأيديهم وفكره وثورته في نفوسهم وضمائرهم.

هذا الهيجان لا يمكن ان نعده وليد الصدفة، بل انه بالتأكيد نابع من انغماس هؤلاء الشباب في الاهداف الحسينية القائمة على الاصلاح واحقاق الحق ومحاربة الفساد بجميع اشكاله والوقوف بوجه الظلم بمختلف الوانه، اذ ان من المؤكد ان الجموع الثائرة شاركت منذ نعومة اظفارها بالمواكب الحسينية وانتهلت الروح الجهادية من ابطال كربلاء.

وهنا لابد من التاكيد على مسألة مهمة وهي ان الخروج المكثف والمشاركة الواسعة من قبل الاطفال وعلى اختلاف مستوياتهم المعيشية بمواكب الخدمة لا يمكن ان ينتهي بمجرد انتهاء المناسبة، بل ستعمل تلك المشاركة على توهج الروح الثورية واعطائها دفعة معنوية كبيرة تضمن ديمومتها بنفس الوتيرة وربما بصورة متصاعدة.

المجتمعات التي يوجد فيها هكذا اطفال يتخذون من الامام الحسين عليه السلام مثلهم الاعلى وامامهم من اجل حفظ كرامتهم واستحصال حقوقهم التي سيطر عليها من يتخذ الحسين منهجا ويتبع يزيد تصرفا، فلا يمكن للظلم ان يستمر وللحقوق ان تبقى مسلوبة طالما في الاذهان تدوي صرخة هيهات منا الذلة، هذه الصرخة التي استطاعت ان تهد عروش الظالمين والمارقين وتعيد الامور الى نصابها.

فما سفك على رمضاء كربلاء من دماء صبيحة عاشوراء اثمر اليوم بخروج جيل قوي قادر على مواجهة الطواغيت وعلى مر الازمان، ونداء الاطفال اليوم في مواكب الخدمة سيتحول غدا صرخة في وجوه الظالمين وتزلزل الارض تحت اقدامهم، اطفال صغار في اعمارهم، كبار في عطائهم جسدوا طفولة الطف بكل معانيها واعادوا للاذهان مأساتها، فهم بهذه المشاركات يقولون ان ضمير الحسين لن يمت وان كربلاء ستبقى خالدة على مر العصور.

اضف تعليق