q

الولايات المتحدة الامريكية مارست حربا طويلة، نوعا ما، مع تنظيم القاعدة الذي تمكن من اختراق جميع الخطوط والاجراءات الامنية المشددة للولايات المتحدة الامريكية لينفذ اكبر عملية ارهابية عرفت في تاريخها على يد التنظيم في 11/سبتمبر عام 2001، وتمكنت من خلالها توجيه عدة ضربات قوية لقيادات التنظيم واماكن انتشاره، كما غزت افغانستان والعراق في حرب استخدمت عبارة "مكافحة الارهاب" كأحد الاسباب لإقناع الراي العام الامريكي بجدواها والكلفة الباهظة التي تحملها دافعي الضرائب والخزانة الامريكية، ومارست وكالة الامن القومي ووكالة الاستخبارات الامريكية ادوار متقدمة فيها، من خلال استخدام اساليب المراقبة الالكترونية والتجسس والضربات بطائرات مسيرة وتعقب الاهداف الثمينة وجمع المعلومات والتجنيد والتعاون مع الوكالات الاستخبارية الحليفة وغيرها، والتي اسفرت عن مقتل زعيم التنظيم في عام 2011 بعملية نوعية ودقيقة، حسب وصف البيت الابيض، كما ان وزارة الدفاع والادارة الامريكية تملك قدرا كبيرا من المعلومات عن عدوها الاول، "القاعدة"، بعد سنين من المواجهات المباشرة (في العراق وافغانستان وباكستان واليمن)، وغير المباشرة (عن طريق العمل السري للوكالات الاستخبارية)، ربما مكنتها على الاطلاع بصورة جيدة والاقتراب كثيرا من هذا العدو.

بالمقابل فان خطر تنظيم ما يعرف (الدولة الاسلامية/داعش)، الذي شكل هاجسا مهما وتحديا امنيا كبيرا للقوات الامنية والاستخبارية داخل الولايات المتحدة الامريكية، قد اخذ بالنمو وبات التهديد بتعرض امن الولايات المتحدة الامريكية ومصالحها الحيوية الداخلية اكثر جدية من قبل، سيما وان حادث إطلاق النار في "غارلاند" بولاية "تكساس" الأمريكية على مركزا للمعارض كانت تجري فيه مسابقة لرسوم كاريكاتورية عن النبي محمد (ص)، وقتل فيه المهاجمان "إلتون سيمبسون" و"نادر صوفي" على الفور، قد تبناه تنظيم "داعش" المسؤولية معتبرا ان "جنديان من جنود الخلافة قاما بالهجوم على معرض في مدينة جارلاند بتكساس الأمريكية"، ورغم فشل المهاجمين في اقتحام المعرض او قتل اي شخص، الا ان محللين اعتبروا ان هذا الهجوم قد يشكل بداية لهجمات لاحقة قد تربك الوضع الامني في الولايات المتحدة الامريكية، وتجبرهم على تغيير الطريقة التي يتعاملون فيها مع التنظيم، ورفعت وزارة الدفاع "البنتاغون" حالة التأهب الامني الى "برافو" وهي الثالثة على مقياس يتضمن خمس درجات، ما يعطي انطباعا جادا بان المسالة اكبر من التصدي لهجوم فاشل، رغم اعلان مكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي اي" انه "يحبط عملية (ارهابية) كل شهر تقريبا".

قبل اسبوع تقريبا اعلنت الولايات المتحدة عن جوائز مالية (قدرت بعشرين مليون دولار امريكي) كبيرة لمن يدلي بمعلومات تقود الى اربع من قيادات داعش، كما ان الولايات المتحدة الامريكية شنت مئات الغارات الجوية ضد اهداف تابع للتنظيم في العراق وسوريا، وارسلت العديد من المستشارين العسكريين لمساعدة العراقيين في التصدي للتنظيم، وجهزت ودربت عدة الوية تابعة للوزارة الدفاع العراقية وقوات "البشمركة" الكردية، وشكلت "تحالفا دوليا" انظمت اليه عشرات الدول العربية والغربية لنفس الغرض، لكن جميع هذه الجهود وصفت بالضعف امام اكتساح داعش لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بعد ان تنامت اعداد المنظمين اليه او المتعاطفين معه، والقادمين من اكثر من 90 بلد بما فيها دول الاتحاد الاوربي.

ويرى خبراء ان الولايات المتحدة والادارة الامريكية ما زالت تتعامل مع تنظيم "داعش" بنفس الاسلوب الذي تتعامل فيه مع تنظيم "القاعدة"، في حين ان تنظيم "داعش" يستخدم تكتيكا واستراتيجية تختلف عما يستخدمه التنظيم الام الذي خرج تنظيم "داعش" منه ابان فترة الغزو الامريكي للعراق عام 203، ويبدو الاختلاف في تنفيذ الهجمات بين التنظيمين من خلال:

- اعتماد تنظيم "داعش" على "الذئاب المنفردة" في الداخل في تنفيذ الهجمات، من دون الحاجة الى تخطيط مسبق او تجنيد عناصر متطرفة من الخارج للذهاب الى الولايات المتحدة الامريكية او اي بلد يراد استهدافه، بخلاف تنظيم القاعدة الذي اعتمد على تجنيد مقاتلين قبل تنفيذ اي عملية.

- تنفيذ هجمات بعمليات صغيرة لكنها مؤثرة، الهدف منها ارباك الراي العام الامريكي وبث الخوف في نفوس المواطنين، من خلال تكرار هذه الهجمات المحدودة والصغيرة، فيما اعتمد تنظيم القاعدة على التخطيط لعمليات كبرى داخل الولايات المتحدة الامريكية.

- استخدام منصات التواصل الاجتماعي لكسب المتعاطفون وحثهم على القيام بهجمات من دون تخطيط، وهو ما اشار اليه مكتب التحقيقات الفيدرالي بالقول إن "آلاف الأمريكيون يتابعون صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لداعش، ولهذا تستطيع المنظمة الإرهابية تجنيد العديد منهم".

- طرق الترويج الاعلامي الاحترافية للهجمات وعمليات القتل التي يقوم بها التنظيم في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن، حفزت الكثير من المتطرفين على الانضمام الى داعش، خصوصا في سوريا والعراق، "وفي حال لم يتمكنوا من ذلك.. يقومون بتنفيذ هجمات في الدول التي يتوجدون فيها"، كما اشار "جوش ايرنست" المتحدث باسم البيت الأبيض.

وتحتاج الولايات المتحدة الامريكية الى معرفة عدوها الجديد جيدا، كما عرفت عدوها القديم "القاعدة" من قبل، فالسبل التقليدية في مكافحة تنظيم "القاعدة" قد لا تجدي نفعا في مكافحة تنظيم "داعش" الطامح الى التوسع في اقصى الشرق والغرب واقامة "خلافة اسلامية" بضم المزيد من الاراضي والمقاتلين من مختلف انحاء العالم، وتقتضي معرفة العدو اعادة التقييم للخطط والاستراتيجية الموضوعة حاليا لمكافحة هذا التوسع ومحاولة احتواءه والقضاء عليه قبل ان يخرج عن حدود السيطرة.

اضف تعليق