q
امرأة تُقتل في فرنسا كلّ ثلاثة أيام حقيقة مرعبة، لكن إحصاءات فرنسية رسمية تؤكدها اصبحت المراة في فرنسا تعيش اجواء خوف من اقرب الناس، وأنّ امرأة واحدة من بين عشر نساء هي ضحية العنف الأسرى مع غياب كامل لوسائل الوقاية من هذا العنف...

امرأة تُقتل في فرنسا كلّ ثلاثة أيام حقيقة مرعبة، لكن إحصاءات فرنسية رسمية تؤكدها اصبحت المراة في فرنسا تعيش اجواء خوف من اقرب الناس، وأنّ امرأة واحدة من بين عشر نساء هي ضحية العنف الأسرى مع غياب كامل لوسائل الوقاية من هذا العنف وعجز في قدرات دور رعاية الضحايا، ونقص في تدريب الشرطة والأطباء والقضاة، رد الحكومة الفرنسية على هذه الكارثة الاجتماعية لم يتعدَّ إطلاق المبادرات، وأبرزها وضع هاتف محمول لطلب النجدة تحت تصرف من يواجهن خطراً من جانب من يفترض أنه رفيق الدرب وشريك الحياة في بلد متحضر مثل فرنسا.

وفي حين شدّدت منظمة العفو الدولية على "الجحيم" الذي تعيشه ضحايا العنف الأسري، اللواتي يكسرن جدار الصمت، فيقعن في "مقاطعة مالية" يفرضها أزواجهن، كما تطرّقت المنظمة إلى وضع المرأة في فرنسا الآتية من بلدان أوروبا الشرقية والبلقان وأفريقيا الشمالية وآسيا إذ تقع 14 ألف امرأة في فخّ تجارة الرقيق وينتهي بهن المطاف في ممارسات منحرفة بسبب الذلّ الذي تعرّضن له والحرمان من حريتهن والتهديد.

ربع مليون فرنسية يتعرضن للعنف الزوجي

وفق تقرير لوزارة الداخلية الفرنسية لعام 2016 فإن 123 امرأة لقين مصرعهن على أيدي أزواجهن، كما أن هناك نحو 225 ألف حالة اعتداء جسدي وجنسي كل عام في فرنسا، بمعدل اعتداء واحد كل دقيقة، ووفاة امرأة كل ثلاثة أيام.

وكشفت ناشطة الحقوقية حقيقة المرة عن أوضاع المرأة بهذا البلد، وتقول إن كثيرين يتشدقون في فرنسا بحرية المرأة، لكن ما تعيشه في جمعيتها من قصص المعاناة لنساء يتعرضن للعنف الزوجي يدحض كل ذلك، وتروي النساء كيف يتحول عش الزوجية إلى سجن للتعذيب النفسي والجسدي، وكيف ينتهي بهن المطاف إما بالقتل على يد أزواجهن أو انتحارهن، لعدم قدرتهن على تحمل كل أشكال الاضطهاد والعنف لسنوات طوال.

وأغلب هؤلاء النساء يصطدمن بواقع الاستقلال المادي خصوصاً إذا كن لا يعملن، وهو ما يدفعهن لتحمل العنف بدل طلب الطلاق،

48000 حالة هروب للفتيات بسبب العنف الأسري

كشفت تقارير تتعلق بهروب الفتيات الفرنسيات من منزل الأسرة أن اللائي هربن من بيوت أهاليهن، خلال السنة الماضية، بلغ قرابة 48 ألف حالة، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن هذه الأعداد تزايدت خلال السنوات العشر الماضية بنسبة 40%. وتتلقى الجمعية الفرنسية لحماية القاصرين يومياً عشرات الاتصالات؛ للإبلاغ عن حالات فرار المراهقين والمراهقات دون إنذار أهلهم وقد أثار نشر الإحصائيات الأخيرة حول هذه الظاهرة جدلاً واسعاً، حيث أصبح تفاقمها مصدر هلع للعائلات الفرنسية.

وتقول الإحصاءات: إن هذه الحالات تمس بالدرجة الأولى الفتيات القاصرات، اللاتي تتراوح أعمارهن بين الثالثة والرابعة عشرة، وتحدثت الأخصائية النفسية الفرنسية "جوانئيل باسل"، التي تعمل ضمن فريق مهمته مساندة الأولياء، وأقرباء المراهقين الفارين أو المفقودين بوزارة العدل والشؤون العائلية الفرنسية، عن أهم الأسباب التي تؤدي إلى هروب القاصر أو القاصرة من البيت العائلي، قائلة: "إن ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الفرنسي، وحالات التوتر والشجارات اليومية بين الوالدين، وانعدام الترابط الأسري، هي أهم أسباب تفاقم هذه الظاهرة".

تزايد مخيف للعنف

لقيت مئة امرأة حتفها في فرنسا منذ يناير/كانون الثاني 2019م وحتى نهاية أغطس/ آب 2019م في حوادث قتل وعنف أقارب واعتداءات جنسية، ونقلت صحف فرنسية، أن النسوة قتلن جرّاء تعرضهن لحوادث عنف من قبل أزواجهن أو على يد أشخاص يعيشون معهن بشكل رسمي، وكانت 121 سيدة لقيت حتفها في فرنسا العام الماضي 2018م جراء العنف الأسري والمجتمعي، فيما بلغ عددهن عام 2017م 135 سيدة.

وتشهد فرنسا تزايداً واضحاً في معدلات العنف والاعتداءات الجنسية ضد النساء، وارتفاع معدلات جرائم قتل الفتيات والزوجات، وبحسب تقرير صادر عن المعهد الفرنسي للدراسات الديموغرافية، فإن نحو 600 ألف سيدة يتعرضن للعنف والاعتداءات الجنسية سنويًاً، وكان تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية، بمثابة صاعقة وفضيحة على المجتمع الفرنسي، إذ أظهر أنّ امرأة تموت كل أربعة او ثلاثة أيام في فرنسا بسبب العنف الجسدي الممارس من شريكها، وأنّ امرأة واحدة من بين عشر نساء هي ضحية العنف الأسرى، وتخرج مسيرات نسائية باستمرار منددة بالعنف الجنسي والتمييز ضد المرأة، والمطالبة بإنهاء ظاهرة "الإفلات من العقاب التي ينعم بها المعتدون".

الأكثر عنفاً

الفرنسيِّين الأصليِّين هم أكثرُ مَن يمارس العنف ضدَّ الجنس اللطيف، وفي المقابل فإنَّ نسبة المسلمين المتورِّطين في هذه الأعمال قليلة، وهم في الغالب مِن المحسوبين على الإسلام؛ لمجرَّد أنهم وفدوا مِن دول عربية أو إسلامية، بيَّنت إحدى الدراسات أنَّ 91 % من المُدانين بالعُنْف في المحاكم ضدَّ النساء هم مِن أصل فَرنسي، وفي تقارير لحقوق المرأة أصدرتْها منظمة العفو الدولية (الشعبة الفرنسية) عام 2005، دقَّت فيه ناقوس الخطر، وَصَفَتْ وضعية المرأة الفرنسية بأنَّها مثيرة للشفقة؛ مما يستدعي تدخلَ الحكومة فوراً لحماية المرأة من الاعتداء عليها.

كما نَشرتْ وزارةُ العدل الفَرنسية تقريرًا أُعِدَّ قَبْل سنتين، كشف أنَّ ثَمَّة 1.5 مليون امرأة فَرنسية يتعرضن للعنف الأُسري من طرف أزواجهنَّ كلَّ عام؛ أي: بمعدَّل امرأة من كل 10 نساء، يتراوح نوعُ الاعتداء بين مشاعر الكراهية، إلى الشتائم والعنف اللفظي، الذي يصحبه الضَّرْب المبرِّح والقَتْل، وفي استفتاء أُجري في المنطقة الباريسية على 7000 امرأة، ذكرت 10% منهنَّ أنهنَّ كُنَّ ضحيةَ الاعتداء على أيدي أزواجهنَّ خلال الـ 12 شهرًا الأخيرة، وفي مرافعة لإحدى المحاميات النشطات في حقوق المرأة قالت: "إنَّ 51% من الفرنسيات يتعرضنَ لعنف الرجل داخلَ وخارج الأسرة، وأضافتْ أنَّ البيوت الفرنسية لم تعُدْ ملجأ آمنًا، بل مكانًا للرعب".

وفي تحرُّك سريع للحكومة الفَرنسيَّة دعت إلى معاقبة كلِّ متورِّط في الاعتداء على النِّساء، وأطلقتْ حملة واسعة، شعارها: "لا للعنف ضد النساء"، وأثارتِ الحملة نقاشًا حادّاً في وسائل الإعلام الفرنسية، كشفتْ خلالها مصادرُ إعلامية مطَّلعة: أنَّ السبب الأول لوفيات النساء البالغ أعمارهنَّ ما بين 20 إلى 50 سنة في فرنسا: هو القتْل على يدِ شركائهنَّ (زوج شرعي أو غير شرعي)، كما كتبتْ إحدى الصحفيات الشهيرات مقالاً لاذعاً، انتقدتِ الفَرنسيِّين بقولها: "إذا كنتم تزعمون أنَّ المسلمين يظلمون المرأة المسلِمة بسبب إجبارها على تغطية جِسْمها بالحجاب، فأنتم في المقابل تُغطُّون جسمَها بالكدمات!!".

وسجَّلت تقاريرُ حكومية في فرنسا وقوعَ 48 ألف اغتصاب سنويًّا، وأن 72% من النِّساء اللاتي تعرضنَ للاغتصاب قبل بلوغ سِنِّ 15، لم يُبلغنَ السلطات، وجاء في إحدى الإحصائيات: أنَّ 66% من الفرنسيات يتعرضنَ للتحرُّش الجنسي في أماكن التعليم والعمل، وعُدَّ التحرُّش الجنسي عنفاً ضد المرأة؛ لأنَّه غالباً ما يُمارَس تحت التهديد اللفظي بالطَّرْد من العمل، أو الحِرْمان من أيِّ حقوق أو امتيازات.

وتُزوِّدُنا إحدى الدراسات الإحصائية للظاهرة بمعلومات مثيرة عن الخلفية الاجتماعية والمهنية للمتورِّطين في ممارسة العنف ضدَّ المرأة بكافة أشكاله:

منها: أن 16.8% يُمارسون مِهنًا ذات علاقة بالصحة (أطباء، ممرضون....)، و14.8% إطارات في الدولة، و13.1 % من مهن ذات علاقة بالتعليم (مديرو مدارس، معلِّمون)، و12.7% من مهن ذات علاقة بالقانون (شرطة، عسكريون، قضاة..).

هذا ومِن المفارقات العجيبة: أنَّ أحدَ كِبار العلمانيِّين الفَرنسيِّين المتهجِّمين على الإسلام، الذي ينعته بـ"الأصولية الإسلامية"، والذي أشار إلى أنَّ الشريعة الإسلامية عبارةٌ عن تشريع يسُنُّ العنف، وأبدى حِرصَه على ضرورة حماية المرأة مِن كلِّ أنواع العنف، هذا الدَّعيّ المُنظِّر، رفعتْ زوجتُه ضدَّه قضيتين أمامَ المحاكم الفرنسية، بتُهمة الاعتداء عليها بالضَّرْب!

حلول ترقيعية

بموازاة ذلك، خرجت مظاهرات حاشدة في كبرى المدن الفرنسية، للتنديد بأعمال العنف والتحرش ضد النساء، وأطلقت منظمات حقوقية نسائية عريضة إلكترونية ضمت نحو سبعمئة ألف توقيع، طالبت فيها ماكرون بإعلان "حالة طوارئ لمكافحة العنف ضد النساء"، وفي تصريح لكارلا رودريغيز، إحدى الناشطات اللواتي أطلقن العريضة الإلكترونية، إن خطاب الرئيس الفرنسي كان دون المستوى ودون التوقعات، لأنه لم يأت بجديد ما عدا بعض الحلول الترقيعية التي لا يمكنها الحد من الظاهرة بشكل نهائي.

وأضافت أن العنف ضد المرأة يحتاج ميزانية ضخمة، لتأهيل وتدريب الكوادر للحد من الظاهرة، أما تخصيص ثلاثين مليون يورو فهو ميزانية هزيلة، مقارنة مع إسبانيا التي خصصت مليار يورو لمواجهة نفس "الآفة الاجتماعية"، بدورها، اعتبرت فاطمة بن عمور رئيسة جمعية حقوقية نسائية أن العنف ضد النساء ما زالت أوجهه متعددة، مثل الفجوة في الأجور بنسبة 27% بين الجنسين، الأمر الذي اعتبرته بمثابة "عنف مادي" ضد المرأة.

واعتبرت الناشطة النسائية أن إصلاحات ماكرون الاقتصادية فيما يخص القانون الجديد للعمل ستعمق من الفوارق الاجتماعية، وستزيد من التبعية المادية للأزواج، كما ستزيد من خطر العنف ضدهن، خصوصاً اللواتي يفضلن البقاء في بيت الزوجية، وتحمل عنف شريك حياتهن خشية التشرد أو الفاقة.

.....................
المصادر
- قناة فرانس 24
- Euromedrights
- 21 عربي
- الجزيرة نت
- لها اون لاين
- بلقيس
- شبكة الالوكة

اضف تعليق