q
غزو لا يقل خطورة عن غزو الجيوش والإرهاب يجتاح العراق هذه الأيام، هو غزو المخدرات للمجتمع، الذي وصل إلى مستويات عجزت الأجهزة الحكومية عن التصدي لها، ولا يمر يوم إلا وتعلن السلطات عن إلقاء القبض على مجاميع وأفراد من عصابات تجارة المخدرات ويؤكد المعنيين والخبراء ان المخدرات بأنواعها...

في الآونة الأخيرة، ثمة مطالبات بحلول عاجلة لوضع حد لمشكلة تزايد تعاطي المخدرات بين الشباب في المجتمع العراقي عامة مع الاشارة الى ان هذه المطالبات طرحها متخصصون ورجال دين، محذرين من اهمال مكافحتها من الحكومة والفعاليات المجتمعية، وهناك عدة اسباب لانتشار هذه الظاهرة بين فئة الشباب وهي بحسب متخصصين تعود الى عدة أسباب أبرزها البطالة، اصبحت اليوم تجارة المخدرات وتعاطيها ظاهرة خطيرة انتشرت في عدة محافظات عراقية الامر الذي أصبح يقلق الجميع.

غزو يكتسح مدن العراق

غزو لا يقل خطورة عن غزو الجيوش والإرهاب يجتاح العراق هذه الأيام، هو غزو المخدرات للمجتمع، الذي وصل إلى مستويات عجزت الأجهزة الحكومية عن التصدي لها، ولا يمر يوم إلا وتعلن السلطات عن إلقاء القبض على مجاميع وأفراد من عصابات تجارة المخدرات ويؤكد المعنيين والخبراء ان المخدرات بأنواعها، أصبحت كالسيول والأمطار تأخذ سبيلها بثبات وقوة نحو جميع شرائح المجتمع العراقي.

ونظرا لخطورة استشراء المخدرات في المجتمع العراقي بشكل غير مسبوق، فقد انبرت العديد من المنظمات والجماعات المعنية والأجهزة الأمنية والنواب للتحذير من خطورة تفشي هذه الظاهرة والدعوة لوضع الحلول العاجلة لها، فقد أقر النائب عن محافظة البصرة عدي عواد، في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب ان "موقع محافظة البصرة كونها المنفذ العراقي الوحيد على البحر تحول إلى نقمة على أهلها، حيث شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية دخول وتجارة المخدرات بشكل كبير، حتى وصل عدد الذين ألقي القبض عليهم أكثر من 4035 من المتعاملين والمتعاطين خلال العام الماضي فقط".

وأضاف "لا شك ان هذه الظاهرة دخيلة على المجتمع البصري المعروف بكونه محافظا ومتدينا، وان هناك عدة أسباب أدت إلى انتشار هذه الظاهرة خلال السنوات الماضية" داعيا "الحكومة لتحمل مسؤوليتها تجاه هذه الظاهرة التي سوف تقضي على الشباب" ومشددا على ضرورة تشكيل خلية أزمة من الحكومة ومجلس النواب للقضاء على هذه الظاهرة التي وصلت المدارس والجامعات".

الأقراص والعقاقير المخدرة تنتشر بين الطلبة

في ندوة لمديرية التربية والأجهزة الأمنية في محافظة ذي قار، حذر مختصون في مجال مكافحة المخدرات من مخاطر انتشار تعاطي المخدرات والأقراص والعقاقير المخدرة بين طلبة المدارس في المحافظة، داعين إدارات المدارس والأسرة والمجتمع إلى ممارسة دورهم في الحد من مشكلة تعاطي المخدرات التي أخذت تستفحل في المجتمع.

وقال المسؤول في تربية ذي قار حيدر سعدي، أن "تفاقم مشكلة المخدرات في المجتمع يستدعي أن نقف عنده ونقرع ناقوس الخطر للتحذير منها ونبحث عن سبل منع انتشارها بين أوساط الطلبة" مبيناً أن "كميات المخدرات أصبحت تدخل بالأطنان عبر المنافذ والموانئ العراقية"

وسبق لقيادة شرطة ذي قار ان أعلنت خلال مؤتمرها السنوي عن تسجيل ارتفاع ملحوظ في جرائم تعاطي وترويج المخدرات بواقع 14 في المئة خلال عام 2016 مقارنة بمعدلاتها خلال عام 2015 مشيرة إلى أن عدد المعتقلين بجرائم المخدرات بلغ 247 متهماً بينهم تجار ومروجين ومتعاطين.

وأشار مؤتمر آخر لمكافحة المخدرات في مدينة السماوة جنوب العراق، أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى وجود أكثر من 500 تاجر مخدرات في قضاء السماوة لوحده، وان هؤلاء يديرون معظم تجارة الحبوب المخدرة ومادة الحشيشة التي يتم تهريبها بشكل منتظم من إيران إلى مدينة السماوة، وأوضح المشاركون أن بعض هذه المخدرات يستخدم للتوزيع على المحافظات العراقية، بينما يتم العمل على تهريب الجزء الأكبر إلى دول الخليج، وخصوصاً السعودية عبر منفذ عرعر الحدودي.

مزارع المخدرات

ولا تقتصر الصورة القاتمة لآفة المخدرات على تهريبها إلى العراق، بل أكدت مصادر مطلعة وجود مزارع للمخدرات في بعض مدن العراق حيث كشف حاكم الزاملي عن وجود مواقع لزراعة المخدرات في المناطق الشمالية والوسطى من العراق، إضافة إلى تصنيع مادة الكريستال المخدرة في بعض المدن ومنها بغداد التي تعد من التجارات المربحة وتدر أموالا طائلة، كما أعلن النائب فائق الشيخ علي، عن وجود مزارع خشخاش لإنتاج الحشيشة في جنوب العراق.

ولم يكن إقليم كردستان في شمال العراق بعيدا عن المخدرات، حيث ضبطت السلطات مزرعة مخدرات عند ضواحي أربيل في عام 2016 وخمنت قيمة محتوياتها من مواد مخدرة بنحو مليون دولار كما تم ضبط العديد من التجار والمتعاطين في محافظة السليمانية،

احصائيات مرعبة

في السنة الأخيرة ازدادت بشدة أعداد المقبوض عليهم من متعاطي المخدرات وتجارها، الأمر الذي تسبب بزيادة الضغط على السجون والشرطة بينما مشاكل الموارد المحلية لم تختفِ خصوصاً وأنها كانت سبباً في الاحتجاجات في البصرة الصيف الماضي حيث قال الرائد شاكر عزيز من قسم مكافحة المخدرات في شرطة البصرة للتقرير، إن "انتشار المخدرات يأتي بسبب البطالة، فشباب المدينة تائهون، ولا يملكون المال، قرفوا من الحياة وهذا مهربٌ لهم من تلك الضغوط".

وبخصوص زنزانات الحبس، اضاف، ان "مدير أحد السجون يقول 90% من المسجونين بقضايا تتعلق بالمخدرات، وهذا يكفي لعدم نقلهم"، ووفقاً للتقرير فإن "الوضع في السجون، يفاقمه عدم وجود مراكز لعلاج المدمنين، وهذا ما يضع إدارة البلاد في تناقض بين الثروة التي تنتجها محافظة البصرة؛ إذ يمثل إنتاجها من النفط 90 في المئة من إيرادات الدولة، وسوء الأوضاع المعيشية فيها، وكانت مدينة البصرة التي يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة تشتهر في فترة من الفترات بأنها فينيسيا الشرق أما الآن فهي تفتقر إلى المياه النقية ولا تكفي الكهرباء فيها لتشغيل أجهزة تكييف الهواء خلال الحر القائظ في فصل الصيف".

وأكمل عزيز، أن "عدد الموقوفين تزايد سنويا منذ 2015"، وأضاف أنه "بحلول آذار بلغت حصيلة المخدرات التي ضبطتها الشرطة هذا العام 15 كيلوجرام أي نصف الكمية التي تم ضبطها فيما مضى كله، لافتاً الى ان "عدد المقبوض عليهم في جرائم المخدرات يتراوح بين 50 إلى 60 شخصاً كل أسبوع بالمقارنة مع ألف شخص في العام الماضي كله".

بدوره قال العقيد باسم غانم مسؤول الإعلام في شرطة البصرة إن "أكثر أنواع المخدرات شيوعاً هو مخدر الميتافيتامين المعروف باسم كريستال ميث ومحليا بالكريستال، ومن الأنواع الشائعة أيضا الأفيون ويطلق عليه في العراق الترياق وكذلك الحشيش والأقراص المخدرة"، وتقول شرطة البصرة إن "97 في المئة من متعاطي المخدرات الذين تم توقيفهم في 2018 عاطلون عن العمل وأكثر من ثلثيهم في سن الخامسة والعشرين أو أصغر سناً".

من جانبه يبين رئيس قسم مكافحة المخدرات في شرطة البصرة، العقيد اسماعيل المالكي، أن "كل المخدرات تدخل من خارج البلاد"، وفي السابق كان العراق يفرض عقوبة الإعدام على متعاطي المخدرات وتجارها لكنه سن قانونا جديداً في 2017، يمكن بمقتضاه أن يأمر القضاة بعلاج المتعاطين في مراكز التأهيل أو الحكم بسجنهم فترة تصل إلى ثلاث سنوات.

احصائية المروجين للمخدرات في العاصمة بغداد

أعلن قضاة متخصصون بمكافحة المخدرات، القبض على أكثر من 525 متهماً بتجارة وترويج المخدرات في العاصمة، فيما اشاروا الى صدور أمر بالقبض بحق 100 آخرين مابين متعاط ومروج وتاجر خلال 2018ن وحذر القضاة من تزايد هذه الظاهرة، مشيرين إلى أن "اغلب المتعاطين يتحولون خلال فترة قصيرة الى مروجين، لما لهذه التجارة من رواج يحقق أرباحا لاسيما للعاطلين عن العمل"، وأكد القضاة تسجيل حالات للتعاطي والترويج للمخدرات في إحدى مدارس بغداد وجامعات اهلية فضلاً عن ترويجها في بعض المقاهي، مرجحين الاستعانة بقوات مكافحة الإرهاب لمواجهة هذا الخطر وضرب تجار المخدرات.

قصة إبادة جديدة

مَن المسؤول عن وصول عدد من الفتيات إلى المراكز الصحية لطلب العلاج من الإدمان على المخدرات؟ بل لنقل: كيف وصلت هذه السموم اليهن والى أعداد بالآلاف من شباب وكبار سن في بلد لم يكن يعرف شيئاً اسمه المخدرات؟ الأمر المخيف، إن أعداد المتعاطين في ارتفاع مستمر والمحاكم تكتظ بقضايا المخدرات، والمتهمون فيها تجار ومنتسبو شرطة ومهربون غير عراقيين، فكيف سنوقف هذا السرطان الذي ينخر جسد العراق؟

قانون المخدرات

وجاء في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 في المادة (27) منه أنه: يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من استورد أو صدّر مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية بقصد المتاجرة بها، فيما جاءت المادة (32) من ذات القانون بأن العقوبة ستكون الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (5) ملايين دينار ولا تزيد على (10) ملايين دينار لكل من استورد أو انتج أو صنّع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتاً من النباتات التي تنتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو اشتراها بقصد التعاطي أو الاستخدام الشخصي والفرق بين العقوبتين هو المتاجرة أو التعاطي ويؤدي ذلك إلى اختلاف كبير في الأحكام الصادرة بحقهما.

ويذهب كثير من المراقبين إلى أن التلاعب بالإفادات وضبط المجرمين بتحويلهم من متاجرين إلى متعاطين مقابل مبالغ مالية ضخمة بالإمكان وقفه عن طريق جعل تشديد العقوبة من الحبس سنة إلى السجن المؤبد وهذا سوف يغلق باباً مشرعاً للفساد، بحيث تكون عقوبة المتعاطي هي ذاتها للمتاجر بالمخدرات وهو ما يؤدي إلى انعدام اي ملجأ وتخريجة قانونية خبيثة للمتاجرين من سلطة القانون.

كان العراق يعد عالمياً من الدول النظيفة في مجال تعاطي المخدرات قبل الغزو الأمريكي عام 2003 إلا ان تقريرا لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، أشار إلى وجود 28 ألف مدمن في العراق عام 2006 كما أكد أن "العراق أصبح ممراً رئيسياً لتجارة المخدرات كونه يقع وسطاً بين الدول المنتجة والمستهلكة" مشيراً إلى أن الدول التي تصبح معبرا للمخدرات يتعاطى 10 في المئة من أبنائها تلك الآفة المدمرة ويدمنون عليها، بعد كل ما تم عرضه من ارقام واحصائات مرعبة عن اعداد المتعاطين وكميات المواد التي تدخل الى العراق نأمل ان ينجوا العراق من هذا الطوفان الذي يكاد ان يقضي على مستقبل اولادنا وبناتنا.

.........................
المصادر
- مجلة الشبكة العراقية,IMN Magazine
- السومرية
- سومر نيوز
- القدس العربي

اضف تعليق