q

جاء في مجمل ما قيل عن الطمع، أنه عبارة عن رغبة جامحة لامتلاك الثروات أو السلع أو الأشياء، ذات القيمة المطلقة بغرض الاحتفاظ بها للذات، بما يتجاوز احتياجات البقاء والراحة بكثير، وهو يسري على الرغبة الطاغية والبحث المستمر عن الثروة والمكانة والسلطة، أما تعريف الطمع وفق المفهوم العلماني النفسي، فإنه يعتبر بنفس من الرغبات الجامحة للحصول على أكثر مما يحتاجه الشخص او الجماعة وامتلاكه، تحت باب حب التملك ليس بدفع من الحاجة، وإنما رغبة واستئثار في الغالب يكون غير مبرر، لأن أسبابه لا تصمد أمام المنطق، ولا هي من الانسانية بشيء.

لذلك جعل الامام عليه السلام الطمع بوابةً للشر، عندما وصفه بقوله: (الطمع بوابة الشر)، وكما نعلم أن دخول الابواب، يعني أننا اصبحنا في قلب المشكلة، والشر بكل ما ينطوي عليه من مخاطر ومحرمات ومغريات ومكائد، يصنع من (الطمع) بوابة عريضة واسعة له، ليس بالنسبة للافراد فقط، وإنما الجماعات، والشركات، والدول لاسيما الكبرى والقوية منها، فالقوة اذا لم يتم التحكم بها بشروط انسانية، سوف تدفع مصدرها نحو مسارات تنطوي على ظلم لا حدود له، لذلك غالبا ما يتآخى الطمع مع القوة غير المسيطَّر عليها.

ولا يتوقف الطمع عند حدود الكنز المادي والربحية المتناسلة، تلك التي يسعى اصحابها بشتى السبل الى اكتناز الاموال، بل يتعدى الطمع طابعه المادي الى الاخلاقي والمعنوي والاجتماعي، نعم نحن نستخدم الطمع بشكل نموذجي من أجل انتقاد أولئك الذين يسعون خلف الحصول على الثروة المادية الزائدة عن الحد، لكن الطمع يسري ايضا على الحاجة إلى الشعور بالأخلاقيات الزائدة عن الحد أو الاجتماعية أو الشعور بأن الفرد (والجماعة، الدولة) أفضل من الآخرين.

عالمنا كما هو متعارَف وملحوظ لنا، عالم صانع للأزمات، بارع في خلق بؤر الظلم، مستويات الطمع فيه بلغت اليوم أقصى حدودها، لاسيما بالنسبة للدول الكبرى المتحكمة بالعالم، فالمصالح التي يطلق عليها المتحكمون بالعالم وثرواته وخيراته بـ(المصالح القومية) وبعضهم ينعتها بالمصيرية، هي التي تتحكم اليوم بطرائق تعامل الدول الكبرى مع دول العالم الاخرى، من هنا نستطيع أن نلاحظ – بما لا يقبل الشك- أن الطمع السياسي اصبح اليوم محركا لسياسات الدول والقوى المتحكمة، حيث الصراعات والاقتتال وانواع الاحتراب واثارة الفتن ونشر الموت، في امم وشعوب كثيرة، تشارك الدول والقوى الكبرى كوكب الارض، احد اهم الوسائل التي تسيطر بها الدول الكبرى على الصغرى، وتستنزف مواردها وتشل اقتصادها، وتحجّر افكارها، وتستقطب كفاءاتها وتهجرهم إليها، كل هذا وسواه الكثيرة من الاساليب، وسائل يحركها الطمع الذي يسود اليوم في دوائر صنع القرار لدى الدول الكبرى

وعندما يكون الطمع أوّل الشرّ، فهذا يعني انّه مقدّم على جميع أنواع الشرّ بل هو أشرّها، لذلك أو فإن أوّل شرّ يفعله شخص إلى شخص آخر هو أن يطمع فيه، وأكثر أنواع الشرّ الأُخرى، من أنواع الظلم والجور، مترتّبة على الطمع، وهذا ما يجري بالفعل في عالمنا اليوم، ومن الغريب أن كبار القادة في العالم (يقولون ما لا يفعلون)، فهم بالاجماع، يدعون الى عالم قائم على العدل، وجملة (عالم أفضل) تتردد على ألسنتهم وفي خطاباتهم او مناظراتهم كثيرا، حتى حفظها البشر عن ظهر قلب من كثرة ترديدها من لدن هؤلاء القادة.

ولكن واقع اليوم، الواقع المتحرك على الارض، يقول غير ذلك تماما، والدليل ما يشهده عالمنا من فوضى عامة، وحروب، ومجاعات، وتفتيت للدول، ومحاولات حميمة لتقسيم دول اخرى، واصرا غريب على إلغاء هويات لمجتمعات عريقة، لا تهدد الدول الكبرى بشيء، بل كانت هذه الدول قبل بدء سيناريو تفتيتها، عاملا مساعدا على الاستقرار والتوازن العالمي، كما كان الحال بالنسبة لسوريا، هذا البلد الذي تحول اليوم الى مشكلة كأداء يعاني منها الشرق الاوسط عموما، وقد صار بوابة لأزمات متلاحقة طالت دولا عديدة من المنطقة، وكل ما يحدث اليوم هو إفراز حتمي لإرادة الطمع التي تحرك وتحكم الافكار والخطط التي تضعها الدوائر والدول والقوى العظمى التي تريد أن تدجّن العالم وتروضه وفقا لرغباتها ومصالحها.

ويظن قادة وصناع القرار المتحكمون بالعالم، ان سياسة الطمع وحماية المصالح بطريقة (إطلق النار قبل ان تطرح الأسئلة)، هي السبيل الوحيد الى حمايتهم من الانهيار، او تفوق الدول المنافسة عليهم، ولكن كل التجارب التي خلّفها التاريخ البشري لنا، تذهب الى العكس من ذلك، وتُثبت بما لا يقبل الشك قط، أن سياسة الطمع والجشع التي تعتمدها القوى والدوائر (والشركات) المعروفة، ليست هي الطريق الصحيح لصناعة (عالم أفضل)، ولا يمكن أن يكون كوكب الارض في مأمن مع هذه السياسة التي تضع الطمع بوابة لمشاريعها وأهدافها.

وعندما يقول الامام عليه عليه السلام، ان الطمع بوابة الشر، فإننا يمكن أن نفهم الصورة التي اصبح عليها اليوم عالمنا، إننا في حقيقة الأمر نحث الخطى بأرجلنا وأنفسنا، نحو نظام الغاب، الذي تضيع فيه الحدود بين الخير والشر، فيصبح الخير شرا وبالعكس، ويكون عالمنا المأهول بالشر على شفا الهاوية، إذا لم يتحرك الساسة العقلاء والحكماء بالسرعة والطريقة التي تمحو الطمع كليّا، وتجنّب المعمورة، من كارثة تلوح في الأفق، وقد تشكّل نهاية لنشوء بشري لا يزال يعاني من الاضطراب منذ لحظة الولادة الى لحظة الفناء.

اضف تعليق