q

لم يخفِ الرجل طموحاته القومية في اقامة دولة قومية تجمع اكراد العراق تحت خيمة "الدولة القومية"، وربما تجمع اكراد تركيا وسوريا وايران، ولاحقا تجمع "اكراد العالم" من الشتات، والذي يتجاوز مجموعهم بحسب تقديرات عالمية الثلاثين مليون كردي، تستحوذ تركيا على النسبة الاكبر منهم، ويحاول "مسعود بارزاني" عبر تاريخ كبير مليء بالاحجيات السياسية، مصارعة الكبار والصغار من اجل تحقيق هذا الحلم، وقد خاض الكرد في الشرق الاوسط سلسلة من الحروب الدامية مع الانظمة السياسية التي رفضت فكرة الاستقلال جملة وتفصيلا، في العراق وتركيا وايران وسوريا.

الا ان ما حصل بعد 1991 شكل نقطة الانطلاق لأكراد العراق للابتعاد عن دائرة المركز والصراع معها لعقود من الزمن، وتم تشكيل "الملاذ الامن" بمساعدة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، والتي امنت للأكراد مستقبلا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وخدميا فاق مثيلاتها في الوسط والجنوب، فضلا عن العاصمة بغداد، خصوصا في السنوات الاخيرة من حكم نظام صدام حسين، وقد ساعد الاكراد، بالمقابل، الولايات المتحدة الامريكية في تسهيل مهمة الدخول الى العراق (بعد ان قررت غزوه في عام 2003)، من الشمال، في مهمة بدت سهلة مقارنة بما لاقته من صعوبات في جنوب ووسط العراق، حيث الاغلبية الشيعية.

بارزاني الذي يزور واشنطن اليوم برفقة وفد كردي رفيع من حكومة اقليم كردستان (التي توصف بانها حكومة او اقليم فوق الاقليم ودون الدولة)، ليلتقي بأطراف صناعة القرار الامريكي، على رائسهم الرئيس الامريكي "باراك اوباما"، اضافة الى نائبه "بايدن"، واعضاء من الكونغرس الامريكي، بارزاني تربطه بأغلب هذه الاطراف علاقات صداقة قديمة امتدت لسنوات وعقود من التعاون الوثيق مع البيت الابيض على اساس الولايات المتحدة الامريكية كحليف استراتيجي يمكن الوثوق به في تحقيق مطالب الكرد في اقامة دولة قومية تمتد على اراض العراق كخطوة أولى.

واشارت العديد من الجهات الرسمية الكردية (التي تعمل اغلبها ضمن الدولة العراقية بصفة نواب ووزراء ومسؤولين في مؤسسات رسمية اخرى رفيعة المستوى)، بان الاهداف من وراء الزيارة (التي اعلنت بانها تمت على اساس دعوة امريكية رسمية الى بارزاني) التي ينوي طرحها الرئيس الامريكي ونائبه والكونغرس الامريكي تشمل ثلاث اتجاهات:

- بحث ملف تسليح الاكراد وقوات البشمركة.

- عملية تحرير الموصل ومستقبل الاقليم بعد التحرير، وبالأخص القضايا العالقة بين المركز والاقليم حول كركوك والمناطق الحدودية مع الموصل.

- طرح قضية استقلال كردستان كمطلب جماهيري وحق من حقوق الاكراد.

طبعا هذه المطالب ليس فيها شيء جديد، فالأكراد طالبوا ويطالبون بحق تقرير المصير والانفصال عن الدولة العراقية، وهم يعلنون بصورة متكررة انهم سيفعلون ذلك عاجلا ام اجلا، كما ان تسليح الاكراد وقضية كركوك والموصل ماضية وهناك توافق امريكي-كردي واضح حول الخطوط الرئيسية وعملية التحرير، كما ان التعاون العسكري واللوجستي بين الطرفين قائم على قدم وساق وهناك مئات العسكريين والخبراء الامريكيان وبالتعاون مع الاكراد اقاموا مراكز لعمليات مشتركة لإدارة هذا الجهد العسكري والاستخباري منذ احداث 9/6 وما تبعها من سقوط الموصل والانهيارات الكبيرة التي اصابت الجيش العراقي والقوات الامنية المتواجدة في شمال وغرب وشرق العراق، وسيطرة داعش على مساحات واسعة من هذه المناطق.

ربما يكون الشيء الجديد هو مشروع القانون الامريكي المقدم من قبل "لجنة القوات المسلحة" للتعامل مع "اكراد" و"سنة" العراق كـ"دولتين"، ومع ان التأكيدات اشارت الى حذف هذه العبارة من مسودة القانون الذي مرر بانتظار موافقة "مجلس الشيوخ"، ومن ثم التوصل الى صيغة موحدة ترفع الى البيت الابيض، الا ان الفوضى التي احدثها تنظيم داعش في الشمال والغرب، ربما خلقت فهما جديدا لدى الكونغرس الامريكي في ضرورة التعاطي مع جهات اكثر قوة وتنظيما في التعان مع الولايات المتحدة الامريكية لمكافحة الارهاب والتطرف في المنطقة، سيما وان العراق مقسم بين قوى سياسية متنوعة ومختلفة فيما بينها، لكن من السهولة ان تدرك ان الاكثر تنظيما ورصا للصفوف هم "الاكراد بين الجميع.

وفي ذات الوقت يدرك الكونغرس ان سقف المطالب الكردية ما زال مرتفعا للغاية، سيما وان الحديث عن دولة كردية ما زال من المبكر لأوانه، لكنهم لا يعارضون هكذا توجهات، اما البيت الابيض فعلى ما يبدو سيكون الطرف الاكثر تحفظا في اعطاء "وعد امريكي" بمساعدة الاكراد في تحقيق الانفصال الكردي عن العراق، وسيفضل مناقشة سبل تعزيز مكافحة الارهاب على الارض بدلا من مناقشة احلام مستقبلية لم يحن وقتها بعد، وربما سيتم تذكير "مسعود بارزاني" بالعقبات التي تعترض طريق "الاستقلال الكردي" عن العراق، على الاقل في الوقت الحاضر، والتي تشمل "الدستور العراقي" الذي صوت عليه الاقليم واعتبر ان العراق بلد موحد اتحادي ولم يشير الى امكانية حق تقرير المصير، اضافة الى الوضع الاقتصادي للإقليم والخلاف حول الحدود وقضية كركوك التي لم تحل، اضافة الى الوضع الاقليمي والدولي الذي رفض وما زال يرفض اي مقترح لانفصال الاقليم عن المركز.

اضف تعليق