q
تواصل تركيا تحركاتها وخططها الخاصة التي تهدف إلى إقامة منطقة آمنة داخل الاراضي السورية، وفي تحرك جديد حشدت تركيا آلاف الجنود، على الحدود مع سوريا، استعدادا لشن عملية عسكرية محتملة ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. وتريد انقرة اقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا في الشمال السوري...

تواصل تركيا تحركاتها وخططها الخاصة التي تهدف إلى إقامة منطقة آمنة داخل الاراضي السورية، وفي تحرك جديد حشدت تركيا آلاف الجنود، على الحدود مع سوريا، استعدادا لشن عملية عسكرية محتملة ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. وتريد انقرة اقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا في الشمال السوري، لأجل إبعاد المقاتلين الأكراد عن خاصرتها الجنوبية، وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب الكردية بمثابة امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تدرجه أنقرة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وتحمله المسؤولية عن مقتل عشرات الآلاف.

هذه التحركات والاستعدادات اثارت ايضا قلق ومخاوف واشنطن التي تعارض استهداف حلفاءها الأكراد في المنطقة. حيث حذرت الولايات المتحدة من قيام تركيا بأي عملية عسكرية أحادية الجانب بمناطق شرق الفرات في شمال سوريا، بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستشن تلك العملية ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وأنه أبلغ موسكو وواشنطن بخصوصها. وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن بلاده ستمنع أي توغل أحادي الجانب شمالي سوريا، وإن أي عملية تركية هناك "غير مقبولة".

كما قال إسبر، إن تنفيذ عملية تركية في شمال سوريا، قد يحول دون تركيز "قوات سوريا الديمقراطية" على منع تنظيم داعش من استعادة أراض كان يسيطر عليها من قبل. وتعد وحدات حماية الشعب الكردية الفصيل المسلح الرئيسي في "قوات سوريا الديمقراطية". وتأتي هذه التصريحات في وقت تتواصل فيه المحادثات بين وفد عسكري أمريكي مع مسؤولين أتراك في أنقرة للتوصل إلى اتفاق بشأن إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري شرق الفرات.

في كل مرة تقترب فيها تركيا من بدء عملية عسكرية شرق الفرات في الشمال السوري، تحاول الولايات المتحدة كبح جماحها ووقف اندفاعها؛ بيد أن تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه المرة بشن هذه العملية بدت أكثر جدية. وفي وقت سابق أطلق وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تهديدا وصفه البعض بـ"التحول المهم"، قال فيه إن "بلاده ستضطر لإنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا بمفردها، حال عدم التوصل لتفاهم مشترك مع الولايات المتحدة".

خطط وخلافات

وفي هذا الشأن يلوح في الأفق شبح عمل عسكري تركي في ضوء خلافات عميقة بين تركيا والولايات المتحدة حول حجم ”منطقة آمنة“ مزمع إقامتها بشمال شرق سوريا وهيكل القيادة فيها ما لم يحقق الجانبان في المحادثات انفراجة في الجمود القائم منذ أشهر. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة أرسلت تركيا قواتها مرتين إلى شمال سوريا وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إن عملية عسكرية ثالثة أصبحت وشيكة لاستهداف المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد شرقي نهر الفرات.

تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية جماعة إرهابية تمثل خطرا أمنيا جسيما على تركيا وتقول إن عليها الابتعاد عن المناطق الحدودية. أما واشنطن التي سلحت هؤلاء المقاتلين ودعمتهم في الحرب على تنظيم داعش في سوريا فتريد حماية شركائها العسكريين وقاومت مطالب تركيا بالسيطرة الكاملة على شريط طويل من الأرض يمتد بعمق 32 كيلومترا في الأراضي السورية. ويعقد فريقان عسكريان من البلدين اجتماعات في أنقرة في أحدث محاولة في المباحثات الجارية منذ شهور بهدف إقامة المنطقة الآمنة التي اتفقا عليها في الوقت الذي تعمل فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب على تقليل أعداد قواتها في سوريا.

وأبدى ثلاثة مسؤولين أتراك نفاد صبرهم لعدم توصل المباحثات إلى نتائج حتى الآن وحذروا من أن أنقرة مستعدة للتحرك من جانب واحد. وقال مسؤول تركي كبير ”منذ فترة من الوقت تنتشر القوات المسلحة التركية على الحدود السورية. كل الاستعدادات الضرورية للقيام بعملية اكتملت“. وأضاف ”إذا اضطررنا لإنجاز هذه المهمة وحدنا فسنفعل ذلك. بالطبع حساسيات الدول التي نتعامل معها مهمة لكن عليها في النهاية أن تتفهمنا. كل يوم يمر يعد خسارة“.

وتعد معضلة المنطقة الآمنة واحدة من عدة خلافات بين أنقرة وواشنطن عضوي حلف شمال الأطلسي. إذ أن تركيا أغضبت الولايات المتحدة بشراء نظام دفاع صاروخي روسي كما أن البلدين منقسمان حول العقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران وعلى رفض تسليم داعية مسلم تطالب أنقرة بتسليمه له. وقد أوضح الجانبان شعورهما بالإحباط. وقال جيمس جيفري مبعوث ترامب الخاص في سوريا بعد جولة سابقة من المباحثات حول المنطقة الآمنة إن تركيا تبنت موقفا ”متصلبا جدا“.

وأضاف ”الأتراك يريدون منطقة أعمق من المنطقة التي نعتقد أنها منطقية“. وكانت واشنطن اقترحت منطقة على مرحلتين الأولى بعمق خمسة كيلومترات تمثل شريطا منزوع السلاح يدعمه شريط ثان بعمق تسعة كيلومترات يخلو من الأسلحة الثقيلة أي أنها تمتد لمسافة تقل عن نصف المسافة التي تطالب بها تركيا. وسعت الولايات المتحدة، دون أي بادرة تذكر على النجاح، إلى تقديم مساهمات عسكرية من حلفاء أوروبيين لحفظ الأمن في المنطقة.

وقالت تركيا إنه لا بد أن تكون لها الكلمة الأخيرة في المنطقة الآمنة وهذه نقطة خلاف أخرى مع الولايات المتحدة. وقال آرون ستاين مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي ”عندما تقول أنقرة إنها تريد السيطرة على منطقة بعمق 32 كيلومترا فلا يمكن أن توافق الولايات المتحدة على ذلك“. وأضاف أنه في ضوء تعثر المفاوضات فمن المرجح أن تتحرك تركيا من جانب واحد وأشار إلى عدة أهداف عسكرية محتملة من بينها مناطق حول مدينة منبج في الشمال السوري ومدينتي تل أبيض وكوباني الحدوديتين.

وتعمل قوات أمريكية بدرجات متفاوتة في هذه المناطق الثلاث الأمر الذي يعني أن القوات الأمريكية تخاطر بأن تجد نفسها وسط اشتباكات إذا ما تحركت تركيا. وقال مسؤول أمني تركي إن الخلافات بين الجانبين على عمق المنطقة تتقلص لكنها لم تختف تماما. وأضاف أن الولايات المتحدة ”وصلت إلى نقطة قريبة من اقتراحنا لكن لم يمكن التوصل إلى اتفاق كامل“ موضحا أن تركيا تصر على العمق الذي تقترحه بالكامل مثلما أقره ترامب نفسه في تغريدة في يناير كانون الثاني. بحسب رويترز.

وبينما يحرص المسؤولون الأتراك على عدم استعداء الرئيس الذي أبدى تعاطفا أكبر بكثير من الكونجرس الأمريكي مع شراء تركيا لنظم الدفاع الروسية فقد كرر أردوغان أن أنقرة ملتزمة بإبعاد المقاتلين الأكراد عن حدودها الجنوبية. وقال لدبلوماسين أتراك في أنقرة ”تركيا لا يمكن أن تشعر بالأمان ما لم يتم القضاء على هذا الكيان الذي ينتشر كالسرطان على امتداد حدودنا الجنوبية“. وقال ”إذا لم نفعل اليوم ما هو ضروري، فسنفعل ذلك بدفع ثمن أكبر فيما بعد“ مشيرا إلى عملية جديدة في الأراضي السورية بعد عملية درع الفرات في 2016 وعملية غصن الزيتون في العام الماضي لإخراج مقاتلي وحدات حماية الشعب من منطقة عفرين في الشمال السوري. وقال ”بإذن الله سننتقل بالعملية التي بدأناها بدرع الفرات إلى مستوى مختلف في القريب العاجل“.

تحذير امريكي

على صعيد متصل حذرت الولايات المتحدة من قيام تركيا بأي عملية عسكرية أحادية الجانب بمناطق شرق الفرات في شمال سوريا. وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن بلاده ستمنع أي توغل أحادي الجانب شمالي سوريا، وإن أي عملية تركية هناك "غير مقبولة". كما قال إسبر، إن تنفيذ عملية تركية في شمال سوريا، قد يحول دون تركيز "قوات سوريا الديمقراطية" على منع تنظيم داعش من استعادة أراض كان يسيطر عليها من قبل. وتعد وحدات حماية الشعب الكردية الفصيل المسلح الرئيسي في "قوات سوريا الديمقراطية".

وبعد ساعات من التصريحات الأمريكية، جدد أردوغان عزمه القضاء على ما وصفه بالتهديد الذي تمثله وحدات حماية الشعب الكردية "في وقت قريب جدا". وأضاف أردوغان في كلمة متلفزة "لتركيا الحق في القضاء على كل ما يهدد أمنها القومي". وتجري مفاوضات بين واشنطن وأنقرة بغية التوصل لإنشاء "منطقة آمنة" في المناطق التي تنتشر فيها القوات الأمريكية في شمال سوريا، لفصل الحدود التركية عن بعض المواقع الكردية السورية.

لكن تركيا حذرت من أنه في حال لم تكن المواقف الأميركية "مرضية" فإنها ستشن عملية عسكرية في سوريا لإنشاء هذه "المنطقة الآمنة" بشكل أحادي. وقال أردوغان "تركيا تتوقع من الولايات المتحدة خطوات تتناسب مع وضعها كحليف في حلف شمال الأطلسي وشريك استراتيجي".

وكانت واشنطن اقترحت نهاية العام الماضي إنشاء "منطقة آمنة" بعمق ثلاثين كيلومترا على طول الحدود بين الطرفين، تتضمن أبرز المدن الكردية. ورحبت أنقرة حينها بالاقتراح لكنها أصرت على أن تدير تلك المنطقة، الأمر الذي يرفضه الأكراد بالمطلق. وتطالب أنقرة واشنطن بوقف دعم المقاتلين الأكراد. وتخشى من إقامتهم حكما ذاتيا قرب حدودها. وفي حال شنت تركيا هذه العملية ستكون ثالث توغل تركي في شمال سوريا خلال ثلاث سنوات ضد الوحدات الكردية وتنظيم الدولة، إذ شن الجيش التركي عمليتين في عفرين وجرابلس والباب بمحافظة حلب عامي 2016 و2018. بحسب بي بي سي.

وتعي تركيا أن أي اتفاق مع واشنطن لن يبدد مخاوفها بشأن تعاظم قدرة المسلحين الأكراد في سوريا، واستمرار الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لهم، وأنه لا مناص من عملية عسكرية ثالثة (بعد عمليتي درع الفرات في عزاز عام ٢٠١٦، وغضن الزيتون في عفرين عام ٢٠١٨). وبالتالي، فإن تصريح الرئيس التركي أثناء لقائه برؤساء تحرير الصحف التركية في وقت سابق يحمل رسالة واضخة، إذ قال إن الفصائل السورية التي تدعمها تركيا ستتقدم باتجاه تل رفعت لإحكام السيطرة على منبج، بينما ستتقدم وحدات الجيش التركي صوب تل أبيض المحاذية لشانلي أورفا، مشيرا إلى أنه أطلع قادة كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا على خططه بهذا الخصوص.

وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن خطة "المنطقة الآمنة" تهدف بالأساس إلى إعادة نحو ثلاثة ملايين لاجيء سوري يقيمون في تركيا منذ اندلاع الازمة السورية، وهو تعهد قطعه الرئيس التركي أمام شعبه، في وقت بدأت تتعالى فيه الأصوات داخل تركيا لإنهاء الملف السوري وإخراج السوريين من البلاد. وعليه، فإن أي تأخير بهذا الخصوص من شأنه أن يعمق أزمات أردوغان الداخلية، وهي مسألة لم تعد تحتمل التأخير، لاسيما في أعقاب خسارة حزب أردوغان لمقاعد غالبية المدن الكبرى في البلاد (وعلى رأسها اسطنبول) في الانتخابات المحلية الأخيرة. وكان وزير الخارجية التركي قد قال إن عملية عسكرية "ستبدأ شرقي نهر الفرات إذا لم تتأسس منطقة آمنة مزمعة في شمال سوريا، وإذا استمرت التهديدات التي تواجهها البلاد".

الثقة بالحلفاء

مع تصاعد حدة التصريحات التركية بخصوص الشمال السوري، تبدو مواقف قوات سوريا الديمقراطية واثقة من "الحلفاء الأمريكيين" رغم حالة القلق إزاء التهديدات التركية. ويقول الرئيس المشترك لممثلية سوريا الديمقراطية في واشنطن د. بسام سعيد اسحاق إن "الولايات المتحدة تعارض احتمالاً كهذا، وقد استخدم مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية عبارات قوية في التعبير عن ذلك" ويرى أن "الأمور لن تصل إلى ما وصلت إليه في عفرين، ورغم ذلك فإن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تستعد لاحتمال كهذا، وهي تأخذ التهديدات على محمل الجد، وتراها حقيقية وقد اتخذت كل التدابير لأي هجوم محتمل".

ويشير إسحاق إلى أن "الدبلوماسيين الأمريكيين يحاولون منذ فترة التوسط بين الطرفين (أنقرة وقسد) لتجنيب المنطقة حربا جديدة، وقد صرحت قيادة "قسد" أن الولايات المتحدة استطاعت تجنب الحرب، وأنه لا يوجد اتفاق بعد ولكنهم جزء من الحوار، أي أن الحوار إيجابي وثلاثي" ويعرب إسحاق عن اعتقاده بأن "الولايات المتحدة جادة في مسعاها للوصول إلى اتفاق بين تركيا و"قسد" لأن ذلك يعنى أن "قسد" والولايات المتحدة يمكن أن يتابعا جهودهما للقضاء النهائي على داعش من خلال القضاء على خلاياه النائمة في منطقة شرق الفرات".

ويضيف أن "ثمة ضغط داخلي على إدارة ترامب كي لا تتخلى عن حليفها الموثوق شرق الفرات (قسد)، كما أن العلاقات الأمريكية التركية في أدنى مستوياتها وغالبية أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ مستائين من سياسات (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان، وعلى وجه الخصوص شراء تركيا منظومة صواريخ س ٤٠٠ من روسيا". وحول ما تم تداوله مؤخرا عن وجود تغير في الموقف الأمريكي من "قسد" يقول إسحاق: "ليس هناك أي مؤشرات أو معلومات بأن الموقف الأمريكي تجاهها قد تغير بل على العكس، وأي تدخل تركي عسكري في شرق الفرات يعاكس المصالح الأمريكية".

وكان القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي قال إن "أي هجوم تركي على شمال شرق سوريا، ستكون له تداعيات كارثية". ووصف عبدي في حوار مع إذاعة صوت أمريكا التهديدات التركية بأنها "جادة". وأشار إلى أن مسؤولي التحالف الدولي والولايات المتحدة خصوصا "يعملون على إيقاف التهديدات التركية، والعمل على حل القضايا العالقة عبر الحوار"، وأعلن حسبما نقلت وكالة هاوار "نحن بدورنا نؤمن بأن الحوار هو السبيل الأسلم لحل القضايا الإشكالية".

اضف تعليق