q
الاحداث والتطورات الاخيرة في السودان يمكن ان تسهم وبحسب بعض المراقبين بعرقلة جهود المحادثات بين قادة الاحتجاجات وقادة الجيش في المجلس الحاكم السوداني، بعد توقيع الجانبين اتفاقا لتقاسم السلطة في وقت سابق، والتي من المقرر أن تتناول بحث صلاحيات الهيئة الحاكمة المدنية والعسكرية المشتركة...

الاحداث والتطورات الاخيرة في السودان يمكن ان تسهم وبحسب بعض المراقبين بعرقلة جهود المحادثات بين قادة الاحتجاجات وقادة الجيش في المجلس الحاكم السوداني، بعد توقيع الجانبين اتفاقا لتقاسم السلطة في وقت سابق، والتي من المقرر أن تتناول بحث صلاحيات الهيئة الحاكمة المدنية والعسكرية المشتركة، ونشر قوات الأمن وحصانة الجنرالات بشأن العنف المتصل بالاحتجاج. ويشمل اتفاق تقاسم السلطة، الذي تم الاتفاق عليه في 17 يوليو/تموز، تشكيل هيئة حكم جديدة مؤلفة من ستة مدنيين وخمسة جنرالات.

حيث لقي وكما نقلت بعض المصادر، ثمانية مواطنين سودانيين مصرعهم وجرح آخرون برصاص قناصة في مدينة الأبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان بعد خروجهم في مسيرة احتجاجية لطلبة الثانويات، وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن من بين القتلى ممرضا وأربعة طلاب، وتحدثت مصادر سودانية عن جرح العديد من المشاركين في المظاهرة، مما قد يرفع عدد القتلى.

ولم يشر بيان اللجنة إلى الجهة التي ينتمي إليها القناصة، غير أن متظاهرين صرحوا بأنهم تابعون لقوات الدعم السريع، في حين لم يتسنَ الحصول على تعقيب بشأن ذلك من المجلس العسكري الانتقالي الحاكم. وقالت مصادر إن الآلاف تجمهروا أمام مشرحة مستشفى الأبيّض. وخرجت المظاهرات احتجاجا على الغلاء وانقطاع التيار الكهربائي وشح السلع، بما في ذلك الوقود والخبز، كما احتج المتظاهرون على تقرير لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم.

وجاءت الواقعة قبيل استئناف المجلس العسكري الحاكم وقادة حركة الاحتجاج في السودان المفاوضات بشأن الإعلان الدستوري المتعلق بتشكيل حكومة مدنية في المرحلة الانتقالية. ويرى بعض المراقبين ان هناك جهات داخلية وخارجية، تسعى الى عرقلة اي اتفاق يمكن ان ينقذ السودان في سبيل تحقيق مصالح خاصة.

اجماع على "الوثيقة الدستورية" وترجيح توقيعها اليوم

قطع النقاش حول "الوثيقة الدستورية" بين المجلس الانتقالي العسكري في السودان وقوى إعلان الحرية والتغيير شوطا كبيرا، بعد اجتماع بين الجانبين استغرق أكثر من 11 ساعة، وقال الوسيط الإفريقي محمد حسن لباد اليوم الجمعة، إن الاجتماع كان ناجحا بكل المقاييس، وقد اتفق الوفدان حول تقييم حادثة مدينة الأبيض ونددا بالأحداث ومقتل الأبرياء بالمسيرة السلمية.

ولفت لباد إلى أن الطرفين ثمنا دور "المجلس العسكري" في القبض على الجناة، وحض الطرفين على ضرورة بذل المزيد من الجهود لعدم تكرار حوادث كهذه، وأشار إلى اجتماعا سيعقد مساء اليوم الجمعة، لاستكمال الاتفاق "حتى يحل الفرح بنهاية إيجابية للاتفاق حول الوثيقة الدستورية، مكان الحزن والألم"، وفق تعبيره.

وقال القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير التوم هجو إن "الاتفاق سيكون شاملا، وسيتم ترتيب القضايا فيه حسب أولوياتها"، كما أكد إبراهيم الأمين وهو قيادي في قوى "الحرية والتغيير"، أن "المجلس العسكري استجاب واتخذ خطوات، نعتقد أنها بداية صحيحة، لوقف الأحداث التي تحصل وفقدنا بسببها أرواحا غالية"، وأضاف الأمين، أنه "تم التوصل إلى توافق تام في معظم القضايا، وستسمعون اليوم ما يسر، ويمكن أن يتحقق تكوين الحكومة الانتقالية".

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم "المجلس العسكري" شمس الدين كباشي إن "المجلس اتخذ قرارا بمحاسبة أعضاء لجنة أمن ولاية شمال كردفان، بمن فيهم حاكم الولاية لاتهامهم بالقصور في ما يتصل بأحداث مدينة الأبيض"، معربا عن أسفه لسقوط الضحايا في الحادث، ومؤكدا أن "المجلس العسكري والقوات النظامية اتخذت التدابير اللازمة لمنع تكرار هذه الأحداث"، وأعلن كباشي أنه ألقي القبض على 9 من أفراد وضباط قوات الدعم السريع المتورطين في أحداث مدينة الأبيض، وتم تجريدهم من الخدمة تمهيدا لمحاكمتهم وتشكيل لجنة للتحقيق مع قائد قوات الدعم السريع في الأبيض.

وشدد كباشي على أن "المجلس العسكري"، سيتخذ الإجراءات نفسها بشأن الأحداث التي وقعت في حي أميده بالخرطوم وراح ضحيتها أربعة متظاهرين، كما سيحرص على اتخاذ التدابير التي ستحد من تكرار أحداث القتل في التظاهرات السلمية، وأطاح "المجلس الانتقالي العسكري" بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل الماضي، وعزله بعد أشهر من الاحتجاجات، وأقال عددا من المسؤولين السابقين واعتقل البعض الآخر وأعلن إجراءات لمكافحة الفساد ووعد بأن يسلم السلطة التنفيذية لحكومة مدنية.

حظر تجوال

وفي هذا الشأن أعلنت السلطات السودانية في ولاية شمال كردفان حظرا للتجوال في عدة مدن، وذلك عقب سقوط قتلى، بينهم تلاميذ، في إطلاق نار على متظاهرين في مدينة الأبيض. وقتل ستة أشخاص، من بينهم ثلاثة تلاميذ، عندما أطلق مسلحون النار على مسيرة احتجاجية في مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. وقالت مصادر طبية معارضة لبي بي سي إن معظم الوفيات جاءت نتيجة للإصابة المباشرة بالرصاص في الرأس والصدر، مشيرة إلى احتمال ارتفاع عدد الضحايا في ظل وجود إصابات حرجة بالعناية المركزة في مستشفى المدينة.

وبحسب شهود عيان، فإن مجهولين أطلقوا الرصاص على المتظاهرين من أسطح بعض البنايات داخل سوق المدينة. ودعت حركة المعارضة الرئيسية في السودان إلى مظاهرات واسعة في عموم البلاد عقب سقوط القتلى. وحمل اتحاد المهنيين السودانيين، الذي تزعم الاحتجاجات لأشهر عدة، المجلس العسكري الانتقالي المسؤولية عن العنف، وطالب بنقل السلطة إلى المدنيين فورا.

وفي مصر اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة مع نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". وأكد السيسي دعم مصر الاستراتيجي لاستقرار وأمن السودان. وقد عبرت القاهرة عن دعمها للمجلس العسكري السوداني. كما حصل "حميدتي" على دعم دول خليجية بعد اجتماعه مع ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان في شهر مايو/أيار. وكانت الاحتجاجات قد اندلعت في السودان في شهر ديسمبر/كانون أول الماضي بعد رفع سعر الخبز، ثم تطورت إلى مطالبة برحيل الرئيس عمر حسن البشير.

ووقع المجلس العسكري الحاكم، الذي تولى إدارة شؤون البلاد بعد عزل البشير، اتفاقا لتقاسم السلطة مع المعارضة أوائل شهر يوليو/ حزيران، بحضور وسطاء من الاتحاد الأفريقي بعد محادثات طويلة. وتوصل الطرفان إلى هذا الاتفاق بعد أزمة سياسية طويلة شهدتها البلاد أعقبت إطاحة البشير في أبريل/ نيسان.

ودعا الاتحاد الأفريقي، إلى تقديم الجناة في مقتل تلاميذ خلال احتجاج بمدينة الأبيض السودانية، إلى المحاكمة سريعا. كما حث محمد حسن لبات وسيط الاتحاد الأفريقي الخاص بالسودان المجلس العسكري الحاكم وائتلاف المعارضة على توقيع إعلان دستوري محل جدال بين الطرفين منذ أسابيع. وقال في مؤتمر صحفي إن لجنة قانونية مشتركة على وشك إتمام العمل على الوثيقة.

وأضاف الوسيط الأفريقي قائلا “لا نقبل تعطيل المصادقة على الوثيقة الدستورية”. من جانبه قال محمود درير الوسيط الإثيوبي للسودان إن بلاده تعمل على لم شمل الفرقاء من خلال توقيع الوثيقة الدستورية. وأشار درير إلى أن هذه الوثيقة الدستورية بجانب الوثيقة القانونية ستمثل حجر الأساس من أجل استقرار السودان.

تحقيق ونتائج

الى جانب ذلك كشفت لجنة التحقيق في أحداث فض اعتصام القيادة العامة بالعاصمة السودانية الخرطوم عن ضلوع ضباط من قوات الأمن والدعم السريع في مهاجمة المعتصمين، كما كشفت عن تجاوز قوات أمنية مهامها وقيامها باقتحام منطقة الاعتصام. وقال رئيس لجنة التحقيق مولانا فتح الرحمن إنه تبين للجنة أن ضابطين -لم تكن لديهما أي تعليمات أو توجيهات- قاما "بتطهير" منطقة كولومبيا.

وأضاف أن الضابطين تم تحذيرهما بعدم التدخل، لكنهما خالفا الأوامر وقاما بتحريك قوة مكافحة الشغب التابعة لقوات الدعم السريع، ووجهوا الأوامر بجلد المعتصمين. وتابع فتح الرحمن أن قوات مشتركة من القوات الأمنية تجاوزت مهامها واقتحمت الاعتصام وأطلقت الأعيرة النارية، مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى وفض الاعتصام وإخلاء الساحة. وقال رئيس لجنة التحقيق إن 87 شخصا قتلوا وأصيب 168 آخرون في الثالث من يونيو/حزيران الماضي، عندما فضت قوات الأمن اعتصاما للمحتجين، مضيفا أن 17 ممن قتلوا كانوا في ساحة الاعتصام، وأن 48 من الجرحى أصيبوا بأعيرة نارية.

من جهتها، أعلنت قوى الحرية والتغيير بالسودان رفضها نتائج لجنة التحقيق التابعة للنيابة العامة حول فض اعتصام الخرطوم، وتمسكت بضرورة تحقيق مستقل بمراقبة إقليمية. وأفاد حزب المؤتمر السوداني -في بيان- السبت بأنه "كما هو متوقع لم تخيّب لجنة التحقيق الظنون بها، إذ بثت تقريرا تمت صياغته بهدف واحد لا غير؛ هو إخفاء الحقائق ودفنها تحت الركام". من جانبه، قال القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد الحسن المهدي -عبر صحفته على فيسبوك- إن "تقرير لجنة التحقيق التي كونها المجلس العسكري لا يعنينا في شيء".

في الأثناء كتب القيادي بالحرية والتغيير مدني عباس مدني -عبر صحفته على فيسبوك- أن ما خرجت به لجنة التحقيق لن يكون ذا قيمة للجنة التحقيق المستقلة، ولن يحول دون تكوينها وقيامها بمهامها. قضايا الشهداء والانتهاكات التي حدثت قضايا لا يحجبها أي اتفاق سياسي ولن تسقط بالتقادم. وتحاشى مسؤولون بوزارة العدل التحدث عن مدى حجية التقرير الذي صدر في ظل نص الاتفاق السياسي على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول حادثة فض الاعتصام.

ويؤكد القيادي في قوى التغيير طارق صديق كانديك أن المجلس العسكري يمكن أن يستأنس بالتقرير الصادر، لكنه قطعا لا يعني قوى التغيير في شيء ولن يصرفها عن المطالبة بلجنة التحقيق المستقلة الواردة في الاتفاق السياسي. ويقول كانديك إن اللجنة المشكلة وفقا للاتفاق يمكن أن تستعين بخبرات من الاتحاد الأفريقي، وستحقق في أحداث 8 و29 رمضان وكافة الجرائم المتعلقة بالحراك الثوري.

في المقابل يرى الخبير القانوني محمد عبد الله ود أبوك أن أي تحفظات على التقرير الصادر تمثل أزمة مع السلطة القضائية، محذرا من الوقوع مرة أخرى في براثن الارتهان والابتزاز كما حدث في قضية الرئيس المعزول عمر البشير مع المحكمة الجنائية الدولية.وتسلم النائب العام السوداني عبد الله أحمد عبد الله تقرير لجنة التحري والتحقيق في أحداث فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم في وقت سابق.

وفي تصريح لوكالة الأنباء السودانية قال عبد الله إنه سيطلع على تقرير اللجنة وما جاء فيه من توصيات، مشيرا إلى أنه سيعلن عن بعض ملامح ما جاء في التقرير بما لا يخل بسير العدالة، مؤكدا أن لجنة التحقيق أدت عملها باستقلالية تامة دون تأثير من أية جهة. وكان النائب العام السابق الوليد سيد أحمد محمود قد شكل في الثالث من يونيو/حزيران الماضي لجنة تحقيق في أحداث فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للجيش بالعاصمة. وتضم اللجنة -وفق قرار النائب العام- رؤساء نيابات عامة ووكلاء أعلى نيابات ووكلاء أوائل نيابات وممثلين للشرطة وللقضاء العسكري.

وحسب إحصاءات وزارة الصحة بلغ عدد قتلى فض اعتصام الخرطوم 61، وقد حمّلت قوى إعلان الحرية والتغيير (قائدة الحراك الشعبي) المجلس العسكري الانتقالي الحاكم مسؤولية فض الاعتصام، وقالت إنه أسفر عن سقوط 128 قتيلا. وأقر رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان بأن ضباطا كبارا تورطوا في فض الاعتصام، إلا أنه نفى أن تكون صدرت تعليمات بذلك من قادة المجلس.

اضف تعليق