q
منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، عرف الدولار تراجعاً ملموساً، بحيث انخفض مؤشر الدولار الذي يقيس قيمة الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات الرئيسية، من مستوى 103 نقطة إلى 97.00، والذي عرف فيه الدولار انخفاضاً بنسبة 3%، ليصل إلى أدنى مستوى، فهل سينهار النظام العالمي المتعارف عليه...

منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، عرف الدولار تراجعاً ملموساً، بحيث انخفض مؤشر الدولار الذي يقيس قيمة الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات الرئيسية، من مستوى 103 نقطة إلى 97.00، والذي عرف فيه الدولار انخفاضاً بنسبة 3%، ليصل إلى أدنى مستوى، فهل سينهار النظام العالمي المتعارف عليه بسبب نهج للولايات المتحدة الأمريكية؟

حيث منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه ولقائه ممثلو القوى الدولية الكبرى في مؤتمر ميونيخ للأمن وقبل ذلك كان وزراء دفاع دول حلف النيتو قد بحثوا في بروكسل كيفية التعامل مع شعار ترامب "أمريكا أولاً"، فما مدى الخطر الذي سيواجهه العالم؟ ومن سيحدد معالم النظام الجديد؟

ترامب يفتح جبهة جديدة في أسعار صرف العملات

قد يشكل التركيز المتجدد للرئيس الاميركي دونالد ترامب على ما يعتبره أسعار صرف "غير عادلة" مؤشرا الى حلقة جديدة من حرب عملات من شأنها أن تترك تداعيات على الاقتصاد العالمي، ويلحظ مشروع لوزارة التجارة امكان أن تفرض الولايات المتحدة رسوما عقابية على كلّ بلد تعتقد أنه يضعف عملتها لتبقى صادراته أرخص من المنتجات الأميركية.

وعادة ما تقرر البنوك المركزية خفض معدلات الفائدة بغية تحفيز الاقتصاد البطيء وغالبا ما يسفر ذلك عن إضعاف معدلات اسعار صرف العملات، ما يؤدي بدوره الى تعزيز الصادرات والنشاط الاقتصادي، من جهته، يبدي مارك سوبل، مسؤول الخزانة السابق في إدارات جمهورية وديموقراطية، "تحفظات جدية" عن الاقتراح الجديد.

وكتب في مذكرة وجهها الى وزارة التجارة أن "الإدارة تعلق بشكل محق أهمية كبيرة على مكافحة الممارسات النقدية التي تضر بالاقتصاد الأميركي والعمال الاميركيين"، لكنه تدارك أن الاقتراح "معيب بشكل أساسي" ويمكن أن تكون "نتائجه عكسية".

على مر السنين، اقترحت حكومات ونواب من الحزبين الجمهوري والديموقراطي عدم مهادنة البلدان التي تتلاعب بأسعار الصرف لديها لتكون أكثر قدرة على المنافسة في التجارة العالمية، لكن هذه الجهود، التي كانت تستهدف الصين خصوصاً، قوضت في الغالب جزئياً باعتبار انها تنتهك قواعد التجارة العالمية.

ومن المفارقات أن الصين التي تعتبر الهدف الرئيسي للاقتراح الجديد، لم تتدخل في أسواق العملات في السنوات الأخيرة، الا منعا لانخفاض قيمة اليوان، ولم تتمكن وزارة الخزانة الأميركية التي تنشر تقييما كل سنتين حول التلاعب بالعملات، من اتهام الصين رسميا بالتلاعب بعملتها منذ منتصف تسعينات القرن الفائت.

ومن الآن وصاعدا، قررت وزارة التجارة تعديل قاعدة للتعامل مع التطورات الخاصة بكل عملة مثل أي دعم حكومي يضر بالمصنعين الأميركيين، وإذا تمت الموافقة على هذه القاعدة، فسيتم اعتبار أي تلاعب نقدي بمثابة إعانة ويمكن لوزارة التجارة ان تفرض رسوما جمركية لتعويض سعر صرف أدنى مقابل الدولار.

وتثير المنطقة الرمادية قلق الاقتصاديين لأنه ليس لدى وزارة التجارة الخبرات الفنية لإجراء هذه التقييمات، وتابع سوبل أن المشروع سيمنح الوزارة "سلطات تقديرية مفرطة" والمعروف أنه من الصعب اجراء حساب موضوعي حول ما إذا كانت عملة ما جرى تقييمها بأقل من قيمتها، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي قيمتها.

احتمال حدوث ركود بحلول عام 2021

يؤكد مصرف Bank of America، أن هذا ليس الحد النهائي، لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد يقرر تخفيض قيمة العملة الأمريكية وحذر هذا المصرف، الذي يعتبر أحد أكبر المؤسسات المالية في البلاد، المستثمرين من نية السلطات الأمريكية تعويم الدولار وسيتخذ ترامب هذا القرار، تحت شعار نشر الاستقرار في الاقتصاد.

وقال ميشيل مائير الخبير الاقتصادي في بنك أوف أميركا، ومحلل وضع العملات في "بنك بن راندال": "إذا بدا أن انتقال الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض نسبة الفائدة، لا يكفي، فسيزداد احتمال التدخل الرسمي في الموضوع النقدي"، في عام 2018، نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.9 في المائة، ولكن بحلول نهاية العام المذكور، تباطأ بشكل بارز.

ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فسينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين ويرى الخبراء، احتمال حدوث ركود بحلول عام 2021، بسبب وجود دين حكومي ضخم، يتجاوز 22 تريليون دولار، وعجز في الميزانية بقيمة تريليون دولار، ناتج عن زيادة حادة في تكاليف خدمة هذا الدين، بالإضافة إلى تفاقم حاد للحرب التجارية مع الصين.

ويتوقع هؤلاء الخبراء، أن الركود "الناعم" قد يحدث في 2020، على الرغم من الخفض المتوقع لنسبة الفائدة، ويشير الخبراء، إلى أن ترامب تخلى علنا وبشكل صريح، عن سياسة "الدولار القوي"، التي تمسك بها أسلافه في الحكم، ويعتقد ترامب، أن "الدولار القوي"، يعيق تصدير البضائع والخدمات الأمريكية، ويؤدي فقط إلى تفاقم العجز التجاري: وفي عام 2018، وصل هذا المؤشر إلى رقم غير مسبوق - 621 مليار دولار وفي حال بات الدولار أرخص، سيفضل المستهلك الأجنبي شراء السلع الأمريكية، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاج وتقليل العجز في التجارة الخارجية.

هل دونالد ترامب سبب تراجع الدولار الامريكي؟

منذ توليه منصب الرئيس الأمريكي لم تتوقف أزمات ومشاكل دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي لم يكن يتوقع أحد وصوله إلى منصب الرئيس الأمريكي والذي ما فتئ يطلق تصريحات مثيرة للجدل عبر حسابه على تويتر ابتداء بتصريحاته التي وصفت بالمعادية للمسلمين، والمهاجرين بصفة عامة، وصولاً إلى ادعائه بأن وسائل الإعلام في بلده تنقل أخباراً كاذبة عنه.

ولكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد، حيث تفجرت فضيحة في وجه دونالد ترامب تتعلق بضلوع المخابرات الروسية في دعم حملة دونالد ترامب وهي الأزمة التي تكفل مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق فيها، حيث اتضح أن "مايكل فلين" المستشار الأمني للرئيس الأمريكي قد قام باتصالات مشبوهة مع جهات روسية، ما أدى بالأخير لتقديم استقالته.

وكما يبدو فإن الرئيس الأمريكي لا يستطيع الاستمرار في عمله دون إثارة المشاكل، حيث أنه بعد لقائه بوزير خارجية روسيا وسفير روسيا في واشنطن في البيت الأبيض، نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" الواسعة الانتشار تقريراً مفاده أن الرئيس الأمريكي، خلال هذا الاجتماع قام بإعطاء الجانب الروسي معلومات استخباراتية حساسة حصلت الاستخبارات الأمريكية عليها من حليف لها من إحدى دول الشرق الأوسط بخصوص محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي يعد خرقاً للقوانين في الولايات المتحدة.

مشاكل ترامب المستمرة في البيت الأبيض، أصبحت تثير الكثير من المخاوف في صفوف الأسواق المالية، بحيث بدأ الحديث في وسائل الإعلام الأمريكية عن احتمال إقالة دونالد ترامب من منصب الرئيس الأمريكي، وعلى المستوى الفني، يتداول الدولار عند أدنى مستوياته خلال ستة أشهر، حيث يتداول مؤشر الدولار الأمريكي قرب مستوى 97 نقطة.

فبالإضافة إلى مشاكل ترامب في البيت الأبيض وظهور الشكوك في أهلية الأخير في قيادة الاقتصاد الأمريكي، أظهرت البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة تباطء بعض الأنشطة الاقتصادية على غرار قطاع الإسكان الذي عرفت فيه نسبة بناء المنازل تراجعاً، في حين أظهرت بيانات أخرى تباطء أنشطة المعامل الصناعية، ما يزيد التكهنات حول مدى جدوى قيام البنك الفدرالي الأمريكي برفع نسبة الفائدة كما هو مخطط له.

وقد انخفض الدولار الأمريكي أمام معظم العملات الرئيسية، بحيث خسر ما يقارب 3% من قيمته أمام الين الياباني، في حين كان زوج اليورو/الدولار الأمريكي أكبر المستفيدين من ضعف الدولار، فمنذ بداية سنة 2017 ارتفع الزوج بأكثر من 6%، من مستوى 1.04 مع بداية السنة إلى مستوى 1.11 مع نهاية الأسبوع الثالث من شهر ماي، ومحققاً ارتفاعاً بنسبة 3% في الأسبوع الأخير فقط.

إدارة ترامب والحرب الباردة لإضعاف الدولار

شهد الدولار أدنى مستوى له منذ سنوات مقابل العملات الرئيسية الأخرى وأشار الخبراء الاقتصاديين إلى أن الانقلاب على الدولار تقوده، جزئيا على الأقل، الحكومة الأمريكية نفسها، حيث اعتبر البعض أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، تشن حملة متعمدة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي على حساب الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل أوروبا واليابان.

وقال خبير اقتصادي في شركة الاستثمار "بيمكو"، يواكيم فيلس، إن إدارة ترامب تشارك في "حرب عملة باردة- وستفوز" وبدلاً من الصراع المفتوح الذي ينطوي على تدخل مباشر في أسواق العملات، تأتي الأعمال العدائية على شكل كلمات وأفعال "سرية"، كما كتب في إحدى مدوناته.

ويسير مجلس الاحتياطي الاتحادي على طريق رفع أسعار الفائدة، على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي ينمو بشكل صحي ومن المتوقع عادة أن يدعم ذلك تعزيز سعر صرف الدولار الأمريكي ولكن بعض التعليقات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية تشجع المستثمرين على التحرك بطريقة تتسبب بانخفاض الدولار وقد انخفض الدولار بنسبة 13 في المائة تقريباً، مقابل العملات الرئيسية الأخرى.

ويشير فيلس إلى تحرك إدارة ترامب لخفض الضرائب وتعزيز الانفاق الذي يقول إنه يأتي في "الوقت الخاطئ" أي عندما يكون الاقتصاد في حالة جيدة بالفعل وسوف تتراكم هذه التدابير على شكل المزيد من الديون الحكومية، ما يجعل المستثمرين أقل رغبة في امتلاك الأصول المقومة بالدولار، مثل سندات الخزينة الأمريكية.

وبينت تعليقات وزير الخزانة الأمريكي، ستيف منوشين، أن "ضعف الدولار أمر جيد بالنسبة لنا من حيث صلته بالتجارة والفرص" وحاول منوشين أن يرجع لتصريحات من السياق وأصر الرئيس ترامب على أنه يريد دولارا قويا.

وذكر المحلل البارز في شركة الأبحاث "غافيكال"، آرثر كروبر، أن "تجار العملة يجب أن يكونوا متشككين" حول تعليقات ترامب وأوضح كروبر في مذكرة إلى العملاء أن ترامب يريد خفض العجز التجاري الأمريكي مع الدول الأخرى، مضيفاً أن الدولار سيتعين عليه أن ينخفض بشكل أكبر لخفض عجز الحساب الجاري بشكل كبير.

ونقلت صحيفة "نيكي آسيان ريفيو" اليابانية في عامودها الأسبوعي، أن "حرب ترامب تزيد المخاطر بالنسبة لآسيا" وقال محلل آخر في "جافيكال"، توم هولاند، في المذكرة إن "الأسواق يمكن أن تتجه نحو فترة من عدم اليقين والتذبذب المتزايد، حيث يحاول السياسيون والمصرفيون المركزيون في أوروبا وآسيا إلى توجيه عملاتهم للأقل"، وأشاروا مراقبي السوق إلى أن قوة الدفع في الاقتصادات الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا دفعت بعض المستثمرين إلى الاقتراب من اليورو بدلاً من الدولار.

ترامب يتهم الصين وأوروبا بالتلاعب بعملتيهما

اتهم الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أوروبا والصين بالتلاعب بعملتيهما لتحقيق مصالحهما بهدف تعزيز موقعهما التنافسي أمام الولايات المتحدة، داعيا الى الاحتذاء بهما، وكتب ترامب على تويتر أن "الصين واوروبا تمارسان لعبة التلاعب بالعملات وتضخان المال في نظاميهما لمنافسة الولايات المتحدة".

وأضاف "علينا أن نحتذي بهما أو أن نظل نتفرج كالاغبياء على الدول الاخرى تمارس لعبتها الصغيرة، الأمر الذي تقوم به منذ سنين عديدة"، وكان ترامب انتقد بعنف ماريو دراغي رئيس المصرف المركزي الأوروبي متهما إياه بالعمل على خفض قيمة اليورو لجعل البضائع الأوروبية أكثر جذبا للتصدير.

واكتفى دراغي يومها بالرد بأن المصرف المركزي الأوروبي لا يسعى للتلاعب بسعر الصرف، ويخفض نسب الفائدة لأن نسبة التضخم منخفضة جدا، وإضافة الى اتهاماته لاوروبا والصين لم يوفر ترامب أيضا المصرف المركزي الاميركي نفسه ويأخذ على المصرف الأميركي وعلى رئيسه بالتحديد جيروم باول، مع أنه هو الذي عينه في هذا المنصب، أنه لم يعمل على خفض نسب الفائدة لدعم الاقتصاد.

ويعتبر ترامب مع عدد من المحللين الاقتصاديين أن على المصرف المركزي الاميركي خفض الفوائد سريعا لاعطاء دفع لاجمالي الناتج المحلي، وقام ترامب بتسمية شخصين من الداعين لخفض الفوائد عضوين في اللجنة النقدية داخل المصرف المركزي الاميركي لكن هذين المرشحين لا يزالان بحاجة لتصديق مجلس الشيوخ.

وختاماً نخلص إلى نتيجة مفادها بأن انخفاض قيمة الدولار يبين بوضوح المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي وأهمها العجز في الميزان التجاري والتضخم، وهما مشكلتان لهما تأثير بالغ على النمو الاقتصادي العالمي وديمومته على المدى البعيد.

اضف تعليق