q

يبدو أن الحكم في السعودية قد دخل مرحلة ما قبل الإنهيار، نظرا لما شهدته الساحة الداخلية في المملكة من حراك غير اعتيادي كمّاً ونوعاً في الآونة الأخيرة، أظهرت حدة الخلافات بين أجنحة العائلة الحاكمة، والتي بدأت تؤثر في الأداء الإقليمي للسعودية ودورها في المنطقة، وربما لا تنتهي هذه الخلافات الا بإعادة ترتيبات توريث ادارة الحكم بشكل يخدم اطراف داخلية وخارجية في آن واحد، بحيث يجسد تغيير ظاهري للسلطة أو يمهد لانقلاب لا يبدو بعيد المنال.

إذ يرى بعض المحللين أن التغيير الجذري في القيادة السعودية يأتي في ظل تغيرات جيوسياسية كبيرة في المنطقة، خصوصا مع احتدام المواجهة مع إيران وتقارب هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة التي لطالما اعتبرت الحليفة الرئيسية للمملكة، فقد عين الملك سلمان بن عبد العزيز ابن شقيقه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وليا للعهد وعين ابنه الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد وأبقاه وزيرا للدفاع في تعديل واسع النطاق في النخبة الحاكمة في المملكة في أوقات اضطراب لم يسبقها مثيل تقريبا في المنطقة.

وضمن سلسلة من التعيينات والاعفاءات التي من شأنها ان تغير جذريا ملامح الادارة السعودية، اعفى الملك سلمان وزير الخارجية الاشهر في تاريخ المملكة الامير سعود الفيصل الذي يعاني من مشاكل صحية منذ سنوات، وتكون بذلك المملكة قد اتخذت وجها جديدا تماما على مستوى قيادتها، وبات خصوصا ابناء "الجيل الثاني"، اي احفاد الملك المؤسس عبد العزيز، في مقدمة القيادة الى جانب الملك.

إذ شملت التعيينات سلسلة تغييرات واسعة في مختلف قطاعات الحكومة، فمحمد بن نايف، الرجل القوي الذي يمسك بالملف الامني والقريب من واشنطن، يبلغ من العمر 56 عاما، فيما محمد بن سلمان الذي لمع نجمه بقوة في الاشهر الاخيرة، فعمره لا يتجاوز 35 سنة، فيما تشير بعض المعلومات الى انه قد يكون في الثلاثين من العمر فقط، وتعزز هذه الخطوة فرع سلمان في الاسرة الحاكمة. فالابن الوحيد للملك الراحل عبد الله الذي لا يزال يشغل منصبا رفيعا هو الأمير متعب وزير الحرس الوطني الذي احتفظ بمنصبه.

فيما اعتبرت سلسة التعيينات والإعفاءات التي أقرها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، مفاجأة غيّر بها ملامح القيادات السياسية والعسكرية بالمملكة، فماذا تخفي هذه القرارات وراءها؟.

ويرى المحللون المتخصصون في الشأن السعودية إن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أراد من خلال سلسلة التعيينات التي أجراها وتغير وجه الدولة، ضخ دماء شابة في القيادة ونقل السلطة بسرعة "للجيل الثاني"، كما أنها تعكس مفاعيل الحرب في اليمن.

وتتركز كل السلطات تقريبا في عهد الملك سليمان الآن في أيدي الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان اللذين يرأس كل منهما لجانا تشرف على كل القضايا الأمنية والاقتصادية في المملكة وقادا حملة القصف الجوي في اليمن التي تقودها الرياض، ويعزز التغيير أيضا العلاقات مع الولايات المتحدة. ويقول دبلوماسيون إن الأمير محمد بن نايف الذي يخلف الأمير مقرن في منصب ولي العهد يتمتع بعلاقات شخصية خاصة مع المسؤولين الأمريكيين قد تفوق اي فرد آخر في الأسرة الحاكمة. وكان العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله قد اختار الأمير مقرن وليا للعهد قبل وفاته في يناير كانون الثاني الماضي.

فيما يرى الكثير من المحللين أن السعودية على وشك الدخول في مرحلة مهمة من مراحل تاريخ العائلة الحاكمة، ومن بين السيناريوهات المطروحة تفاديا للصراعات وهو السيناريو المتعلق باختيار ولي للعهد من الجيل الشاب "نسبيا" وأن يتنحى ولي العهد الحالي سلمان بن عبد العزيز بارادته، وافساح المجال أمام وصول ولي العهد الجديد الى أعلى قمة الهرم، كخطوة أولى باتجاه كرسي الملك، ويرى هؤلاء المحللون أن عملية التغيير في السعودية سوف تشمل كرسي الملك وكرسي ولي العهد، والولايات المتحدة القلقة على وضع العائلة الحاكمة في الرياض تدعم الامير مقرن بن عبد العزيز النائب الثاني في الحكومة السعودية لتولي ولاية العهد، والامير مقرن يدير بشكل مشترك مع بندر بن سلطان الدور السعودي، وشراكة الرياض مع واشنطن في تغيير أنظمة الحكم في العالم، عبر الارهاب والتخريب، كذلك، هو من دعاة الابقاء على القطيعة مع طهران، وله علاقات قوية مع أمريكا وسرية متينة مع اسرائيل، وعليه تظهر المعطيات انفة الذكر ان مستقبل الحكم في السعودية سيشهد صراعات داخلية تضع العائلة الحاكمة على رمال متحركة قد تهدد استمرار الحكم الملكي في السعودية.

تغيير سلم الخلافة في أوقات عصيبة

في سياق متصل قال التلفزيون السعودي إن الملك سلمان أعفى أخاه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس الوزراء، وقال التلفزيون إن الملك سلمان دعا لمبايعة ولي العهد وولي ولي العهد الجديدين في قصر الحكم. بحسب رويترز.

وفي تغيير كبير آخر أعفى العاهل السعودي وزير الخارجية المخضرم الأمير سعود الفيصل من منصبه الذي يشغله منذ أكتوبر تشرين الأول عام 1975 وعين عادل الجبير سفير السعودية لدى الولايات المتحدة وزيرا للخارجية وهو أول شخص من خارج الأسرة الحاكمة يشغل هذا المنصب.

وفي مرسوم نشرته وسائل الإعلام الرسمية قال الملك سلمان انه يسير على خطى سلفه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في اختيار المرشحين الأنسب لشغل المناصب العليا في المملكة، وقال الملك سلمان ان قرار إعفاء أخيه غير الشقيق وتعيين الأمير محمد بن نايف خلفه وليا للعهد وتعيين ابنه وليا لولي العهد جاء بموافقة غالبية أعضاء هيئة البيعة.

وعين الملك سلمان -الذي تولى عرش السعودية عقب وفاة الملك عبد الله في 23 من يناير كانون الثاني- وزير العمل السابق عادل الفقيه في منصب وزير الاقتصاد ومفرج الحقباني وزيرا جديدا للعمل.

وعين أيضا حمد السويلم رئيسا للديوان الملكي ليحل محل الأمير محمد بن سلمان بينما عين خالد الفالح وزيرا للصحة ورئيسا لمجلس إدارة شركة أرامكو السعودية.

وولي العهد الجديد يشغل منصب وزير الداخلية منذ عام 2012 وقاد قوات الأمن في المملكة لعشر سنوات قبل ذلك وهي فترة قمع خلالها حملة لتنظيم القاعدة في السعودية وعزز الروابط مع الولايات المتحدة.

وتجيء هذه التغييرات واسعة النطاق في وقت اضطرابات لم يسبقها مثيل تشهدها المنطقة مع محاولة السعودية اجتياز المشهد الفوضوي الذي أعقب انتفاضات الربيع العربي وتخلت عن عقود من الدبلوماسية الهادئة بقيادتها الحملة العسكرية في اليمن.

وقال مصطفى العاني المحلل الأمني العراقي الذي تربطه علاقات وثيقة بوزارة الداخلية في المملكة "أعتقد أننا سنشهد سياسة أكثرة قوة ووتيرة أسرع في صنع القرار وتفكيرا أطول أجلا. سنشهد قيادة لا تتردد في خوض أي مواجهة".

وفي بيان وصفت شركة أرامكو النفطية الحكومية رئيسها خالد الفالح بأنه الرئيس والرئيس التنفيذي السابق وأنه أيضا رئيس مجلس إدارتها مؤكدة فيما يبدو تقريرا أوردته قناة العربية الفضائية في وقت سابق، وتضمن المرسوم الملكي الذي صدر تعيين الفالح وزيرا جديدا للصحة. ولم يتم تعين رئيس تنفيذي جديد أرامكو لكن محللين قالوا إنه من غير المحتمل أن تتغير السياسة النفطية للمملكة، وقال كليمنت هنري الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية "لا أرى أنه كان هناك أي اختلاف بشأن فكرة الإبقاء على الإنتاج مرتفعا والحفاظ على حصة البلاد في السوق".

الحرس الجديد

الأمير محمد بن نايف شخصية معروفة في الداخل وفي الغرب لدوره في القضاء على حملة القاعدة وقيادة السياسة السعودية في سوريا لكن الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد الجديد فهو نسبيا أقل شهرة وقد صعد نجمه بسرعة بين نخبة الأسرة الحاكمة، وقبل أربعة أشهر وستة أيام فقط كان يتولى رئاسة ديوان والده ولم يكن معروفا على نطاق واسع في الداخل وعلاقاته محدودة نسبيا مع شركاء المملكة في الخارج.

ومنذ ذلك الحين أصبح بعد تعيينه وزيرا للدفاع أبرز وجه في حملة الرياض هذا الشهر في اليمن وتكاد صورته لا تختفي من شاشات التلفزيون أو لافتات الشوارع ورسخ وضعه كشخصية محورية بعد أن أصبح الثالث في ولاية العرش في المملكة.

وقال العاني "محمد بن سلمان يمكن أن يلمع نجمه في هذا المنصب تحت إشراف محمد بن نايف"، وامتدح مسؤولون أمريكيون في أحاديثهم الخاصة التي سربها موقع ويكيليكس الأمير محمد بن نايف لدوره في القضاء على جناح القاعدة في المملكة قبل عشر سنوات والعمل معهم ضد المتشددين في اليمن وأماكن أخرى.

ويعني إعفاء الأمير مقرن -الأخ الأصغر غير الشقيق للملك سلمان- من ولاية العهد ان العاهل الحالي سيكون آخر ملك من أبناء العاهل الراحل الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة. وجاء الملك سلمان بعد خمسة ملوك من اخوته.

وينهي هذا أيضا المخاوف بشأن تولي الحكم ملوك كبار السن بعد أن خلف الملك سلمان الذي بلغ الثمانين هذا العام الملك عبد الله البالغ من العمر 90 عاما، وقال جمال خاشقجي المدير العام لقناة العرب الإخبارية التلفزيونية "لا نريد أن يحكم السعودية قائد تلو الآخر معتل الصحة".

ماذا تخفي التعيينات الجديدة في القيادات؟

من جهته قال الأكاديمي والمحلل السياسي خالد باطرفي "من الواضح الاتجاه نحو عصر الشباب. الملك سلمان أراد أن يجدد عهد الدولة السعودية الثالثة بضخ هذه الدماء الشابة"، وكان الملك سلمان أصدر أمرا ملكيا بتعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد بدلا من الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي أعفي من منصبه، كما عين نجله الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد بعد حصوله على غالبية أصوات هيئة البيعة، كما أعفي وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الذي قاد دبلوماسية بلاده طوال أربعين سنة، لأسباب صحية، وعين مكانه سفير المملكة لدى واشنطن عادل الجبير، وأجرى الملك أيضا مجموعة واسعة من الإعفاءات والتعيينات التي من شأنها تغير بشكل جذري وجه الإدارة السعودية، وهي ثاني دفعة من التغييرات الكبيرة منذ اعتلاء الملك سلمان سدة الحكم خلفا لأخيه الملك عبدالله في كانون الثاني/يناير.

ولفت باطرفي إلى أن "معظم التعيينات الجديدة من الشباب" مشيرا إلى أن معدل أعمار المسؤولين في الدولة بات حاليا 55 عاما تقريبا، واعتبر باطرفي أن "الفكرة من التعيينات هو أن يكون المستقبل مطمئنا للداخل والخارج، فقد أصبح واضحا من سيقود السفينة"، وكان الأمير محمد بن نايف (56 سنة) اختير ليقود مستقبل المملكة عندما عين في كانون الثاني/يناير بعيد وفاة الملك عبد الله وليا لولي العهد في قرار حسم مسألة الانتقال إلى "الجيل الثاني"، أي أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز. بحسب فرانس برس.

وأتى قرار إعفاء ولي العهد الأمير مقرن الذي كان يفترض أن يكون آخر الملوك من "الجيل الأول"، ليسرع أكثر مسألة الانتقال إلى الجيل الجديد من آل سعود، ومن المفترض أن يصبح الأمير محمد بن سلمان، وهو في مطلع الثلاثينات من العمر، وليا للعهد عندما يصبح الأمير محمد بن نايف ملكا.

وبعد أن حكمت المملكة لعقود من قبل قادة متقدمين في العمر، باتت تحظى بقيادة شابة نسبيا، من جانبه، وصف الكاتب السعودي خالد المعينا التغييرات الجديدة بأنها "تجديد ونقل للحكم إلى الجيل الثاني والثالث في العائلة المالكة"، وقال المعينا "العالم تغير (...) التحديات الجديدة تحتاج لدماء ومواهب جديدة".

وقد أعرب رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات القانونية والإستراتيجية أنور عشقي عن اعتقاده بأن التعيينات تظهر بأن "السعودية تعيش مرحلة ما بعد عاصفة الحزم"، في إشارة إلى العملية التي أطلقتها السعودية ضد الحوثيين في 26 آذار/مارس.

وأوضح "من قاموا بهذه العملية هم الذين برزوا على الساحة لذلك كان لابد أن يوجد تغييرا يتناسب مع مقتضيات المرحلة"، فالأمير محمد بن سلمان هو الذي يقود هذه الحرب بصفته وزيرا للدفاع، وقد لمع نجمه بشكل كبير منذ انطلاق "عاصفة الحزم"، أما عادل الجبير، فهو الذي أدار حملة العلاقات العامة للمملكة في الولايات المتحدة مع إطلاق هذه الحرب، والجبير هو الذي أعلن من واشنطن بدء ضربات التحالف العربي بقيادة السعودية، وهو إعلان فاجأ العالم، وشدد عشقي على أن تعيين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، يأتي بعد عرض المسألة على هيئة البيعة، وهي هيئة أمراء آل سعود التي تشرف على مسألة الخلافة واستمرار الحكم، وقال عشقي "العملية كانت منظمة ومرتبة وليست تلقائية"، وخلص عشقي إلى القول بأن "المملكة تعيش عصرا مغايرا هو عصر الواقعية" وستواجه قيادتها الشابة "تحديات أمنية واقتصادية وإدارية".

اضف تعليق