q
ربما أحد الأسباب الرئيسة في كثرة الطلاق اليوم، وعدم التفاهم يكمن عدم تشابه الآراء وتقاربها بين الأزواج، فعندما يحقق والد العروس عن العريس المستقبلي سيكون جواب زميله بالجامعة: إنه رائع جدا، ولت تجد مثيلا له، ولكن يجد بعد الزواج سوف يظهر إنه ليس رائعا أبداً...

تشير بعض الاستبيانات القضائية، إلى تصاعد وتيرة الطلاق في مجتمعنا العراقي، لأسباب بعضها معروف، والبعض الآخر يبقى مجهولا أو خفيّا في طيّ الكتمان، هنا نسعى كي نضع هذه المشكلة الاجتماعية تحت المجهر، ونتوغل قليلا في الأعماق، ولا نكتفي بالقشور الخارجية أو السطحية للمشكلة.

كانت والدتي رائعة جدا، إنها إنسانة لطيفة، واعية، طباخة ماهرة، ربة بيت محترفة باستطاعتها أن تصنع من الأشياء المهملة، أرقى التحف وأجملها، إنها مدبرة باستطاعتها أن تدير البيت بمبلغ بسيط ولا يشعر أي أحد بأننا لا نملك المال، بل نشعر إننا أغنياء على الدوام ونبتسم.

عندما يكلمها رجل أجنبي تصبح كأقحوانة خجلة يتغير لونها لا إرادياً، تتحرك وتقوم بتغيير لفّ عباءتها أكثر كي تبيّن أنها تربَّت على مبادئ راسخة، والدتي رائعة جداً، إنها من تلكم الروائع التي تؤثر في قلب والدي الذي كان يمتدحها على الدوام ويردد فضائلها أمام الآخرين، وينبهنا كي نكون مثلها، ونتحلى بأخلاقها الحسنة، كان يكرر القول دائما بأنه لن يجد أية أنثى مثلها ثم يضيف بلهفة: إنها حقّا رائعة!

قبل أيام عاد أخي الكبير من الجامعة وقال لوالدتي إنه أُعجب بشخصية إحدى البنات في الجامعة، ويرغب الزواج منها، وأخذ أخي يكرر بأنها رائعة جدا، ومن الأوائل في دورتنا الجامعية، إنها من الذكيات اللواتي يستطعن تحليل الأمور بالمنطق، لدرجة أنه يمكن للرجل أن يعيش حياة رغيدة معها بكل فرح، إنها من تلكم اللواتي يعرفن أين ومتى يتكلمنَ، فيذهلنَ الجميع بدرر الكلام، كما تعرف كيف ومتى تصمت كي يموت المحبوب شوقاً لسماع صوتها أو إبداء رأيها.

كلٌ يرى ما يريد بقلبهِ

وفي النهاية قال أخي: أتمنى الزواج منها بسرعة.. إنها رائعة جدا، ولا مثيل لها!!.

عندما أنهى كلامه قال أخي الصغير: يا إلهي كم هذا الولد ثقيل الدم وعديم الذوق، كيف يمكن لإنسان أن يفتتن بشخصية تلك الفتاة الجامعية وكيف يتيَّم بها بهذه السرعة؟ ومن أدخل في رأسه هذه الصفات التي تعد غير مجدية؟

لكن أخي الكبير ظلَّ يردد بإصرار ولهفة: إنها رائعة! رائعة حقّاً.

مضت السنوات وجاء دور أخي الصغير ليختار شريكة حياته ويكشف لنا ذوقه الرفيع، ذهبنا إلى أحد البيوت لنخطب له البنت التي كان يرغب الزواج بها، وظن إنها أنثى مثالية، لكنَّ اختياره كان مغايراً تماماً لمبادئنا، وما رأيناه كان مغايراً لاختيار والدي وأخي الكبير.

كانت الفتاة مليحة ذات نظرات فاتنة وابتسامة رشيقة، ربما بهذه الطريقة استطاعت أن تسرق قلب أخي الصغير، دخلتْ الفتاة إلى الغرفة فانتشرت رائحة العطر في الأرجاء، بدت لنا مشاكسة متمردة بعض الشيء، لكن أخي الصغير كان غارقاً في حبها، وكان مصمما على اختيارها كشريكة حياة له، مع إن الجميع عارضوا فكرة زواجه بتلك الفتاة، ولكن كان يردّد ويقول بلهفة: إنها رائعة!

أتعرفون؟؟

إن صفة الروعة تختلف مع اختلاف الأشخاص، واختلاف وجهات نظرهم، إن الرائعة التي كانت تثير قلب والدي هي من الطراز القديم، وهي غير مستحدثة ولا تعرف شيئا مما تغيّر في العصر الحالي، والرائعة التي كان يحبها أخي الكبير كانت مصابة بالغرور ومتكبرة، تحب الأبهة الزائفة، أما الرائعة التي أدهشت أخي الصغير، فهي غير منضبطة وقد لا تعنيها بعض القيم!!

ابحثْ عمّا تحب وليس ما يحبه الآخرون

لذا فإن كل إنسان يبحث عن الرائع الذي يرغب به، فالرائعون مختلفون، وأذواق الناس مختلفة أيضا، ابحثوا عن الرائع الذي يشعركم بالسعادة، الرائع الذي يكون مثالياً في نظركم، لأن الإنسان الرائع، رجل أو امرأة، هو مختلف بحسب وجهة نظر هذا الإنسان أو ذاك.

إبنوا حياتكم على الروائع التي ترغبون بها، وليس الروائع التي يرغب بها غيركم.

واسعوا إلى الروائع التي تحبونها أنتم، وليست الروائع التي يحبها الناس!

وما أجمل أن يكون مصداق اختيار الأمور في الحياة، رضا الله تعالى، حيث يختار الإنسان الأشياء والأهداف المختلفة، وفق معايير الدين الحنيف، و ما أوصى به الأنبياء والأوصياء والعظماء، في هذه الحالة ستكون سعادتكم أبديه، ليست محددة بالجمال الظاهري، لأنه لن يدوم حتى بالأموال لأنها زائلة، أما الاختيارات الصحيحة فإنها ستكون أبدية لأنها تخص الجوهر.

ربما أحد الأسباب الرئيسة في كثرة الطلاق اليوم، وعدم التفاهم يكمن عدم تشابه الآراء وتقاربها بين الأزواج، فعندما يحقق والد العروس عن العريس المستقبلي سيكون جواب زميله بالجامعة: إنه رائع جدا، ولت تجد مثيلا له، ولكن يجد بعد الزواج سوف يظهر إنه ليس رائعا أبداً، وكان الزميل الذي سئِل عنه، يقصد بالرائع إن صديقه يحترمه ويحبه، وهكذا سيكتشف الأب بأن الزوج الذي اختاره لابنته غير رائع أبداً لماذا؟

لأن معايير الأب في اختيار الرائع كان مغايراً تماما، كما حدث مع الزميل في الجامعة، وهكذا عندما يُسأل بقّال المحل عن العريس المستقبلي، يقول إنه رائع ولكن بعد الزواج يتبيَّن إن الرائع الذي كان يقصدهُ البقال هو دفع المبلغ دون التكلم والثرثرة حتى وإن كان أغلى من باقي الأماكن.

ولكن الرائع الذي كان يبحث عنه الأب، غير الذي يراه البقال في الشاب الصموت، إن الأب كان يريد الزوج المسؤول والحريص وليس وليس المبذر، وهذا قد لا يعرفه البقال من صفات الشاب الذي سئل عنه! وهكذا الحال في اختيار العروس، لذلك نجد آلاف المشاكل في الزيجات التي تحدث اليوم في مجتمعنا!!.

فليبحث كل شخص عن المعايير التي يظن إنها رائعة في شريك حياته، كي يعيش حياة رغيدة، وليبحث عن الرائع الذي يظن بأنه سوف يسعده، وليس الرائع الذي يهم الآخرين وينظرون إليه من الخارج (شكلا)، ولا يغوصون في (الجوهر)!

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
العراق
هل يمكن أن يكون لكل انسان في العالم معيار خاص به ليحقق النجاح في حياته الزوجية؟!2019-06-09