q
يجلس محمد النويري (69 عاما) على كرسي صغير داخل سوق الرشيد الذائع الصيت وسط العاصمة طرابلس، حيث ينصب يومياً طاولته الخشبية لعرض بعض البهارات والثوم المغلف، مصدر رزقه وأهل بيته، مترقبا قبل أيام من بدء شهر رمضان، الزبائن الذين أنهكتهم سنوات من الأزمات والحروب...

(أ ف ب) - يجلس محمد النويري (69 عاما) على كرسي صغير داخل سوق الرشيد الذائع الصيت وسط العاصمة طرابلس، حيث ينصب يومياً طاولته الخشبية لعرض بعض البهارات والثوم المغلف، مصدر رزقه وأهل بيته، مترقبا قبل أيام من بدء شهر رمضان، الزبائن الذين أنهكتهم سنوات من الأزمات والحروب.

ويقول محمد النويري لوكالة فرانس برس وهو يغلف الثوم بأكياس، "أصابني الإرهاق وغيري كثيرون مثلي. نقاوم عاما تلو آخر في ظروف استثنائية والحرب تتربص بنا، كلما نشعر ببصيص أمل، يطفو للسطح صراع عسكري بين الليبيين".

ومنذ الرابع من نيسان/أبريل، يشنّ المشير خليفة حفتر، الرجل القوى في شرق ليبيا والذي يطلق على قوّاته اسم "الجيش الوطني"، هجوماً على العاصمة طرابلس حيث مقرّ حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. وقتل 376 شخصاً وأصيب 1822 بجروح في هذه المعركة خلال شهر نيسان/أبريل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

ولا تزال المعارك تتركز جنوب العاصمة، ولم تصل الى أحيائها، لكن سكان طرابلس يشعرون بالقلق ويدركون أن الحرب تزيد من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها منذ غرقت ليبيا بالفوضى بعد سقوط نظام معمر القذافي.

ويقول النويري "أنا فخور بإطعام أولادي من الحلال. منذ سنوات، أواظب على القدوم هنا، لإعالة أسرتي المكونة من عشرة أفراد (...)، لدي أولاد في الجامعة وابنة معاقة بدنياً"، مضيفا "أنا مصاب بالسكري وأشتري دوائي بشق الأنفس".

وتتجوّل منال خيري (45 عاما) داخل سوق البقوليات، مشيرة الى أنها تأتي كل عام الى هذا المكان لشراء بعض الحمص والعدس ومستلزمات رمضانية خاصة، وغالبا ما يشهد هذا السوق زحمة في مثل هذه الأوقات، لكن الحال تغير بفعل الظروف الاقتصادية التي تمر بها ليبيا، وصعوبة الحصول على السيولة النقدية من المصارف، وتشكو منال، وهي أم لأربعة أطفال من ارتفاع الأسعار، "ثلاثة أيام أمضيت خلالها ساعات أمام المصرف"، مشيرة الى أنها تمكنت فقط من سحب 500 دينار (360 دولارا).

وتقول إن هذا المبلغ لا يكفي لسدّ احتياجات عائلتها سوى الأسبوع الأول من شهر رمضان، وترفع يدها صوب السماء قائلة "أرجو من الله أن يجمع شمل الليبيين، لأننا الآن نقتل بعضنا وثروات بلدنا تسرق في وضح النهار"، ويشير التاجر عبد الله الشايبي الى أن المعارك التي يشهدها محيط طرابلس "باتت مزعجة ومقلقة، وجعلت آلاف الناس يتركون منازلهم"، ويقول "ألاحظ أن شريحة واسعة من الليبيين عاجزة عن شراء أبسط مقومات الحياة، بعض العائلات تعدّ تأمين وجبات الطعام إنجازا، وهو أمر لم نعتد عليه في بلاد غنية بالنفط".

ويضيف بينما يقف أمام محل لبيع التمور، "بلادنا مشهورة عالميا بإنتاج التمر، نجد أنفسنا عاجزين عن شرائه بعد ارتفاع ثمنه ضعفين". ثم يتساءل "هل يمكن تخيل مائدة الليبيين في رمضان خالية من التمر الذي يمثل رمزية وروحية وقت الإفطار؟"، وتعجز المصارف التجارية الخاصة والحكومية عن توفير السيولة لنقدية للمواطنين، على الرغم من برنامج إصلاحات اقتصادية أقرته حكومة الوفاق العام الماضي.

أضرار النزوح

وتسببت المعارك الدائرة عند أطراف طرابلس بحركة نزوح كبيرة، جزء كبير منها في اتجاه الأحياء الداخلية للعاصمة، ما فاقم معاناة السكان مع قرب حلول شهر رمضان، ويقول مالك الذي قصد السوق لشراء حاجياته "الحرب أخرجت آلاف من سكان جنوب طرابلس من منازلهم، وغادر معظمهم مسرعين دون التمكن من أخذ حاجاتهم الأساسية، ما جعل الأعباء المالية تثقل كاهلهم. مع رمضان سيواجهون أوقات قاسية لتأمين حتى وجبة الإفطار"، ورأى أن رمضان هذه السنة "سيكون الأشد والأقسى" منذ أعوام على سكان طرابلس.

وتخطى عدد النازحين من مناطق الاشتباكات 45 ألف شخص، بحسب وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجرين بحكومة الوفاق يوسف جلالة، وفتحت الحكومة مدارس عامة لاستضافة عدد كبير من النازحين، فيما فضل غيرهم النزول عند أقارب لهم، أو يقيمون في مخيمات مستحدثة، وحذرت مساعدة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا ماريا دو فالي ريبيرو الأحد الماضي من "خطورة" الأوضاع الإنسانية في طرابلس، مشيرة إلى احتمال تدهورها، وحاولت حكومة الوفاق استباق رمضان بمحاولة تطمين المواطنين.

ونقل نائب رئيس لجنة الطوارئ التابعة للحكومة عثمان عبد الجليل، بحسب بيان رسمي، عن وزارة الاقتصاد تأكيدها "أن جميع السلع الأساسية متوفرة وبشكل جيد جداً، وتغطي كافة احتياجات المواطنين طيلة شهر رمضان المبارك وما بعده"، ودفعت الأزمة بعض الجمعيات الخيرية الى إطلاق مبادرة "الإفطار الجماعي".

وقال مفتاح إدريس الذي يرأس جمعية خيرية في طرابلس لفرانس برس، "قررنا مع بعض الجمعيات المساهمة في التخفيف على النازحين وعلى البلديات التي تتحمل ضغطا هائلا مع استمرار حركة النزوح، وقررنا إطلاق مبادرة الإفطار الجماعي".

وأوضح أن "الإفطار الجماعي ليس جديدا في ليبيا. كل رمضان توجد مثل هذه المبادرات. لكن هذه المرة مختلفة لأننا سنقيم إفطارا جماعيا في بعض مقرات ومخيمات النازحين"، معربا عن أمله في أن يترك ذلك "أثرا طيبا نفسيا على النازح ويخفف الأعباء المالية عن كاهله".

وجبة الإفطار تؤجج الانقسام في الصراع الليبي

(رويترز) - قهوة ومخبوزات مغطاة بالشوكولاتة والعسل واللوز أم شطيرة من الفاصوليا مع عصير أو مياه غازية؟

يعبر ما تتناوله على الإفطار عن الخلافات في ليبيا حيث تتنافس مناطق وقبائل وفصائل مسلحة وبلدات بعاداتها المختلفة على السلطة منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، وأدى هجوم تقوده قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة حليفة حفتر لانتزاع السيطرة على طرابلس الشهر الماضي إلى انهيار الجهود التي تدعمها الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفصائل المتنافسة، وأصبح اختيار الإفطار جزءا من لغة الصراع وموضوعا مثيرا للتوتر بحيث لم تسمح عدة مقاه في طرابلس لرويترز بمناقشة الأمر مع الزبائن.

يفضل سكان المناطق الراقية بالعاصمة نوعا من المخبوزات يسمى ”بريوش“. يقول البعض إن الكلمة مصدرها البريوش الذي أدخله الإيطاليون خلال الحقبة الاستعمارية إلى ليبيا مع القهوة والكابتشينو.

ولا يقبل هؤلاء على طبق الفاصوليا الذي يفضله سكان شرق ليبيا. ويقدم في بعض الأحيان مع البيض وهو يشبه أطباق الإفطار في دول عربية أخرى، وقال محمد صلاح وهو من سكان طرابلس ”البريوش يعبر عن طرابلس. عن الحياة الراقية“، ويشير أبناء شرق ليبيا إلى سكان طرابلس باسم ”البريوش“ أو سكان المدن الضعفاء الذين يفتقرون لمهارات القتال، وقال عمر الزياني المقيم في بنغازي بشرق ليبيا ”أتردد على طرابلس بانتظام للعمل... حين نناقش السياسة ويشعر شخص ما بأنه يخسر المناقشة يبدأ استفزازاي بالفاصوليا... أرد عادة مستخدما البريوش“، وخلال مظاهرة ضد حفتر الشهر الماضي في طرابلس لوح عدة متظاهرين بالكرواسون بينما كانوا يرددون الهتافات.

وقال أحد المحتجين وهو محاضر بالجامعة يدعى عبد الملك السفراني إن البريوش يظهر أن السكان المحليين ”راقون ويرتادون المقاهي... أقوياء ومتحدون في عزمهم على القتال وإجبار القوة المهاجمة على الانسحاب“، وتهكم المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي على المتظاهرين في مؤتمر صحفي فيما بعد، وقال أحمد المسماري ”الأهم الآن هو البريوش“. ووصف شخصا يوزع المخبوزات بأنه ”إرهابي“.

أما سكان الشرق فيشتكون من أن هذه الإشارة تذكرهم بسنوات حكم القذافي الذي يقولون إنه كان يوفر فرص عمل في الغرب لكنه عاقب شرق ليبيا بالإهمال لمعارضته له، تقول ماري فيتزجيرالد التي تجري أبحاثا عن ليبيا منذ عام 2011 إن على الرغم من أن الأمر قد يؤخذ ”على سبيل المزاح“ فإنه يرمز لأسس الانقسام التي يقوم عليها الصراع، وأضافت ”يعكس هذا كيف عمق الانقسام، الذي نجم عن الصراع على مدى سنوات، الأفكار عن الهوية على أساس الانتماء للمدينة أو الأقاليم“.

اضف تعليق