q
مجالات الدفاع الإستراتيجي في القرن الحادي والعشرين قد تقدمت وتأثرت بتمظهرات القوة والتأثير الإستراتيجي، حيث اتخذت عدة مجالات وفضاءات للاشتباك والتراشق بين القوى العالمية المندفعة بتوجهات جيو-إستراتيجية خارج حدودها تجلت بالمجال (الجيو-فضائي)، والذي يعرف بالمجال الذي يبدأ من المجال الجوي للدولة مع المجال الأرضي المنخفض...

يعلم الجميع، أن مجالات الدفاع الإستراتيجي في القرن الحادي والعشرين قد تقدمت وتأثرت بتمظهرات القوة والتأثير الإستراتيجي، حيث اتخذت عدة مجالات وفضاءات للاشتباك والتراشق بين القوى العالمية المندفعة بتوجهات جيو-إستراتيجية خارج حدودها تجلت بالمجال (الجيو-فضائي)، والذي يعرف بالمجال الذي يبدأ من المجال الجوي للدولة مع المجال الأرضي المنخفض، وصولاً إلى المجال المرتفع بحولي 35786 ميل، ويشمل أيضاُ المدى الذي تصل إليه قدرات الدول الإستراتيجية الفضائية في نطاق محوري وافقي، تبلورت على أثر ذلك عقيدة 101 الإستراتيجية والتي تحمل شقين دفاعي وهجومي في نفس الوقت، خصوصاً مع تموضع توجهات الولايات المتحدة لتعزيز حضورها (الجيو-فضائي) في الإستراتيجية الوطنية للفضاء لعام 2018، وتحديداً في المجال الفج الذي يطلق عليه المحللين الإستراتيجيين المجال الخامس (الإشتباك الإستراتيجي).

حدد المفكرون الإستراتيجيون حضور الصراع التكتيكي بين القوى الدولية في خمس بيئات، تجلى المجال الأول للصراع بالاشتباك البري والذي نظر له المفكر الإستراتيجي (هالفورد ماكندر)، حيث أكد على أهمية الاشتباك البري كمنطلق استراتيجي للتوسع والتمدد الجيو إستراتيجي للقوى الطموحة والتي تجلت بـ(التيلوروكراتيا).

أما المجال الثاني للصراع فتمثل بالاشتباك البحري للمنظر المفكر الإستراتيجي (الفريد ماهان) والذي أكد على أهمية السيطرة البحرية والتي أساسها تفوق القوة البحرية كأساس مرحلي للسيطرة الجيو-إستراتيجية العالمية والتي تجلت هي الأخرى بـ(التالاسوكراتيا).

كما تطور المجال الثالث للصراع الإستراتيجي والذي تمثل بالسيطرة الجوية، إذ أكد على أهمية هذا المجال (الكسندر دي سيفيرسكي) والذي أشار لأهمية القوة الجوية كأساس للتفوق الإستراتيجي للقوى العالمية والتي تجلت بـ(الآيروكراتيا).

أما المجال الرابع للصراع فقد جاء على أساس البيئة البديلة الرقمية والتي تمثلت بالبيئة السيبرانية، حيث أتاحت حرية كبيرة للقوى الطموحة للهجوم الافتراضي والتأثير السيبراني من خلال تهجين نظرية الاقتراب غير المباشر لأجل ترويض اندفاعها في العمق الافتراضي للقوى المنافسة لها، تجلى هذا المجال بالاشتباك (الجيو-سيبراني).

وأخيراً، جاء المجال الخامس للصراع والتناحر الإستراتيجي بين القوى العالمية الفاعلة حيث حل المجال الفضائي كمضمار أخير للصراع والذي يطلق عليه المجال (الجيو-فضائي) إذ تمثل باندفاع القوى العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا بإنشاء قواعد عسكرية بديلة للقوى البديلة الأرضية من خلال تسخير تقنية المجال الجوي (الأقمار الاصطناعية) لأجل تعضيد تقنية الإنذار المبكرة والردع الاستراتيجي النووي.

إن مجال (الجيو-فضائي) اليوم هو بالفعل بيئة أكثر تعقيدا وتحديا مما كانت عليه، حيث استطاعت الولايات المتحدة من دمج القدرات الإستراتيجية (الجيو-فضائية) مع القدرات العسكرية التكتيكية، وهو مما أدى إلى مستوى غير مسبوق من القوة والتأثير والفعالية التكتيكية، وفي الوقت نفسه، تقوم عدة قوى بتطوير قدراتها الخاصة في مجال (الجيو-فضائي) لتعزيز قوتها التكتيكية وتقويض القوة الإستراتيجية للقوى الأخرى، هذا الاندفاع فتح المجال للقوى الرائد في تقنية الفضاء بالانفتاح على تسخير هذا المجال من أجل توسيع اندفاعها الجيو-إستراتيجي، ونقصد هنا الصين وروسيا، حيث تندفع هذه القوى بالابتكار وإيجاد البدائل التكتيكية من أجل مزاحمة الولايات المتحدة في مجمل دوائر التفاعل الدولي للمجالات الخمسة المنافسة.

نتيجة لتطور دوائر الصراع في البيئة الإستراتيجية العالمية والذي قفز من الدائرة التقليدية إلى الدائرة (الجيو-فضائية)، تبلورت في الأوساط الأكاديمية جيل جديد من عقائد الاشتباك الإستراتيجي (دفاع، هجوم) هذه العقيدة أطلق عليها عقيدة 101 الإستراتيجية، تبلورت أساس هذه العقيدة من انصهار عقائد الردع التقليدية والنووي مع عقيدة الاشتباك السيبرانية لتنتج بوتقة عقيدة جديدة تجلت بـ(جيو-فضائية)، حيث يقع على عاتقها مواجهة التحديدات التقليدية وغير التقليدية، وتتمحور أساس هذه العقيدة بالآتي:

أولاً: الهجوم الانزلاقي: يتمحور هذا الهجوم على أساس تركيبة من الصواريخ التكتيكية التي تعتمد على تقنية (HGVs)، تختلف هذه الأسلحة عن الأسلحة التقليدية كونها توجه بسرعة تزيد عن سرعة الصوت بخمس مرات، يمكن لهذه الأسلحة حمل أسلحة تقليدية أو نووية أو بيولوجية.

ثانيا: الدفاع الفيزيائي: يتمحور هذا الدفاع على أساس توظيف الأسلحة الفيزيائية والتي تعتمد على التقنية المغناطيسية والهيدروديناميكية، وكذلك تقنية (THEL)، هذه الأسلحة لها قدرة على الدفاع من الفضاء، كما أنها قد تستخدم على أساس تكتيكية من موائمة القدرات الفضائية والأرضية في نفس الوقت.

ثالثاً: الهجوم السحابي: يتبلور هذا الهجوم من خلال عقيدة الردع والهجوم السيبراني إلا أنه يختلف عنه كونه ينطلق من منصات فضائية (أقمار اصطناعية) قد لا ترتبط بشبكة المعلومات الدولية الانترنت، أي أن هذا الهجوم لا يتطلب شبكة إلكترونية لكي يقوم بدوره ومن الأمثلة على هذه الأسلحة (Stuxnet).

رابعاً: الدفاع الكهرومغناطيسي: يتمحور أساس هذا الدفاع من خلال توظيف إشارات (Electromagnetism) نحو المجال المراد معالجته، حيث توظف منصات فضائية (أقمار اصطناعية) لأجل الرصد والتشويش ومن ثم الاشتباك، قد ترتبط هذه الأسلحة بمنصات أرضية وقد تكون مستقلة من حيث الإدارة والتوجيه.

أخيراً يمكن القول، إن مضامير الصراع واشتباك البيئة الإستراتيجية العالمية اليوم قد تطور وخرج عن نطاق مضامير الاشتباك التقليدي حتى وصل إلى تسخير إمكانية الفضاء التكنولوجي من أجل تعضيد القوى الإستراتيجية التقليدية على الأرض، فوصل نطاق الاشتباك والصراع بين القوى العالمية الفاعلة إلى نطاق الفضاء والذي يشمل المجال الفضائي للأرض، فأبلج لنا نطاق (الجيو-فضائية) والذي مثل نطاق خامس للصراع بين القوى العالمية.

اليوم تندفع الولايات المتحدة بإمكانات كبيرة من أجل تثبيت أركان قواعدها العسكرية في نطاقات إستراتيجية في الحزام الجوي للأرض من أجل منع وإحتواء القدرات الصينية والروسية والتي بدأت تندفع هي الأخرى لأجل تعضيد قوتها التقليدية التي تعاني من تخلف مقارنة مع الإمكانات العالية للولايات المتحدة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق