q
يجب التأكيد على أهمية التهيؤ والاستعداد نفسياً ورحياً وعقلياً لاستقبال دخول شهر رمضان المبارك؛ لأن هذا الشهر الكريم هو شهر عظيم، وهو شهر مبارك، وهو سيد الشهور، وهو فرصة ثمينة يجب الحرص على استثماره على أحسن وجه وبأفضل صورة. فالإنسان الجاد في حياته هو من...

يجب التأكيد على أهمية التهيؤ والاستعداد نفسياً ورحياً وعقلياً لاستقبال دخول شهر رمضان المبارك؛ لأن هذا الشهر الكريم هو شهر عظيم، وهو شهر مبارك، وهو سيد الشهور، وهو فرصة ثمينة يجب الحرص على استثماره على أحسن وجه وبأفضل صورة.

فالإنسان الجاد في حياته هو من يتهيأ ويستعد ويخطط لاستقبال كل أمر هام في حياته، أو منعطف أساس في مسيرة أيامه، بخلاف الإنسان غير المبالي، والمسترسل في أموره دون تخطيط أو استعداد أو تهيؤ، وينطبق ذلك على مختلف شؤون الحياة، فالأول يوفق وينجح في أعماله، بينما الثاني يفشل ولا يحقق أي تقدم في حياته.

ومن صفات الإنسان الجاد في حياته هو التهيؤ لاستقبال شهر رمضان، وإعداد ما يلزم من مقدمات ومتطلبات قبل دخوله حتى لمّا يدخل عليه شهر رمضان المبارك يكون قد فتح صفحة جديدة في حياته، وفعل ما يؤدي إلى قبول أعماله في شهر الصيام.

ولذلك حثّ النبي (صلى الله عليه وآله) الناس على التهيؤ لاستقبال شهر رمضان المبارك في خطب عديدة، فقد خَطَبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله‏ الناسَ آخِرَ يَومٍ مِن شَعبانَ فقال: «أيُّها الناسُ، قد أظَلَّكُم شَهرٌ عَظيمٌ، شَهرٌ مُبارَكٌ، شَهرٌ فيهِ ليلةٌ العَمَلُ فيها خَيرٌ مِن العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ... هُو شَهرٌ أوَّلُهُ رَحمَةٌ وأوسَطُهُ مَغفِرَةٌ، وآخِرُهُ عِتقٌ مِنَ النار».

وروى الإمامُ الباقرُ عليه السلام فقال: «خَطَبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله الناسَ في آخِرِ جُمُعَةٍ مِن شَعبانَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى‏ علَيهِ ثُمّ قالَ: أيُّه الناسُ، إنّهُ قد أظَلَّكُم شَهرٌ فيهِ ليلةٌ خَيرٌ مِن ألفِ شَهرٍ وهُو شَهرُ رَمَضانَ، فَرَضَ اللَّهُ صِيامَهُ وجَعَلَ قِيامَ ليلةٍ فيهِ بتَطَوُّعِ صلاةٍ كَمَن تَطَوَّعَ بصلاةِ سَبعينَ ليلةً فيما سِواهُ مِن الشُّهورِ».

ونأسف للاهتمام المبالغ فيه لدى قسم من الناس من الاستعداد لشهر رمضان في البعد المادي فقط، حيث تزدحم مراكز التسوق بالمتسوقين لشراء الأطعمة والأشربة استعداداً لشهر رمضان، بينما لا نعطي الاستعداد الروحي والمعنوي أي اهتمام يذكر.

كما ان هناك ضرورة لمراجعة الأفكار التي يتبناها الإنسان قبل دخول شهر رمضان، فقد يكون قد تبنى أفكاراً خاطئة، أو أفكاراً سلبية، أو أفكاراً – ليست من الدين في شيء – وقد عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة لهذا الزمان.

ان مراجعة الأفكار خطوة مهمة للتهيؤ لاستقبال شهر رمضان المبارك، وللأسف الشديد قلّ أن نجد من يقوم بهذه المراجعة الفكرية، مع العلم أن الصوم يساعد على صفاء الذهن، وإنتاج الحكمة، فقد روي في الحديث القدسي: «الصَومُ يُورِثُ الحِكمَةَ، والحِكمَةُ تُورِثُ المَعرِفَةَ، والمَعرِفَةُ تُورِثُ اليَقينَ، فإذا استَيقَنَ العَبدُ لا يُبالِي كيفَ أصبَحَ، بِعُسرٍ أم بِيُسرٍ».

وبالإضافة إلى أن الصوم يورث العلم والمعرفة والحكمة، فإنه يورث (يقظة عقلية) للكثير من الغافلين عن ذكر اللَّه، وعن الالتزام بأوامره، والاجتناب عن نواهيه، فيكون شهر رمضان بذلك بداية فكرية جديدة في حياة الكثير من الغافلين.

ففي شهر رمضان المبارك يكون الإنسان أكثر استعداداً لتغيير أفكاره الخاطئة، والتقرب إلى الله تعالى، والعودة إلى قيم الدين وأخلاقه.

وعلى كل واحد منا أن يراجع أفكاره بدقة فيتخلى عن الأفكار الخاطئة، ويبقى وينمي ما لديه من أفكار صحيحة حتى يستقبل شهر رمضان بقلب صافٍ، وعقل نظيف، ورأي حصيف.

فليس من العيب أن يتراجع الإنسان عن أفكاره الخاطئة؛ فحتى الفقهاء قد يغيرون بعض فتاواهم أو قناعاتهم عندما يجدون دليلاً أقوى مما كانوا يعتمدون عليه في استنباط الفتوى.

كما نؤكد على أهمية التوبة من الذنوب قبل شهر رمضان، فمن رحمة الله تعالى بعباده أن فتح لهم باب التوبة، ليعودوا إلى الله عز وجل، كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).

فمن الخطوات المهمة للتهيؤ والاستعداد لاستقبال شهر رمضان هو التوبة النصوح من كل الذنوب والمعاصي ليقبل الإنسان على شهر الله تعالى وهو مخلص النية، وصافي القلب، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: «وتبْ إلى الله مِن ذنوبِكَ ليقبل شَهر رَمَضان إليكَ وأنتَ مخلص لله عزَّ وجلَّ».

وضرورة تصفية القلب من الضغائن والأحقاد، ونزع كل حقد وضغينة وحسد من القلب. يقول الإمامُ عليٌّ عليه السلام: «طَهِّرُوا قُلوبَكُم مِن الحِقدِ؛ فإنّهُ داءٌ مُوبئٌ»، وعنه عليه السلام قال: «قُلوبُ العِبادِ الطاهِرَةُ مَواضِعُ نَظَرِ اللَّهِ سبحانَهُ، فَمَن طَهَّرَ قَلبَهُ نَظَرَ إلَيهِ». وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: «ولا في قلبكَ حقداً على مؤمِن إلاّ نزعته».

إن القلب الصافي والنقي والطاهر يُقيل على العبادة والصوم بشوق ولهفة ورغبة شديدة، وأما من كان قلبه مملوءاً بالأحقاد والضغائن فلا فائدة ترتجى من عبادته وصيامه؛ لأن قلبه مظلم بالحقد والضغينة.

اضف تعليق