q

اعتنى الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) بالصفوة والنخبة من أصحابه وتلامذته ورواته عناية خاصة، فكان يجلس معهم جلسات علمية خاصة، ويحيطهم بعنايته وألطافه وتوجيهاته وإرشاداته، ويغدق عليهم من كرمه وجوده بما يعزز من حماستهم لطلب العلم والمعرفة.

وبالإضافة إلى التعليم كان الإمام الهادي (عليه السلام) يهتم كثيراً بتربية أصحابه وتلامذته، وقد ربى جيلاً علمياً من الفقهاء والعلماء والمحدثين والرواة والكُتَّاب والمفسرين... وكان لهؤلاء الفضل الأكبر - فيما بعد - في نشر علوم ومعارف الإمام الهادي (عليه السلام) في الأمة، وإيصال فكر وثقافة ونهج أئمة أهل البيت إلى مختلف الحواضر والمدن العلمية الكبرى.

وقد سجلت لنا كتب الرجال والرواة والفهرسة والطبقات ومعاجم الحديث والأعلام رواة وأصحاب وطلاب الإمام علي الهادي (عليه السلام) والذين تتلمذوا على يديه، وقد برز منهم الصفوة والنخبة الخَيّرة من الرواة والمحدثين والمفسرين والمؤلفين والفقهاء الذين كان لهم دور فاعل في نشر تراث الإمام علي الهادي (عليه السلام) بين النخب والحواضر العلمية، وحفظ رواياته وأحاديثه من الضياع والاندثار.

وقد ترجم الشيخ الطوسي في كتابه المعروف (رجال الطوسي) مائة وخمسة وثمانين تلميذاً وراوياً ممن درسوا على يد الإمام ورَوَوْا عنه، لكن تراجمه لهم كانت جداً مختصرة. ويكتفي في غالب الأحيان بذكر الاسم فقط.

أما الشيخ باقر شريف القرشي (رحمه الله) فقد ترجم لحياة هؤلاء الرواة بشكل موضوعي متسلسل، فترجم لمئة وخمسة وسبعين راوياً، مع ذكر مصنفاتهم ومؤلفاتهم وصحائفهم، مع الإشارة إلى درجة وثاقتهم وعدالتهم.

أما الشيخ محمد حسن آل ياسين (رحمه الله) فترجم لمئة وسبعة وثمانين راوياً، وذكرهم متسلسلاً بحسب المنهج الألفبائي، مع التركيز على أصحاب المؤلفات والمصنفات منهم.

بينما توسع السيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله) ليترجم لثلاث مئة وستة وأربعين راوياً ومحدثاً.

وهذا يدل على سعة نشاط الإمام الهادي (عليه السلام) واتباع كل الوسائل والأساليب الممكنة رغم المراقبة في سبيل الإعداد والرعاية والتربية والتعليم لصناعة هذه النخبة العلمية الراقية التي ساهمت بشكل فاعل وبارز في إيصال أحاديث وروايات وعلوم ومعارف الإمام علي الهادي (عليه السلام)، وحفظها وتدوينها، ونشرها بين الناس.

وبرغم الحصار الذي كان مفروضاً على الإمام الهادي (عليه السلام)، ومضايقة أتباعه وأصحابه؛ إلا أن كتب الحديث والرواية والفقه والكلام والتفسير حفلت ببعض ما أثر عنه، واستفيد من علومه ومعارفه.

فقد تتلمذ على يد الإمام علي الهادي (عليه السلام) مجموعة من العلماء والفقهاء والرواة والمحدثين، وكان لهم شرف صحبة الإمام الهادي (عليه السلام) وحضور مجالسه، وبحوثه الفقهية والقرآنية، والنهل من علومه ومعارفه، وحفظ أحاديثه ومروياته وتدوينها في الكتب والرسائل.

وقد برز بعضهم في علوم الحديث، وبعضهم في علوم القرآن، وبعضهم في علوم الفقه، وبعضهم في علوم الكلام، فكان منهم الفقهاء والعلماء والرواة والقادة والكُتَّاب، وقد كان لهم دور فاعل فيما بعد في نشر علوم ومعارف الإمام الهادي (عليه السلام) إلى مختلف الآفاق والأقاليم الإسلامية.

وأصحاب الإمام علي الهادي وتلامذته ليسوا في مرتبة واحدة؛ إذ تختلف درجاتهم ومراتبهم وثقاتهم، كما هو شأن أصحاب كل إمام من الأئمة، فهم مختلفي العدالة والوثاقة والضبط، كما تتفاوت درجاتهم العلمية قوة وضعفاً، وكذلك يتفاوت عطاؤهم من حيث غزارة الإنتاج والتأليف والتصنيف وقلته، ممن سجل المؤرخون لهم مؤلفات ومصنفات، إذ أن لبعضهم عشرات الكتب والمؤلفات في حين أن البعض الآخر له كتاب واحد أو مدونة أو رسالة صغيرة.

اضف تعليق