q

الاسابيع الثلاثة الماضية، شهدت العديد من التطورات المثيرة للمحللين والمتابعين، سيما في اليمن، بعد ان دشنت "السعودية" واصدقاؤها (الامارات، البحرين، قطر، الكويت، مصر، المغرب، السودان، الاردن، والولايات المتحدة الامريكية) تحالفا عسكريا لضرب مواقع واهداف عسكرية يمنية، تطورت لاحقا لتشمل قائمة طويلة من الاهداف المدنية (المساجد، المدارس، المطارات، المنازل، المحال التجارية، مخازن الطعام...الخ)، والتي اسفرت، بحسب احصائيات الامم المتحدة عن تشريد 150 الف مواطن، وقتل وجرح الالاف، بينهم عشرات الاطفال في تعز وصعدة وعدن ولحج وغيرها، والهدف المعلن من هذه الحملة العسكرية السعودية، كان اعادة الشرعية المتمثلة بالرئيس (المستقيل ثم الهارب الى السعودية لاحقا) "هادي" بعد تدمير القدرة العسكرية للجيش النظامي اليمني، اضافة الى حركة "انصار الله" او "الحوثيون" ومنع تقدمهم نحو "عدن" المقر البديل عن العاصمة صنعاء التي اختارها "هادي" بعد هروبه من العاصمة متخفيا، واعلنت السعودية انها استجابت لطلب رسمي تقدم به الرئيس للمساعدة في اعادة الشرعية في اليمن، وهنا بدأت الحكاية.

الحرب والسلام اجتمعت في اليمن، او هكذا اريد لها ان تجتمع، اعلان الحرب على بلد ضعيف وفقير من عشر دول بقيادة سعودية من اجل احلال السلام، منطق لا يمكن استيعابه او تحقيقه الا في العالم العربي، طبعا الحرب التي اعلنت على اليمن قبل اسابيع لم تكن الاولى مثلما لن تكون الاخيرة، ودائما ما تكون السعودية، الجار الغني، وراء هذه الحروب المتوالية، مع الاخذ بعين الاعتبار انها لم تعلن ولو لمرة واحدة الحرب على تنظيم "القاعدة" في اليمن والذي يعتبر بحسب تأكيدات الولايات المتحدة الامريكية، اقوى فروع القاعدة في العالم، وحتى خلال الحملة الاخيرة، استثنى الناطق الرسمي باسم "عاصفة الحزم" تنظيم القاعدة من الضربات الجوية التي تركزت على اليمن واهلها، وهو منطق اخر غريب لا يمكن فهمه الا في العالم العربي المليء بالتناقضات التي شكلت بالأساس معظم الانظمة العربية الحاكمة في الوقت الحاضر، ومنها دول الخليج.

افتعال الحرب لتحقيق السلام جاء بعكس المتوقع بالنسبة لحكام الخليج الداعمين لهذه الحملة، خصوصا وانها حملة اعتمدت في شعارها السرعة في تحقيق النجاحات، من خلال تطبيق مبدأ "الرعب والصدمة" للعدو، وهي حرب محسوبة بالأيام وليس بالسنوات، (حالها في ذلك حال معظم الصراعات السابقة في العالم العربي والشرق الاوسط، منها غزو العراق وحرب 2006 ضد لبنان والحرب السعودية ضد اليمن عام 2009، والعدوان الاسرائيلي على غزة...الخ)، وعلى هذا المقياس وبعد (25) يوم من القصف المكثف من دون انجاز هدف واحد من الاهداف المدرجة على "قائمة الحزم"، حل الخلاف والبحث عن البدائل التي يمكن ان تخرج الجميع وهم منتصرين (او على الاقل هذا ما يبدو)، من دون ان ننسى المواقف الاخرى التي زادت من خلاف الحلفاء، بعد انسحاب "باكستان" الحليف الاقوى والاكثر موثوقية لدى الخليج من الازمة اليمنية بقرار "شجاع" من البرلمان الباكستاني (وادى الى مشادة كلامية بين اطراف رسمية اماراتية وباكستانية)، اضافة الى ركون تركيا للجانب السياسي في حل الازمة، مع تأكيد مصر بانها لن تشارك سوى بقوات بحرية وجوية، (ما يعني صعوبة الدخول في مواجهة برية تستند على السعوديين وحلفائها الخليجيين، بعد تنصل اغلب حلفائها الاقوياء من هذا الخيار)، وهنا جاء دور التصريحات الاممية والضغوط الدولية على التحالف السعودي، لتزيد من حجم معاناتهم وخلافاتهم الداخلية حول سيناريو نهاية "عاصفة الحزم".

اقوى الاصوات واكثرها صراحة جاء على لسان الامين العام للأمم المتحدة "بان جي مون" عندما دعا الى "وقف فوري لإطلاق النار في اليمن من جانب جميع الاطراف"، واضاف "السعوديون أكدوا لي انهم يتفهمون انه يجب ان تكون هناك عملية سياسية، اناشد جميع اليمنيين المشاركة بنية صادقة"، وقد افادت العديد من المصادر المقربة من صناع القرار الخليجي، ان حكام الخليج اعترضوا بشدة على تصريحات الامم المتحدة وامينها، واشارت الى عزم بعض حكام الخليج تقديم احتجاجهم وعدم رضاهم على هذه التصريحات.

ويأتي هذا التصريح في وقت اعلن فيه مبعوث المنظمة الدولية الى اليمن المغربي "جمال بن عمر" استقالته، بسبب خلاف بينه وبين دول الخليج حول ادارته لعملية السلام بين الاطراف اليمنية، ومثلما اكدت ايران وباكستان وتركيا وروسيا، وغيرها من الدول الاقليمية المؤثرة في الشرق الاوسط، على ضرورة اللجوء الى الحل السياسي لإنهاء الازمة اليمنية، وابلغ الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز" خلال اتصال هاتفي، السبت، على ضرورة "زيادة المساعي للسعي لإيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن"، واضاف "الوضع في اليمن يتعلق بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ولاسيما منطقة الخليج وينبغي تسريع وتيرة المساعي بشأن عملية الحل السياسي لقضية اليمن"، بحسب ما نقلت عنه وزارة الخارجية الصينية، كما تصل الرئيس الامريكي "اوباما" بالملك "سلمان"، الجمعة، لحثه على ضرورة "التوصل لحل سياسي من خلال التفاوض ضروري لتحقيق استقرار دائم في اليمن"، وهي مطالب اجتمعت امام "التحالف السعودي" ولا يمكن تجاهلها باي حال من الاحوال، وعلى ما يبدو ان الجميع يبحث عن ترتيب التفاصيل الاخيرة لعملية وقف اطلاق النار، والعودة الى الحوار، الذي سيكون لحركة "انصار الله" حضور قوي وفاعل فيه، بخلاف الارادة السعودية، وان تحقق هذا الامر بحسب ما هو متوقع، فان ما حدث على مر الاسابيع الماضية يعيد الى الاذهان جدوى حكاية "الحرب والسلام" في العالم العربي في بدايتها ونهايتها، وما الجدوى منها؟

اضف تعليق