q
التعليم الأهلي في العراق تجربة حديثة، وجاءت في عصر يتغير فيه كل شيء لصالح تطوير العلوم والتكنولوجيا، لذلك من المستحسن أن تصبح هذه التجربة العراقية العلمية نموذجا متطورا خاليا من العيوب التي يضج بها التعليم الرسمي، بل نأمل أن تتطور تجربة التعليم الأهلي في العراق...

من بين المتغيرات التي حصلت في العقد الأخير، ظهور تجربة جديدة في العراق، ونعني بها التعليم الأهلي للمراحل الدراسية كافة، فظهرت رياض الأطفال، والمدارس الابتدائية، والثانوية، والجامعية، وحتى الدراسات العليا، بالطبع هي تجربة جديدة في التعليم العراقي، وكل جديد يحمل معه الرصين والهزيل، وهو أمر متوقَّع، وطالما أننا نخوض في موضوع مهم هو التعليم الأهلي على وجه التخصيص، فإننا نفضل الخوض فيه بشيء من التفصيل.

ونبدأ بنبذة تاريخية للتعليم الذي بدأ في أقدم مجتمعات ما قبل التاريخ، حيث قام البالغون بتدريب اليافعين على خبرات ومهارات ذلك العصر، في مجتمعات ما قبل الكتابة كان ذلك يتم شفهياً عن طريق رواية القصص التي تنتقل من جيل إلى آخر، لكن عندما توسعت مدارك الثقافات إلى ما هو أكثر من مجرد مهارات ظهر التعليم الرسمي، فظهرت المدارس في مصر في عهد المملكة المتوسطة، كما أسس أفلاطون أكاديميته في أثينا التي تعتبر أول معهد للتعليم العالي في أوروبا ثم أصبحت الإسكندرية- المبنية عام 350 ق.م خليفة أثينا كمعهد للعلوم الفكرية وبنيت فيها مكتبة الإسكندرية.

يركز المختصون في التعليم على الجانب النفسي، وهذا موضوع غاية في الأهمية يجب أن يراعيه القائمون على التعليم الأهلي في العراق، خصوصا أن تجربتنا في هذا الجانب حديثة العهد، وأن الجانب النفسي مهم في أية عملية تعليمية، بل لا يخلو بحث أو كتاب يتناول هذه العملية من الحديث عن دور هذا الجانب وصلته بالموضوع الكلي للبحث أو الكتاب، لذلك لا ينبغي أن تكون تجربة التعليم الأهلي في العراق مهملة للجانب النفسي الذي لا نجد له اهتماما مناسبا في التعليم الرسمي.

العنف اللفظي والجسدي ضد الطلاب

فالعنف اللفظي والجسدي مثلا، كان ولا يزال عاملا في تحطيم نفسية الطلاب وجعله في حالة من اليأس والاكتئاب، وهو أسلوب شبه عام للتعامل مع الطلاب في التعليم الرسمي، وكم سمعنا أو رأينا أو تابعنا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل تصاعد هذه الظاهرة وتبريرها أحيانا، والخوف كل الخوف في حالة انتقالها للتعليم الأهلي، الذي يجب أن يعكس إيجابياته على التعليم الرسمي فيما يشبه العدوى الجيدة التي قد تسهم في تخليص تعليمنا الرسمي من بعض عيوبه.

وهناك مشكلة جديدة قديمة ربما برزت اليوم بقوة ونعني بها أسلوب تغيير المناهج الدراسية، فعلى الرغم من الحاجة لتطوير المناهج وتحديثها، وهي ميزة ينبغي أن يتحلى بها التعليم الأهلي أولا، لكننا نلاحظ عدم التدرج في ها الجانب بما يتوافق مع الإدراك العقلي والمقدرة على الاستيعاب، فقد كشفت دراسات دارت حول نمو الإنسان، عن أن عملية النمو المستمرة للإنسان ترى أن التنمية المتدرجة والمتتابعة والمنظمة لمهارات التعليم واللغة تناسب تدرج وتتابع مراحل نضج المتعلم، ومن هنا أصبح من الضروري أن توضع مواد القراءة بشكل يتمشى مع مرحلة النضج التي وصل إليها المتعلم، ولذلك يجب أن تختلف المواد التي توضع لتعليم الصغار عن تلك التي توضع لتعليم الكبار.

كذلك ينبغي الاهتمام في المحتوى أو المضمون العلمي بما يناسب الكبار والصغار من حيث المضامين وطرق الصياغة والتناول، بحيث يعكس ذلك اتساع خبرة الكبار وواقع تجاربهم وضيق خبرة الصغار وخيالية اهتماماتهم، وهذا الأمر لا يتعلق بالتعليم الأهلي وحده وإنما يشمل الرسمي أيضا ولكن بما أن تجربة التعليم الأهلي حديثة العهد وأنها تقدم للطلاب في مقابل أجور لا يطلبها التعليم الرسمي، لذا ينبغي أن يتقدم الأهلي على سواه ويتميز بمراعاته للجوانب النفسية والتدرج في تغيير المناهج بما يتناسب ودرجة إدراك الطالب بحسب فئته العمرية.

هل تجربة التعليم الأهلي نموذجية؟

وتظهر حاجتنا في العراق وربما في الشرق الأوسط عموما، إلى تسهيل الضوابط وتحييد العوائق التي تقف بوجه التعليم، وهذا الأمر يشمل التعليم الرسمي بالطبع، فالفقر التعليمي يؤدي بالنتيجة إلى زيادة مستويات الجهل والأمية، كما قالت منظمة اليونيسيف في تقرير مشترك مع معهد الإحصاء التابع لليونيسكو إن 12 مليون طفل في الشرق الأوسط محرومون من التعليم بسبب الفقر والعنف والتمييز الجنسي، وبحسب التقرير، فإنه على الرغم من توفر الإرادة السياسية لتوسيع مظلة التعليم في الشرق الأوسط في العقد المنصرم، إلا أن السنوات الماضية لم تشهد أي تقدم في هذا الاتجاه، وقسم التقرير الأطفال المحرومين من التعليم حسب المراحل التعليمية المختلفة، بواقع 1.5 مليون طفل في سن الحضانة، و 3.4 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي، إضافة إلى 9.2 مليون طفل في سن المرحلة الإعدادية، ويمثل مجموع هذه الأعداد ما نسبته 15% من أطفال الشرق الأوسط الذين هم في سن التعليم قبل الابتدائي، والابتدائي، والمرحلة الإعدادية، وعَزا التقرير هذه النسبة الكبيرة إلى عدة عوامل أبرزها الفقر.

وطالما أن العراق ينتمي إلى الشرق الأوسط ويعاني من نفس الأعراض المذكورة في التقرير المذكور، فإن مهمة التعليم الأهلي تتضاعف وتصبح أكثر أهمية من أجل تقليل نسب الأمية ووضع حد لتدهور التعليم، وتقديم تجربة جديدة في كل شيء يخص التعليم، بداية من الاهتمام بالجانب النفسي، ونبذ العنف بكل أشكاله، مع تقديم خطوة بارزة في مجال تشجيع المعنيين على تطوير المناهج الدراسية بصورة علمية تتناسب والتدرج الإدراكي للطلاب بحسب أعمارهم وأذهانهم، أملا بأن يصبح هذا النوع من التعليم نموذجا للتعليم الحكومي الذي يعاني من مشكلات كبيرة، منها العنف في التعامل من الطلبة، والارتجال والتسرع في تغيير المناهج الدراسية، وقلة وسائل الإيضاح والمختبرات، وانتشار أسلوب الدوام المزدوج والثلاثي بسبب ندرة البنايات المدرسية.

التعليم الأهلي في العراق تجربة حديثة، وجاءت في عصر يتغير فيه كل شيء لصالح تطوير العلوم والتكنولوجيا، لذلك من المستحسن أن تصبح هذه التجربة العراقية العلمية نموذجا متطورا خاليا من العيوب التي يضج بها التعليم الرسمي، بل نأمل أن تتطور تجربة التعليم الأهلي في العراق بما يجعلها مرآة كبيرة صافية ترى فيها المدارس الرسمية بمراحلها كافة، ما يجب أن تتخلص منه من العيوب التي تخص ضعف التعليم وتأخر المناهج والتخلص نهائيا من أساليب العنف في التعامل مع الطلبة، والنقطة الأهم تطوير العلاقة بين الطالب والمعلم واعتماد الثقة كمرتكز رئيس تقوم عليه التعاملات المتنوعة بين طرفي أو قطبي التعليم الأساسييْن.

اضف تعليق


التعليقات

زهراء محمد صادق
العراق
التعليم الأهلي في العراق تجربة مهمة لكنها تواجه معوائق كبيرة لابد من دراستها تفصيليا ومعالجتها حتى لا نخسر فوائدها خصوصا الصغار رياض الاطفال.... ونرجو تعزيز التوجيهات من هذا النوع2019-01-29