q

احتلت قضية المقاتلين الاجانب، الأوربيين اهتماما كبيرا، لدى الحكومات ووسائل الاعلام وهذا الاهتمام جعل تنظيم "دولة داعش" يتعامل مع قضية المقاتلين الاجانب ايضا بأهمية أكبر. لقد وجد المقاتلون الاوربيون أنفسهم موضع اهتمام في الحالتين، رغم ان نسبة منهم افراد غير سويين ورفضوا العيش والاندماج في المجتمع. هذه الجماعات وجدت نفسها انها تتفق مع بعضها ضمن ايدلوجية فوضوية تقوم على المغامرة واشباع الرغبات والغرائز. فرغم مايدعيه هذا التنظيم من ايدلوجية وعقيدة اسلاموية، فهناك اعداد التحقت بالتنظيم وهي لاتعرف شيء عن الدين، ليكشف حقيقة ان هذه الجماعة غير متجانسة وسوف تواجه تفككها تنظيميا من الداخل.

اعتبرت المفوضة الأوروبية للعدل، فيرا جوروفا "تشيكيا"، في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية نشرت يوم 13 ابريل 2015 أن ما بين خمسة إلى ستة آلاف متطوع أوروبي بينهم 1450 فرنسيا ذهبوا الى سوريا للانضمام إلى "الجهاديين" الذين يقاتلون نظام بشار الأسد. وقالت جوروفا "على المستوى الأوروبي، نقدر الذين ذهبوا إلى سوريا بحوالي خمسة آلاف أو ستة آلاف شخص بينهم 1450 من فرنسا.

فرغم اختلاف تفسير الدوافع والاسباب لتدفق المقاتلين الاوربيين الى سوريا والعراق فيمكن القول بإن ابرز دوافع التحاق المقاتلين الاجانب بتنظيم "الدولة الاسلامية" هي:

أولا ـ الغسيل الايدلوجي، اي "الايمان" بفكر الجماعة السلفية "الجهادية".

ثانيا ـ لأسباب مادية، كون التنظيم يقدم امتيازات مادية خاصة للمقاتلين الاجانب اكثر من المحليين.

ثالثا ـ من اجل المغامرة، والخروج عن المألوف، وجماعات تلتحق لمرافقة اصدقاء لهم.

رابعا ـ اشباع الرغبات الشخصية واشباع الغرائز ومنها الجنس عند الشباب. التحقيقات كشفت تعاطي التنظيم الترياق داخل المعسكرات التدريبية، وكذلك خلال تنفيذ العمليات القتالية وهذا مايستقطب اعداد من المدمنين في اوربا.

خلفيات المقاتلين الاجانب

لايوجد معيار ثابت الى هذه الجماعة او الشباب الذين يلتحقون من اوربا والغرب بالتنظيم، فالبعض منهم ذات خلفية اجتماعية فقيرة واخرى ميسورة واعداد اخرى اسلاموية تقابلها جماعات غير ملتزمة ومنفلته.

لكن هنالك اتفاق على شيء واحد هو الالتقاء تحت مظلة التنظيم. يقول "مارك سجمان" الأخصائي النفسي الذي تابع مسار المتطوعين "للجهاد"، والعميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومؤلف كتاب “الوجه الحقيقي للإرهابيين” إنهم يشعرون بالانتماء إلى جماعة سياسية، فهنا هم مجاهدون. الدين هو مجرد قشور. إنها جماعة إسلامية ولكن كان يمكن أن تكون أي شيء آخر، جماعة فوضوية أو مناهضة للفاشية (...) إنه مجتمع وهمي وهم يتخيلون أنهم يشكلون جزءا منه حتى وإن كانوا لا يمتون إليه بصلة. إنهم يشعرون بأنهم جنود للدفاع عن هذا المجتمع الذي يقال لهم إنه يتعرض للعدوان”.

دور المقاتلين الاجانب داخل "الدولة الاسلامية"

المعلومات الواردة من شهادات مقاتلي داعش بعد عودتهم الى اوطانهم اظهرت حقيقة بأن التنظيم يستهدف تجنيد المقاتلين الاجانب ويستثمر وجودهم داخل التنظيم. المعلومات اكدت ان التنظيم يستغل المقاتلين الاجانب في عمليات لوجستية ساندة منها الاعلام وادارت عمليات القرصنة الالكترونية وشبكة تجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال علاقاتهم العائلية ورفاقهم. التنظيم لا يزج الاجانب في عمليات قتالية في الواجهة مثلما يفعلها مع المقاتلين من اسيا الوسطى او المقاتلين العرب والمحليين من العراق وسوريا.

وتعتبر تنفيذ عمليات الاعدامات وقطع الرؤوس والرقابة على السجون واحدة من ابرز المهام التي تعطى الى المقاتلين الاوربيين والغربيين. أما العمليات الانتحارية، فربما تنحصر ببعض المقاتلين الاوربيين الذين التحقوا للتنظيم لأسباب عقائدية اي ان فكرة التطرف اصلا موجودة في ذهنيتهم قبل الالتحاق بالتنظيم. الاستخبارات العراقية على سبيل المثال لا الحصر كشفت عن تنفيذ خمس عمليات انتحارية في العراق نفذها "المان" الجنسية. يذكر ان المكتب الذي يدير الانتحاريين، غير المكتب الذي يدير المقاتلين ويكون معني بنقل وترحيل الانتحاريين عبر لحدود والمدن عبر ملاذات ومضافات معروقة تكرر زيارتها من قبل اعداد من الانتحاريين.

يحظى المقاتل الاجنبي داخل التنظيم باهتمام ايضا للاستفادة من عامل اللغة ووثائق سفره وعلاقاته وخبراته الفنية، ويحصل على مرتبات افضل من المحليين والمقاتلين العرب. ويأتي اهتمام التنظيم بفئة الشباب الاوربي والغربي، ضمن رؤيته بأن "دولته الاسلامية" غير محددة بجنسية او قومية او عرق. التنظيم يهدف الى العالمية اكثر من "عولمة الجهاد" المعروفة عند القاعدة، هو يريد ان يحقق شهرة ودعاية عالمية تجتاح بقية التنظيمات ويحصل على اهتمام اعلامي دولي اكثر. لذا كانت أشرطة الفيديو التي يصدرها التنظيم تركز على دور المقاتلين الاجانب بتنفيذ عمليات قطع الرؤوس الارهابية واشهرهم الذباح الملقب "جون" أموازي واخرين فرنسيين.

التنظيم يواجه مشكلة من الداخل

يواجه التنظيم الان مشكلة من الداخل تتزامن مع تراجع التنظيم على الارض، وتتمثل المشكلة بأن اعداد من المقاتلين الاجانب، كانوا يعتقدون بانهم يلتحقون بالتنظيم "سياحة جهادية" لبضعة اشهر ويعودون الى اوطانهم لكن بعد ذلك اكتشفوا غير ذلك. التنظيم عادة يصادر جوازات سفر ووثائق المقاتلين داخل التنظيم ويتم تزويدهم بهويات خاصة "بالدولة الاسلامية" اصدرها وتكون حركتهم محسوبة بالمدن التي يتواجدون فيها. واتخذ التنظيم إجراءات امنية وقائية ضد مقاتليه بزرع عناصر الامن من التنظيم على سيطرات المدن والمنافذ الحدودية، يتم القاء القبض على من يحاول الهروب من التنظيم. لذا ماشهده التنظيم من حملة اعدامات الى "جنده" هم من اللذين حاولوا الهرب بوثائق مزورة. فمن المتوقع ان تتصاعد مشكلة التنظيم الداخلية اكثر من التحديات الخارجية مع تصاعد الضغوطات العسكرية على معاقل التنظيم خاصة في الموصل والرقة.

تبقى مسألة المقاتلين الاجانب تحتل اهمية داخل التنظيم وفي نفس الوقت عند الحكومات واستخبارات الدول الاوربية والغربية. واحتلت مشكلة المقاتلين الاجانب الاولوية في اجندات عمل واجتماعات دول الاتحاد الاوربي والمفوضية وحتى مجلس الامن. السياسات الاوربية بدأت تصعد إجراءاتها في مكافحة الارهاب من خلال فرض وشرعنة قوانين جديدة ومن خلال التعاون الاستخباري مع دول المنطقة وداخل التحالف الغربي لمواجهة داعش والجماعات "الجهادية".

* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق