q

بعد تحرير تكريت من سيطرة تنظيم "داعش" توالت ردود الأفعال التي عبرت عن ارتياحها لتقدم القوات العراقية والحكومة في طرد تنظيم داعش من الأراضي التي يسيطر عليها غرب العراق، وهو ما دفع البنتاغون الأمريكي (المتشائم) للاعتراف بتحقيق نصر عراقي في هزيمة التنظيم، بعد ان قال الكولونيل "ستيفن وارن" المتحدث باسم البنتاغون أن "تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد القوة المهيمنة على 25 إلى 30% من المناطق المأهولة في العراق حيث كان يتمتع بالنفوذ الأوحد في هذه المناطق في آب/أغسطس الماضي، وبالإجمال، فإن المناطق التي خسر التنظيم السيطرة عليها تمثل من 13 إلى 17 كلم مربعا خصوصا في شمال ووسط العراق"، وأضاف أن "تنظيم الدولة الإسلامية يتراجع ببطء" ولكن "ستكون معركة طويلة"، وقد شخصت معركة تكريت مكامن الخلل العراقية والأمريكية مثلما أظهرت نقاط ضعف داعش وكشفت الطرق والعمليات العسكرية التي يمكن ان تعطي نتائج فاعلة في كسر شوكته وتحطيم معنوياته القتالية.

ومع ان الحكومة العراقية قد حسمت امرها بالتوجه نحو الانبار بدلا من الموصل التي ما زالت تحت حكم التنظيم بالكامل، فان العديد من الاستعدادات الفنية والعسكرية واللوجستية (على ما يبدو) ما زالت لم تكتمل للاستعداد للمعركة الأكبر حجما والأكثر ضراوة من سابقاتها، وربما هذا ما يفسر ذهاب رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" الى الولايات المتحدة الامريكية للقاء الرئيس الأمريكي ونائبة وكبار القادة والمسؤولين في زيارة قد تستغرق يومين، حيث سيتم مناقشة اللمسات النهائية على عملية الانبار الكبرى، والتي تتطلب المزيد من الدعم الأمريكي العسكري، وبالأخص تسريع صفقات الطائرات الحربية (اف 16) وتكثيف الضربات الجوية المساندة للقطعات العسكرية العراقية على الارض، إضافة الى الدعم الاستخباري الضروري الذي تستطيع ان تقدمة الولايات المتحدة الامريكية للقيادة العراقية خلال الهجوم بالاعتماد على الوسائل والتقنيات الحديثة التي يمتلكها الجيش الأمريكي.

وكما فعلت الولايات المتحدة الامريكية في بداية الازمة، عندما سيطر تنظيم داعش في حزيران من العام الماضي على 40% من مساحة العراق خلال أيام قليلة، وهدد بالتقدم نحو العاصمة العراقية بغداد، حيث اشترطت عدة نقاط لمساعدة العراق في التصدي لإيقاف تقدم التنظيم والتي كان من بينها تنحي رئيس الوزراء السابق، فضلا عن إعادة النظر بترتيب العملية السياسية والخلافات الداخلية بين الكتل الرئيسية داخل الحكومة العراقية، تحاول اليوم إعادة تقديم طلباتها (تقترب من صيغة الشروط) التي تتناسب مع المرحلة الحالية امام الحكومة العراقية قبل أي موافقة على مساعدة العراق في المستقبل، وقد تكون اهم هذه الطلبات:

- انهاء الدور الإيراني في المعارك القادمة وكل ما يرتبط بها من استشارات عسكرية او مقاتلين او أسلحة، وبالمقابل ربما تقدم الولايات المتحدة الامريكية وعودا بملء الفراغ محل الإيرانيين.

- تقليل دور "الحشد الشعبي" في المعارك القادمة (باستثناء من يرتبط بالحكومة العراقية)، في مقابل إعطاء دور أكبر للقوات النظامية والعشائر السنية، والتعاون مع قوات "البشمركة" التي اكدت مشاركتها في العمليات العسكرية المستقبلية تحت قيادة الحكومة المركزية.

- المحافظة على زخم العلاقات الامريكية-العراقية، وتقديم المزيد من التطمينات الى الإدارة الامريكية، خصوصا فيما يتعلق بالمساحة التي تشغلها الولايات المتحدة الامريكية في مقابل المساحة التي تشغلها إيران.

بالمقابل فان الحكومة العراقية مطالبة بالتحرك بصورة أكثر براغماتية، وبالأخص مع الولايات المتحدة الامريكية، باعتماد الموازنة بين المحافظة على قرارها الوطني الداخلي واستمرار علاقاتها الخارجية الطيبة مع الجميع، من دون استثناء أحد، مع اقناع الولايات المتحدة الامريكية انها بحاجة الى نصر حقيقي ضد التنظيمات المتطرفة، وهذا لن يتم الا في العراق، بعد ان فشلت الولايات المتحدة الامريكية في تحقيق أي تقدم يذكر في سوريا، إضافة الى ضياع جهودها في اليمن ضد تنظيم القاعدة مع انطلاق عمليات "عاصفة الحزم"، لذا فان الولايات المتحدة الامريكية تحتاج الى التعاون مع الحكومة العراقية مثلما تحتاج الحكومة عون الولايات المتحدة الامريكية وجميع الدول الأخرى بما في ذلك ايران، فالخيارات العراقية يجب ان تنفتح على الجميع في معركته ضد التنظيم.

كما ان تأخير الحسم العسكري ليس في صالح الحكومة العراقية التي ترزح تحت ضغط انخفاض أسعار النفط وارتفاع الكلف المالية للمعارك الجارية والتي استنزفت جزءا كبيرا من موازنة العراق لعام 2015 التي تعاني من عجز قد يتجاوز 20 مليار دولار امريكي، إضافة الى ان تنظيم داعش يمكن ان يستثمر عامل الوقت للسيطرة على المزيد من الأراضي او القيام بعمليات عسكرية مباغته، وهو ما حدث قبل أيام بعد ان سيطر عناصره على مساحات جديدة من "مصفى بيجي" كان قد طرد منها في وقت سابق، كما انه يقوم بهجمات مستمرة على مناطق يسيطر عليها الجيش العراقي في الانبار، من اجل فتح جبهات جديده تعرقل جهود القوات العراقية في التركيز على هدفها القادم.

ويبدو ان زيارة "العبادي" ستكشف عن المزيد من الأوراق الجديدة، بعد ان أوضحت الولايات المتحدة الامريكية انها لا ترغب بدور إيراني قد يفوق الدور الامريكي في العراق، وقد نشهد العديد من التغيرات العسكرية الميدانية في معركة الانبار القادمة والتي قد تقدم "النموذج الأمريكي" بعد ان كانت تكريت "النموذج الإيراني".

اضف تعليق