q
{ }
سياسة - تقارير

حوار المستقبل يناقش: لماذا تفشل الديمقراطيات الناشئة؟

ملتقى النبأ الاسبوعي

عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ملتقاه الفكري الشهري تناول من خلاله موضوعا حمل عنوان (لماذا تفشل الديمقراطيات الناشئة؟)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام. افتتح الجلسة...

عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ملتقاه الفكري الشهري تناول من خلاله موضوعا حمل عنوان (لماذا تفشل الديمقراطيات الناشئة؟)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

افتتح الجلسة أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل، والباحث في مركز المستقبل الدكتور قحطان حسين اللاوندي، حيث قال: "تتوق الشعوب التي ترزح تحت نير الإستبداد والطغيان إلى اليوم الذي تتحرر فيه من الحكومات المستبدة، وتصبح فيه قادرة على اختيار قادتها بكل حرية ليتولى هؤلاء القادة والحكام مهمة توفير متطلبات العيش الكريم وبناء دولهم وفق معايير الدولة المدنية الحديثة، وما أن تتحقق الفرصة لهذه الشعوب للخلاص من الأنظمة الدكتاتورية حتى تشرع قياداتها الجديدة في وضع خطط لتهيئة مستلزمات البناء الديمقراطي، أملا في ترسيخ الديمقراطية في مجتمعات ذات قيم وثقافة وسلوك لا تمت إلى الفكر الديمقراطي بصلة، ومن هنا تبدأ التحدّيات التي تواجه العملية السياسية في مرحلة ما بعد الدكتاتورية، إذ أن التغيير المفاجئ والسريع من نظام دكتاتوري صارم إلى نظام آخر يُراد له أن يكون ديمقراطياً، لن يضمن ترسيخ الأطر السياسية والقانونية والفكرية والثقافية والإجتماعية التي تسهم في تأسيس دولة ذات نظام ديمقراطي حقيقي مستقر، وسرعان ما تدرك الشعوب وقياداتها الجديدة أن الطريق نحو الديمقراطية ليس معبدا بالورود، بل هو مليء بالأشواك لا بل بالمنعطفات الخطيرة جدا والتي تتطلب قيادة حكيمة وشعوب واعية، فضلا عن دعم خارجي للوصول إلى بر الديمقراطية الآمن، لذلك فأن الإنتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية يمر في مرحلة لا تخلو من شقاء ومعاناة ومخاض عسير قد تنطوي على فشل ومن ثم ارتداد للدكتاتورية في أسوأ تقدير.

إن أهم التحديات التي تواجه الديمقراطية الناشئة والتي قد تؤدي إلى فشلها إذا لم يتم اتخاذ إجراءات تضمن تجاوزها، تتمثل بالآتي:-

أولا/ على المستوى الداخلي:

1- تواجه الديمقراطية الناشئة خطر الأحزاب السياسية غير الليبرالية ذات الزعامات غير المؤمنة بالديمقراطية والتي لا تحترم نتائج الانتخابات ولا تقبل بتسليم السلطة سلميا او أنها تسعى للبقاء في السلطة من خلال ممارسات غير قانونية، كما حدث في الكونغو وزيمبابوي والغابون في عامي 2016 و2017.

2- إنعدام تكافؤ الفرص، إذ تعمل الأموال على تمكين المشاركة السياسية من خلال امتلاك القدرة على الوصول للناخبين ونشر الأفكار والبرامج وتنظيم المؤيدين، وهذا من شأنه إيجاد حالة من إنعدام المنافسة المتكافئة بين الأحزاب والكيانات المشاركة في الانتخابات، مما يؤدي إلى انحسار دور الأحزاب التي لا تمتلك التمويل اللازم، وبالتالي تفقد فئات واسعة من الشعب الثقة بالديمقراطية كاسلوب لإنتخاب ممثلين عنهم في الحكومة.

3- إنقسام المجتمع إلى ولاءات متعددة على أسس دينية ومذهبية وقومية وقبلية في ظل غياب روح المواطنة وفقدان القانون لهيبته، مما يؤدي إلى تزايد هيمنة الولاءات الفرعية مقابل ضعف الولاء للدولة والقانون فيتعزز بذلك دور الدين أو المذهب أو العشيرة أو القومية لتكون مقدمة للصراع بين هذه المكونات قد يعصف بالعملية الديمقراطية.

4- غياب الطبقة الوسطى ذات الوعي المعرفي والثقافي اللازم لقيادة المجتمع نحو الديمقراطية، فهذه الطبقة تمثل أهم الوسائل لتحويل المطالب والحاجات الشعبية إلى سياسات عامة، بما يضمن تحقيق المشاركة الديمقراطية الواسعة والفاعلة عبر المؤسسات والمنظمات الوسيطة كالأحزاب وجماعات المصالح ومنظمات المجتمع المدني من أجل زيادة نطاق وفعالية المشاركة الجماهيرية في عملية صنع القرار بما يضمن خدمة المصلحة العامة.

5- خلال التحول الديمقراطي، قد يشهد الفساد إستشراء لأسباب عديدة. فضعف السلطة المرافق لمثل هذا التحول يؤدي إلى إضعاف قنوات الضبط والسيطرة على المال العام. كما أن صعود نخب سياسية جديدة إلى المسرح السياسي قد يرافقه نزعة لتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز أرصدتها المالية بما يجعلها قادرة على البقاء في المسرح السياسي، كما هو الحال في العراق. وهذا من شأنه زعزعة الثقة بالديمقراطية.

6- تحدي التوقعات، والتي تتباين بين المغالاة والتدني. فإذا كانت التوقعات عالية على نحو غير واقعي، وكان الناس يتوقعون من الديمقراطية أن تجلب الازدهار والصحة والتعليم والأمن، فإنهم سيصابون بخيبة أمل كبيرة، وسيسقط دعمهم للديمقراطية ويتلاشى. فالديمقراطية ليست سحراً، ولا يعني الحصول عليها ضماناً للسعادة والصحة والغنى بين ليلة وضحاها. أما إذا كانت التوقعات واقعية، فيتوقع الناس انتخابات غير عادلة، وتصرفات غير قانونية من قبل بعض مسؤولي الحكومة، وسلوك غير مقبول من قبل القائمين على مؤسسات الدولة، فإنهم سيستسلمون عندئذ للعيش وفقاً للمظهر الخارجي للديمقراطية فقط، وليس وفقا لمضمونها الجوهري.

7- هنالك خطر من تحول الديمقراطية إلى أداة للظلم، لا سيما في المجتمعات ذات التنوعات العرقية أو الدينية أو المذهبية أو العائلية أو العشائرية، إذ عندما تحصل مشاكل من نوع ما، يقوم الكثير من الساسة بإلقاء اللوم على المجموعات الأخرى، وعلى الأغلب الأقليات، وقد تتعرض بعض الفئات الاجتماعية للظلم، مما يؤدي إلى غياب العدالة والمساواة مما يجعل الديمقراطية عرضة لفقدان الثقة والاحترام بين الفئات المظلومة.

ثانياً/ على المستوى الخارجي:

1- عندما يتم تغيير الأنظمة الدكتاتورية بفعل التدخل العسكري الخارجي، تقوم الدولة القائمة بالاحتلال بتطبيق النظام الديمقراطي في الدولة المحتلة وفق معايير وشروط لا تتناسب مع ثقافة وقيم وطبيعة شعب الدولة المحتلة، مما يؤدي إلى ردود فعل سلبية قد تقوض التجربة الديمقراطية، أو قد تتخذ الدولة القائمة بالاحتلال إجراءات غير مدروسة على صعيد مؤسسات الدولة القانونية والدستورية مما ينتج عنه ردود فعل شعبية عامة أو خاصة قد تؤدي إلى حرب أهلية، أو مقاومة للاحتلال وينتج بذلك وضع أمني غير مستقر وتتشكل فصائل مسلحة وتفقد الدولة سيطرتها وتزداد هيمنة هذه الفصائل على المشهد السياسي وهذا بحد ذاته خطر على النظام الديمقراطي الناشئ.

2- تشكل التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي للدول ذات الديمقراطية الناشئة خطرا حقيقيا قد يؤدي إلى تقويض عملية التحول الديمقراطي، ويأتي هذا التدخل لأسباب متعددة منها بقصد إفشال التجربة الديمقراطية كي لا يشكل نجاحها دافعا لشعوب دول المنطقة الأخرى المحكومة بأنظمة دكتاتورية، للمطالبة بتطبيق النظام الديمقراطي. كما يتم التدخل الخارجي أحيانا بتأييد دولة معينة لفئة سياسية أو اجتماعية معينة داخل الدولة المتحولة للديمقراطية من أجل إتخاذها أداة للنفوذ والهيمنة، مما يشجع دولا أخرى للقيام بتدخل مشابه ولنفس الغرض، فتتحول الدولة ذات الديمقراطية الناشئة إلى ساحة لتصفية المصالح بين الدول الإقليمية مما يشكل خطرا على الديمقراطية.

3- غياب الدعم الدولي اللازم لترسيخ الديمقراطية الناشئة في بعض الدول، فالدولة حديثة العهد بالديمقراطية تحتاج إلى دعم بالمشورة والجهد الفني والدعم المادي أحيانا والتدريب لكوادر المؤسسات الديمقراطية، وهذا الدعم سواء كان من منظمات دولية فاعلة كالأمم المتحدة أو غيرها أو من الدول الفاعلة والمؤثرة في النظام الدولي، ضروري لتثبيت أركان النظام الديمقراطي وضمان عدم إنحرافه إلى مسار خاطئ.

إن هذه التحديات وغيرها قد تشكل معوقات حقيقية أمام الديمقراطيات الناشئة يصعب اجتيازها مما يربك النظام السياسي ويهيئ لظروف فشل الديمقراطية الناشئة.

في ضوء هذه القراءة يمكن وضع الأسئلة التالية:

السؤال الأول/ لماذا تفشل بعض الديمقراطيات في دول طالما كانت تائقة لها؟

صعوبة تعترض العملية الديمقراطية

- الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يؤكد على وجود صعوبة تعترض العملية الديمقراطية وهي تنقسم إلى قسمين، القسم الأول العقبات التي ترتبط بطبيعة النظام السياسي، فعندما ننتقل من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي هذه العملية بالإطار العام تسمى تغييرا سياسيا، هذا التغيير السياسي بالمجمل يكون تدريجي أو يكون على شكل دفعة واحدة، أيضا في مرات معينة يكون جزئيا وفي مرات معينة يكون راديكاليا بشكل كامل، والشيء الآخر الذي لابد الحديث عنه هو طبيعة هذا التغيير الذي له دور، خاصة وأن المقاربة بين النظام السياسي في العراق وفي تونس هي مختلفة تماما، لاسيما إذا ما تعلق الأمر بطبيعة التغيير السياسي ومن قام به، فهل هو النظام السياسي القائم أي أنه أدرك بأنه نظام سلطوي بوليسي ديكتاتوري، وهو لا يحقق الشراكة الفاعلة للجميع ولا يحقق عدالة سياسية أو عدالة اجتماعية، بالتالي هو أدرك هذه الحقيقة وعمل على تغيير ذاته بذاته ومن دون أي ضغط، أو هو استجاب لضغوط جماهيرية من الداخل وقام بالتغيير.

بالإضافة إلى ذلك، في مرات معينة يكون التغيير السياسي بالقوة وبعامل خارجي وهنا تكمن المشكلة، وهذا بطبيعة الحال يؤكد حالة البون الشاسع بين التجربة العراقية والتونسية على مستوى التغيير، فالتغيير في العراق تم بفعل تأثير خارجي، أما التغيير في تونس لم يكون بإرادة النظام السياسي لكنه يصنف على أنه تغيير داخلي، الشيء الآخر طبيعة التغيير السياسي يعتمد على ثقافة المجتمع المكون لهذه الدولة، فالمجتمعات التي تتكون من مجموعة طوائف دينية وعرقية، وهناك نظام ديكتاتوري يحكم هذه الدولة وهذا المجتمع، فديكتاتورية هذا النظام ناشئة على أن واحدة من هذه المكونات هي التي استولت على هذا النظام، بالتالي خلال المرحلة السابقة كان هناك نوع من الظلم والغبن تشعر به هذه المكونات، ففي التغيير السياسي كل المكونات تتنفس الصعداء على أمل إنهاء هذا الظلم، لذلك من المؤكد أن تنشئ حالة من عدم الثقة بين المكونات، لذا فإن الضامن الحقيقي لزوال إنعدام الثقة هو الإطار المؤسساتي والقانوني، عندها يتم طرح السؤال التالي كيف نعيد الحقوق المسلوبة من هذه المكونات ونعمل على تحقيق نوع من المساواة، تونس على سبيل المثال نسبيا هي تمثل النموذج الأنجح لتطبيق العدالة الإنتقالية، أما في العراق كان هناك إخفاق واضح في العدالة الإنتقالية رغم وجود بعض الإجراءات لاسيما على صعيد المصالحة الوطنية.

أخيرا، لابد من الإشارة إلى طبيعة القوى السياسية التي تريد أن تتولى زمام السلطة بعد التغيير السياسي، فهل هي تمتلك مشروع بناء دولة أو مشروعا وطنيا، ناهيك عن أن طبيعة التغيير الدولي والإقليمي في هذه الدولة يعتمد أيضا على القوى السياسية، فلو كانت القوى الإقليمية تدرك بأن هذه القوى السياسية لديها مشروعا سياسيا واضح لبناء الدولة، ستكون تدخلاتها بالشكل المعقول والمحدود والمعقول وفي الإطار الدولي.

مقايضة الانتخابات بالخدمات العامة

- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يعتقد أن العملية الديمقراطية هي عملية تدريجية، وأن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لا يعني أن البلد تحول إلى الديمقراطية، يضاف إلى ذلك نحن بحاجة إلى نضج جماهيري، وهناك حاجة ماسة أيضا إلى تطوير وإصلاح مؤسسي في بلدان الشرق الأوسط والبلدان النامية كي يستطيع أن يستوعب العملية الديمقراطية، أما بالنسبة للعراق فله خصوصية فهناك الكثير من الدراسات التي تناولت الديمقراطية والنفط، وهي قد أفصحت عن وجود تنافر بين الاثنين، فمن الصعوبة أن تحل الديمقراطية في بلدان نفطية، وذلك لأن تركيبة البلدان النفطية تجعل من الموارد المالية مسعى لكافة الأحزاب السياسية، وبالتالي وان كان هناك بعض الديمقراطية لكن هناك عنصر مهم ومفارقة في هذه البلدان، وهي مقايضة الصوت الانتخابي بالخدمات العامة في كل البلدان، خصوصا وأن تقديم الخدمات العامة يرتبط بالضرائب، ولكن في البلدان النفطية الدولة تسعى إلى تأمين الركوب المجاني للجمهور، عندها من الطبيعي الجمهور يستغني عن حريته وعن الديمقراطية في مقابل الركوب المجاني، وهذا أمر جدا مهم في البلدان النفطية.

تغيير مجتمعي

- يرى الكاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام علي حسين عبيد، إن القضية لا تتعلق بمجيء فلان وذهاب شخص آخر، فالقضية في المقام الأول هي ترتبط في كيفية تغيير المجتمع، وأيضا في كيفية تغيير تفكيره، فقبل ثلاثة أيام تقريبا شاب وسيم يقود سيارة فارهة القى قناني البيبسي الفارغة في الشارع، هذا الشخص من المرجح أنه لا يعرف الديمقراطية ولا يعرف السلوك الديمقراطي، بالتالي الوضع في العراق اليوم يحتاج إلى تغيير مجتمعي، فالشعب عندما لا يغير تفكيره ويؤمن حقيقة بالديمقراطية، فالنتائج عندها ستكون غير طيبة إلا ما رحم ربي.

الرؤية الغربية محكومة بتحديات

- استفسر الباحث ميثاق مناحي - مركز الدراسات الستراتيجية في جامعة كربلاء، عن الكيفية التي جاءت بها الديمقراطيات الناشئة!، فهل أتت عن طريق الرغبة الداخلية للشعوب أم عن طريق الرغبة الخارجية؟، فبعد تفكك الإتحاد السوفيتي المنظومة الغربية جاءت بالديمقراطية كنظام سياسي لحكم الشعوب لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، هذه الرؤية الغربية (الرؤية الأمريكية) كانت محكومة بثلاثة تحديات، التحدي الأول في تسعينيات القرن الماضي كانت الإدارة الأمريكية محكومة برؤية التيار المحافظ المتمثلة (بنهاية التاريخ وصدام الحضارات)، وبالتالي أعطت رؤية لهذه الإدارات أن الديمقراطية في الشرق الأوسط لابد أن تزرع بالقوة. فكان أمام هذه الرؤية تحديان: التحدي الأول هو تخبط الإدارة الأمريكية، فهل الديمقراطية تأتي عند طريق القوة العسكرية كما حصل في أفغانستان والعراق، أم عن طريق القوة الناعمة مثلما جاءت الإدارة الأمريكية (بمشروع الشرق الأوسط الكبير)، التحدي الثاني هو الإرادة الداخلية للشعوب، لذا فإن النظام السياسي أبقى على فكرة الديمقراطية محصورة في طبقة سياسية هي ربما ليست ديمقراطية، وهذه هي المشكلة الأساسية على المستوى السياسي، أما على المستوى الاجتماعي فهناك تحديات كثيرة، خصوصا وأن هناك ثقافات فرعية ناهيك عن الرؤية الإسلامية للديمقراطية، خاصة وأن هناك تعارض كبير بين الإسلام والديمقراطية، رغم محاولة البعض التزاوج بينهم، لكن كان النجاح محدود بإستثناء التجربة التونسية على صعيد (حركة النهضة الاسلامية).

الديمقراطية مفهوم فضفاض

- وصف الحقوقي أحمد جويد -مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، الديمقراطية بأنها مفهوم فضفاض، خاصة وأن الورقة المعروضة كانت تخلو من تعريف واضح للديمقراطية، أيضا التغيير في الشرق الأوسط والعراق بالتحديد هو تغيير حاكم وليس تغيير نظام حكم، وهذا ما أفرزته السنوات السابقة فكان العراق يحكم من قبل ديكتاتور واحد والآن يحكم من قبل مجموعة أحزاب ديكتاتورية، فالأحزاب السياسية في العراق لا تؤمن من داخلها بالتداول السلمي للسلطة. وهل شعوبنا في هذه المنطقة هي بحاجة إلى الديمقراطية، الجواب هنا، لا. الشعوب العربية غير تواقة للديمقراطية، فالشعوب العربية بحاجة إلى الخدمات وهي عندما تنتخب حاكم تضع في الحسبان حاجتها للخدمات وحتى لو كان ذلك الحاكم مستبد، وخير مثال على ذلك دول الخليج النفطية. كما أن الغرب الذي أزال الحكم في العراق وجاء بحكم جديد، هل يريد لهذه المنطقة أن تحكم بنظام ديمقراطي مثل النموذج الغربي، فالغرب اليوم يساند ويساعد الدول المستبدة والظالمة ويقف معها بقوة، وهذا عامل من العوامل المهمة التي تجهض الديمقراطية، بالتالي الشعوب التواقة إلى الديمقراطية وعندما تعطى فسحة من الحرية بسيطة وبعض الخدمات، عندها تكمن رغبته في الشخص القوي وهذه هي التركيبة النفسية التي تحكم شعوب تلك المنطقة.

الدول الناشئة لا تبحث عن حرية الرأي

- تساءل عدنان الصالحي -مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، عن العلاقة التي تربط الشعوب بالديمقراطية؟، فعادة الدول الناشئة لا تتحدث عن الحرية وعن حرية التعبير، لكنها تبحث عن الاستقرار وعدم التنازل عند القرارات الارتجالية، فهي تبحث عن الديمقراطية للاطمئنان على حياتها وسلامتها، ولا تبحث عن حرية الرأي وهذا ما يؤمن به عامة الناس إلا ما ندر من بعض النخب الثقافية والأكاديمية، هذه الشعوب تتوق للديمقراطية للتخلص من مزاجية الحاكم المتجبر وقراراته اللادستورية واللاقانونية، فإذا ذهبت الشعوب للديمقراطية؛ وجدت الفوضى ووجدت حياتها مهددة من جهات ظلامية، ولا توجد مؤسسات تحميها ولا قضاء يحجب عنها هؤلاء، بالتالي تبحث مرة أخرى عن خطر معروف ومحدد قد تتعايش معه، لكنها عندما تعيش في أخطار غير محددة وكل شيء ينبأ لها بفقدان حياتها وبفقدان مصدر رزقها، إذن هنا تعيش حالة اللاديمقراطية واللاديكتاتورية بل تعيش حالة الفوضى، والأشد من ذلك عندما يكون القضاء صامت ومسيس وضعيف في وقت تعيش الديمقراطية في أوج حالاتها، أي عندما يذهب المواطن للدولة وللجهات الحكومية لطلب المعونة، يجد هناك نفسا طويلا في إسترداد حقوقه، بالتالي يكون مضطرا للقبول بالقرارات المزاجية التي ربما ستنصفه في يوم من الأيام، إذن حالة اللادولة هي التي سترجعنا للديكتاتورية والشعب هنا محق لأنه يخاف على نفسه.

الديمقراطية تجلب الرفاه

- الحاج جواد العطار -عضو برلماني سابق، يستشهد بنموذجين للديمقراطية: الأول تاريخي، والآخر من العصر الحديث، فالنموذج الأول من العصر الأموي، حيث تم استدعاء بعض البنائين من الأمصار الإسلامية بغية بناء المسجد الأموي، وأثناء زيارة الحاكم الأموي لهذا الصرح لاحظ شخص يعمل فوق طاقته فاستفسر عن هذا العامل فقيل له من العراق، فقال: "سبحان الله حتى في طاعتهم يبالغون"، المثال الآخر يتحدث عن عبد الكريم قاسم، حينما جاءه وفد من أهالي الاعظمية لتهنئته بالثورة، فطلبوا منه أن ينقل جثمان شخص لانه كافر من المقبرة الملكية، فاستغرب عبد الكريم قاسم من طلبهم.

إذن نحن لسنا في بلد ديمقراطي، بل نحن في حالة تحول ديمقراطي، وهناك بالتأكيد ثمة معوقات تعرقل طريق الديمقراطية، علما بأن الأمثلة السابقة هي خير مثال خصوصا مع بقاء نفس العقلية ونفس الفهم ونفس الوعي، وهذا ربما متأتي من تراثنا وتربيتنا وبيئتنا، بالنتيجة تحول مجتمعي غير موجود، ناهيك عن الأمية السياسية الحاكمة وهنا حتما من تداعياتها هي عرقلة النمو والتحول الديمقراطي، لذا نحن نحتاج لثورة مجتمعية كما حصل في الثورة الصينية. النقطة الأخرى أن التحول كان خارجيا وهذا ما لم تتماشى معه البيئة العراقية، ومجتمعنا لا يعرف حقوقه وواجباته وهذا ما أشارت إليه التظاهرات الجماهيرية التي كانت تسير باتجاه توفير الخدمات فقط، وهي لا ترتقي إلى مستوى التغيير المطلوب لنموذج مجالس المحافظات، بالتالي فإن جهلنا بالحقوق والواجبات يساهم في عرقلة النمو الديمقراطي، والشيء الآخر المجتمع العراقي مجتمع غير مدني بل هو مجتمع (عشائري، فئوي، مناطقي، حزبي)، يضاف إلى ذلك أحزابنا غير ديمقراطية وكذلك الحال بالنسبة للخطاب فهو غير ديمقراطي، أيضا غياب المؤسسات وعدم تكاملها هذا عنصر آخر لعدم نمو الديمقراطية.

أخيرا، هناك جدلية تقول هل الديمقراطية هي التي تأتي بالرفاه والإستقرار الاقتصادي، أم العكس هو صحيح؟، فالاقتصاد هو الأرضية والبيئة الصالحة لنمو الديمقراطية، خاصة وأن هناك رأي لأحد الباحثين الاجتماعيين يقول: "لا تقبل شهادة من ليس في بيته طحين"، والطحين هنا إشارة للخبز، وهذا معناه من ليس في بيته طحين لا يستطيع التصويت وصوته مجروح، بالتالي هل الديمقراطية هي التي تجلب الرفاه وتبني مجتمعا مدنيا يحفظ كرامته أم العكس، حيث نؤمن قوت الناس وكرامتهم حتى نقودهم للديمقراطية؟.

الديكتاتورية من أجل الأمن والإستقرار

- ركز الحقوقي هاشم المطيري، على فكرة العوامل الداخلية، لاسيما وأن الديمقراطية التي فرضت على العراق هي ديمقراطية مشوهة، وأبسط مثال على ذلك النظام الانتخابي فهناك عدد كبير من الأنظمة الانتخابية التي مورست وتمارسها الشعوب على مستوى العالم، وهي أكثر عدالة من النظام الانتخابي الذي اعتمده العراق في مختلف المراحل السابقة، فالديمقراطية وكما تعرفون هي الطريقة المثلى لإشراك أكبر عدد ممكن من الناس لإدارة أنفسهم، وتلك الأنظمة تتمثل (بنظام القائمة المغلقة، إلى العراق دائرة واحدة أو دوائر مغلقة، إلى التمثيل النسبي) إلى طريقة فلان وفلان، وكأنما هذه الطريقة تفصل حسب ما يراد من العراق من فوضى ومن اضطراب، وخصوصا ثبت أن العراق اليوم مشتت بين كتل متنازعة وبين أفراد، وبالتالي أي قرار بسيط في الدولة العراقية لا يخرج إلا بعد مخاض عسير، والشيء الثاني كما نعرف جميعا الديمقراطية حالها حال أي نظام آخر وهو يحتاج إلى تدرج، فالطفل عندما يولد يحتاج لنوع معين من الغذاء ولنوع من الرعاية وبعد ذلك يكبر حتى يصل إلى مرحلة النضوج، فالديمقراطية التي نعيشها في الشرق الأوسط نريد بها أن تصل إلى مرحلة النضوج الكامل، ولا تكون هناك خطة سريعة للتدرج السريع، فعدم التدرج هو إرباك للوضع بشكل كبير، ويضاف إلى ذلك عدم التكامل، فاليوم في المنظومة القانونية في العراق نظامنا المركزي هو عبارة عن نظام هجين، وهو لا ينتمي إلى النظام الديمقراطي أو النظام المركزي بل هو عبارة عن مجموعة من التشريعات الكيفية، وكان العراق قبل التغيير لا تحكمه القواعد القانونية بأي شكل من الأشكال، بل تحكمه إرادة القائد، لذا فأن المنظومة القانونية التي عملت في الخمسينيات أيام تشكل الدولة والقوانين التي خرجت من الدولة العثمانية، تلك الفوضى استكملت بفوضى أكبر وأصبح هناك عدم تكامل بين الأنظمة.

لذا هم جاءوا بتجارب زائدة على جسد الدولة (كالمفتش العام، والنزاهة،...)، وحتى لو كانت لا تضر فهي لا تنفع لعدم اكتمال المنظومة لإدارة الدولة، أيضا النظرية الإسلامية لا تمت للدستور العراقي بأي حال من الأحوال وهو ظلم، أما بالنسبة للأحزاب العراقية فأغلبها تشكل على أساس ردة الفعل، واتخذ من المنهاج والعمل من غير إيمان حقيقي فيه، هذه الأحزاب جميعا لم تؤمن بالديمقراطية، فهناك ثمة سؤال يطرح نفسه هل الشعوب ترضى أن ترجع للديكتاتورية من أجل الأمن والإستقرار؟

خطر الديمقراطية الليبرالية على الديمقراطية

- الشيخ مرتضى معاش –المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى لابد من ملاحظة الديمقراطية من ناحية الاسم ومن ناحية المسمى، فالمهم ليس الاسم بل المسمى، خصوصا وأن الديمقراطية الغربية نراها من خلال عدة أشكال وعدة قوانين وأنظمة، فجوهر الديمقراطية يتمثل في رفض فكرة الإستبداد جملة وتفصيلا، وكل ما سوى الاستبداد فهو جيد، فالإستبداد مرفوض مطلقا وبأي شكل من الأشكال سواء كان الحاكم مستبدا أو النظام السياسي مستبدا أو الاستبداد كثقافة مجتمعية جذرية او سلوكية.

والديمقراطية كمفهوم عملي وآليات تطبيقية هي عبارة عن عقد اجتماعي يعبر عن رضا الشعب بالنظام او الحاكم، يتنازل من خلاله المحكوم عن بعض حريته لأجل إتباع القانون والاندماج في الدولة، اما اذا نظرنا الى الديمقراطية كآيدلوجية فهذه مشكلة خطيرة تكشف عن مكمن الفشل في الديمقراطيات الناشئة التي ترتبط بالديمقراطيات الليبرالية، وذلك لأن الليبرالية بشكل عام وان كانت نياتها مخلصة لترسيخ مبدأ الحرية الشخصية، لكنها تمثل الوجه الآخر للشمولية، باعتبارها تستهدف قتل الهويات الفرعية واستئصال مختلف الجماعات والاعراف. واليوم نرى الديمقراطية الليبرالية وضعت الديمقراطية الغربية في خطر كبير من خلال ردة الفعل التي نشاهدها في العالم عبر صعود الشعبويات في كثير من دول العالم، وهي عبارة عن ثورة ضد ممارسات الديمقراطية الليبرالية، فالديمقراطية الليبرالية انهزمت في أمريكا وفي إيطاليا وبريطانيا والبرازيل...، والسبب لأن الديمقراطية الليبرالية تفرض الحرية المطلقة وتستبيح الأخلاقيات وتنشر بعض السلوكيات المعينة، وتهدد مختلف الهويات الفرعية، فالديمقراطية الحقيقية هي التي تحترم أخلاقيات الناس وأعرافهم وسلوكياتهم وهوياتهم وحقهم في الانتماء، ويتحقق تعايش بين هذه الهويات. لذا فالثورة الشعبوية التي يشهدها العالم اليوم في مختلف دول العالم، هي نتيجة لفرض الديمقراطية الليبرالية لبعض السلوكيات ومنها المثلية الجنسية، وهم أعطوا للذكور حق إنجاب الأطفال وكذلك الأناث، بالتالي فإن الفطرة الإنسانية لا تقبل هذا النوع من السلوكيات، لذلك لا نستبعد في المستقبل أن تصبح المجتمعات الغربية مجتمعات دينية متطرفة، فهذه الشعبوية هي مقدمة ويلاحظ ان الكنيسة تدعم بعض هذه الشعبويات.

لذا فمن المؤكد سيأتي يوم من الأيام ويحصل ارتداد كبير في بلادنا ضد الديمقراطية الليبرالية وكما حصل في الغرب، لان الحرية الشخصية لسلوكيات معينة تهدد طريقة الشعوب في الحياة المحافظة، وهذا ما تم فعلا من خلال تمرير سلوكيات الاختلاط الجنسي خارج إطار الزواج وقوانين الإرث في تونس والمغرب مثلا، بالتأكيد سوف يحصل ارتداد وثورة ضد هذه الديمقراطية. وأيضا الفشل هو مستقبل الديمقراطية في العراق بوجهها الليبرالي لان الشعب العراقي شعب محافظ في قيمه وقد يساند أي سلطة دكتاتورية تقف في وجه السلوك الديمقراطي غير الحكيم. بالإضافة الى نقاط أخرى تتسبب بفشل الديمقراطية مثل تدخل الدولة المركزي والمباشر وعدم تفويض السلطة للمواطنين، وأيضا عندما تطبق الديمقراطية بيد أناس غير ديمقراطيين.

أخيرا، إن الإسلام هو ضد الاستبداد، وهذا ما تحدث به فقهاءنا منذ سنوات طويلة وتحت عنوان (الحركة الدستورية أو الحركة المشروطة)، التي بدأت في العراق وإيران في القرن التاسع عشر، ويمكننا إنجاح الديمقراطية من خلال الديمقراطية المحافظة التي تحترم الهويات والثقافات الفرعية والاخلاقيات والأعراف والعقائد.

أغلب القيادات لا تؤمن بالديمقراطية

خضير العواد كاتب وباحث، يرى ان سبب فشل الديمقراطيات الناشئة في الشرق الأوسط إلى وجود تحديات خارجية وأخرى داخلية، فالتحديات الداخلية تتركز حول وجود الأرضية المتفهمة لحقوق الديمقراطية بشكل صحيح، الشيء الثاني هو وجود القضاء العادل الذي يحاول تنفيذ القانون بالشكل الصحيح والعادل على المجتمع، ووجود القيادات القوية المؤمنة إيمان حقيقي بمسألة تطبيق النظام الديمقراطي، بالإضافة إلى السلطة التشريعية التي من المفترض أن تكون مؤمنة بهذا الشيء، مشكلتنا في بلدان الشرق الأوسط أغلب هذه النقاط هي غير متوفرة. واحدة من هذه النقاط أن أغلب قيادتنا هي لا تؤمن بالديمقراطية، لهذا السبب الديمقراطية في العراق فشلت فكل قائد من قيادتنا لابد أن يكون هو القائد، وهو لابد أن يكون مسؤول أو يكون وزير، فهذا النتاج سوف لن يؤدي إلى ديمقراطية جيدة، والشيء المهم في تقوية الديمقراطيات ونجاحها هو تنفيذ القانون بالشكل الصحيح، بالتالي تعرف قوة الديمقراطية بقوة قانونها القوي، لهذا السبب فإن عمود الأنظمة الديمقراطية هو القانون القوي والقضاء العادل، ناهيك عن الأرضية غير الصالحة التي لا تريد أن تفهم مفاهيم الديمقراطية وقوانينها، أما بالنسبة للتحديات الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط فهي تمتلك ثروات جدا مهمة وموقعها الإستراتيجي جدا مهم، فالقوى الكبرى ومهما كانت تحاول قدر الإمكان أن تجعل معوقات نجاح هذه الديمقراطيات، وهذه المعوقات ممكن أن تكون بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال القيادات التي تدعمهم في هذه البلدان، وذلك من أجل عرقلة نجاح هذه الديمقراطيات.

السؤال الثاني/ ما هو مستقبل الديمقراطية الناشئة في بعض دول العالم الثالث مثل تونس والعراق؟

- الدكتور حسين السرحان، يؤكد على أن التغيير الإجتماعي هو أساس التغيير السياسي، ولكن من يقوم بالتغيير الإجتماعي في مرحلة النظام الديكتاتوري فهو لا يسمح بالتغيير الإجتماعي لأنه يمثل تهديد حقيقي لمكانة هذا الدكتاتور، فالنظام السياسي الجديد هو المسؤول عن التغيير الإجتماعي، لذلك فالآباء المؤسسون في الولايات المتحدة الأمريكية عملوا على موضوع الدستور، ولا يوجد شيء اسمه (الديمقراطية الليبرالية)، فالليبرالية هي نمط متطور جدا من الحريات، بالتالي فإن الديمقراطية لها مظاهرها كالتداول السلمي للسلطة ووجود نظام انتخابي والفصل بين السلطات ومشاركة الناس في صنع القرار السياسي. القضية الثانية، إن مستقبل الديمقراطية غامض جدا خصوصا بعد العام 2018، فهناك مخاطر عديدة لاسيما على مستوى تحديد الكتلة الأكبر، لكن في تونس الأمر مختلف فهناك فصل بين النظرية الإسلامية ونظام الحكم، بالتالي فإن الأزمة في تونس هي ليست أزمة سياسية بل هي أزمة إقتصادية.

الديمقراطية والسوق

- الدكتور حيدر آل طعمة، يجد هناك جدلا في علاقة الديمقراطية بالسوق، لاسيما مع وجود نقطتين يلتقي بها المصطلحين وهي (الحرية والمنافسة) وهذا يتفق عليه الكتاب والمفكرين، ولكن الجدل أيهما يكون حاضن للآخر، هل الديمقراطية هي التي تؤسس لنظام ناجح، أم نظام السوق الناجح هو الذي يؤسس للديمقراطية؟، وحقيقة كل فريق يسوق جملة من الحجج ويدافع عن تلك الحجج، ولكن بشكل شخصي أعتقد بأن نظام السوق هو الذي يؤسس للديمقراطية، والدليل أن إدخال الديمقراطية إلى العراق وبشكل قسري لم ينجم عنه نضوج في نظام السوق حتى بعد مرور 15 عام، لذلك فإن كافة المجتمعات كان هناك تطور في نظام السوق ومع هذا التطور رافقه تطور في الوضع السياسي، بالتالي فالديمقراطية لابد أن تكون وليدة وضع اقتصادي جيد ومتطور.

- علي حسين عبيد يقترح وجود حملات توعوية لبسطاء الناس لأنهم يمثلون غالبية المجتمع، فهذا الأمر إذا تم من الممكن أن يرتفع بالمجتمع إلى مستويات متقدمة من الوعي.

- الباحث ميثاق مناحي يرى أن مستقبل الديمقراطية في العراق مختلف عن ما موجود في تونس، بحكم الطبيعة الجغرافية وبحكم المجتمع القريب من أوروبا ناهيك عن عدم وجود تنافس جيوسياسي كما موجود في العراق، بالتالي فربما مستقبل الديمقراطية الناشئة في تونس هو أفضل من العراق، لكن أهم نقطة في العراق فيما لو أردنا إنجاح تلك التجربة أن نكون أناس ديمقراطيين.

- الحقوقي أحمد جويد يرى أن مستقبل الديمقراطية في العراق لا يمكن التكهن به، والسبب كون الإنسان العراقي هو إنسان مزاجي، فهو من الممكن أن يتخذ الآن قرار وبعد لحظات يتخذ قرار مغاير، وهذا ما تم توثيقه من خلال ممثلي البرلمان العراقي لحظة انتخابهم رئيس جمهورية العراقي الحالي فخلال ربع ساعة تضاعف العدد المؤيد لذلك الانتخاب، بالتالي نحن نحتاج أن نحذو حذو طريقة مانديلا أيام تنازله عن السلطة.

- عدنان الصالحي يعتقد أن الديمقراطية في العراق مهددة من خطرين، الخطر الأول تلاشى وهو ديكتاتورية الشخصيات المدعية للديمقراطية كرؤساء الكتل ورؤساء الأحزاب، والخطر الآخر هو الصراع في المنطقة وهذا الصراع يحتاج إلى إعادة الديكتاتورية في العراق من جديد، أما داخليا فالديمقراطية في العراق تتعثر ولكنها تسير شيئا فشيئا، بالتالي فلولا الديمقراطية لكان اللقاء الآن بعنوان (حب القائد).

- الحقوقي هاشم المطيري يعتبر أن هذه الولادة تحتاج إلى منشطات وإلى أدوية تلقيح مباشر ضد الأخطار المستقبلية بغية تصحيح هذا الجسد، لذا نحن نحتاج إلى راعي لهذه الديمقراطية خصوصا وأن الدول الإقليمية تريد هذا الوضع الديمقراطي في العراق.

جذور الإستبداد ونسمات الديمقراطية

- الشيخ مرتضى معاش، يجد أن العراق قد شهد انتكاسة ديمقراطية أيام العهد الملكي وهذا الأمر واقعا يحتاج إلى دراسة، خاصة وأن من أهم الأسباب الرئيسية التي أدت الى ذلك هي تلاعب الأحزاب وتحالفاتها غير المنطقية هو الذي أفشل التجربة الديمقراطية في العهد الملكي، ناهيك عن التدخلات الخارجية والصراعات الدولية، فالآن ما يتهدد العراق هو عدم وجود تحول ديمقراطي في منظومة القيم، لذا فالديمقراطية تحتاج إلى مجموعة قيم جديدة في المدرسة وفي الأسرة، أما الشيء الآخر هو التدخلات الإقليمية المتعسفة جدا في قضية الانتخابات والكتل السياسية، لذا فإن مستقبل العراق يعتمد على ما تفعله النخب للخروج من حدود الكارثة، خصوصا وإنها لم تستفيد من تجربة الصيف الماضي، لاسيما وأن جذور الإستبداد قوية جدا في العراق وعواصف الديمقراطية لا يمكن لها أن تقتلعها، خاصة وأن الديمقراطية في العراق هي مجرد نسمات فقط وغير متجذرة.

- الحاج جواد العطار يرى أن العراق في المراحل الأولى من التحول الديمقراطي، ويتم التقدم عندما ينجح النظام السياسي والعكس صحيح، لذلك العراق اليوم أمام مفصل مهم ليتحول من حالة اليأس إلى القناعة الكاملة بالديمقراطية، أما بالنسبة لتونس فالتغيير لم يتم بتدخل خارجي وأيضا هم لا يمتلكون ثروات من النفط ولا يمتلكون موقع إستراتيجي كما هو العراق، بالإضافة إلى ذلك فإن تحول القوى المجتمعية والسياسية سبق التحول السياسي، وهو على عكس ما حصل في العراق فكان التحول خارجيا والشعب متخلفا وفي وضع مزري، بينما المجتمع التونسي منفتح خصوصا القوى الإسلامية قريبة من الحالة الليبرالية إلا أنها تختلف عنها بالمسمى.

- خضير العواد يعتقد أن مستقبل الديمقراطية في تونس أكثر اطمئنانا من العراق، فالمخاطر الداخلية قليلة جدا كون الشعب مهيئ لهذه التجربة، ولكن هناك خطر خارجي من قبل بعض الأنظمة العربية التي لا تريد نجاح التجربة الديمقراطية في أي دولة عربية وخصوصا دول الخليج، فهذا العائق إذا تم عبوره فالتجربة التونسية ستنجح، أما التجربة العراقية فمن المخاطر المهمة التي تعترضها هي مسألة التجربة اللبنانية التي تم تطبقيها حرفيا في العراق، هذه التجربة إذا تم تجاوزها فمستقبل العراق سيكون باهر، أما إذا استمر العراق بهذه الحالة مع وجود قانون ضعيف والقضاة مسيسين فمستقبل الديمقراطية في العراق سيكون مشوش.

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ

 

اضف تعليق