q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

الكراهية الناعمة والكراهية الارتدادية

دونالد ترمب أنموذجاً

منطق الكراهية اليوم يتفاعل بشكل كبير بصور تتعدد اسبابها مابين السياسة وطبيعة المجتمعات، والإنسانية بأحوج مايكون إلى تقليص مساحة الكره وإحلال قيم المحبة والسلام بين أفراد العالم، خصوصاً مع تنامي الكراهية كمشاريع تنتهجها بعض الدول من بوابة الاستقطاب العرقي والعنصري، هذا التفاعل بانت ملامحه كثيراً...

بين فترة وأخرى؛ يتسع مفهوم (خطاب الكراهية) ليشمل مساحات أكبر من خريطة البشرية الملتهبة بالصراعات، ويتخذ أشكالاً جديدة، غير التي عُرفت عنه من تسقيط أخلاقي، أو إنعاش الصراعات العرقية والطائفية، وكل ذلك بهدف ترسيخ الكراهية في الوجود الانساني، حتى وإن تقنَّع الترسيخ بأقنعة متعددة. ومع كل حالة مستحدثة في العالم، وفي كل المجالات؛ يجد خطاب الكراهية بيئةً خصبة لمشاريعه، كبيئة وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت أسرع منبر لترويج هذا الخطاب، وكأن رواد هذه الوسائل تطوعوا بشكل مجاني ليكونوا جنوداً في حرب الخطابات المتبادلة لدرجة تبرير الأعمال القبيحة ، بل وتحليلها وشرح ابعادها، حتى يُخيل للآخر أن لها من الأبعاد الجيدة الشيء الكثير، وهذا الخلط الغريب للأوراق، قصده إذابة المسافة بين نقد بناء يؤشر بموضوعية لسلبيات وإخفاقات، وشتائم ليس لها إلا تعميق الانقسامات، وهذا الخلط يجعل الانسانية في دوامة من التيه.

وعادة حينما تتم مناقشة موضوع الكراهية، وخطابها المتنامي بسرعة، وكيفية التغلب عليه؛ تكثر المطالبات، وترتفع أصوات المنظمات والناشطين في مجالات حقوق الإنسان، بضرورة وضع استراتيجية شاملة لاجتثاث مظاهرها. استراتيجية قد تبدأ من البيت صعوداً مهيمنات صنع الرأي العام، وصولاً إلى الأعلى. ولكن، ماذا لو كان للكراهية مشروع يمثل غاية أساسية تعتمدها القوى الكبرى؛ لتدعيم مصالحها، حتى وإن كان التشتت الإنساني أداة لتحقيق هذا الهدف؟

استراتيجية الكره الأمريكي

منطق الكراهية اليوم يتفاعل بشكل كبير بصور تتعدد اسبابها مابين السياسة وطبيعة المجتمعات، والإنسانية بأحوج مايكون إلى تقليص مساحة الكره وإحلال قيم المحبة والسلام بين أفراد العالم، خصوصاً مع تنامي الكراهية كمشاريع تنتهجها بعض الدول من بوابة الاستقطاب العرقي والعنصري، هذا التفاعل بانت ملامحه كثيراً في قضايا اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا وأمريكا، وكيف ارتفع خطاب الكراهية ضدهم مدعوماً بالوجه الناعم.

ومن مصاديق الوجه الناعم للكراهية المُقَنّعة؛ ماتشهده الساحة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية مع كل فترة انتخابية ، حيث يزدهر الخطاب الشعبوي والعنصري ضد الأقليات كما لاحظنا مثلاً في حملة (دونالد ترمب) الرئيس الأمريكي الحالي أثناء تنافسه مع (هيلاري كلينتون) حيث دعا لعدم دخول المسلمين لأمريكا بذريعة أنهم احتفلوا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. هذه النبرة كرست الكراهية المتنامية بين أنصار اليمين، وامتدت لتشمل غير المسلمين كموقفه من بناء الجدار العازل بين أمريكا والمكسيك؛ لوقف تدفق المهاجرين المكسيكيين الذين وصفهم بقطاع الطرق ومغتصبي النساء.

اليوم، حين تشهد أمريكا انتخابات الكونغرس بين المُتنافِسَيْن اللدودين الجمهوري والأمريكي؛ ترتفع حدة الكراهية التي تطلى بنعومة الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، وهذا الطلاء الناعم يبدو أنه يفعل فعله بإيجابية، إذ اننا نشاهد احتشاد الجماهير خلف من يطلق هذا النوع من الخطابات، مصفقين محتفلين بترمب وهو يعلن عدم منحه الجنسية الأمريكية للأطفال المولودين من آباء مهاجرين.

ترى مالذي يجعل الإنسان متقبلاً لفكرة الكراهية؟ صحيح أن صاحب الخطاب شخص نافذ ومسؤول، وله مشروعه، لكن ذلك لن يمنعنا من الاعتراف بأن خللاً قيمياً كبيراً يلقي بظلاله من خلال استعداد الآخرين لتقبل هكذا خطابات أقل مايقال عنها أنها تحريضية وعنصرية ومستفزة.

وكثير من كتاباتنا وأبحاثنا تتناول الخطاب وصاحبه، من دون أن تبحث في الأسباب التي تجعل من الكراهية مقبولةً بل وتجد من يصغي لها باهتمام بالغ، وكأن الشخص الذي يتحدث ؛ يعبر بموضوعية عن مشاعر الملايين المحتفلين بكلامه.

وقد دخلت وسائل الاعلام الممولة من المستفيدين من هذا الخطاب وبقوة على خط التنظير لمنطق الكراهية بصورة سريعة جداً عبر اختلاق الروايات السلبية وتغذية الأفكار والمشاعر التشاؤمية، وهذه التداعيات أدت إلى حالة من عدم الثقة والخوف من المستقبل والمصير الحضاري والتي ترسخت في نفوس المجتمعات المستقبلة للمهاجرين واللاجئين، فهذه المجتمعات يتم توجيه الإعلام عليها بقوة كبيرة وتجعلهم تحت ضغط نفسي رهيب وهم يستمعون ويشاهدون بشكل يومي تقارير وبرامج تتحدث عن التهديدات الأمنية للمهاجرين.

الكراهية الارتدادية

ولأن لكل فعل رد فعل؛ فإننا قد نصل لنتيجة سلبية تتمثل في ظهور كراهية مقابلة للكراهية الأصلية، أي تظهر (الكراهية المتبادلة)، وهنا قد ترتد الكراهية على من يتبنى خطابها، ومن الطبيعي جداً سيظهر إزاء التنظير لمنطق الكراهية الأصلية تنظيرٌ مقابل للكراهية المقابلة، وهذا يعني ــ بصورة أكثر تشاؤمية ــ فقدان الأمل في بناء الفرد الإنساني على قيم الحياة والتسامح والمحبة، في الوقت الذي تزدهر فيه ملامح الدفاع عن الخصوصيات الهوياتية تاريخاً وموروثاً وعقائد، ومثل هذا التصور يجعلنا بعيدين جداً عن قضية التصالح مع الذوات، وبعيدين عن إحلال منطق المحبة بديلاً عن الكراهية والتنظيرات المرتبطة بها.

ويبدو ان حادثة قتل أكثر من 11 شخصاً يهودياً في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية أثناء تأديتهم صلاة يوم السبت في كنيس يهودي دليل على التأثير السلبي لخطاب الكراهية، حيث تشير البي بي سي أن القاتل الذي فتح النار على المصلين كان يصرخ : (كل اليهود يجب أن يموتوا)، وأن منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي كانت تعج بالعبارات والتعليقات المعادية للسامية. وهذا يؤكد القبول السلبي لخطاب الكراهية ، والذي قد تساهم المواقع الاتصالية بترويجه وإتاحته من غير ضوابط أخلاقية أو قانونية. كما أن ردود أفعال المواطنين في مدينة بيتسبرغ الرافضة لزيارة الرئيس ترمب الذي أراد مواساتهم بهذا الحادث؛ تؤكد ارتداد الكراهية على رائد خطابها بامتياز.

اضف تعليق