q

في بعض الاوقات الحساسة او المنعطفات التاريخية المهمة، يمكن ان يشكل الحليف عبأً كبيرا على صانع القرار السياسي في دولة عظمى كالولايات المتحدة الامريكية، وقد تستنزف الكثير من الجهود والوقت في اقناع الاصدقاء بضرورة التغيير او مجاراته مقارنة بإقناع من يقفون على الجانب الاخر، وهو ما واجهته الولايات المتحدة الامريكية مع اقرب حلفائها في الشرق الاوسط، وفي مقدمتهم اسرائيل، بعد الخلاف العاصف بين الرئيس "اوباما" ورئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو"، حول مفاوضات الملف النووي الايراني، والتي استمر خلالها الجدل و"حرب التصريحات"، حتى بعد توصل القوى الكبرى الى اتفاق "اطار عمل" مع ايران، ربما يمهد لاحقا لتوقيع "اتفاق تاريخي" حذرت منه الحكومة الاسرائيلية بعد ان اعتبرت ان الاتفاق يهدد "بقاء اسرائيل"، مطالبة ان يتضمن الاتفاق اعتراف ايران بإسرائيل، وهو ما رفضه الرئيس الامريكي معتبرا ان مثل هذا الطلب ينطوي على "خطأ جوهري في التقدير".

قد تنسحب نفس التجربة الامريكية- الاسرائيلية على العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة الامريكية بدول الخليج في الشرق الاوسط، وبالأخص بينها وبين الشريك الخليجي الاكبر، المملكة العربية السعودية، فتلك العلاقة قد شابها الكثير من التوتر وحكمتها الكثير من التقاطعات مع الملك السابق "عبد الله بن عبد العزيز"، والملك الحالي "سلمان بن عبد العزيز"، وكانت ايران السبب الابرز في هذه الخلافات التي اثارها حلفاء الولايات المتحدة الامريكية، فيما عبر الرئيس الامريكي وادارته عن انزعاجهم، في اكثر من مناسبة، عن الانتهاكات الكبيرة في حقوق الانسان والقيود المفروضة على الحريات العامة والنشطاء السياسيين واصحاب الرأي، اضافة الى الاشارات التي اطلقها نائب الرئيس الامريكي "بايدن" عن دعم الخليج للمنظمات المتطرفة ورعاية الفكر المتشدد الذي يوفر البيئة المناسبة للفكر التكفيري.

قبل ايام قال الرئيس الأمريكي إن "أكبر خطر يتهدد عرب الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران إنما السخط داخل بلادهم، سخط الشبان الغاضبين العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم، مؤكدا إنه سيجري "حوارا صعبا" يرتكز على امرين مهمين هما:

- الولايات المتحدة الامريكية قادرة على حماية حلفائها من الاعتداءات الخارجية التي قد تهدد امنها واستقرارها.

- الولايات المتحدة الامريكية غير قادرة على فعل اي شيء امام "سخط" و"غضب" الشباب امام فقدانهم لحقوقهم السياسية والاقتصادية والانسانية في ظل عدم وجود مخرج مناسب لتظلماتهم يمكن ان يلبي طموحاتهم.

وقد اعطى "اوباما" مثالا واضحا على طريقة التفكير الخليجي في ضغطها على الولايات المتحدة الامريكية في التدخل في بعض الملفات التي تمتلك طبيعة خاصة، بالقول، "أعتقد أنه عند التفكير بما يحدث في سوريا على سبيل المثال، فهناك رغبة كبيرة لدخول الولايات المتحدة هناك والقيام بشيء"، "لكن السؤال هو: لماذا لا نرى عربا يحاربون الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب ضد حقوق الإنسان أو أن يقاتلوا ضد ما يفعله (الرئيس السوري بشار) الأسد؟"، وهي رسالة تحمل اكثر من محتوى لقادة الخليج الذين يصرون على اسقاط نظام الاسد (المتهم بانتهاك حقوق الانسان على مدى الحرب الاهلية التي تجاوزت اربع سنوات في سوريا)، ويتخوفون من ايران ودورها المتنامي في منطقة الخليج، ولا يشعرون بأدنى قلق من "السخط داخل بلادهم"، وعلى هذا الاساس ستكون المحادثات الخليجية- الامريكية في منتجع "كامب ديفيد" في الولايات المتحدة الامريكية قريبا.

ويبدو ان "الحوار الصعب" الذي سيجمع اوباما بالحلفاء الخليجيين سيكون من مبدأ (لكم مثل ما عليكم)، فالعالم لم يعد كما كان قبل اربع او خمس عقود مضت، وعلى الحلفاء قبل الاعداء ان يواكبوا هذه التغيرات، وان الولايات المتحدة الامريكية التي تستطيع تحمل اعباء حمايتكم من "العدوان الخارجي"، لا تستطيع ان "تغض البصر" او على الاقل ان توفر الحماية الى ما لانهاية لأنظمة الخليج نتيجة لازمات داخلية قد تصيبها في اي لحظة، كنتيجة طبيعية لانتهاكات حقوق الانسان والقيود المفروضة على حرية التعبير عن الرأي ورعاية الفكر الديني المتطرف، والذي عبر عنه اوباما بالقول "ينبغي على الولايات المتحدة أن تتساءل، كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان السنة أن لديهم شيئا آخر يختارونه غير (تنظيم الدولة الإسلامية)؟".

ربما تكون هذه المعادلة سهلة بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية او لبعض حلفائها "البراغماتية"، الا انها معادلة صعبة ومعقدة لدى الحلفاء الخليجيين (كالسعودية والبحرين مثالا)، بسبب التركة الثقيلة من الانتهاكات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بحق مواطنيها والاقليات التي تعيش على اراضيها، والتي بنيت عليها نظامها الملكي المطلق، ما جعلها تخشى من "الاصلاحات السياسية" التي تقرنها بنهاية انظمتها، وهو ما يعني ان مهمة الرئيس اوباما في الخليج لن يكتب لها النجاح، وسيستمر العبء الذي تشكله تلك الانظمة على الولايات المتحدة الامريكية الان وفي المستقبل.

اضف تعليق