q
بعد ان انتهت الحروب العالمية وانتهى الظن بأن لا حروب جديدة هناك ظهرت ما يعرف بالحرب الباردة بين دول العالم والقائمة على التجسس والتفوق السري للأسلحة، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أنهى بدوره هذه الحرب، استراح العالم وظن الجميع انه لا حروب هناك وان عصر السلام قد حل...

بعد ان انتهت الحروب العالمية وانتهى الظن بأن لاحروب جديدة هناك ظهرت مايعرف بالحرب الباردة بين دول العالم والقائمة على التجسس والتفوق السري للاسلحة، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي انهى بدوره هذه الحرب، استراح العالم وظن الجميع انه لاحروب هناك وان عصر السلام قد حل، الا ان الاشهر الماضية أعلنت خلاف ذلك، اذ باتت تنذر بحرب من نوع اخر حرب ليست عسكرية ولامعلوماتية ولاسياسية، بل واسؤا بكثير انها الحرب الاقتصادية التجارية، والتي اشعل فتيلها ترامب بعد توليه كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الاميركية، ومعها بدأت ردود الافعال والتكهنات بأن التجارة ستمر في نفق مظلم قد ينتهي بنهايات سيئة للغاية.

فقد أفادت منظمة التجارة العالمية إن نمو التجارة العالمية سيتباطأ على الأرجح أكثر من المتوقع من قبل في عامي 2018 و2019، على الرغم من أن التأثيرات الاقتصادية المباشرة للحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة ما زالت محدودة حتى الآن، وتتوقع المنظمة أن تنمو تجارة السلع العالمية بنسبة 3.9 بالمئة في العام الحالي، وهو ما يقل عن توقعاتها في السابقة التي أشارت لنمو نسبته 4.4 بالمئة. وفي العام المقبل، من المتوقع نمو التجارة 3.7 بالمئة، انخفاضا من أربعة بالمئة في التوقعات السابقة.

وبينت منظمة التجارة العالمية في بيان إن بعض المخاطر النزولية التي حذرت منها أصبحت ملموسة الآن. وفي ذلك الوقت، حذر روبرتو أزيفيدو المدير العام للمنظمة من أن الانتعاش القوي في التجارة العالمية، بعد عقود من التعثر، قد تقوضه قيود الحرب التجارية، وجاء في البيان ”الآثار الاقتصادية المباشرة لهذه الإجراءات كانت محدودة حتى الآن، لكن الضبابية الناجمة عنها ربما يكون لها تأثير بالفعل من خلال خفض الإنفاق الاستثماري“، وأضاف ”على الرغم من أن نمو التجارة مازال قويا فإن هذا الخفض (في التوقعات) يعكس التوترات المتصاعدة التي نراها بين شركاء تجاريين كبار، ومن المهم أكثر من أي وقت مضى أن تسعى الحكومات لتجاوز خلافاتها وأن تتحلى بضبط النفس. ستواصل منظمة التجارة العالمية دعم تلك الجهود وضمان أن تظل التجارة محركا للارتقاء بمستويات المعيشة والنمو وخلق فرص العمل في أنحاء العالم“.

ومنذ أن أعلنت المنظمة توقعاتها السابقة، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربا تجاريا بفرض رسوم على واردات صينية بمئات المليارات من الدولارات، وهو ما ردت عليه بكين بفرض رسوم على سلع أمريكية، فضلا عن الرسوم التي فرضها على منتجات الألومنيوم والصلب الواردة للولايات المتحدة من أنحاء العالم لحماية الوظائف الأمريكية، وهدد ترامب بفرض رسوم على جميع الواردات الصينية تقريبا ما لم تتراجع بكين عن موقفها.

أوروبا في مرمى التباطء

تعتزم دول الاتحاد الأوروبي أن تبلغ القادة الماليين لمجموعة العشرين أن تنامي التوترات التجارية يمكن أن يكون له تأثير ”ضار على نحو خطير“ بالنمو العالمي وإنهم يجب أن يرفضوا الحمائية التجارية وأن يتعهدوا بحل النزاعات عبر منظمة التجارة العالمية، ومن المقرر أن يجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لأكبر عشرين اقتصاد في العالم في 11 و12 أكتوبر تشرين الأول في جزيرة بالي الإندونيسية، وستتصدر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتوترات مع أوروبا جدول الأعمال.

وبين وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في وثيقة معدة للاجتماع من المقرر الموافقة عليها رسميا في الثاني من أكتوبر تشرين الأول ”نحن قلقون بشأن خطر تصاعد التوترات التجارية، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير سلبي خطير على قوة وشمولية واستدامة وتوازن النمو والاستثمار العالمي“، وبينت الوثيقة”يجب على مجموعة العشرين أن تعيد التأكيد على التزامها بتعزيز انفتاح السوق، ومكافحة جميع أشكال الحمائية، بما في ذلك الممارسات التجارية غير العادلة، وتعزيز التعددية المستندة إلى القواعد وأوضاع عادلة للتجارة في السلع والخدمات والاستثمار وحقوق الملكية الفكرية، وأن تحسين التعاون العالمي ضروري، ولذلك فإن الاتحاد الأوروبي يدعو أعضاء مجموعة العشرين إلى دعم تحديث منظمة التجارة العالمية“.

من جهة أخرى أظهر نموذج محاكاة للبنك المركزي الأوروبي أن الولايات المتحدة ستكون أكبر الخاسرين إذا بدأت حربا تجارية مع الدول الأخرى بينما ستحقق الصين استفادة أكبر بعد الرد بإجراءات انتقامية، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح إن الحروب التجارية ”جيدة ويسهل الفوز بها“ وذلك حين بدأ نزاعا مع الصين فرضت فيه إدارته رسوما جمركية على الصلب والألومنيوم وعدد من المنتجات الصينية المختلفة، وتفترض دراسة البنك المركزي فرض رسوم أمريكية نسبتها عشرة بالمئة على جميع الواردات ورد الدول الأخرى بالمثل. وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة ستتحمل الوطأة الكبرى في تقلص التجارة والضرر الواقع على ثقة المستهلكين والمستثمرين، وجاء في الدراسة ”ان النتائج التقديرية تشير إلى أن وضع الصادرات الصافية للولايات المتحدة سيتدهور كثيرا... في هذا النموذج، تضخ الشركات الأمريكية استثمارات أقل وتوظف عمالا أقل، وهو ما يعظم الأثر السلبي“.

ويقدر المركزي الأوروبي أن النمو الأمريكي سينخفض أكثر من نقطتين مئويتين. ويتوقع صندوق النقد الدولي حاليا أن ينمو الاقتصاد الأمريكي 2.9 بالمئة هذا العام و2.7 بالمئة في السنة المقبلة، في المقابل، ستستفيد الصين من زيادة الصادرات إلى دول ثالثة تخضع فيها السلع الأمريكية لرسوم، لكن هذا المكسب الطفيف سيكون مؤقتا وسيبطله جزئيا الأثر السلبي الواقع على الثقة، في غضون ذلك، قد تنخفض التجارة العالمية بما يصل إلى ثلاثة بالمئة مقارنة مع فترة الأساس، ونموذج البنك المركزي الأوروبي نظري بحت ولا يطابق الأوضاع الواقعية للتجارة. وفرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار، وردت الصين بفرض رسوم على سلع أمريكية قيمتها 60 مليار دولار.

مواجهة الصين

ذكر مصدر بالحكومة إن ألمانيا تدرس اتخاذ خطوات لمواجهة زيادة في المساعي الصينية لشراء حصص في شركات تكنولوجيا ألمانية تشمل تأسيس صندوق بمليارات الدولارات يمكنه إنقاذ الشركات التي تواجه أزمة مالية، ويعمل كبار المسؤولين أيضا على صياغة تغييرات في قواعد التجارة الخارجية لضمان بقاء التكنولوجيات المهمة في أيد ألمانية. ويشمل ذلك مراجعات حكومية للاستحواذات الأجنبية على حصص في شركات أدنى من السقف المسموح به حاليا والبالغ 25 في المئة وتوسيع نطاق أنماط عمليات الشراء التي يتعين فحصها، وشعرت برلين بارتباك شديد بعد استحواذ شركة ميديا الصينية على كوكا للروبوتات في عام 2016 وشراء شركة جيلي الصينية للسيارات حصة 9.7 بالمئة في دايملر في العام الحالي.

وبين المصدر إن الشركات الصينية استكملت 30 عملية استحواذ في ألمانيا في العام الماضي، أي نحو مثلي العدد في عام 2016. وكانت نسبة العروض الصينية 40 بالمئة من 165 مراجعة لخطط استحواذ أجنبية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأضاف ”تثابر الصين على سد فجوات التكنولوجيا والهيمنة على السوق العالمية بتكنولوجيات جديدة. تهتم الشركات الصينية، وبعضها مملوكة للدولة، على وجه الخصوص بالشركات الألمانية التي تملك خبرة معينة والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيات الجديدة والشركات النشطة في مجالات البنية التحتية المهمة“، وكملاذ أخير، تريد الحكومة تأسيس صندوق يمكن أن يساعد الشركات إذا لم تتمكن من العثور على أي مستثمر خاص يحل محل المشتري الصيني المحتمل أو إذا لم تكن ضمانات بنك التنمية المملوك للحكومة (كيه.إف.دبليو) كافية، كما اضاف المصدر ”نتحدث عن مليار يورو يمكن أن تكون متاحة كملاذ أخير“ مضيفا أن هذه الأموال يمكن أيضا استخدامها بشكل استباقي لدعم تطوير الشركات الألمانية لتكنولوجيات مهمة.

من جهة أخرى انتقد وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير بشدة سياسات الرسوم الجمركية والعقوبات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلا إن مثل تلك الإجراءات تدمر الوظائف والنمو وإن أوروبا لن ترضخ للضغوط الأمريكية بشأن إيران، وأوقدت الولايات المتحدة شرارة نزاع تجاري مرير بفرض رسوم على وارداتها لحماية الوظائف الأمريكية من ما وصفه ترامب بالممارسات التجارية غير العادلة من جانب الصين وأوروبا ودول أخرى.

وتمضي إدارة ترامب قدما في عقوبات على إيران تستهدف الشركات الأوروبية التي تعمل مع طهران مما فتح جبهة أخرى في النزاع، وأفاد ألتماير لصحيفة بيلد آم زونتاج ”تبطئ هذه الحرب التجارية النمو الاقتصادي وتدمره - وتخلق أوجه عدم تيقن جديدة“ مضيفا أن المستهلكين هم الأشد معاناة لأن زيادة الرسوم تدفع الأسعار للصعود، وأشاد ألتماير بالاتفاقية التي توصل إليها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر خلال مفاوضاته مع ترامب الشهر الماضي، واوضح إن ذلك الاتفاق المؤقت أنقذ مئات الآلاف من الوظائف في أوروبا.

وهدد ترامب أيضا بفرض رسوم على السيارات الأوروبية المستوردة، لكنه أحجم عن اتخاذ إجراء بعد اجتماعه مع يونكر في البيت الأبيض، وفيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية على إيران، أفاد ألتماير إن ألمانيا وحلفاءها الأوروبيين سيواصلون دعم الشركات التي تعمل مع إيران رغم الضغوط الأمريكية، وتابع ”لن ندع واشنطن تملي علينا مع من نستطيع أن نعمل، لذا سنتمسك باتفاقية فيينا النووية كي لا تستطيع إيران إنتاج أسلحة نووية“، وأضاف أنه يجب السماح للشركات الألمانية بمواصلة الاستثمار في إيران بالقدر الذي تريده، وأن الحكومة الألمانية تبحث عن وسائل مع حلفائها الأوروبيين لضمان استمرارية المعاملات المالية.

أمريكا والمكسيك

تراجعت احتمالات التوصل لاتفاق سريع بين المكسيك والولايات المتحدة بعد تفجر خلافات بشأن الطاقة واستمرار الصراع بشأن السيارات في عملية إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية المعروفة باسم‭ ‬(نافتا)، ويركز المفاوضون الأمريكيون والمكسيكيون منذ استئناف المحادثات الشهر الماضي على التوصل لتفاهم مشترك ولكن اختلاف وجهات النظر بشأن سياسة الطاقة بين الإدارتين المنتهية ولايتها والمقبلة في المكسيك شكل عقبة جديدة، وصرحت ثلاثة مصادر قريبة من المحادثات إن معسكر الرئيس المكسيكي الجديد المنتخب مانويل لوبيز أوبرادور تساوره شكوك بشأن الإبقاء على فتح قطاع النفط والغاز الذي أقرته حكومة الرئيس الحالي إنريكي بينيا نييتو في الاتفاق الجديد، ومن بين النقاط العالقة في المحادثات القواعد الجديدة للمنشأ بالنسبة لصناعة السيارات والتي يأمل المفاوضون الأمريكيون أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج بالمنطقة، وكان الرئيس دونالد ترامب قد أثار عملية إعادة تعديل نافتا قبل عام عندما شكا من أن الاتفاقية التي يبلغ عمرها 24 عاما تفيد المكسيك على حساب العمال والصناعة في الولايات المتحدة.

كما ان الاتفاق الحاصل بين امريكا وكند والمكسيك من المرجح ان يقضي على نافتا، وبينما يتجنب الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك فرض رسوم جمركية، فإنه سيزيد على شركات إنتاج السيارات العالمية صعوبة تصنيع سيارات رخيصة الثمن في المكسيك. كما يهدف الاتفاق إلى خلق مزيد من فرص العمل في الولايات المتحدة، وسيُبقي الاتفاق على آلية لتسوية النزاعات كانت كندا سعت جاهدة للحفاظ عليها من أجل حماية قطاع الأخشاب الكندي وغيره من القطاعات من رسوم مكافحة الإغراق الأمريكية، وفقا لما ذكرته مصادر كندية.

لكن ذلك كان له ثمن، إذ وافقت كندا على السماح للمزارعين المنتجين للألبان في الولايات المتحدة بالوصول إلى نحو 3.5% من سوق الألبان المحلية الكندية البالغة استثماراتها السنوية نحو 16 مليار دولار، كما يشترط الاتفاق نسبة مكونات أعلى في السيارات من إنتاج مناطق في أمريكا الشمالية ودفع أجر لا يقل عن 16 دولارا في الساعة، وهو بند يهدف إلى تحويل الوظائف عن المكسيك.

ووافقت كندا والمكسيك على حصة قدرها 2.6 مليون سيارة ركاب يتم تصديرها للولايات المتحدة في حالة فرض ترامب رسوما جمركية نسبتها 25% على السيارات على أسس تتعلق بالأمن القومي، لكن الاتفاق لم يضع حلا للرسوم الأمريكية على صادرات كندا من الصلب والألومنيوم.

ويرى الكثير من خبراء الاقتصاد بأنه ربما لا تحمل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة نتائج آنية خطيرة، إلا أنها إذا ما استمرت على الوتيرة نفسها، فقد تتسبب بآثار اقتصادية وسياسية عالمية أكبر بكثير من تلك الأحداث، في حين يرى أخرون إن حرب ترامب التجارية ستنتهي بالفشل، سيما اذا قررت الدول الصناعية الأخرى كروسيا والصين تشكيل اتحاد اقتصادي وتجاري، والذي قد يتمدد ليشمل بلداناً أخرى، وهذا الأمر من شأنه أن يضعف أمريكا أيضاً في باقي المجالات السياسية والأمنية والعسكرية ويزعزع مكانتها الدولية في الكثير من مناطق العالم، الا ان البعض يرى عكس ذلك وهو استحالة امكانية حصول اتحاد او تحالف بين الصين والدول الاوروبية سيما بعد محاولة بريطانيا في الانفصال، كما أن صوت الاتحاد الاوروبي ليست بقوة وسطوة الولايات المتحدة الاميركية، فضلاً عن تناغم سياسة الولايات المتحدة مع بعض دول اوروبا التي لاتستطيع ان تغرد خارج سرب الولايات المتحدة الاميركية كالمانيا وفرنسا وهما الاقوى في الاتحاد الاوروبي.

اضف تعليق