q

المقدمة

تشهد الساحة الإسلامية في العراق أحداثا مهمة في محيطها الداخلي والإقليمي وانعكاساتهما على الساحة الدولية، مما يفرض علينا كمعنيين بشأن الحركة الإسلامية أن نضع تصورات ومراجعات نراها جزءا من الواقع الجديد الذي لابد أن يفرض نفسه قبل أن تحدث مضاعفات خطيرة في المستقبل.

من أهم معالم التغيير الذي هو جزء من المراجعة ماحدث في العراق عام 2003. سقوط نظام صدام حسين بالاحتلال الأمريكي للعراق ودخول دول اقليمية مجاورة كلاعب أساسي في المعادلتين الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية، تلك الدول فرضت وجودها من خلال دعمها للجماعات المسلحة فأصبح عنوان دولتين مهمتين هما جمهورية ايران الإسلامية وتبنيها لمشروع مقاومة الاحتلال الامريكي الذي ومن خلاله احتضنت مليشيات مسلحة تُحسب على الشيعة والعنوان الاقليمي الثاني هي المملكة العربية السعودية من خلال احتضانها الجماعات السنية التي تبنت مشروع محاربة الحكومة المنتخبة (الصفوية حسب ادعائاتهم) وأدخلت العراق في حرب طائفية من خلال الفتاوى التكفيرية والمحرضة على الفتنة المذهبية.

وبذلك أصبح العراق ساحة للصراع الإقليمي بين ايران والسعودية من جهة وبين ايران والولايات المتحدة الامريكية من جهة اخرى وكان العراق أرضا وشعبا هو الخاسر الأكبر من ذلك الصراع.

أما فيما يتعلق بآليات بناء او اعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية فقد وقع جميع شركاء العملية السياسية في فخ تقسيم الغنائم والامتيازات وتحول العراق الى محاصصة بين أحزاب سياسية تبنت في مراحل تأسيسها مشروع الدولة الإسلامية او النظرية الإسلامية في بناء الدولة، ثم سرعان ما انقلبت على شعاراتها الداعية الى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين ابناء الوطن الواحد.

العراق في العقد الأول من تغيير النظام الشمولي (2003-2013)

في مقدمة البحث اشرت الى مأساة اولية عانى منها العراق خلال العقد الأول من سقوط نظام صدام حسين الشمولي تلكم هي العمليات الإرهابية وهدر المال العام وانعكاسهما على الواقع الخدمي، مع عدم نسيان ما مر علينا في مرحلة ما قبل العام 2003 حيث نعتبر ضحايا سياسة التمييز والظلم من خلال احصائيات نمر عليها مرور التذكير بها أن غالبية ضحايا النظام السابق ممن نفذت بحقهم أحكام الاعدام الجائرة او قضوا تحت بطش التعذيب كان العنوان الرئيس للتهمة هو الانتساب الى الحركة الإسلامية من خلال (حزب الدعوة الإسلامية في العراق) ولم يسلم من تبعات ذلك ممن يرتبطون برابطة القرابة الى الضحية.

بعد العام 2003 كان التحرك الجماهيري في التصويت وانتخاب ممثليهم في البرلمان العراقي في انتخابات العام 2004 هو لصالح الحركة الإسلامية التي تحالفت مع بعضها تحالفا نفعيا لتحقيق مصالحها المتبادلة والرؤية لم تكن واضحة الى أين ستسير الامور فيما بينهم وهم من كانوا فرقاء الأمس واليوم التقوا على قواسم مشتركة تبينت فيما بعد أنها قواسم المصالح الحزبية والفئوية وسقط الكثير منهم في ملف الفسادين المالي والاداري.

في موازاة الفسادين المالي والاداري كان ملف الارهاب حاضرا بقوة كلف العراق الكثير من أبناءه وطاقاتهم واموالهم وبرزت قيادات وهمية لاتمثل الا مصالحها واجندات اقليمية ودولية في العراق تارة تحت عنوان حقوق اهل السنة في المناطق الغربية وتارة اخرى تحت عناوين الشراكة الوطنية وهم من كانوا سببا في ضياع مقدرات الوطن ووحدته الوطنية.

ونستطيع أن نجمل أهم المشاكل الأساسية في العراق في مرحلة العقد الاول من سقوط نظام صدام حسين:

• الصراع السياسي بين طبقة تقود العملية السياسية في العراق هي متورطة في ملفات الارهاب والفساد.

• عدم وجود قيادة وطنية موحدة تحمل مشروعا وطنيا موجها الى الداخل والخارج

• هدر ثروات الشعب العراقي.

• تعطيل حركة التنمية البشرية ووصولها الى أدني مستويات التخلف الثقافي والفكري.

• بروز طبقة من الأغنياء ممن ارتبطت مصالحهم بالطبقة السياسية الحاكمة وهم جزء من الفسادين المالي والاداري.

• سوء وتردي الخدمات اليومية والملحة.

• الادارة والاعلام في العراق هزيل وفاشل وفق سياقات المهنة وتطور وسائل الادارة والاتصال.

هل انعكس العاملين الإقليمي والدولي على العراق؟

وضعت سؤالا لما بعد النقاط السبعة المتعلقة بأهم مشاكل العراق وهي نقاط مهمة تدخل في جوانب الدولة من حيث الموارد البشرية والاقتصادية (الأمن، الزراعة، التجارة، التربية والتعليم، مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة). وعندما أثير القضية كسؤال فإنني هنا اضع القارئ المعني بالأمر كباحث هو الآخر في محاولة الاجابة قد تكتب تصورات اضافية لبحثي هذا.

أقول نعم لقد انعكس العاملين الإقليمي والدولي في التدخل المباشر والتأثير نتيجة لحالة الانقسام السياسي والاجتماعي وضعف الدولة في مؤسساتها الفاعلة. العاملان الإقليمي والدولي ينطلقان من مصالح تلك الدول وأجندتها المتقاطعة مع مصلحة العراق الوطنية العليا. للأسف تحول العراق الى دولة فاسدة وضعيفة. هنا نسأل من يقود العراق؟ ومنه ندخل في صلب البحث.

ان قيادات العراق من الوسط والجنوب ممن تدعي الانتماء الى الحركة الإسلامية هي المتورط الرئيسي في ملفات الفسادين المالي والاداري.

خلال العقد الاول من سقوط نظام صدام حسين مورس الظلم والتمييز والتهميش بشكل أصبحت الحركة الإسلامية في موضع الهجوم والدعوة الى اسقاطها، بل ان التدين كله اصبح في موضع الاتهام. من هنا نطرح القضية، هل نبدأ حركة تصحيحية من خلال النقد وتقديم البدائل والحلول عن قيادات هزيلة وفاشلة لم تستوعب معنى قيادة دولة مهمة كالعراق؟ ولذلك انعكست السياسة الخاطئة في العلاقة بين المحيطين الاقليمي والدولي.

العامل الإقليمي

• لم تكن هناك سياسة خارجية ثابتة وصريحة وحازمة حيث ابتعاد العراق عن المحيط العربي.

• لم يمتلكوا رؤية واقعية للمحيط العربي لأنهم داخليا لايملكون رؤية واقعية في مفهوم الدولة ومستلزماتها. هناك مشاكل خطيرة يعاني منها العراق منها التصحر والجفاف بسبب مشاريع السدود المقامة من قبل الدولتين الجارتين تركيا وايران. وتأثير ذلك على الزراعة الوطنية.

• العراق أصبح مرتعا لتواجد الجماعات الإرهابية المتطرفة في المناطق الغربية كالموصل والرمادي وتكريت حتى استفحل امرهم باحتلال ثلث مساحة العراق من قبل تلك الجماعات وبإسناد حاضنة طائفية في تلك المناطق تتحمل القيادات العراقية جزءا من المسؤولية.

• حضور العامل الإقليمي المؤثر في تشكيلة الحكومة العراقية بعد الانتخابات البرلمانية كما هو التأثير الإيراني الواضح.

العامل الدولي

• بات مؤثرا حتى في تشكيل الحكومة والبرلمان بعد اجراء الانتخابات وكان هذا التأثير حاضرا بقوة في تشكيلة حكومة العام 2010 من خلال ضغوط الادارة الامريكية عبر سفارتها في العاصمة بغداد.

• العراق لايحظى باحترام الدول وهو قابع في ذيل الدول الراعية للفسادين المالي والاداري.

• لاتوجد في العراق قيادة واحدة يتم مخاطبتها وقد رأينا كيف ان سفراء الدول والشركات الاستثمارية تلتقي بقادة الكتل السياسية وليس الوزراء المعنيين بمشاريع وزاراتهم.

العقد الثاني والعراق الى أين؟

في ظل المعطيات الحالية أجد أن أفضل السبل لإخراج العراق من ازماته أن نقدم مشروعا بديلا عن القيادات الحالية فقد أثبتت انها قيادات مرحلية لما كانت تعرف بالمعارضة وليست قيادات دولة.

اولا/ تقدم ورقة عمل سياسية لحزب سياسي يخرج من رحم الحركة الإسلامية، يتبنى مشروع الدولة الحاكمة وليس السلطة الحزبية الحاكمة.

ثانيا/ القيادات السابقة في الحركة الإسلامية وممن أثبتت فشلها تجبر على التنحي والاستقالة وفق تفاهمات معينة.

ثالثا/ اعداد كوادر الدولة ممن لم يتورطوا في ملفات الارهاب او الفسادين المالي والاداري وتجرى لهم اختبارات في القيادة والادارة.

رابعا/ تبني ورقة عمل منهجية لرؤية وطنية تخص العراق تمثل مشروع العراق الجديد.

خامسا/ ورقة العمل المنهجية في النقطة الرابعة توضع من قبل مفكرين وباحثين في علمي الدولة والاجتماع.

سادسا/ تبني رؤية واقعية لعلاقات العراق اقليميا، عربيا ودوليا.

سابعا/ مراجعة نقدية وموضوعية للعلاقة مع المرجعية الدينية في النجف الأشرف باعتبارها صمام للأمن الوطني والوحدة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي. لقد أثبتت التجربة السياسية وخلال العقد المنصرم بعد سقوط نظام صدام حسين أن الجهة الوحيدة التي ثبتت على موقف واحد عنوانها الحكمة والرؤية الستراتيجية التي لابديل عنها لكل الأزمات التي عانى منها العراق هذه الجهة هي المرجعية العلمية في النجف الأشرف من خلال آية الله السيد علي الحسيني السيستاني.

ان المراجعة النقدية التي أدعوا اليها هنا هي مسك ختام بحثي هذا لتصحيح مسار الحركة الإسلامية في العراق. داعيا جميع المخلصين من أبناء وطني العراق الى التعاضد والتواضع والمساهمة في بلورة هكذا ورقة عمل تخدم المصلحة الوطنية العليا للوطن. الآن وقد حدثت منعطفات مهمة في المحيطين العربي والاقليمي والدولي لابد ان نسأل أنفسنا الحركة الإسلامية في العراق أين هو موقعها؟.

الحركة الإسلامية بين خيارين

ختاما أوجز بحثي هذا بخيارين مهمين لمن يبحث في حقيقة مايعاني منه العراق اليوم ان أردنا صادقين مخلصين تحقيق انجاز ما أشرت اليه الى أهم السبل لإخراج العراق من أزماته المستفحلة:

الخيار الأول/ بقاء الحركة الإسلامية أسيرة جيل لم يقدم مشروع الدولة المدنية المواكبة لتطور العصر وأنظمة الحكم القائمة على مؤسسات مدنية رصينة تعمل بمهنية رصينة.

الخيار الثاني/ التنازل ومراجعة مسار الحركة الإسلامية منذ تأسيسها والى الآن وتحليل محطات الفشل مع التحلي بالشجاعة على اتخاذ قرار اعتزال العمل السياسي.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق