q
أين يكمن الخلل عندما تتبادل الحكومات المتعاقبة أدوارها مع شعبها؟، وتبادل الأدوار يتعلق هنا بالمسؤوليات، ففي الوقت الذي ينبغي فيه على الحكومة أن تقدم العون لجماهيرها، يحدث العكس، وفي الوقت الذي ينتظر المحكومون إجراءات حكومية تحسّن من حياتهم ومعيشتهم، نجد العكس يحصل في العراق، فالناس هنا على قلّة إمكاناتهم وضعف مؤهلتاهم لكنهم لا زالوا حتى اللحظة يقدمون الدروس تلو الدروس المشفوعة بالمناشدات لحكومتهم!، يقابل ذلك إهمال وجحود رسمي بعضه متعمّد وبعضه الآخر ناتج عن الأنانية الحكومية.

أين يكمن الخلل عندما تتبادل الحكومات المتعاقبة أدوارها مع شعبها؟، وتبادل الأدوار يتعلق هنا بالمسؤوليات، ففي الوقت الذي ينبغي فيه على الحكومة أن تقدم العون لجماهيرها، يحدث العكس، وفي الوقت الذي ينتظر المحكومون إجراءات حكومية تحسّن من حياتهم ومعيشتهم، نجد العكس يحصل في العراق، فالناس هنا على قلّة إمكاناتهم وضعف مؤهلتاهم لكنهم لا زالوا حتى اللحظة يقدمون الدروس تلو الدروس المشفوعة بالمناشدات لحكومتهم!، يقابل ذلك إهمال وجحود رسمي بعضه متعمّد وبعضه الآخر ناتج عن الأنانية الحكومية.

وعلى الرغم من اتهام نسبة كبيرة من الجمهرة العراقية بقلة الوعي والفشل في مواكبة التطور العالمي، إلا أنّ العراقيين قدّموا الكثير من الإشارات الدّالة للحكومات التي ساستهم بتعالٍ وبشيء من الاستخفاف، دلّ على أنها ليست جادة في وظيفتها، ولم تحسن التعامل مع الشعب، وكان ولا يزال حتى اللحظة جلّ همّها كيف تجني الفوائد والمنافع المادية والاعتبارية من الوظائف الحكومية التي أُسِّستْ أصلا لتقديم مصالح العراقيين على مصالح الموظفين والمسؤولين.

الدرس الجديد - ولن يكون الأخير- المظاهرات التي جرت هذه الأيام ولا تزال في جنوب ووسط العراق، إنها الدرس المُضاف إلى الدروس السابقة والمختلف عنها كل الاختلاف، في السابق كانت معظم التظاهرات محكومة بصبغة سياسية، أو حزبية، أو تيارية، وحين نراجع سجل المظاهرات بعد 2003، سنلاحظ أن الزخم الأكبر لها ذو طابع سياسي، منها على سبيل المثال (التيار الصدري)، فما أن يطلب السيد مقتدى الصدر من مؤيديه التظاهر ويحدد لهم الزمان والمكان حتى يستجيب الكل وتغص الساحات والشوارع بالمتظاهرين الصدريين، وهي ظاهرة حسنة، لكنها تبقى تحت إرادة شخص القائد الواحد للتيار، في حين أن المظاهرات الصحية هي تلك التي تنطلق بفعل شعور جمعي أفقي يشمل جميع العراقيين.

تظاهرات ذات صبغة شبابية

في هذا الدرس الأخير قدّم العراقيون وخصوصا شريحة الشباب منهم، مظاهرات لم يدعُ لها قائد، أو شخصية سياسية أو دينية، لذلك فإنها نالت صفة وتوصيف (المظاهرات الشعبية) عن جدارة، ولولا مظاهر الشغب المفبركة التي حدثت هنا وهناك، لكانت هذه المظاهرات من أفضل ما قدمه العراقيون على مدى تاريخهم من نشاط احتجاجي ضد الظلم والإهمال.

إن هذه المظاهرات تختلف عن غيرها، بل عن كل ما حدث من موجات تظاهرة تكاد تكون مستمرة على مدى سنوات، وسرّ الاختلاف يكمن فيما يلي:

أولا: إنها ذات أغلبية شبابية طاغية أعمارهم بين 20- 25 سنة.

ثانيا: لا يوجد للأحزاب والشخصيات السياسية مكاناً فيها، ولا أي دور قيادي أو تخطيطي.

ثالثا: لم تكن ذات صبغة عشائرية، أو طائفية، أو فئوية.

رابعا: فضحت الكم المتراكم من الفساد ومن يقف وراءه بقوة ووضوح.

خامسا: أثارت القلق لدى دول الجوار وأجبرتهم على مراقبة أحداثها بدقة، وأجبرتهم على إعادة رسم خرائط تعاملهم.

ساسا: في تصريح نادر أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مساندتها لمطالب المتظاهرين، وإن جاء ذلك متأخرا !!.

سابعا: وجّهت هذه المظاهرات المختلفة صفعة قوية وغير متوقّعة للطبقة السياسية.

ثامنا: دفعت بعض قادة المرحلة للاعتذار من الشعب وهذا لم يحدث في جميع الاحتجاجات السابقة.

تاسعا: شكّلت هذه المظاهرات نقلة نوعية في أسلوب التظاهر، من حيث عفوية الانطلاق، والسعة، والإيمان، والإصرار على استعادة الحقوق.

وطبقا لقانون الفعل ورد الفعل، فإننا نتوقع أن يكون هناك رد فعل رسمي يرتفع إلى المستوى الجيد لهذه المظاهرات - إذا عزلنا الأحداث المفتعلة التي أخرجتها عن طابعها السلمي-، فالمتأمّل من الحكومة خصوصا، والطبقة السياسية (الأحزاب والكتل والشخصيات) عموما، أن تنزع جلدها القديم وتغيّر جوهرها كليا، ونعني بذلك تغيّر أساليب الإدارة والتعاطي مع ملفات الفساد والخدمات واستقلالية القرار السياسي، والصناعة والزراعة، والملفات السيادية، والتعامل بندّية كاملة مع الدول المجاورة والإقليمية من خلال تعضيد الشعور الوطني لدى المسؤول والمواطن.

هل سيكون التعاطي الحكومي مناسباً؟

إن هذا الدرس الجماهيري لن يكون الوحيد، ولا الأخير بل ما هو إلا بداية لمرحلة جديدة على طريق استرداد الحقوق وحمايتها، أما الحكومة والطبقة السياسية فالمطلوب منها أن تدرس هذه المظاهرات بدقة وتأنٍ، وأن تستوعب هذا الدرس الكبير والمختلف حتى يمكنها أن ترتفع إلى مستواه، وتستخلص منه ما يرفع من مستواها في الأداء والحكمة والشعور الوطني، والقدرة على بناء دولة العدالة ذات الجذور المتأصلة في أرض العراق المعطاء، ولا نظن أن هذا النوع من الدروس الكبيرة قابل للتجاهل أو الازدراء أو الإهمال، إلا في حالة واحدة إذا جازفت الطبقة السياسية الحالية بـ حاضرها ومستقبلها.

وهل يُعقل أن هناك سياسي واحد في العالم أجمع مستعد لمثل هذه الخسارة، لاسيما إذا عرفنا أن السياسة مهنة يحكمها النجاح في الحاضر والمستقبل، حالها حال أية مهنة أخرى يطمح حاملها إلى التطوير والتميز، وهذا هو السياق الصحيح لما يتحكم بالأفعال ونتائجها، فمن يكون حريصا ذكيا متفوقا يضمن المكانة اللائقة ومركز النجاح والتفوق ويصح العكس، من هنا نتوقع تعاطيا حكوميا مختلفا مع هذا الدرس (المظاهرات الحالية)، ولا نتوقع أن يمر كسواه مرور الكرام، أي يمضي خلسةً دون اهتمام مع إهمال تام.

الإهمال ليس في صالح الحكومة بعد الآن، وليس في صالح الأحزاب، ولا الكتل السياسية، الكرة الآن أصبحت في ملعبها تماما، فأما استيعاب الدرس بذكاء وحرص ووطنية لا يشوبها أي نقص، وإظهار هذا الاستيعاب والاستعداد المختلف من خلال نتائج مختلفة يدعمها الواقع الفعلي، أو ترك الأمور على الغارب، والعودة إلى أساليب التجاهل والإهمال وترك الأنانية الحزبية والفردية تتصدر المشهد السياسي، حينها ستأتي النتائج بما لا يحمد عقباه.

وكل عراقي، مواطنا كان أو مسؤولا، ينبغي أن لا يتمنى ولا يسمح للأمور بالتقهقر إلى الوراء، وإذا كانت الجماهير قد قامت بما عليها بشكل عفوي لم تخترقه مآرب مريبة، وقدمت درسها للطبقة السياسية على طبق من فضة، فما على المسؤولين الساسة وغيرهم، إلا أن يستوعبوا ذلك برويّة وحرص، ويقدمون النتائج المناسبة للشعب على طبق من ذهب.

اضف تعليق