q
بات مصطلح \"الذكاء الاصطناعي\" كثير الاستخدام هذه الأيام، لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من أنه قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر، رغم أن الواقع ما يزال بعيدا جدا عن الاقتراب من هذا التصور، فما الذكاء الاصطناعي؟ وما أبرز مظاهره؟ وإلى أين وصل تطوره؟...

بات مصطلح "الذكاء الاصطناعي" كثير الاستخدام هذه الأيام، لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من أنه قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر، رغم أن الواقع ما يزال بعيدا جدا عن الاقتراب من هذا التصور، فما الذكاء الاصطناعي؟ وما أبرز مظاهره؟ وإلى أين وصل تطوره؟

يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، كما أنه اسم لحقل أكاديمي يعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي، ويعرف كبار الباحثين الذكاء الاصطناعي بأنه "دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها"، في حين يعرفه جون مكارثي -الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955- بأنه "علم وهندسة صنع آلات ذكية".

وخلال السنوات الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، وتعد تقنية "التعلم العميق" أبرز مظاهره، وهي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، أي أنها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان، وأثبتت تقنية "التعلم العميق" قدرتها على التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة من لغة إلى أخرى، وغير ذلك من القدرات التي أغرت الشركات الأميركية في وادي السليكون، وتحديدا فيسبوك وكوكل، على الاستثمار وتكثيف الأبحاث فيها، متجاهلين تحذيرات من أن تطور الذكاء الاصطناعي قد يهدد البشرية.

فلقد شهد عام 2017 جدلا واسعا فيما يتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعي، سواء على مستوى القفزات التقنية والعلمية، التمويلات الضخمة والمنتجات التطبيقية الجديدة التي ظهرت في الأسواق، أو على مستوى الانتقادات المتعلقة بعدم وضوح رؤية الخبراء والمتابعين للخطط المستقبلية للشركات، واحتكارها لتطوير هذه التقنية مما يؤدي لعدم توجيه الدعم لأي من الشركات الناشئة إلّا عن طريق الاستحواذ عليها، أو حتى على مستوى الانتقادات المتعلقة بمستقبل هذه التقنية والتخوف الذي يشعر به عدد من الخبراء والعلماء أمثال: إيلون ماسك و ستيفن هوكينج.

وقد أدى استغلال الذكاء الاصطناعي في الهواتف الذكية وتطبيقاتها إلى انتشار الحديث عن هذه التقنية، وتداول أخبارها بين المستخدمين فضلًا عن الخبراء، فشركة آبل على سبيل المثال استخدمت الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات التعرف على الأوجه التي نتج عنها تطبيق Animoji في هاتف آيفون إكس، كما قامت كوكل بتزويد كاميرا هواتفها الجديدة بتقنية جديدة تعتمد أيضًا على الذكاء الاصطناعي، الأمر نفسه مع شركة هواوي التي أضافت أول شريحة للذكاء الاصطناعي في هاتف Mate 10.

بالإضافة إلى ما سبق، ظهرت بعض التطبيقات الأخرى التي تشير إلى مستقبل منافسة الذكاء الاصطناعي للذكاء البشري. من بينها وأكثرها إثارةً للجدل تطبيق Alpha Go المطوّر بواسطة شركة Deep Mind المملوكة لشركة كوكل والمتخصص في لعبة Go، واستطاع هزيمة أفضل لاعبيها على مستوى العالم، الكوري الجنوبي “كي جاي”، وتعكف الشركة حاليا على تطوير التطبيق لمنافسة البشر في مجموعة جديدة من الألعاب.

وعلى صعيد الروبوتات المنزلية المتمتعة بالذكاء الاصطناعي، ظهرت مجموعة من النماذج التي طورتها بعض الشركات مثل: ال جي وسوني، وضح من خلالها مستقبل تطوير هذه التقنية لخدمة الأفراد أكثر من كونها قد قدمت حلولا فعلية يمكن الاعتماد عليها حاليًا، أمّا باقي الروبوتات المنزلية التي ظهرت خلال العام فلم تكن سوى مجسمات لطيفة تعتمد في النهاية على المساعدات الافتراضية التي احتلت قمتها سماعات كوكل هوم وعائلتها، وعائلة سماعات إيكو من أمازون.

كما شهد عام 2017 محاولات عدة للدمج بين الروبوتات الميكانيكية والذكاء الاصطناعي قامت بها مجموعة من الشركات مثل: أمازون و أوكادو وغيرها، والتي تعكف على تطوير روبوتات قادرة على العمل في المخازن والمصانع بكفاءة ميكانيكية ديناميكية عالية، وبذكاء قادر على مواجهة التحديات التي تواجه البشر خلال عملهم المماثل.

من جهة أخرى طرح جون كريان، الرئيس التنفيذي لـ"دويتشه بنك" ذات مرة، فكرة استبدال الروبوت بنصف موظفيه البالغ عددهم 98 ألفا، والقرار العجيب الذي اتخذه المصرف العملاق بفصل كريان يعني أنه لن يطلب منه الوفاء بهذا الوعد، إلا أن المستثمرين لا يحتاجون إلى البحث طويلا عن مصرفيين آخرين يتحدثون عن إمكانات الذكاء الاصطناعي، من أجل إحداث ثورة في صناعة تعاني مشاكل في الربحية، في العقد الذي انقضى منذ الأزمة المالية.

كما تنبأ رئيس "سيتي جروب" السابق فيكرام بانديت - ولد من جديد كمبشر في مجال التكنولوجيا المالية - بأن الذكاء الاصطناعي سوف يقضي على 30 في المائة من الوظائف المصرفية في غضون خمس سنوات، في حين ذكرت مجموعة ميزوهو المالية في اليابان إنها ستستخدم الذكاء الاصطناعي ليحل محل 19 ألف شخص، أي نحو ثلث قوتها العاملة، بحلول عام 2027، وقد نشرت كل شركة استشارية كبيرة أبحاثا حول الكيفية التي سيعمل بها الذكاء الاصطناعي على تغيير طبيعة الأعمال المصرفية.

ويوجد لدى UBS مساعد أليكسا الرقمي من شركة أمازون في خدمة العملاء، ويستخدم بنك جيه بي مورجان الروبوتات (من النوع غير المرئي) لتنفيذ التداولات، ولدى بنك مورجان ستانلي فريق لكشف الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما إن بنك إتش إس بي سي سوف يحذو حذو المصارف الأخرى من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، للكشف عن غسيل الأموال والاحتيال وتمويل الإرهاب.

ويرى خيروين فان أويرل، وهو مستثمر يدير واحدا من أوائل الصناديق التي تركز على التكنولوجيا المالية في أوروبا لشركة "روبيكو" ومقرها في هولندا، أنه على المدى الطويل، أعتقد أن مستوى الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، سيكون هو الحد الفاصل بين الفائزين والخاسرين، من أجل أن يبقى لك دور مهم في المستقبل، أنت تحتاج إلى أعمال إدارية ذات كفاءة، علاوة على ذلك، يجب أن تكون قادرا على تصميم المنتجات لتناسب متطلبات معينة، إن لم يكن بإمكانك تقديم هذا النوع من الخدمات في المستقبل، سيوفرها منافس آخر وستخسر.

اضف تعليق