q
ان تفشي الفساد في المراكز العليا لصنع القرار السياسي والاقتصادي، أفقد رجال الأعمال والمدخرين الثقة بالعملة الوطنية، خشية التلاعب بها لمصلحة القطاعات الاقتصادية النافذة، وتحديدا الحرس الثوري، ما جعل القطاع الأكبر من الإيرانيين يحول مدخراته إلى دولارات أو ذهب لتفادي تراجع مستوى معيشته...

يمر الاقتصاد الإيراني بفترات من الصعود والهبوط بدأت مع فرض عقوبات اقتصادية على الدولة من قبل الاتحاد الأوروبى وأمريكا بسبب برنامجها النووي، حتى تم عقد اتفاق عام 2015 بين أمريكا وعدد من الدول الأوروبية وحكومة إيران التي تعهدت بموجب الاتفاق برفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني مقابل تفكيك طهران لبرنامجها النووي.

ودخلت الخطة حيز التنفيذ في 2016 تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأدى ذلك إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران والمتعلقة بتطوير الطاقة النووية، بما في ذلك العقوبات المتعلقة بالمعاملات المالية والتجارة والطاقة وكجزء من الاتفاق، تم الإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات من أصول إيران المالية المجمدة. وبعد أشهر من تنفيذ القرار يبدو أن الأمر لم يتغير كثيرا، لم تحقق رهانات إيران فى الاندماج الاقتصادي، أو فى خلق قوى اقتصادية صاعدة فى المنطقة، كما لم تنجح طموحات المنطقة في خلق انتعاش وجذب استثمارات أجنبية للبلاد ولم ينتج عن ذلك حتى انتعاش جزئي.

كما أن نجاح دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية ورفضه الاتفاق النووي الذي وقعه أوباما، هدد فكرة انفتاح الاقتصاد الايراني مع فرض عقوبات جديدة مع تجربة أول صاروخ باليستي تطلقه إيران، وواجهت إيران بالفعل أزمة اقتصادية بعد أشهر من رفع العقوبات عليها وتمثلت هذه الأزمة فى عدم وجود خطة واضحة لما بعد الاتفاق فى القوانين أو النظام المصرفي، إضافة إلى عدم اقناع المستثمرين والبنوك الغربية استئناف انشطتهم الطبيعة وضخ استثمارات جديدة فى ايران.

وأدى ذلك إلى تراجع الريال الايراني بشكل واضح مقابل الدولار الأمريكي، وتأثرت العملة الايرانية بتصريحات ترامب بوقفه الاتفاق النووي. كما سجل معدل البطالة ارتفاعا ملحوظا فوصل فى البعض المناطق إلى 60%، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وتزايد معدل التضخم، ومع مواصلة انهيار العملية الإيرانية، وهبوط الريال إلى أدنى مستوياته على الإطلاق بفعل مخاوف من عودة العقوبات عليها، وحدت طهران بين سعر الصرف الرسمي للعملة وسعرها في السوق الموازية. وتواجه إيران حالياً أزمة دولارات حقيقية، رغم أن الحكومة تقول عكس ذلك، ولكن الواقع يشير إلى أن هناك شحا شديدا في الدولارات المتاحة للمشترين، حيث انهارت العملة في السوق الموازي إلى 60 ألف ريال مقابل الدولار، ولم يحصل المواطنون على الدولارات في محلات الصرافة أو في المصارف.

وقد اتخذت إيران خطوات جذرية لضبط سعر صرف الريال الإيراني في مقابل الدولار، في مسعى لوقف تدهوره، وتسعى ايران لتوسيع تحركاتها نحو تحصين الاقتصاد، عبر خلق بدائل في مختلف المجالات مع شركائها الرئيسيين القدامى أو شركاء جدد، لتفادي تداعيات العقوبات المحتملة، حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، اذ تراجع الريال على عدة مرات في الأسابيع الأخيرة، ليبلغ 58650 مقابل الدولار عند إقفال المعاملات المالية، مع تزايد الغموض بشأن مستقبل الاتفاق النووي. ويؤكد البعض وجود مجموعة من الأسباب تتراكم منذ فترة طويلة، لكنها تسارعت في الآونة الأخيرة، وستزداد تسارعا في الأشهر المقبلة بحيث سيفقد الريال الإيراني مزيدا من قيمته، مشيرين إلى أنه بصفة عامة الحصار الاقتصادي لسنوات أنهك بنية الاقتصاد الإيراني، فإذا أخذ في الاعتبار أن البنية الأساسية للاقتصاد الوطني بنية تقليدية تعتمد على تصدير النفط والغاز، فيمكن الفهم أن هيكل الاقتصاد الإيراني أصيب بتشوهات متعددة نتيجة عدم قدرته على التفاعل مع الاقتصاد العالمي.

وذكروا أن تفشي الفساد في المراكز العليا لصنع القرار السياسي والاقتصادي، أفقد رجال الأعمال والمدخرين الثقة بالعملة الوطنية، خشية التلاعب بها لمصلحة القطاعات الاقتصادية النافذة، وتحديدا الحرس الثوري، ما جعل القطاع الأكبر من الإيرانيين يحول مدخراته إلى دولارات أو ذهب لتفادي تراجع مستوى معيشته.

اضف تعليق