q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

شروط التقدم الاجتماعي

من قاموس الامام الشيرازي

شغل تخلف المجتمعات المسلمة وتقدمها حيزا واسعا من اهتمامات المفكرين وعلماء الدين منذ عقود طويلة، وهم ينظرون الى تجارب مجتمعات اخرى، قطعت اشواطا متقدمة في تقدمها على اكثر من صعيد.

توحي كلمة التقدم بدلات ومعان كثيرة على أكثر من مستوى، لغوي واصطلاحي، زماني ومكاني، وتستبطن ايضا كثيرا من مفاهيم التميز والارتقاء في كل نواحي الحياة.

يعني «التقدم» قطع مسافة نحو الأمام أكبر من تلك المسافة التى قطعها الغير.

ويرتبط «التقدم» بالكثير من الاعتبارات المتعلقة بالإنسان ووجوده في هذا الكون بشكل جوهري، وأن كل ما يرتبط برفاهية الإنسان وحقوقه الوجودية على المستوى المادي والروحي والفكري يمكن حسابه ضمن عوامل التقدم.

وهو يرتبط ايضا بالمحصلة النهائية، بالشروط الإنسانية الواجبة لفكرة الاقتراب من المستقبل، فكلما اقتربت الجماعة الإنسانية – في أي مكان – من المستقبل استحقت أن توصف بأنها متقدمة.

لا يمكن أن يتحقق التقدم الى الامام إلا بشرطين: الشرط الأول أن تكون هناك شكوى عادلة من الواقع الراهن، وما ينتج عن ذلك بالضرورة من الرغبة والإرادة لتغيير هذا الواقع السيئ والمسيء. والشرط الآخر، أن يتم التغيير على مستوى شامل متكامل فيكون التقدم على كل جوانب الحياة في المجتمع.

تنبه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) الى ثنائية التخلف الذي يعيشه عالمنا الاسلامي، وشروط التقدم الناجزة التي يجب الالتفات اليها والاخذ بها، للحاق بركب الامم والمجتمعات المتقدمة.

من تلك الشروط التي يجب الاخذ بها:

1 - (الهدوء والتوازن الفكري والعملي للإنسان، لأن القلق والهياج يجعل منهُ عضواً فاسداً، وهذا سوف ينعكس على الاجتماع الذي ينتمي إليهِ).

والتوازن ليس هو فقط قولَ الصواب ولا فعلَه، ولا هو الاقتصار على الحق وترك الباطل.

وهو ايضا القدرة على عدم الانسياق الجارف لضغوط الواقع، والقدرة على مقاومة ردات الفعل لكي لا تكون في ردتها مساوية للفعل الذي تُضاده في القوة والمقدار، والقدرة على ضبط النفس وانفعالاتها بواجبات العقل ومقتضيات الرأي.

وهو ايضا الاعتدال في الصواب والخطأ. وهو اخيرا، حالةٌ (أو مَلَكةٌ) تحمي صاحبها من التطرف في الرأي والفعل، وتقربه من الحق والصواب، فإن لم يصبه، لم يبتعد عنه.

2 - (الصبر في المشاكل، لأن الصبر سمة ضرورية لحفظ النظام وعدم التعجل في اتخاذ القرارات، وهذهِ السمة ضرورية لاسيما لمن يمسك بالسلطة).

الصبر في المفهوم العام ببساطة هو الحبس والمنع، وهو حبس النفس عن الجزع، وهو حالة من القدرة على التحمل في ظل ظروف صعبة، والتي يمكن أن تعني المثابرة في مواجهة الاستفزاز.

والصبر هو الصمود المستمر على الأشياء المؤلمة نفسياً وتحملها بروح عالية ونفس طيبة دون إظهار ملامح الاستياء والانفعال على الوجه بحيث لا تكون مرئية أو محسوسة من قبل الاخرين وهو واجب عند المصائب. واثبت العلم الحديث ان للصبر فوائد جمة.

في علم النفس التطوري وفي علم الأعصاب المعرفي، عُرف الصبر على أنه اتخاذ القرارات تجاه المشكلة، التي تنطوي على اختيار مكافأة صغيرة في الأجل القصير، أو مكافأة أكثر قيمة على المدى الطويل. عندما يطرح هذا الاختيار على الإنسان، وجميع الحيوانات، وجد أنهم جميعاً يميلون إلى تفضيل المكافآت على المدى القصير على مكافآت على المدى الطويل. هذا على الرغم من الفوائد في كثير من الأحيان تكون أكبر في المكافآت المرتبطة بالمدى الطويل.

3 - (الانضباط في العمل والتفاؤل ورفع المستحيل).

الانضباط هو السمة الأولى التي تقوم عليها حياة الانسان العملية، فبدون هذا الانضباط لا يمكن للمرء ان يحقق أي نجاح يذكر في حياته.

والانضباط هو ضبط النفس او السيطرة كما جاء في الأثر الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، وقمع الذات يمثل الخطوة الأولى والاخيرة لتحقيق النجاح في الحياة، لأن التراجع والتهاون والتسويف من سمات الانسان الاساسية، فترك النفس على هواها عمل مريح ومربح على المدى القصير.

4 - (التخطيط السليم).

التخطيط يزيد من قيمة حياتنا ويجعلنا نسيطر على تقدمها كما يكسبنا الحرية في اختياراتنا. وبالتخطيط نستطيع اختيار النتائج التي نريدها والأعمال التي تجعل تحقيق هذه النتائج أكثر احتمالا.

5 - التواضع فمن تواضع ابتعد عن القسوة وتقبل الآخرين.

والتواضع من مكارم الاخلاق التي دعا لها الاسلام وحث عليها، ويعرف التواضع بانه انكسار للنفس يمنعها من ان يرى لذاتها مزية على الغير وتلزمه افعال واقوال موجبة لاستعظام الغير واكرامه، وفي قبال هذا الخلق الحسن هناك رذيلتان تقابلاه من جهة الافراط والتفريط وهي الكبر والذلة ويكفي لذم الكبر انه ورد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه قد لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ويكفي لذم الذلة انه ورد عنهم (عليهم السلام) ان الله عز وجل فوض الى المؤمن اموره كلها ولم يفوض اليه ان يكون ذليلا.

وبالتواضع يصل الانسان الى المراتب العليا لان حاله الانكسار التي يعيشها المتواضع تدفعه الى المزيد من العمل وبالتالي المزيد من العطاء بخلاف من يستعظم نفسه فانه مدعاة للتوقف عن العمل بل والتراجع والقهقر.

ومن الشروط الاخرى لاحراز التقدم التي يؤكد عليها الامام الشيرازي (قدس سره):

(- اغتنام الفرص وعدم إضاعتها سواء للفرد أو للجماعة

 - تقبل النقد واجتناب الغرور في القول والفعل

 - الواقعية في النظر إلى الأشياء، لأن من يتجاهل الواقع لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام

 - معرفة الناس، لوضع كل إنسان في الموضع المناسب لهُ، ومعاملته بما يليق وإزالة كل سبب يدعو إلى تململ الناس وعدم ارتباطهم

 - الابتعاد عن كل ما يثبط الهمم ويخلق التشاؤم لدى الناس

 - إن القدرة هي أمانة في ذمة الإنسان لا يحق لهُ تبذيرها أو تجميدها بأي صورة كانت، بل اللازم عليهِ تنميتها وتطويرها حسب موازين كل قدرة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو علمية

 - امتلاك الإنسان لفكر متكامل يجعلهِ متبصراً بالعواقب، مدركاً للأهداف، حازما، لا يتردد في العمل

 - الإرادة الصلبة في الوصول إلى الأهداف، تلك الإرادة التي تسمح بخلق منافذ عديدة لبلوغ الغايات).

 

اضف تعليق