q
مستقبل فكر وقيم وسلوكيات أمة ما أو مجموعة من الناس في ظل سيطرة التكنولوجيا الرقمية على ملامح الحياة العامة في أغلب دول العالم ومنها البلدان العربية والإسلامية خصوصا، مع إفراز التكنولوجيا الرقمية على مجالات مختلفة، ومنها سيادة المجتمع الشبكي بالعنوان الإفتراضي، هل هذا التطور الرقمي والشبكي إيجابي...

يتساءل الكثير منا حول مستقبل فكر وقيم وسلوكيات أمة ما أو مجموعة من الناس في ظل سيطرة التكنولوجيا الرقمية على ملامح الحياة العامة في أغلب دول العالم ومنها البلدان العربية والإسلامية خصوصا، مع إفراز التكنولوجيا الرقمية على مجالات مختلفة، ومنها سيادة المجتمع الشبكي بالعنوان الإفتراضي، هل هذا التطور الرقمي والشبكي إيجابي؟، ما حدوده على البلدان العربية والإسلامية؟

ملامح العصر الرقمي الجديد

بدأت ملامح العصر الرقمي تهمين على أغلب مجالات الحياة الإنسانية مع التقدم العلمي والتطور الذي أنتجه العقل الغربي منذ الإنتقال من الثورة الصناعية التقليدية (التي ظهرت في القرن التاسع عشر ثم نضجت في القرن العشرين)، إلى مسارات جديدة في العمل الإبداعي، أي الإنتقال من العمل المركزي العمودي إلى العمل الأفقي، وهو ما تمثل مع ما عرف بالثورة الصناعية الثالثة، التي ساهمت بتقدم تكنولوجي علمي وعالمي، بعد أن تم إختراع وسائل إتصالية رقمية جديدة غيرت من الوظائف التقليدية للوسائل القديمة وأوجدت لها وظائف جديدة، إضافةً إلى التجوال والبحث المتواصل للترفيع في سعة الخدمات الإتصالية، وتنامي ذكاء الشبكات الرقمية.

يرافق ذلك زيادة هائلة من قبل المستخدمين مع تدني كلفة التجهيزات بالنسبة إلى سعتها، وتقريب الخدمات الذكية من المستعمل من خلال ضمان سهولة إستعمالها، وتطوير محتواها، حيث بات العالم يعيش زمن السيارات الذكية، والمدن الذكية، والحاسبات ووسائل الإتصال الذكية، والربورتات الذكية وغيرها، أي أن العالم اليوم يعيش في زمن أصبحت الخدمات والمنتجات، والصناعات بكاملها تستعمل على نحو متزايد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل مبتكر.

من التقانة الشبكية إلى المجتمع الشبكي

يرتبط مجتمع الشبكة بكوكبة من التحليلات والنظريات التي أنشأت في ثمانينيات القرن العشرين تحت شعار (ما بعد الفوردية)، ومصطلح الشبكة تمت إستعارته من بين مصطلحات عديدة مثل الشبكية، والويب، والإنترنت، والمصفوفة، ووسائط التواصل الإجتماعي، وكان الغرض من توليدها التشديد على منطق الترابط اللامركزي، والمتشعب، الذي يعكس جوهر الشبكة، حيث تشير هذه المصطلحات إلى تجميع لجهد متعدد للتعبير عن روح المميزة لكل ما يلبي تحقيق البنى العمودية والأفقية بصورة عصرانية في الغرب، ففي العالم الغربي كان عصر الحداثة من بين أشياء أخرى عصرا للتقانة التصنيعية، وللإنقسامات الطبقية، والمجتمعات الجماهيرية، والأسواق إلى جانب الصراع الإيديولوجي، وتنظيم السلطة السياسية على مستوى رقعة الترابية للدولة القومية ذات السيادة، من رأي (دارن بارني) صاحب كتاب (المجتمع الشبكي) المذكور، نصل إلى إستنتاج أن التقانة الشبكية أنتجت مجتمعا شبكيا وهذا المجتمع أصبح سمة أساس من سمات العقود الأخيرة من القرن الواحد والعشرين وتحديدا في فترة الألفية الثالثة.

والسؤال الأبرز هل جماهير المجتمع الشبكي بوسائله المختلفة (الحاسوب، الإنترنت، الفيسبوك، تويتر، إنستغرام، اليوتيوب، وغيرهم) يؤثر ويتأثر أم تتحدد بقيم الهوية الوطنية والقيم الخاصة بكل مجتمع.

الفكر والمجتمع الشبكي.. من يؤثر في من؟

هناك دراسات إجتماعية تناولت حجم التأثير المتباين للمجتمع الشبكي على مستوى العالم المتقدم في ما بينه أو كمعطى مؤثر من العالم المتقدم على مجالات العالم الثالث السياسية والإجتماعية والإقتصادية، والدينية، فقد ذهب تورين، وهربرت، وماركيوز، وجاك لول في دراستهم حول تأثير المجتمع الشبكي على الغربي نفسه إلى أن النزعة ما بعد الصناعية تبشر بمجتمعٍ مبرمج أو (أحادي البعد) من شأنه تعميق إستلاب الرأسمالية، حيث تصبح حياة الإنسان معرضة للهيمنة والإستغلال غير العقلاني تحت قناع تقنية عقلانية موضوعية.

وفي سياق مقارب كشف إستطلاع للرأي أجراه معهد (بيو) في الفترة الأخيرة، عن أن أكثر من 70 في المائة من الأميركيين يساورهم القلق إزاء تأثير المكينة والريبورت على الوظائف، بينما قال 21 في المائة فقط من المشاركين في إستطلاع أجراه كوارتز أنهم يثقون في قدرة الفيسبوك على الحفاظ على معلوماتهم الشخصية. غير أن مجموعة أخرى من الآراء تحدت النظرية هذه، إذ اعتبر ستيفن كوهن، وجون زيسمان في كتابهما حول مسائل التصنيع، إن ما يسمى ما بعد الصناعية التقليدية تشير إلى إيديولوجيا لا إلى واقع إقتصادي.

وباختصار وفقا لهؤلاء النقاد يرون أن هناك تحول إجتماعي، وإقتصادي يجري لكنه لم يكن تحولا من الصناعة إلى الخدمات أو المعرفة بل كان ببساطة إنتقالا من صنف من المجتمعات إلى صنف آخر، وفيما يخص المجتمعات في دول العالم الثالث ومن ضمنه البلدان العربية والإسلامية هناك رأيين: أحداهما ينظر إلى التكنولوجيا الرقمية بكل تشعباتها بإيجابية ويعدها أداة عصرية للالتحاق بركب الدول الصناعية المتقدمة، وأن هذه التكنولوجيا ساهمت بارتفاع معدلات الثقافة، ونمو الفكر المتموج من ظلال عصر العولمة.

كما أنها أدت في الوقت نفسه إلى عزوف شرائح المجتمع العربي والإسلامي لاسيما الشباب منه عن القراءة الكتابة المتعارفة والإنصراف إلى التكنولوجيا الرقمية من حواسيب وهواتف ذكية، ويرى مهتمون بالشأن الثقافي جانبا إيجابيا يتمثل في أن وسائل التكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي، ولا سيما الفيسبوك، والإنستغرام، وتويتر في بلدان الخليج العربية والعراق ومصر ودول المغرب العربي، ساهمت في غرس مفهوم القراءة بشكل غير مباشر لدى الشباب لأن هناك توجها كبيرا من قبل نخب الكتاب في نشر أفكارها وقيمها ومثلها (كتب، مقالات..) عبر منظومات الشبكة الرقمية.

اما التوجه الثاني فيتسم بالمحافظة ويرى أن التكنولوجيا الشبكية هي غزو فكري وتأثير من قبل قوى وشركات غير إسلامية على القيم والسلوكيات الإسلامية، وتصنف التكنولوجيا الشبكية على حد وصف هذا الإتجاه من أنواع الحرب الناعمة، بالرغم من أن أغلب أقطاب هذا الإتجاه وظف مختلف أنواع التكنولوجيا الرقمية والشبكية من الحواسيب ووسائط التواصل الاجتماعي (تويتر، واليوتيوب، والفيسبوك) في مشاريع منها يتعلق بإثارة الرأي العام الشعبي ضد الأنظمة الإستبدادية العربية أو في حملات الدعاية الإنتخابية واستعمل الحد الثاني من قبل الشرائح المجتمعية الواعية في نقد سوء إدارة الدولة من قبل الأحزاب الإسلامية، وأخرى تتعلق بتوظيف وتجييش مقاتلين من مختلف العالم لعمليات إرهابية في اطار حرب الجماعات التكفيرية ضد الآخر المختلف فكريا وحضاريا ودينيا.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق