q

لقد شهد العراق بعد عام 2003م انفتاحا واضحا على تكنولوجيا المعلومات، بعد حرمانه منها لسنوات طويلة، فأقبل عليها الناس وخاصة الشباب متلهفين، حتى يكاد لا يخلو بيت من احد هذه الاجهزة المتطورة او بعضها او جميعها أحيانا، مثل اجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وغيرها مما يدخل في استخدام الشبكة العنكبوتية.. الانترنت.

وكلنا نتفق على أن لكل شيء في هذه الحياة ايجابيات وسلبيات، فمن أهم مميزات الانترنت انه أصبح أساسا في حياة الشعوب، وجعل العالم كقرية صغيرة يعيش فيها جميع سكان الارض، كونه ساعد على انتشار الثقافات المختلفة للشعوب والمجتمعات، وساعد على المعرفة، وصار الانسان يجد فيه ما يحتاجه ويتعلم من خلاله الخبرة في جميع مجالات الحياة، ولكن اصبح البعض (وربما الغالبية) يستخدم النت سلبا، فلو نظرنا الى بعض الشباب، سوف نلاحظ أن المقاهي قد غصّت بهم، وصار شغلهم الشاغل هو الانترنت (وما يرافق ذلك من عادات اخرى مضرة بالصحة)، وبات الليل عندهم قياما والنهار نياما، وقد غيروا حياتهم سلبا، لسبب واضح يؤكده الخبراء بعلم الاجتماع وعلم النفس، إذ يقول المختصون إن من اهم آثار السلبية للنت ولاسيما -مواقع التواصل الاجتماعي- على المجتمع والشباب بالخصوص، هو ظاهرة الادمان على الانترنيت، والعزلة عن الاخرين، وضعف التواصل الاجتماعي الواقعي اليومي مع الاسرة.

الإنترنيت يسرق الرجال من عائلاتهم

وكانت لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) جولة كي تستطلع بعض الآراء عن هذه الظاهرة او هذا الموضوع، وكانت محطتنا الاولى مع السيدة (منى)، فأجابت قائلة بهذا الخصوص: ان زوجها يستخدم الموبايل لأوقات طويلة، وعندما يتكلم الاولاد معه ﻻ يسمع ما قالوه له، ودائما نراه عصبيا ومتوترا، وهذا ينعكس على وضع الاطفال ونفسياتهم ويجعلهم في حالة قلق، لا يركزون فيها على دراستهم، واشعر انهم لا يعيشون طفولتهم كما يجب، كذلك ينعكس هذا على نفسيتي ومع ذلك أنا عاجزة عن الحل!.

اما السيدة (حوراء) فقد أكدت في جوابها عن سؤالنا حول آثار استخدام الانترنيت، بأن زوجها منعزل عنهم تماما، ولا يسمح لأولاده أن يلعبوا معه، أو حتى مع بعضهم، وﻻ يريد ان يتكلم معه أي فرد من العائلة، لأنه مشغول بالموبايل والانترنيت، والحقيقة لا نستطيع ان نمنعه او حتى نناقشه في هذا الامر، كونه لا يسمح بذلك لأحد، فأبقى أعيش معاناتي الخاصة ومعاناة اطفالي من هذه الحالة التي أعجز عن تقبّلها أو رفضها.

ما علاقة الموبايل بالحمّام؟

محطتنا الاخرى كانت عند السيدة (زينب) التي أفصحت عن ملاحظات فيها بعض الغرابة عن الآراء السابقة، فقد قالت عن زوجها أنه يعيش عالما خاصا مع الانترنيت، وكأنه ينعزل عن الواقع تماما، وتضيف السيدة نفسها عن زوجها، أنه يتعامل مع الموبايل وكأنه شخص يجلس قريبا منه ويتبادل معه أطراف الحديث، وتضيف أيضا: أراه تارة يبتسم وتارة اخرى يعبس ويقطّب حاجبيه!، واخيرا حتى عندما يدخل الى الحمام يأخذ الموبايل معه!!.

وعن سوء استخدام هذه الشبكة تحدثت المحامية (هناء طالب) قائلة: لقد ساهمت هذه الظاهرة وبشكل كبير في تفاقم ظاهرة الطلاق في العراق، بعد الانفتاح السريع على الانترنيت وخياراته الكثيرة، وساعد ذلك على تبدّل الكثير من المفاهيم الاخلاقية والمجتمعية لدى الناس، حيث تعرضت الكثير من الاسر للتفكك والانهيار، ما أدى الى الحاق العديد من الاضرار بالمجتمع العراقي وبنيته الأسرية. وتضيف المحامية نفسها: تشير الاحصائيات الى ان ظاهرة الطلاق تزداد بشكل كبير، لاسيما خلال السنوات الاخيرة، وهو ما يعد تهديدا لكيان المجتمع، وقال المختصون ان من اكثر اسباب الطلاق هو الانترنت!!.

اكتئاب وتأثيرات نفسية

لقد اصبح مجتمعنا العراقي يشكو من التقصير في المهام اليومية، بسبب هذه الظاهرة واستفحالها وانتشارها بين الافراد من كل الفئات، بشكل غير مسبوق، وكانت ابحاث عالمية جديدة قد توصلت الى أن قضاء اوقات طويلة امام الكمبيوتر، لها اثار سلبية كبيرة على الكبار والشباب، وعلى الاطفال والمراهقين ايضا.

وعن هذه التأثيرات تحدث الباحث النفسي (مفيد سلمان) لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) قائلا: ان الادمان على الانترنت له تأثيرات جسدية ونفسية ايضا، فالجسدية تتمثل في قلة الحركة ما يؤثر سلبا على مفاصل الجسم ويؤدي الى البدانة وله تأثير على العين والدماغ مع مرور الوقت.. وأما التأثيرات النفسية فقد تصل الى الاصابة بالاكتئاب والتوتر جراء قلة النوم وبسبب النظر لساعات طويلة نحو نقطة واحدة. وهذا ينعكس بالطبع على سلوك الانسان وطبيعة علاقاته داخل الاسرة او في العمل والدراسة وما شابه.

لذلك نعتقد أن هنالك حاجة كبيرة، لابد منها، تستدعي من الجهات المعنية، القيام بحملات توعية دورية منتظمة للشباب والمراهقين والاطفال، لان بعض البرامج والامور المتاحة في الانترنيت تساعد على تحطم المناعة الاخلاقية لكل من يشاهدها، لاسيما الفئات العمرية المذكورة، بسبب حساسية المرحلة التي يمرون بها من حيث السن.

وحتما من واجبنا ان نعلم أطفالنا ونضع الحدود لهم في استخدام هذه الاجهزة والانترنيت، حفاظا عليهم من الضياع في سلبيات النت من حيث ﻻ يشعرون، وفي نهاية الكلام اقول ان الوعي والاخلاق وقوة الوازع الديني لدى مستخدمي الانترنت، هي الفيصل في قضية تأثرهم بما يحتويه الانترنيت الذي كشف الغطاء عن كل المحظورات!.

اضف تعليق