q
الدولة الحضارية الحديثة نوع من الدول التي تصمم من اجل توفير حياة كريمة لائقة بالانسان ماديا ومعنويا، تقاس الحياة الكريمة بمقدار ما توفره وتضمنه الدولة من الامن والحرية والعدالة والمساواة والرفاهية والسعادة الخ لبني الانسان الذين يعيشون في كنفها وتحت ولايتها، ويتم ذلك من خلال مركب حضاري يفعل عناصر صناعة الحضارة (الانسان، الطبيعة، الزمن، العلم، العمل) بهذا الاتجاه بما ينعكس على كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ.

الدولة الحضارية الحديثة نوع من الدول التي تصمم من اجل توفير حياة كريمة لائقة بالانسان ماديا ومعنويا.

تقاس الحياة الكريمة بمقدار ما توفره وتضمنه الدولة من الامن والحرية والعدالة والمساواة والرفاهية والسعادة الخ لبني الانسان الذين يعيشون في كنفها وتحت ولايتها.

ويتم ذلك من خلال مركب حضاري يفعل عناصر صناعة الحضارة (الانسان، الطبيعة، الزمن، العلم، العمل) بهذا الاتجاه بما ينعكس على كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ.

1.الدولة الحضارية هي ذلك الاطار العام والحاضنة الكلية للناس والارض والنظام السياسي/التشريعي/ التنفيذي والذي يتحقق فيه افضل تفاعل ممكن بين عناصر انتاج الحضارة (الانسان، الطبيعة، الزمن العلم العمل) المحقق لكرامة الانسان وحقوقه ورفاهيته وسعادته في سياق زمني معطى.

2.ويتفق هذا التعريف مع التعريفات الاكاديمية التي تقول: "ان الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها". او التعريف القائل بان: "الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة و الاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها".

وهذه التعريفات تسمح بالقول بوجود اشكال مختلفة من الدول، رغم اشتراكها بالعناصر الاساسية لها.

3.لكن تعريفنا يختلف عن التعريفات الاكاديمية في كونه يشترط مواصفات معينة لهذه الدولة اتصفت بوجودها بكونها حضارية، على عكس التعريفات الاكاديمية التي لا تشترط البعد الحضاري للدولة. الفرق بين التعريفين ان تعريفنا للدولة يجمع بين البعد المعياري والبعد القيمي، في حين ان التعريفات الاكاديمية تتوقف عند البعد المعياري للدولة.

4.وحين نتحدث عن الدولة الحضارية الحديثة فاننا لا نتحدث عن دولة مثالية لم تتحقق،كما كتب افلاطون "الجمهورية"، او الفارابي "المدينة الفاضلة"، أو توماس مور "يوتوبيا"، او تومازو كمبانيلا (1568-1639) "مدينة الشمس"، او فرنسيس بيكون (1561-1626) "اتلانتس الجديدة"، انما نتحدث عن دول حضارية كثيرة قامت وحققت درجات متفاوتة من الرقي الحضاري، خاصة في العصر الحديث،وخاصة بعد ان امكن قياس درجة التحضر عبر معايير كثيرة كالنزاهة والشفافية والحرية، وهي معايير تقوم هيئات عالمية متخصصصة بقياسها بشكل دقيق. واليوم توجد ٩٣ دولة من أصل ١٥٨ دول حققت علامات اكثر من النصف في جدول السعادة، و توجد ٥٣ دولة من أصل ١٧٦ حققت علامات اكثر من النصف في الشفافية والنزاهة،و توجد ٨٨ من أصل ٢١١ دولة حرة. وهذه الدول حضارية حديثة بدرجات متفاوتة. يؤلمنا بطبيعة الحال ان اسم العراق لايرد في هذه القوائم. لكن بؤس الحال هذا على المستوى العراقي لا يزيدنا الاتصميما بضرورة ان يشهد العراق في وقت ما في المستقبل غير البعيد قيام الدولة الحضارية الحديثة.

5.يصر اساتذة العلوم السياسية على ضرورة التمييز بين الدولة والحكومة، ونحن نوافقهم على هذا ، "رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات في كثير من الأحيان. فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة.حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة."

6.لكن هذا لا يمنع من القول من انه كما اختلف مفهومنا عن الدولة الحضارية عن المفهوم الاكاديمي للدولة، كذلك تختلف الحكومة في الدولة الحضارية عن غيرها من الحكومات في الدولة غير الحضارية. فالحكومة الحضارية منفذة للقيم التي قامت عليها الدولة الحضارية، وساعية الى تحقيق الاهداف التي امنت بها، بينما الحكومة في الدولة غير الحضارية انما هي حكومات تخدم اجندة حزبية او فردية معينة، وهذا ما نجده في عموم دول ما يسمى بالعالم الثالث او الدول العربية والاسلامية، المتخلفة بالمعايير الحضارية للدولة.

عناصر الدولة

7.اكاديميا، يقول اساتذة العلوم السياسية ان أهم مكونات الدولة هى :المواطنون- الإقليم- الحكومة-السيادة-الاستمرارية السياسية. لكن الدراسات الحديثة تضيف اليها عنصرى الثقافة والحضارة، بعد ان اصبحت الدولة الحضارية حقيقة قائمة في العالم.وهذا ينطبق على الدول الحضارية الحديثة، مع فارق ان هذه العناصر الثلاثة فيها تتصف في ان واحد بالحضارية (في مقابل التخلف بمختلف اشكاله السياسي والاقتصادي والاداري والاجتماعي الخ)،والحداثة في مقابل التقليدية والمتخلفة.

الشعب

8.يعد الشعب من أهم عناصر الدولة اذا لا يمكن تصور دولة في العالم لا يوجد بها سكان بغض النظر عن عددهم، حيث ان هناك دولا كثيرة السكان كالصين ودول قليلة السكان كدولة قطر.

وفي العراق، فان الدولة الحضارية الحديثة تضم الشعب العراقي، وهو شعب اصيل حضاريا، موجود في هذه البقعة من الارض منذ الاف السنين، واليه ينسب الظهور الاول للحضارة في التاريخ الانساني. وشهد العراق انزياحات بشرية كثيرة عبر تاريخه الطويل جعلت شعبه يتصف بالتعددية القومية والدينية والمذهبية واللغوية.ولم تفلح الانظمة السياسية المتخلفة التي قامت في الدولة العراقية بعد عام 1924 بالتعامل الحضاري مع هذه الظاهرة التاريخية، الامر الذي ادخل البلاد بنزاعات قومية وطائفية كثيرة،ابرزها المشكلة الكردية والنزاع الشيعي -السني. وتتعامل الدولة الحضارية الحديثة مع ظاهرة التعددية بطريقة تحفظ حقوق الانسان ووحدة البلاد والدولة بالدرجة الاولى، كما نشاهد ذلك الان في الكثير من الدول الحضارية الحديثة القائمة الان.

تمثل فكرة الدولة الحضارية الحديثة مساحة اشتراك بين مختلف الاديان والأفكار السياسية والاجتماعية على خلاف الدول الموصوفة بأوصاف دينية او عقائدية او سياسية محددة،

لا يجب ان يكون السكان على دين واحد او من عرق واحد. لكن اللغة المشتركة ضرورية فضلا عن الهوية الوطنية المشتركة والمصالح المشتركة والشعور بالانتماء لوطن واحد والولاء للدولة. تمثل الدولة الحضارية افضل صيغة للدول المتعددة عرقيا او مذهبيا.

المهم في هذه المقام، هو ان الدولة الحضارية الحديثة تحرص على تحقيق مستوى ثقافي وصحي وتعليمي لشعبها يعزز الثقة المتبادلة بين الشعب والدولة، بين الشعب والحكومة،ويجعل من الطرفين كفتي ميزان، تعادل احداهما الاخرى، بلا ظلم او اعتداء. لا يمكن ان تحقق الدولة الحضارية الحديثة مستوى رفيعا في الانتاج الحضاري مالم يكن الشعب نفسه على درجة عالية من الرقي الحضاري. المستوى الحضاري للدولة هو بمعنى من المعاني انعكاس للمستوى الحضاري للشعب نفسه. يعلمنا التاريخ ان الشعوب هي التي تصنع الحضارات، لا الحكومات، ولهذا فان المركب الحضاري للدولة الحضارية التي ندعو اليها يعتمد اعتمادا كبيرا على قدرة الشعب ومبادرته وفعاليته وايجابيته على صعيد الفعل الحضاري التاريخي. ولهذا نعد اشاعة الثقافةٌ الحضارية الشاملة من متطلبات اقامة الدولة الحضارية الحديثة. فلا يمكن ان نتحدث عن حراك حضاري دون إشاعة ثقافة حضارية تكون هي الثقافة السائدة بدل الثقافات التي ولدت في رحم التخلف الذي يعاني منه المجتمع. تمثل الثقافة في الدولة الحضارية الحديثة المركب الحضاري الذي تتفاعل ضمنه عناصر الانتاج الحضاري.

الشرط الاهم في نجاح المركب الحضاري هو قدرته على الانسجام مع المزاج النفسي والمعتقدي للأمة بحيث ينجح في حشد طاقات الامة في المعركة الحضارية التي يعتزم خوضها سواء كانت معركة ضد التخلف، او حربا ضد عدو داخلي او خارجي،وغير ذلك.

ان اي بناء حضاري جديد لمجتمعات التخلف، اذا كان يستهدف تعبئة طاقات الشعب وتحريك إمكاناته للمعركة ضد التخلف، فلابد له عند اختيار الإطار السليم ان يدخل في الحساب مشاعر المجتمع ونفسيته وتركيبه العقائدي والتاريخي، كما يقول محمد باقر الصدر، ذلك ان حاجة التنمية الحضارية الى منهج اجتماعي واطار سياسي ليست مجرد حاجة الى إطار من اطر التنظيم الاجتماعي، ولا يكفي لسلامة البناء ان يدرس الإطار و يختار بصورة تجريدية منفصلة عن الواقع. هذا لا يكفي لتحقيق النهضة وتغيير الواقع وتحقيق الإنجاز. لا يمكن لعملية البناء ان تحقق هدفها في تطوير المجتمع واستنفار كل قواه الا اذا اكتسبت اطارا يستطيع ان يدمج المجتمع ضمنه وقامت على أساس تتفاعل معه. حركة المجتمع شرط أساسي لانجاح اية عملية بناء حضاري جديد لان حركته تعبير عن نموه ونمو ارادته وانطلاق مواهبه الداخلية وحيث لا ينمو المجتمع لا يمكن لاي منهج او صيغ محنّطة ان تغير من الواقع شيئا.

وعليه،" فنحن حين نريد ان نختار منهجا او اطارا عاما لبناء الامة واستئصال جذور التخلف منها، يجب ان ناخذ هذه الحقيقة أساسا ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تحريك الامة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف"، كما كتب محمد باقر الصدر.

الإقليم

9.لا يمكن قيام دولة بدون إقليم ثابت ومحدد كما ان مساحة الإقليم في الدولة الحديثة متفاوتة فمنها ما يغطي مساحة كبيرة من الكرة الأرضية ومنها ما هو ضئيل المساحة. ولا عبرة بالحجم هنا. والاقليمينقسم الى ثلاثة اجزاء هي الاقليم الارضي والاقليمالمائي والاقليم الجوي. والحدود الدولية للعراق معروفة ومقرة عالميا.

وتكمن اهمية الدولة الحضارية الحديثة في قدرتها ليس فقط على حماية اقليمها، وانما في جعله صالحا للسكن والعيش والعمل المريح والسعيد. وهذا يتطلب ان تبذل الدولة جهودا كبيرة في انشاء البنية التحتية للاقليم، واكتشاف ثرواته، واستخراجها، وحسن استثمارها، وعدالة توزيعها لتكون سببا في توفير الحياة الكريمة للناس، و الرفاهية والسعادة. في نفس الوقت فان الشعب مسؤول عن الحفاظ على ثروات بلاده،والحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث والخراب. واذا كانت الدولة مسؤولة عن وضع الخطط الهادفة الى حماية الثروات الطبيعية كالمياه وغيرها من الهدر والضياع فان الشعب مسؤول عن تنفيذ هذه الخطط على افضل وجه.

السلطة السياسية

10.يقول اساتذة العلوم السياسية انه لا يكفي لنشأة الدولة وقيامها وجود شعب يسكن إقليما معينا وانمايجب أن توجد هيئة حاكمة تكون مهمتها الاشراف على الإقليم ومن يقيمون عليه (الشعب) وتمارس الحكومة سلطتها وسيادتها باسم الدولة بحيث تصبح قادرة على الزام الافراد باحترام قوانينها وتحافظ على وجودها وتمارس وظائفها لتحقيق اهدافها. وهذا يصدق على الدولة الحضارية الحديثة، مع اضافة البعد القيمي الحضاري له.

يصمم النظام السياسي للدولة الحضارية الحديثة بحيث يجعل الدولة قادرة على تحقيق اهدافها في توفير الحياة الكريمة للانسان، وهذا هو الهدف الاسمى للدولة الحضارية الحديثة: الانسان الذي جعله الله خليفة له في الارض، وكرمه، وسخر له البر والبحر وما فيهما.

هدف الدولة الحضارية الحديثة توفير وضمان ان يحيا الانسان حياة كريمة طيبة في الدنيا تزدهر فيها طاقات الانسان المادية والروحية.

ويمكن قياس حجم الحياة الكريم من خلال عدة مؤشرات في مقدمتها الامن والحرية والعدالةوالمساواة والثقافة والرفاهية والسعادة، هذا فضلا عن الخدمات الاساسية والصحة والتعليم والسكن وفرص العمل المنصفة والعادلة.

ومن اجل تحقيق هذا الهدف السامي (الحياة الكريمة الطيبة للإنسان) يجب ان تقوم الدولة الحضارية الحديثة على خمسة أسس هي: المواطنة،الديمقراطية، القانون، المؤسسات، العلم الحديث. تقوم الثقافة العامة في الدولة الحضارية الحديثة على تثقيف المواطنين بهذه الأسس وما يترتب عليها من التزامات وتصرفات واتساق سلوكية.

يقوم النظام السياسي في الدولة الحديثة على أساس الديمقراطية التي تتقوم بدورها بمبدأ المواطنة، والحريات، وسيادة القانون، والأحزاب، واﻻعلام الحر. تراعي الدولة الحضارية الحديثة التطورات الإيجابية التي يشهدها مفهوم الديمقراطية باتجاه المزيد من المشاركة الشعبية في القرارات العامة.

الحكومة، البرلمان، القضاء،المجالس التمثيلية، الإدارات المحلية، النظام التربوي، القوات المسلحة، الاعلام، المجتمع المدني، من المؤسسات الاساسية في الدولة الحضارية الحديثة. وهذه شانها شان الدولة نفسها تتصف بصفتي التحضر والحداثة.

شكل الدولة

11.تختلف دول العالم في اشكالها فمنها ما هو بسيط من حيث تكوينها ومنها المركبة التي يصعب الفصل بين ظواهرها بدقة وتعود الاختلافات في اشكال دول العالم إلى نظام الحكم المطبق فيها هل هو حكم موحد ام أنظمة حكم متعددة في الدولة الواحدة، ولذلك تنقسم دول العالم إلى دول موحدة ودول اتحادية، والاتحادية قد تكون فيدرالية او كونفيدرالية.

وقد اقر الدستور العراقي الدائم ان العراق دولة اتحادية، وسيبقى الامر هكذا ما لم يغير الشعب العراقي موقفه من شكل الدولة. وعليه فان الدولة الحضارية الحديثة دولة اتحادية حسب نص الدستور ما دام نافذا.

12.يقوم النظام الاقتصادي في الدولة الحضارية الحديثة على الأسس التالية:

الأساس الاول: الملكية المتعددة الأشكال: ملكية الشعب، ملكية الدولة، الملكية المختلطة، الملكية الفردية.

الأساس الثاني: العدالة الاجتماعية التي يتم تحقيقها عبر الضمان الاجتماعي والتوازن الاجتماعي ومعالجة حالات اللامساواة الطبيعية والضرائب العادلة وذلك لضمان ان يأخذ كل ذي حق حقه.

الأساس الثالث: الحرية الاقتصادية في إطار القانون والقيم الاخلاقية ومتطلبات العدالة الاجتماعية.

13.يهدف النظام الاداري في الدولة الحضارية الحديثة الى تيسير حياة المواطن و تبسيط الاجراءات الحكومية في مختلف المجالات وذلك بالاستفادة من المنجزات العلمية في هذا المجال. كما يحرص الدولة على ابعاد العمليات الإدارية عن الفساد بما فيها الرشوة والمحاباة والواسطة وتجاوز او التلاعب بالقانون

14.توصف هذه الدولة بانها حضارية، وهذه الكلمة مشتقة من كلمة "حضارة". وقد تطلق الحضارة في مقابل البداوة، او تطلق بمعنى محايد، او تطلق في مقابل كلمة التخلف. ونحن نقصد المعنى الثالث. وهذا الوصف ايجابي، وليس حياديا، وهو يميز هذه الدولة عن غيرها مثل الدول الدكتاتورية او الدول الفاسدة او الدول الفاشلة او الدول المتخلفة. نطلق كلمة الحضارة للتعبير عن طراز متقدم من الحياة يحفظ كرامة الانسان ويصون حقوقه ويحقق رفاهيته وسعادته.

15.وتوصف هذه الدولة بأنها حديثة، بمعنى انها تواكب عصرها. والحداثة مفهوم نسبي حيث ان لكل عصر حداثته. فالدولة الحضارية الحديثة منفتحة على حركة العلوم العالمية، وتستفيد منها في الادارة والتنمية وغير ذلك.

والحداثة تسري الى كل عناصر الدولة الحضارية،السكان والارض والنظام، ومؤسساتها المختلفة.

16. المواطن الفعّال هو العمود الفقري في الدولة الحضارية الحديثة. المواطن الفعّال هو رجل الدولة الحضارية. بوجود المواطن الفعّال يظهر المجتمع المدني. الانسان لا يولد مواطنا، انما هو يكتسب هذه الصفة من خلال الثقافة والوعي، والالتزام بمنظومة الحقوق والواجبات، والانخراط بروابط طوعية تعاونية مع غيره مما يشكل المجتمع المدني، وتحمل المسؤولية الذاتية عن الشان العام.

17.التفاعل والتلاقح والتحاور من سمات الحضارات. لذا تؤمن الدولة الحضارية الحديثة بالانفتاح الحضاري وعلى هذا الأساس يمكن لكل إنسان يتقبل مفهوم السعادة والحياة الكريمة كهدف مركزي للدولة الحضارية الحديثة مهما كان دينه او عرقه او انتمائه السياسي.

وليس من المتوقع ان يرفض مثل هذا الانسان الذي يحتكم الى عقله مبادئ الديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون والمؤسسات والعلم الحديث. هذا باستثناء البشر الذين ارتضوا لعقولهم ان تكون خارج دائرة المعقول وخارج الحداثة.

18.الدولة الحضارية الحديثة ليست دولة دينية كما انها ليست علمانية، انما هي دولة حضارية تواكب الحداثة بمعنى انها توظف كل المعطيات من اجل سعادة الانسان وتوفير حياة افضل له. فهي دولة الانسان بلا منازع. وتقدر الدولة الحضارية الحديثة ان الدين بما يوفره من قيم إنسانية واخلاقية يمثل حاجة حيوية لقطاعات كبيرة وواسعة من الناس. لذا،تسعى الدولة الحضارية الحديثة الى توظيف هذه القيم في سياق الحراك الحضاري البشري نحو السعادة والحياة الكريمة. وفِي مقدمة هذه القيم الحضارية التاكيد على التعايش والتسامح وقبول الاخر والحوار والتعاون وتحري الخير العام ونبذ العنف و استثمار الطبيعة والاشتراك العادل في خيراتها والعدالة والتعامل الاخلاقي مع الاخر وغير ذلك. الا ان التنوع الديني والمذهبي مسالة شخصية لا يصح ان يكون لها دلالات سياسية ولا يجوز ان تؤثر على الموقف الحقوقي للمواطن. فالناس متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن اي معيار اخر، كالدين او المذهب او اللغة الخ.

الدولة الحضارية ليست دولة دينية، ولاتتبنى عقيدة معينة، ولكنها دولة محكومة بمنظومة قيم إنسانية من خلالها يتم استيعاب جميع مواطنيها ، كقيم العدالة والتسامح والحريّة واحترام الاخر.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
العراق
الى الأخ الكاتب محمد عبد الجبار مع التحية: ياريت تدلنا على حضارة أسسها انسان طول تاريخ البشرية، تمكنت من توفير السعادة والسلام والخير، حتى نتخلى عن الحضارة التي جاء بها الاسلام من خلال القيم السماوية.2018-04-09