q
غيرت أنماط الاستهلاك في الحياة العصرية الراهنة، الكثير من العادات السلوكية للأسر في المجتمعات المختلفة، ولا سيما المجتمعات محدود الدخل الاقتصادي، وان اسوء هذه الأنماط هي العادات الاستهلاكية المنتجة للهدر، فليس هناك ما هو أسوأ من أن تأتي الأيام الأخيرة في الشهر وتفاجئي بأن محفظتك خالية من النقود...

غيرت أنماط الاستهلاك في الحياة العصرية الراهنة، الكثير من العادات السلوكية للأسر في المجتمعات المختلفة، ولا سيما مجتمعات محدودة الدخل الاقتصادي، وان اسوء هذه الأنماط هي العادات الاستهلاكية المنتجة للهدر، فليس هناك ما هو أسوأ من أن تأتي الأيام الأخيرة في الشهر وتفاجئي بأن محفظتك خالية من النقود، بسبب عدم التنظيم أو وضع ميزانية للبيت، مما يضطرك أحيانًا إلى الاستدانة وهو ما يسبب أزمة للشهر الذى يليه وتبدأ سلسلة لا تنتهى من الديون.

فقد باتت متاهة الاسراف تتأرجح بين الاحتياجات والكماليات والرغبات النفسية، لتترك آفة خفي تنخر بمصروف المنزل بلا تخطيط، ولمعرفة أسباب هذه الظاهرة الخفية والمؤثرة على الاسر من الناحية الاقتصادية ولمحاولة إيجاد حلول ممكنة لها، اليكم التفاصيل:

نهم الشراء ومصيدة الماركة

ان توحش النزعة الاستهلاكية لدى الفرد والانبهار بالماركات والركض وراء الثراء المادي السريع في ظل متغيرات الحياة وارتفاع الاسعار وازدياد المتطلبات الاولاد، مقارنة باستشعار الاسرة المسؤولية المادية وعدم وجود نظام مصرفي داخل المنزل ادى الى ارتفاع شكاوى الناس من عدم كفاية الدخل لأكثر من كم منتصف الشهر، تراكم الديون، عدم وجود زيادة للادخار وغيرها.

خبير الاقتصاد المنزلي في جامعة بابل الدكتور جواد البكري يقول: عادة في مجتمعات العالم الثالث يميل الأفراد الى الاستهلاك، ويسميه علم الاقتصاد "الميل الحدي للاستهلاك"، ويكون بالطبع على حساب الميل للاستثمار، إذ أن دخل الفرد يقسم بين الاستهلاك والادخار، الادخار مبينا ان هناك نوعين سلبي وايجابيا، تذهب المدخرات للاستثمار ادخارا ايجابيا، وعادة ما يرتفع الميل الحدي للاستثمار عند مواطني الدول المتقدمة، وبالطبع يكون على حساب الميل الحدي للاستهلاك الذي يكون لديهم منخفض.

فضلا عن ان اغلب الدول الريعية، أي الدول التي تعتمد على مصدر طبيعي مثل النفط، تعاني من مرض يسمى (المرض الهولندي) وهو زيادة الاستهلاك بشكل كبير وانخفاض الانتاج بشكل كبير، وهو بالضبط ما يعاني منه الاقتصاد العراقي اليوم بشكل عام وليس الاسرة فقط.

كيت يارو، الباحثة في علم نفس المستهلك بجامعة غولدن غيت الأمريكية، حاولت الوقوف على الأسباب الحقيقية لنَهم الشراء عند أولئك الذين تمتلئ بهم المراكز التجارية، وعرض موقع "Popular Science"النتائج التي توصلت إليها، كانت المفاجأة أن كثيرًا من تلك الأعداد لا تنهال على المراكز التجارية بسبب عروض التخفيضات، بل بحكم العادة فقط.

رؤية عروض التخفيضات يحفز منطقة في المخ مسؤولة عن المكافآت، في حين أن مشاهدة الأسعار المرتفعة تحفز المنطقة التي تعالج الألم، ترى الباحثة أنه في خِضَمِّ استمتاع بعضنا بهذا الموسم، الذي أصبح عادة، يستغل أصحاب المحال التجارية استعدادنا النفسي للوجود في أماكن التسوق لفترات طويلة، ويبهروننا بلافتات تحتوي على كلمة «مجانا» و«تخفيضات تصل إلى...»، فتجد نفسك في لحظة معينة تشتري لأحد والديك معطفًا دون حتى أن تفكر هل سيعجبه أم لا، لمجرد أن هناك تخفيضًا نسبته 60% على سعره، وقد تكتشف أهمية ربطة العنق لأول مرة في حياتك حين تجدهم يعرضون واحدة «مجانًا» لو ابتعت المعطف، حيلة مشابهة تُؤتي ثمارها مع التسوق الإلكتروني، فانت تتسوق أضعاف قيمة الشحن لشراء سلع لست في حاجة إليها، فقط للحصول على الشحن المجاني.

كشف موقع "Dealnews" بعض الأسباب النفسية التي تدفعنا إلى الإقبال على الشراء تحديدًا، من بينها أن رؤية لافتات العروض تحسّن الحالة المزاجية وتُدخِل عليك مشاعر الرضا والبهجة. يقول «جيمس موراي»، الأستاذ المساعد في جامعة شيكاغو، إن رؤية عروض التخفيضات من شأنها تحفيز منطقة في المخ مسؤولة عن المكافآت، في حين أن مشاهدة الأسعار المرتفعة تحفز المنطقة التي تعالج الألم.

معضلة التفاوت الطبقي

بشرى عبد العظيم (42) عاما موظفة في تربية كربلاء، ام لاربعة اولاد، الاصغر منهم في المرحلة الثانوية، تقول ان الانظمة الادارية التي يتكلم عنها الخبراء الاقتصاد وطرائق تنظيم المصروفات لا تنطبق الا على ذوي الدخل العالي،

لان متطلبات الحياة العصرية تفرض علينا مجاراتها رغم كل التحديات التي نواجها في توفير احتياجات الاولاد الاساسية والكمالية، وتلتفت عبد العظيم الى امر مهم وهو المقارنة بين الطبقات من قبل الشباب او حتى الاطفال، المقارنة بالحياة المادة بطريقة سلبية بحيث تلقي بأثرها السلبي على جانبين اساسيين هما النفسي للأولاد اذا لم تتم مساواته مع اقرانه بالملبس والسفر وامتلاك التقنيات العصرية الحديثة، والجانب المادي للأسرة.

اذ سيضطر الاب والام الى فعل اي شئ من اجل الظهور بتحمل المسؤوليات كافة امام الابناء، فيذهبوا للقروض والسلف الشهرية والاستدانة، مما يزيد من العبئ المادي للاهل وعدم التوفير.

المحامي حاكم المرشدي اكد أن 90% من القضايا الأسرية التي تنظرها المحكمة شهرياً تتمحور حول توفير السكن والنزاعات المالية حول النفقة الشهرية ما بين الأزواج، سواء كانوا من المستمرين في حياتهم الزوجية أو المنفصلين عن بعضهما.

كماليات شخصية

الا ان ام قيس (54) ربة البيت ذات الستة اولاد، جدة لأربعة احفاد لاثنين من اولادها، وزوج يعمل بالأعمال الحرة تؤكد على اهمية القناعة في الامر، وان تربية الاولاد على القناعة بالحال هو اهم شيء ممكن ان يحل كل القضايا المادية،

في ردها على سؤالي "هل بإمكانك اقناع اولادك بعدم اهمية الكماليات الشخصية وعدم مقارنة أنفسهم بالمحيطين من حولهم الذي يتسبب بزيادة العبء المادي للأسرة؟".

اجابت ام قيس " ان التربية الصحيحة وغرس الثوابت في نفوس الاطفال سيجعلهم يترفعون عن ملذات الحياة غير الضرورية، اذا لم تكن متاحة بالقدر الذي لا يضر احد من الكافل والمكفول، لكن ام قيس رغم بساطتها الا انها فتحت افق جديد للبحث لحل المشكلة الا وهو " وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً"، فوجدت ان استشهادها بالآية 29 من سورة الأسراء نظام اقتصادي متكامل تتبعه ام قيس ولربما الكثير من الاسر التي تجدها ميسورة الحال رغم قلة الدخل.

التوازن المالي في الإدارة المنزلية

في استبيان للمركز العراقي للدراسات والبحوث الاعلامية في كربلاء تبين ان ما نسبته 22%فقط من موظفي الدولة لديهم ميزانية وان9% منهم يفكر في كيفية تنظيم اموره المالية، أخصائيو التنمية البشرية ومن خلال احتكاكهم بطبقات المجتمع كافة كان لهم جواب على سؤال الناس الازلي" ماذا نفعل الدخل لا يغطي متطلبات الحياة نعاني من الديون والفوضى المالية؟.

مدرب التنمية البشرية الدولي علي الشمري اجاب" الميزانية" هي مفتاح الحل، مؤكدا على انها خطوة من خطوات إدارة الدخل المالي، اذ ان التخطيط من شأنه توزيع الموارد المتوفرة على الاحتياجات المتعددة، وتستخدم لتحديد طريقة استعمال الفرد والأسرة للدخل في فتره زمنية محددة شهرا أو أسبوعا.

وبين "يقصد بتخطيط الدخل التقتير بل التوازن المالي، الهدف من وضع الميزانية هي جعل الدخل يحقق أقصى إشباع لرغبات وطلبات الأسرة

واضاف الشمري "اليوم كانت هناك دراسة عربية أوضحت نتائجها احتياج الأسر إلى التوعية بأهمية الإدارة المنزلية"، واستندت الى غياب التخطيط المورد المالي الذي يسوده الارتجالية والإسراف والعشوائية في الإنفاق عدم الاهتمام وقلة الوعي بوضع الميزانية، اضافة الى عدم الاهتمام بالتخطيط للمستقبل.

واشار الشمري أن الذين يجدون مشقة في معيشتهم نتيجة قلة دخلهم يجدون المشقة نفسها عند ارتفاع دخولهم والسبب في ذلك يرجع إلى عدم تحديد النفقات تبعا للدخل فإدارة الدخل لا تتوقف على مقدار الدخل وإنما على طريقة إنفاقه.

توصلت الدراسة في النهاية الى " كل فردا وأسرة والمجتمع بأسره يحتاج في عمله إلى تحديد الأهداف والتخطيط والتنظيم والتوجيه، وهذه مراحل عملية الإدارة المنزلية الحديثة".

حلول ممكنة

بالعودة الى الدكتور البكري فانه يرى "ان يتم اعادة النظر بالنظام المصرفي العراقي بصورة عامة، فالنظام المصرفي العراقي اليوم هو نظام طارد لما يعانيه من أمراض عديدة من أهمها الروتين والقدم، فلمواطن العراقي يعاني كثيرا من هذا النظام (وبخاصة المصارف الحكومية) من خلال سوء الخدمات المصرفية وطبيعة التعامل مع الزبائن ..الخ.

ان معالجة النظام المصرفي ونشر الثقافة المصرفية سيؤدي إلى تحفيز المواطن العراقي على استثمار أمواله في هذه المصارف، وبالتالي اضافة دخل للعوائل وتخفيف الاعباء عن كاهل الفرد.

كيف تخططين لميزانية بيتك

- احتفظي معك بمذكرة صغيرة تستعملينها كدفتر مالي تسجلين به مصاريفك اليومية وضعي هدفاً مستقبلياً.

- اكتبي قائمة تسوق تدونين فيها احتياجاتك وتلتزمين بها، وخذي 10 ثوان من التفكير قبل الشراء.

- انتظري 30 يوماً إذا قررت شراء شيء غير مهم أو من الكماليات.

- لا تدفعي الكثير من الأموال؛ لتسلي أطفالك.

- خذي غذاءك للعمل، وقللي من الوجبات الجاهزة في المنزل.

-إذا كنت ترغبين في نصيحة مالية فتحدثي مع خبير مالي.

اضف تعليق