q
مع أن الحياة تتطور في جميع مجالاتها، إلا أننا نلاحظ وجود ظواهر اجتماعية سلبية في مجتمعاتنا، تؤثر على بنيته وعلى العادات والأسس التي تتماشى معها، وهو ابتعاد مجموعة من الناس أو فرد عن العالم الخارجي والمجتمع، واختيار عالمهم الخاص بهم وهذا ما عرف بالعزلة الاجتماعية...

مع أن الحياة تتطور في جميع مجالاتها، إلا أننا نلاحظ وجود ظواهر اجتماعية سلبية في مجتمعاتنا، تؤثر على بنيته وعلى العادات والأسس التي تتماشى معها، وهو ابتعاد مجموعة من الناس أو فرد عن العالم الخارجي والمجتمع، واختيار عالمهم الخاص بهم وهذا ما عرف بالعزلة الاجتماعية، وقد تحث هذه الحالة في جميع شرائح المجتمع، وربما اصبحت مرضا في اشكال متعددة، ونعلم أن من اهم اسباب العزلة هي الظروف السيئة التي يعيشها مجتمعنا، والمستقبل المجهول لهم ولأولادهم، وفي معظم الأحيان تكون هذه العزلة غير مرتبطة بإرادة الشخص، وإنما تكون نابعة من أحاسيس داخلية كثيرة أو ازمات معينة أجبرته على الانقطاع عن التعامل مع الآخرين.

معالجة العزلة الاجتماعية

إن العلاج يقع ضمن مسؤولية الجميع، بحيث تقوم المؤسسات الاجتماعية على تشجيع هؤلاء الاشخاص والتفاعل والحضور في امسيات ولقاءات وفعاليات مختلفة، لمحاولة التخلص من العزلة عن الآخرين، وكذلك تعزيز شعور الفرد والثقة بالآخرين والتفاؤل بالمستقبل والحياة، وتقديم المساعدة الكافية لحل الازمات وتذليل المعوقات التي تحيط بهذا الشخص أو الجماعة.

ولأهمية هذا الموضوع وتأثيره الكبير على مجتمعاتنا، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بجولة استطلاعية، وتم طرح السؤال التالي على المختصين ومن يهمه الامر:

ما هي اسباب تضخم العزلة الاجتماعية؟

التقينا المستشار الدكتور (عز الدين المحمدي)، وزير متقاعد وكاتب صحفي، أجابنا قائلا:

الانسان خلق اجتماعيا في الحياة ويشعر الانسان عندما يبتعد عن الناس بالوحدة القاتلة ودائما يحاول العيش مع الاخرين، وسابقا فان الاسرة بل القبيلة والعشيرة تعيش معا فالأسرة من الجد والاولاد والبنات والاحفاد يعيشون في بيت واحد مجتمعون، الى جانب كان الجار يعيش مع جاره طوال اليوم وحتى ساعات متأخرة من الليل، وهكذا لم يكن انفصام بينهم ولكن في الوقت المعاصر فكل شيء تغير الانسان اصبح يشعر بضرورة الابتعاد عن الاخرين لكي يعيش بسلام وامان، وهناك اسباب كثيرة في العزلة الاجتماعية وتضخمها او انتشارها في المجتمع من هذه الاسباب:

1.عزوف الاسرة الواحدة من التعايش معا لكثرة المشاكل العائلية التي تحدث بين الاولاد والبنات وعوائلهم وعدم الانسجام، لتطور الحياة وتعقيدها وكثرة متطلباتها بعدما كانت الحياة بسيطة ومتطلباتها بسيطة.

2. زوال الثقة بين الناس ابعدتهم عن البعض ابتداء من الاسرة الواحدة والجيران والعشيرة، لذلك فالكل يريد ان يعيش بمفردة مع اسرته الصغيرة للتخلص من المشاكل وآثارها السلبية.

3. نوعية العلاقة فنرى مناطق كثيرة في المدن الكبرى انعزال العوائل عن بعضها البعض الاخر، فنلاحظ ان الجار احيانا لا يعرف جاره او اسمه وعمله وعدم التزاور بينهم كطبيعة اجتماعية للعزلة وعدم تدخل في حياة الاخرين.

4. هناك حالات مرضية نفسية تجعل من الافراد الميل للعزلة، والعيش بعيدا عن الاخرين لعدم التوافق النفسي والاجتماعي مع الاخرين، والتفضيل البقاء بعيدا عن الاخرين.

5. تأثير الاخلاقيات والسلوكيات المختلفة على نفسية الاخرين بين الايجاب والسلب فتلك الحالة تسبب ابتعاد عن مثل هؤلاء الاشخاص تخلصا من سلوكهم السيء وتكون عبرة للآخرين للانزواء والعزلة.

6. صعوبة الحياة والمعيشة والتكلفة وعدم الامكانية المادية تجعل من كثير من الافراد والاسر الابتعاد والعزلة لكي لا يجبروا على الصرف مع ضعف الحال ومحدود الدخل تلك هي اهم اسباب عزلة كثير من الناس في المجتمع.

وأجابنا الدكتور (خليل الخفاجي)، اكاديمي في جامعة الكوفة، قائلا:

لابد اولا أن نعرف معنى العزلة هي عدم الاندماج أو الهروب من واقع أو تعرف أما اسباب تضخمها فترجع الى عدة اسباب منها:

1.الفقر والحرمان وعدم مقدرة الشخص على الاندماج مع الاخرين خوفا من تكليفه بطاقة لا يتحملها.

2. التفاوت الطبقى في المجتمع وهذا يؤدي الى نفور الشخص من مخالطة الاخرين.

3.طبيعة المجتمع العراقي وتكوينه المجتمعي وهذا ناتج عن بيئة ومسكن وعشيرة الشخص في الريف ام الحضر وهذا يؤدي الى تضخم العزلة الاجتماعية وعدم الانفتاح مع المدينة.

4.سياسة الدولة الجائرة وعدم اعطاء بعض الحقوق وكذلك عدم مراعاة الطبقات الفقيرة قد يؤدي الى العزلة لعدم تمكنهم من مسايرة المجتمع.

5.نشوء طبقات متنفذة واخرى مسحوقة نتيجة التباين في الراتب والمال وغيرها.

وكل هذا وذاك ادى الى نشوء تضخم قوي في مجتمعنا، لا يمكن ان ينتهي بفترة قصيرة وستبقى اثاره الى عقود طويلة، كما حدث في نهاية ايام الدولة العثمانية ونشوء طبقات برجوازية واخرى مسحوقة.

وتوجهنا بالسؤال إلى الاستاذ (مهدي الدهش)، باحث بالتاريخ والحضارة، أجابنا قائلا:

العزلة لغويا هي الترك والتجنب والابتعاد، وعادة ما تكون إما فردية أو جماعية، يمارسها الإنسان تجاه مجموعة قريبة له أو بعيدة، مكرها أو مختارا، وقد تعتزل جماعة من البشر الناس ولأسباب مختلفة، يقدرها القائم بالفعل.

تمثل العزلة الاجتماعية نظاما دفاعيا للحفاظ على المكون الثقافي للجماعة أو الفرد، وقد يكون سبب الانعزال مرضي نفسي مما يشكل ضغطا نفسيا قويا، يقع تحت تأثيره الشخص، وهو خارج سيطرة إرادته، ويتسم بالاكتئاب كمظهر من مظاهره المرضية الشائعة.

وقد مرت الشعوب والأقوام بمراحل مختلفة من أشكال العزلة الاجتماعية، نتيجة أسباب ومؤثرات تنبع من الجماعة نفسها أو قد تكون ضاغطة عليها من المحيط نفسه، أو كليهما، ولأمثلة كثيرة على هذا النوع من العزلة، وأما على مستوى الفرد، فالأمثلة أكثر بالطبع، كونها تتعلق بحالة غياب الاستقرار الذي قد ينشط عند الفرد نفسه، عبر مراحل زمنية مختلفة من حياته، خاصة إذا ما اتسمت حياته بالاضطراب والتقهقر، وعادة ما يكون من موجبات العزلة الاجتماعية بالنسبة للشخص، هو الشعور بالغربة المجتمعية، نتيجة ضعف تقبل أفكاره ومشاعره أو خططه المستقبلية، هذا ناهيك عن أسباب تتعلق بنفسية الأجيال العمرية، وصعوبة التواصل فيما بينها، نتيجة توارث أفكار محددة، يعتقد بصلاحها المطلق، ومن المعلوم أن العزلة الاجتماعية، تتخذ صور مختلفة، منها ترك الحديث مع الآخرين، وهي حالة قد تنعكس سلبا على الفرد والجماعة، ومنها السفر والهجرة بحثا عن جماعات بشرية أخرى، تميل للاستجابة والاندماج مع أفكار الشخص هذا ومعتقداته، كما هو الحاصل من هجرة المسيحيين اليوم من العراق والبلاد العربية وكذلك هجرة الشباب العربي المتعلم تعليم متقدم، وبالتالي تفقد الأوطان الأصلية نخبها العلمية والثقافية، لصالح بلدان وشعوب الاستقطاب، ويمثل عامل الضغط الديني، أحد أشكال العنف المؤثر في زيادة مساحة العزلة الاجتماعية بالنسبة لكل إنسان متحرر من قيود التقليد النصوص جامدة ومعقدة، تصلح لأزمان سالفة، أزمان كان للمنطق فيها يستسيغ ذلك المطروح كفكر في نصوص المرحلة. أما اليوم فقد أصبح العالم قرية صغيرة يتلاقى عبرها الأفراد بأفكارهم بلا سأواتر من العزلة أو الحجر، تعكس اليوم بعض مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة (الإلحاد) في المجتمعات العربية والعراقي منها، وفي تقديري هي ظاهرة شكلانية، ليست بالحقيقية، كونها ولدت كرد فعل على حجم الضغوط القائمة من نفسية وأخلاقية واقتصادية وسياسية، نتيجة استشراء الفساد في مختلف شرائح المجتمع وطبقاته، مما نجم عنه ردة فعل غير مدروسة في مجملها، ما عدى البعض منها انطلق من قاعدة متينة تستند لمبادئ البحث والتشكيك ضمن الأطر العلمية المقبولة.

وأخيرا التقينا الشاب (محمد جعفر الكربلائي)، طالب جامعة في كربلاء، فأجابنا قائلا:

أن اسباب التضخم تقع على اغلب فئات المجتمع وهم سبب رئيسي به، من خلال ما نلاحظه في جميع المجالات، فمن حيث المجال السياسي نرى الدولة عائمة في الفساد بشتى اشكاله وهذا ما قلل من ثقة الشعب به وبالقانون وهذا ما ادى إلى اعتزال جماعة عن العالم الخارجي، وكذلك نلاحظ غلاء الحياة ومعوقاتها الكثيرة قد ترهق الشخص وتولد حاله من اليأس والتخلص من المسؤوليات في مقابلها تتولد العزلة له، ولا ننسى التعامل الاسري وسلطة الاب والعيش في البيئة هي من اسباب هذه التضخم في العزلة الاجتماعية.

اضف تعليق