q
ان التطورات والانتصارات الميدانية المهمة التي حققتها الحكومة التي ماتزال مستمرة في استعادة ما تبقى من المدن والاراضي السورية، يمكن ان تسهم في نشوب صراعات أوسع مع القوى الأجنبية الداعمة لبعض المسلحين وخصوصا تلك التي أرسلت قوات عسكرية إلى سوريا...

الازمة السورية المستمرة منذ سنوات دخلت مرحلة جديدة وخطيرة، ويرى بعض المراقبين ان التطورات والانتصارات الميدانية المهمة التي حققتها الحكومة التي ماتزال مستمرة في استعادة ما تبقى من المدن والاراضي السورية، يمكن ان تسهم في نشوب صراعات أوسع مع القوى الأجنبية الداعمة لبعض المسلحين وخصوصا تلك التي أرسلت قوات عسكرية إلى سوريا.

وخريطة الصراع الحالية كما نقلت بعض المصادر، تشير إلى أن الأسد أمام مرحلة أكثر تعقيداً في سعيه الى استعادة "كل شبر" من بلد مزقته الحرب وأودت بحياة نصف مليون شخص ودفعت 5.4 ملايين شخص إلى الخارج لاجئين. وترابط قوات أميركية في مناطق سورية تسيطر عليهما الجماعات الكردية التي تطمح الى الحصول على حكم ذاتي من دمشق. واستخدم الجيش الاميركي القوة للدفاع عن تلك المناطق من هجمات القوات الموالية للأسد. كما أرسلت تركيا قوات لمهاجمة المجموعات الكردية نفسها وإعاقة تقدمها، وأقامت منطقة عازلة، كما يواجه الرئيس السوري خطر الصراع مع إسرائيل، التي تريد إبعاد حلفائه المدعومين إيرانياً عن الحدود وشنت إسرائيل غارات جوية شرسة على سوريا.

ويعتقد البعض أن سوريا المقسمة إلى مناطق نفوذ قد تبقى على ما هي عليه لبعض الوقت، وربما لسنوات، مع اضطرار الأسد إلى قبول التقسيم الفعلي وعدم وجود احتمال لسلام من خلال التفاوض. ويخشى آخرون من تصعيد آخر يشمل تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وروسيا. وقال ديفيد ليش الخبير في شؤون سوريا ”لا أعتقد أن النصر قريب كما تعتقد الحكومة السورية“ مشيرا إلى أن الأسد يواجه الآن ”مستنقعا دبلوماسيا“. ويعتقد الأسد أن لديه القدرة على ”الانتظار“ أكثر من القوى الأجنبية في سوريا لا سيما تركيا والولايات المتحدة ولكن ”سيمضي الكثير من الوقت قبل أن يستطيع بسط سيطرته الحقيقية على بقية البلاد إذا استطاع كما قال ليش.

وما زال الغرب يأمل أن تمارس روسيا ضغوطا على الأسد. وتحجب البلدان الغربية مساعدات إعادة الإعمار حتى يتم تنفيذ عملية الانتقال السياسي. لكن العديد من المحللين في الشؤون السورية يقولون إنه بالنسبة لروسيا لا يوجد بديل للأسد يمكن الاعتماد عليه. وفي عام 2015 كانت الدولة السورية تسيطر على أقل من خمس سوريا. ووصلت القوات الجوية الروسية ليتحول مسار الحرب في سبتمبر أيلول بعد العمل بشكل وثيق مع إيران والقوات التي تدعمها ويشكل حزب الله اللبناني رأس الحربة فيها. ويقاتل حزب الله دعما للأسد منذ عام 2012.

تقسيم سوريا

وفي هذا الشأن قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا إن سوريا تتجه نحو تقسيم كارثي وقد تشهد عودة تنظيم داعش إذا لم يتم التوصل إلى تسوية سلمية لا تقصي أحدا. وقال لجمهور في معهد الدراسات العليا في جنيف ”الحقيقة هي أن التقسيم الهادئ والطويل المدى لسوريا، الذي نشهده في اللحظة الراهنة في مناطق سيطرة مختلفة، سيكون كارثة ليس فقط على سوريا بل على المنطقة بأكملها“.

وأضاف ”من دون حل سياسي لا يقصي أحدا، بما يشمل من تم استبعادهم، وتحديدا الأغلبية السنية، ستعود داعش“. وقال دي ميستورا وهو ممسك بخارطة لسوريا عليها ألوان مختلفة تمثل مناطق السيطرة على الأرض ”هذا تمزيق، هذا في الواقع بلد به مناطق تخضع لنفوذ بلدان أخرى“. وأضاف ”لا يمكن أن يستمر هذا. أعتقد أنه يتعين في نهاية المطاف أن تبقى سوريا موحدة“.

وقال إنه يعتقد أنه لا الاتحاد الأوروبي ولا البنك الدولي سيساهمان في تمويل تكلفة إعادة بناء سوريا التي تقدر بنحو 352 مليار دولار ما لم يتم التوصل إلى عملية سياسية تشمل دستورا جديدا وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وتقاسما للسلطة. وأضاف أنه دون ذلك سيكون أي انتصار عسكري بتكلفة لا يمكن تعويضها. وتابع دي ميستورا يقول إنه لا توجد في الواقع أي دولة تريد تقسيم سوريا وإن روسيا والولايات المتحدة لديهما مصلحة مشتركة في هزيمة تنظيم داعش وتتحدثان معا وهو أمر إيجابي. بحسب رويترز.

وقال ”جانب كبير مما نراه في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن يمكن ربطه بالصراع بين بلد وآخر: إيران والسعودية، الشيعة والسنة. لا يمكننا إخفاء هذا“. وأي اتفاق بين البلدين للجلوس والحديث معا سيكون له أثر فوري في أرجاء المنطقة. وقال دي ميستورا إنه يرى إمكانية أكبر لدبلوماسية إبداعية بين الولايات المتحدة وروسيا. لكنه لا يرى فرصة ”لدبلوماسية تساندها القوة“ وهي صيغة استخدمت لإنهاء الحرب في يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات. وقال مبعوث الأمم المتحدة ”أعتقد أنه لا يوجد استعداد من جانب أي دولة للانخراط عسكريا داخل سوريا بشكل استباقي، فيما عدا روسيا الموجودة هناك للدفاع عن الحكومة، والآخرون موجودون هناك لأسباب أخرى لكن ليس بالضرورة للتوصل إلى حل“.

مكاسب حكومية

الى جانب ذلك تباهى الرئيس السوري بشار الأسد بالمكاسب التي حققتها القوات الحكومية في الحرب الدائرة في بلاده منذ سبع سنوات بلقطات تصوره وهو يقود سيارة بنفسه للقاء جنود على جبهة قتال قرب دمشق من بداية الرحلة في وسط العاصمة وحتى المناطق التي استعادها الجيش. وقال الأسد في التسجيل المصور ”بنطلع ع الغوطة (الشرقية) بنشوف الوضع، نشوف كل شي، القوات المسلحة، التشكيلات اللي عم تقاتل، المناطق اللي تحررت. ناخد الغوطة من الشرق، من عند النشابية، وصولا لجسرين“.

وقال في اللقطات وهو يصف الطريق الذي أغلقته من قبل نيران القناصة ”فتح (الطريق) عمليا شريان الحياة، الدم، الأكسجين، إنه بدأ يمشي من أول وجديد بالبلد، بسوريا“. ويظهر الفيديو، الأسد وهو يقود سيارته من طراز هوندا بنفسه مرتديا نظارة شمسية فيما تظهر في الخلفية مشاهد لشوارع عادية أولا تليها لقطات لمبان مهدمة وجدران تحمل ثقوب أعيرة نارية من أثر المعارك.

وبث التلفزيون الرسمي لقطات للأسد لدى وصوله إلى الغوطة الشرقية وهو يتلقى التحية العسكرية من القادة والجنود فيما ارتفع دخان من منطقة بعيدة في الخلفية. وتأتي زيارته لجبهة المعركة في الغوطة بعد أن بدأ عشرات الآلاف من المدنيين الفرار من المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة نحو مناطق تسيطر عليها الحكومة. وبدأ هجوم الجيش قبل شهر بقصف عنيف وتمكن حتى الآن من السيطرة على أغلب المنطقة التي كانت تشكل أكبر جيب للمعارضة المسلحة قرب العاصمة دمشق. وقسم الهجوم الغوطة إلى ثلاث مناطق.

والتقدم الذي حققته القوات الحكومية هو الأحدث في سلسلة من المكاسب العسكرية التي تمكن الأسد من تحقيقها بعد تدخل روسيا لصالحه في الحرب عام 2015 مما قضى على آمال مقاتلي المعارضة بالإطاحة به بالقوة. وهناك مناطق شاسعة ما زالت بعيدة عن قبضة الأسد لكنه يسيطر الآن على المدن الرئيسية في الغرب السوري المكتظ بالسكان.

ويقول نيكولاوس فان دام الدبلوماسي الهولندي السابق في سوريا الذي ألف كتابين عن البلد ”تلك هي الصورة التي يريد أن يروج لها... أنه يسيطر على الأمور ويقضي على المعارضة في الغوطة الشرقية“. وعلى الرغم من لقطات مصورة سابقة ظهر فيها الأسد وهو يتنقل في أنحاء سوريا في السنوات الماضية فمن غير المعتاد أن يزور مناطق قرب جبهات القتال ويلتقي جنودا مهللين ومدنيين فروا من المعارك.

وتتزايد الإشارات على تنامي ثقته في الفترة الأخيرة ومن بين ذلك إصدار عملة العام الماضي تحمل صورته للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة عام 2000. وظهر الأسد في التسجيل وهو يرتدى حلة دون رباط عنق ويتحدث بلهجة غير رسمية وعلق على المناطق التي مر بها وناقش الحملة العسكرية. وقال وهو يمر بجوار مدنيين غادروا الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة ”ما نشوفه إن الناس كلها بترجع للدولة، هذا يؤكد اللي كنا دائما نحكيه إنه الناس بدها الدولة، علاوة على إن الدولة هي بشكل طبيعي الأم والأب لكل الناس، وهي الجانب الشرعي في أي عمل، سياسي أو عسكري أو غيره. ويمكن ع المدى القصير بينحل الموضوع. بالتأكيد الدولة عم تقوم بواجبها، ويوميا فيه كميات هائلة من المساعدات بالإضافة لتأسيس مآوي بشكل عاجل من أجل تأمين أماكن المعيشة والنوم للعائلات“. بحسب رويترز.

وتصف دمشق وموسكو المعارضة بأنها جماعات إرهابية وتقولان إن المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة دروع بشرية للمجموعات المسلحة. وتقول المعارضة إن السكان في الغوطة الشرقية، التي كانت واحدة من مراكز الانتفاضة ضد الأسد منذ بداية الصراع، لا يريدون العودة لحكمه خوفا من الاضطهاد وهو ما ينفي الرئيس أنه قد يحدث. وقال الأسد إن التحدي طويل الأمد أمام سوريا هو إعادة تأهيل الأطفال الذين نشأوا تحت حكم المعارضة المسلحة. وأضاف أن هذا الجيل عاش خمس سنوات بأفكار وصفها بأنها مظلمة وفي ظروف تشبه العصور الوسطى مشيرا إلى أنهم بحاجة لأن يعودوا إلى ما وصفه بالطريق القويم. وقال إن ما خسروه من سنوات التعليم هو ثمن للحرب كان من المتعذر تجنبه.

معارك متواصلة

في السياق ذاته اكد رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر، ان فرنسا ستكون قادرة على ان تضرب "بشكل منفرد" في سوريا اذا تم تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس ايمانويل ماكرون، اي الاستخدام المؤكد للاسلحة الكيميائية. واضاف لوكوانتر "يمكنكم ان تتخيلوا ان الرئيس ماكرون ما كان ليحدد خطا أحمر وما كان ليدلي بهذا النوع من التصريحات لو لم يكن يعرف ان لدينا الوسائل للتنفيذ". واضاف "اسمحوا لي ان احتفظ بتفاصيل التخطيط الذي نقدمه الى رئيس الجمهورية".

وفي ايار/مايو 2017، اعلن ماكرون ان "أي استخدام لاسلحة كيميائية" في سوريا، من شأنه ان يحمل فرنسا على "رد فوري". وفي الثاني من اذار/مارس، اكدت الرئاسة الفرنسية ان باريس وواشنطن لن تتساهلا على صعيد "الافلات من العقاب" اذا "تاكد استخدام" اسلحة كيميائية في سوريا، وان "ردا حازما سيوجه... بالتنسيق التام مع حلفائنا الاميركيين". واوضح الجنرال لوكوانتر انه اذا اضطرت باريس الى ان اتخاذ قرار توجيه ضربة الى سوريا، "فان ذلك سيحصل بالتنسيق مع الاميركيين، بلا شك، في اي حال، تتوافر لفرنسا امكانية القيام بذلك بشكل منفرد". وفي اشارة الى واشنطن، خلص الجنرال الى القول "ثمة علامة تضامن حقيقي مع حليف استراتيجي ضروري لفرنسا، ولا شك في اي حال، ثمة الرؤية نفسها الى الامور في ما يتعلق بالوضع في سوريا وخطر تجاوز هذه الخطوط الحمر".

الى جانب ذلك اتهمت روسيا دول الغرب بالسعي لحماية "الارهابيين" في سوريا وذلك. واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب "بحماية الارهابيين" بل حتى السعي الى "الحفاظ على قدراتهم العسكرية". وقال إن نظرة الغرب للأزمة "منحازة" واتهم "الزملاء الغربيين" بالسعي لحماية "الارهابيين". واشار لافروف بالتحديد إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) في الغوطة الشرقية قائلا إنها تضطلع ب"دور الجهة الاستفزازية في سيناريوهات اللاعبين الجيوسياسيين الغربيين".

اضف تعليق