q

كُلّما مررتُ على قصّة دخول والي الأمويّين الجديد على الكوفة، عُبيدِ الله بن زياد، أُصابُ بصدمةٍ لا أفيقُ منها بسرعة، وأتساءل؛

تُرى؛ كيف نجح في انْ يخدعَ النّاس، الذين التفّوا حوله يسلّمون عليه على انّه سبط رسول الله الامام الحسين بن علي (ع) الذين كانوا ينتظرونه قادماً من المدينة المنورة بناءاً على كُتبهم المُرسلة اليه؟.

كيف استطاعَ هذا الوالي الأَمويّ ان يخدعهم بلثامٍ اخفى فيه ملامح وجهه حتى ظنّوه السبط؟!.

الم يجرؤ احدٌ من كل هذه الناس للكشف عن وجهه والتثبّت ما اذا كان هو الحسين (ع) ام لا؟.

الهذهِ الدّرجة يستحمِرِ التّضليل النَّاسَ؟.

الهذهِ الّدرجة يستسلم الرأي العام لأكاذيب وأَباطيل وخُدع المُضلِّلين؟.

يعني معقولة هذه القُصة؟.

لولا انّها متواترةً نسمعُها من كلّ خطباء المنبر الحسيني ونقرأها في كلّ كتُبِ التاريخ، لضربتُ بها عرضَ الحائط، لانّها لا تستقيمُ امام العقلِ والمنطقِ!.

هكذا كنتُ افكّرُ عندما اسمعُ واقرأُ قصص التضليل التي وظفها الامويّون لخداع الراي العام والضحك على الناس وقلب الحقائق رأساً على عقب، حتى كان الامام امير المؤمنين (ع) عند اهل الشام اّنه رجلٌ يتحرّشَ بالنّساء، كما يصف ذلك أمير المؤمنين (ع) حسب دعاية عمرو بن العاص بقوله {

عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ! يَزْعُمُ لأهل الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً، وَأَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ: أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ! لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً، وَنَطَقَ آثِماً}

وانه لا يصلّي أصلاً، ولذلك عندما وصلهم خبر استشهاده (ع) في محراب الصّلاة في مسجد الكوفة تساءلوا مستغربين (أَوَيُصلي علي بن ابي طالب)؟!.

اما اليوم فلقد بتُّ أُصدّق كلَّ ما قرأتهُ وسمعتهُ عن عمليات التّضليل والاكاذيب وغسلِ الادمغة، وتأثيراتها في المجتمع، عندما أرى اليوم، مثلاً، كيف انَّ مُتلصِّصاً نكرةً يُخفي ملامحِ الحقيقية بلثامٍ أسودٍ مرصّعٍ بشعاراتٍ والوانٍ مذهبيَّة، لتكتملَ عمليّة التّضليل، يقتحم علينا مخادعَنا بكذبةٍ ما لتنتَشرَ كالنّارِ في الهشيمِ على مختلف وسائلِ التّواصل الاجتماعي، فيغسل بها أدمغتَنا ويضلّلنا ويلعبَ على عقولِنا، من دون ان ينتبهَ أَحدٌ الى الامر، بعد ان أصبحنا أدوات رخيصة ومبتذلة وتافهة لأكاذيب الارهابيين وتخرّصاتهم، ولا غرابةَ في الامرِ ابداً، على ما يبدو، فنحنُ سَلفُ ذاكَ الخلفِ الّذي خدعهُ ابْنُ زيادٍ بلثامِهِ الاسود على انّهُ سِبْط رسول الله (ص)!.

لا أُريدُ ان استبقَ الزّمن، ولكنّني أقولُ متأسفاً والالمُ يعتصرُ قلبي؛

لو انّنا بقينا على هذه الحال ننشرُ اكاذيبَ الارهابييّن وخُزعبلاتَهم معصوبي العيون، فسننهَزم في كلّ معاركِنا، وسيقتحمُ علينا عقولَنا يومياً، بل وفي كلِّ لحظةٍ، عبيد الله بن زياد جديدٍ وجديدٍ!.

المعركةُ مصيريّةٌ، تحتاجُ ان نفتح عيوننا جيداً، فنحنُ احوجُ ما نكونَ اليوم الى خُزَيْمَةُ بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله (ص) شهادتهُ كشهادةِ رجلين، وذلك لحادثةٍ، وهي: أنّ النبي (ص) اشترى فرساً من أعرابي فأنكر البيع، فشهدَ لَهُ خُزيمة ولم يكن حاضراً عند الشراء، فقال له رسول الله (ص)؛ أَشَهِدْتَنا؟ فقال له: لا يا رسول الله، ولكنّي علمتُ أنّك قد اشتريت، أَفَأُصَدِّقُكَ بما جئت به من عند الله، ولا أُصدّقكَ على هذا الإعرابي الخبيث! فعجب لَهُ رسول الله (ص) وقال: يا خُزيمة؛ شهادتُكَ شهادةَ رجلين، فَسُمِّي (ذو الشّهادَتَين).

ان خُزَيْمَةَ كان واثقاً برسول الله (ص) وواثقاً من نفسه وواثقاً من دينه وواثقاً من عقيدته، وقبلَ وبعدَ كلّ هذا كان واثقاً بالحقيقة، واعياً ذَا عقلٍ راجحٍ فلا يُكذِّب عقلهُ ويصدّق الاكاذيب! كما يفعل اليوم كثيرون، فيكذّبون الحقيقة ويصدّقون المضلّلين، على حساب الحشد الشعبي وانتصاراتنا وانجازاتنا!.

انّ الواثقَ لا ينخدع بالاكاذيب ولا تضلّلهُ الخزعبلات، امّا الشّاك القلق السّاذج فيصدّق كل كذبةٍ وينشرها بلا أَبسطِ تفكيرٍ.

إنّ العاقلَ الواثق لا ينشر الحقيقة قبل ان يتأكدَ من انّها مفيدة ٌام لا؟ امّا الاكاذيب فيرميها فور استلامها في اقربِ سلّةٍ للمهملات، بلا تردّد او توقّفٍ او انتظارٍ، امّا الجاهلَ المخدوع فينشر الاكاذيب والخزعبلات بمجرّد ان تصلَه ومن ايٍّ كان، ولذلك فهو بالنّسبةِ لمصادرِ التّضليل الإرهابيّة، الظّهرَ المركوبِ والضّرعِ المحلوبِ.

الاوّل نموذجهُ (خُزَيْمَةُ ذو الشّهادتَين) والثّاني نموذجهُ المخدوعين بلثامِ عبيدِ الله بن زياد، الذي اقتحمَ الكوفةَ شاقّاً طريقهُ الى قصرِ الإمارةِ وسط جموعِ النَّاسِ على انّهُ سبطَ رَسُولِ الله(ع) سيّد شبابِ أهلِ الجنّة الحسين بن علي عليهما السلام!!!.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق