q

لم يبقَ من الوقت إلا القليل ويقرع جرس الانتخاب، وما بين مؤيدٍ ومعارض لها، تتعالى الأصوات المتناقضة، فليس من السهل أن يعيد الناخبون اختيار الوجوه نفسها بعد أن تسببتْ في هذه المرحلة بكل هذا الخراب والدمار وتصفير الخدمات، بعدما فعلته الأيادي التي تمّ ترشيحها لتمثيل الشعب لكنها لم تكن أهلاً للحفاظ على الأمانة، وعندما تُفقَد الثقة في الحركة السياسية، يُصبح من الصعب جدا إعادتها أو حتى الاطمئنان إلى الذين تمت تجربتهم سابقا، وهذا هو حال العراقيين بعد سنوات من الانتخابات، ولو لا حرص المرجعية الرشيدة على حفظ البلد وعدم سيره نحو الهاوية، لما أفتت بوجوب الانتخاب وضرورته القصوى حتى لا يعود العراق إلى مرحلة الصفر، أو إلى المربع الأول.

ومع اشتداد وطيس المنافسة بين القوائم والكيانات التي دخلت في خوض الانتخابات النيابية في دورتها الجديدة، نجد أنّ المرأة حاضرة بكيانها الصلب وشخصيتها القوية وهي تحمل سلاحها المعنوي المتمثل بالشهادة الأكاديمية بيد، وبالأخرى مسؤوليتها إزاء بلدها، فهل تنجح المرأة التي يحق لها التصويت في الوصول إلى مرامها والتصويت لوجوه جديدة منتقاة، أم أنها ستذهب إلى القوائم المجرَّبة التي لا تنفع ولا تضر، تلك التي يتساوى حضورها مع غيابها، حتى يصح عليها القول المعروف: إن حضرَ لا يُعَدّ وإن غاب لا يُذكَر.

فهناك بعض النساء من ممثلو الشعب في الدورات الماضية، لم يكن لها أي دور سوى أن تسجل اسمها في مجلس النواب وتتقاضى الراتب الشهري لتبقى ساكنة دون أن تحرك ساكناً، خوفا من الدخول في معركة لا رغبة فيها، كما شاهدنا في العام المنصرم، حيث الفوضى تجاه قضايا الفساد والتي كانت مغطاة تحت قبة البرلمان، ولعلنا لم ننسَ الكثير من الاستجوابات التي عرضها مجلس البرلمان وتم نقلها عبر الأثير، لكننا إلى الآن لا نعرف ما هو مصير هذه الاستجوابات البرلمانية وما هي نتائجها، فهل تم الكشف عن الفاسدين أمام الشعب وعرض ملفاتهم حتى لا تُعاد أسماءهم وأشكالهم الى القوائم الانتخابية في الدورة الجديدة، أم تم التستر عليهم كي يتم انتخابهم مرة أخرى بعد التسلل إلى القوائم الأكثر حظوة في الحصول على الأصوات، لذلك أعلنت المرجعية بأنّ المجرَّب لا يُجرَّب.

ترشيح المرأة كممثل للشعب

وبعد انجاز مرحلة متطورة من التقدم في مجال تحريره من الإرهاب، يجب أن يتم الفحص والتدقيق في الأسماء التي رشّحت للانتخاب في الدورة النيابية الجديدة، فلابد من إعطاء فرصة كافية لجيل الشباب وذوي الشهادات من الكفاءات والتكنوقراط، لخوض التجربة الانتخابية لعلهم ينجحون في بناء دولة رائدة في العلم والثقافة، بمشاركة المرأة التي ستدعم هذه المساعي بقوة، وستقدّم كل إمكانياتها في تعزيز الثقافة والقيم الراقية والتعايش بين أبناء الشعب.

لذا المهم أن لا يُستهان بقدرات النساء في مجال التصويت السليم أو الترشيح كممثلة للشعب، فهي قادرة على أن تحكم بقوة وتوازن وحنكة، كما هو مذكور في سجلات التاريخ، لكننا كما لاحظنا أن المرأة في العراق قد تفقد حرية الدخول لهذه التجربة، وإن دخلت ستكون محكومة بقائمة معينة وخاضعة لأهدافها حتى لو كانت لا تعبأ بمصالح الشعب، ولكن ماذا لو دخلت الساحة الانتخابية برسالة وقضية وطنية ذات قيمة كبرى، إنها بلا شك ستحارب من قبل القائمة الأكبر، لهذا ستضم اسمها معهم، وفي حال فوز القائمة سوف يتم تسليمها المنصب الأقل والأضعف، وإن حصلت على مركز مؤثر وحيوي، سوف تبقى تحت سيطرة الكبار وتحكمهم بها، وهذا مما دفع بالبلاد إلى الوراء، ليصبح على ما هو عليه اليوم من تردٍّ واضح للعيان.

لذلك لا تقدم المرأة إمكانياتها كما تخطط وتريد، ولم يكن أداءَها بالمستوى المطلوب أمام هذه التحديات، على الرغم من الضغوطات التي تعرض لها المجتمع، وحتى أنها لم تقدم يد العون لأمثالها من النساء، بل بقيت صامته أمام النساء المعتقلات اللواتي يواجهن ظروفا صعبة، وبقيت تعاني من المثلث الذي يعانقها من كل مكان وهو عدم وجود فرص عمل للنساء في القطاع العام، وحصرها في ذوي القربى، وأزمة الفقر التي لم تعالَج حتى الآن، وهناك أيضا تعنيف المرأة وتعذبيها على يد قبيلتها.

ومع وجود هذه الأسماء من النسوة في مؤسسات الحكم والسلطة التشريعية، قد نظن أنّ النساء يعشن براحة وأمان لوجود عنصر مهم من جنسها يساندها على التحديات والمصاعب التي تواجهها، ولكن بقيتْ آمال النساء أحلام لم تحقق بعد، وبقيت المرأة العراقية على ما هي عليه تعالج نفسها بنفسها، ولم تنَل سوى العهود التي تطرب مسامعها في كل دورة انتخابية، على عكس ما نراه في الدول المتقدمة، فعندما رشحت "كريستينا فرنانديز دى كيرشنر" كرئيسة لدولة الأرجنتين، وتم اختيارها لهذا المنصب بالتصويت، فإنها صنعت ما لم يصنعه الرجال.

نموذج المرأة القيادية

وقد تحدث عنها العالم كله بالإيجاب، فهي حكمت الأرجنتين منذ عام 2007 إلى عام 2011 وكانت أول امرأة تحكم الأرجنتين، فكان حكمها يوصَف بأنه حكم ذهبي، حيث نجحت في تحقيق النهضة الاقتصادية الكبيرة، وعملت المعجزات حتى أنقذت البلاد من الديون والأزمات المالية التي كانت تعصف بها، فقد وضعت خططا تقشفية وبرامج اقتصادية مجدية لمواجهة الأزمات، واستطاعت تسديد الجزء الأكبر من ديونها الى البنك الدولى، ثم تابعت المسيرة عبر التعاون من النقابات العمالية والشركات الكبيرة في تخفيف الضرائب عنها مقابل إحداث أماكن عمل ووظائف جديدة، وبهذا خففت من ارتفاع البطالة العمالية في الدولة التي ترأسها، وبناءً على هذه الانجازات تُعدّ الأرجنتين اليوم من الناحية الاقتصادية من أهم البلدان في العالم، تُرى لو تعلّق الأمر بنا، فكم كريستينا سنحتاج؟.

في الأيام المقبلة أو المنظورة سيتم الإعلان عن الأسماء التي رشَّحت نفسها للانتخابات النيابية القادمة، ويبقى السؤال هل تشارك المرأة العراقية في عملية الانتخاب، وفي المقابل هل هناك من ينتخب النساء ويثق في قدراتهن أم يكتفي بالصورة الظاهرية للمرأة كصورة.

الجواب، منذ الآن بدأت بعض الأسماء تبرز في القوائم الانتخابية، ولكنها لم تعرض برنامجها الانتخابي بعد، وفي خصوص من ينتخب، فهذا هو الأهم، فبعد هذه السنوات التي شهدها العراق من حرب ضد الإرهاب، وفقر وملفات فساد وفاسدين، على الناخبة أن تكون حذرة في إدلاء صوتها، فعندما تضع إصبعها في الحبر البنفسجي عليها التدقيق والاختيار الأسلم، فربما تخطئ وتضع إصبعها في بحر من الخراب، لذا عليها باختيار الأجدر من حيث الشهادة والعمر والخبرة والأمانة.

إنّ مشاركة المرأة في الذهاب الى صناديق الاقتراع مهم جدا، وله دور كبير في تحسين وضع البلاد، لكن عندما تعتكف المرأة وتمتنع عن الذهاب للمراكز الانتخابية، فإنها تساهم في نيل الفاسدين رغباتهم وقد تشاركهم في عملهم المضاد للشعب والوطن، لأن الإضراب عن المشاركة في الانتخاب لا يحل مشاكل العراقيات والعراقيين، بل يضاعف من صعوبتها، ونحن بحاجة إلى تغيير جذري لهذه المرحلة ووالجوه السياسية التي فشلت في الاختبار، لعل الأوضاع تتحسن ويصبح العراق نموذجا في الديمقراطية والتعليم والصناعة والسياحة، فكل هذه الأهداف أصبحت اليوم شبه مفقودة، لذلك صوتك واختيارك المناسب سوف يسهم بوضع المسؤول المناسب في المكان المناسب، رجل كان أو امرأة، فلا تحرموا أبناءكم من وطن ديمقراطي جديد ومعافى.

اضف تعليق