q
إسلاميات - اهل البيت

غايات وأهداف لا تتحقق إلا بالبكاء

بمناسبة استشهاد سيدة نساء العالمين

البكاء لغة بليغة حيث تجعل الجميع يتعاطفون بطريقة مدهشة مع الباكي وفيه نوع من الاستجابة العاطفيّة، فالبكاء في بعض الأحيان يكون ناتجا عن الشعور بالحزن أو الألمٍ، وأحيانا يكون نتيجة لشعور جميل أو حدث مفرح.

يعتقد الكثير من العلماء أن البكاء مفيدٌ للصحة، حيث يساعد على التخلص من سموم الجسد النَّاتجة عن التوتر، ويعتقد علماء النفس أن عدم التنفيس عن المشاعر لفترة طويلة قد يشكل خطرًا على صحة المرء، فقد أشارت بضعة أبحاث إلى أن منع الدموع العاطفية من الانهمار قد يسبِّب ارتفاعًا في نسبة خطورة الإصابة بأمراض القلب والضغط، كما أنّ دراسات أخرى أشارت إلى أنّ من يعانون من أمراض مثل التقرحات والتهابات القولون هم أقل تعبيرًا لمشاعرهم مقارنةً بالناس العاديين، وينصح علماء النفس الناس الذين يعانون من الحزن بالحديث والبكاء عوضًا عن محاولات التحكّم في مشاعرهم.

والبكاء من الصفات المحمودة حيث يحث ديننا الحنيف على البكاء من خوف الله والبكاء بما يرضى الرب، فإن الدمعة محبوبة عند الله عزَّ وجل، والبكاء على مصاب أهل البيت من المستحبات.

فقد قال إمامنا الصادق البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين، فآدم بكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له:

قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا أما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وأما أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما.

واما فاطمة فبكت على رسول الله حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك، وكانت تخرج الى مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة او أربعين، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك إني أخاف عليك ان تكون من الهالكين: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ أني لم اذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة *١

بكاء المظلوم تظلما

بالتأكيد هناك تأثيرات وغايات وراء البكاء حتى بكى يعقوب هذه المدة وهو يعرف بأن ابنه لا يزال حيا، وكما ورد في كتاب من فقه الزهراء يستحب بكاء المظلوم للتظلم بصوت عال، فإنه من غير الصحيح ان يسكت الانسان على الظلم ولذا قال سبحانه: (لا تَظلمون ولا تُظلمون)، والبكاء إحدى طرق الضغط على الظالم وفضحه وإثارة العواطف ضده، ولذلك بكت سيدتنا فاطمة الزهراء بحرقة حتى اجتمع أهل المدينة واقبلوا الى امير المؤمنين وقالوا له يا ابا لحسن إن فاطمة تبكي الليل والنهار، فلا احد منا يهنأ بالنوم في الليل على فرشنا ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا وانا نخبرك أن تسألها أما أن تبكي ليلا أو نهاراً.

فقال علي عليه السلام: حبا وكرامة

فأقبل الامام علي حتى دخل على فاطمة الزهراء وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة، فقال لها: يا بنت رسول الله إن شيوخ المدينة يسألونني ان أسألك أما ان تبكي أباك ليلا وإما نهاراً. فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما اقرب مغيبي من بين أظهرهم فو الله لا اسكت ليلا ولا نهارا او الحق بأبي رسول الله.

فقال علي: افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك.

كان يعرف شيوخ المدينة تأثير بكاء الزهراء على سلب شخصيتهم المزيفة وفضح أعمالهم القبيحة، لذا شعروا بالانزعاج فبدلا من ان يشاركوها العزاء على فقد اشرف خلق الله رسول الله صلى الله عليه واله، منعوها من البكاء، فمجالس البكاء على المعصومين نوع من المواساة والانتصار للمظلوم، ومن سبل تثبيت محبة ال البيت عليهم السلام في قلوب الناس، وقد دل على ذلك كثير من الروايات.

فعن ابي عبد الله قال لفضيل: تجلسون وتحدثون قال نعم جعلت فداك قال ان تلك المجالس احبها فأحيوا امرنا يا فضيل فرحم الله من احيى امرنا يا فضيل من ذَكَرَنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت اكثر من زبد البحر*٢

لذلك يخاف الاعداء من البكاء ومن هذه المجالس لان للبكاء تأثير كبير على النفوس، فربما يتكلم الانسان ويطالب بحقه ولكن لا يصل الى مبتغاه، بينما يستطيع ان يلجأ الى السلاح الاخير وهو البكاء كي يعلن للاخرين مدى ألمه ويعرفهم بأن حقه سُلب، لذلك نجد مواقف خالدة في طيات التاريخ سجلت فيها أسماء البكّائين واثر البكاء وفضح الطغاة وهناك غايات وأهداف لا تتحقق إلا بالبكاء حيث لا ينفع باقي اللغات.

لغة البكاء بليغة حيث تجعل الجميع يتعاطف مع من يبكي وما يروم، إن لم يكن الآن فبعد حين!.

------------------
المصادر
١-وسائل الشيعة ج٣ص٢٨١ب ٨٧
٢-بحار الانوار ج٤٤ص٢٨٢ب ٢٤ح ١٤
ويكيبيديا، من فقه الزهراء (آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي)

التجليات الفاطمية (فاطمة علي جعفر)

اضف تعليق