q

بعد إستمرار تعطيل مشروع قانون الموازنة، ربما سيجد السياسيون أنفسهم بأنهم غير مهمين ومعرقلين لقوت الشعب، ومحاولة جعل الموازنة ضمن التسابق الإنتخابي غير مجدية إطلاقا لأن الحكومة لا تصل إلى مرحلة الإغلاق، كما هو الحال الآن في الولايات المتحدة عندما يحدث عادة تعذر إقرار الموازنة نتيجة الإستقطابات الحزبية في الكونغرس، ومن ثم يصعب تسيير الإنفاق الحكومي.

لأن الحال في العراق مختلف تماما كون الحكومة تستطيع الإضطلاع والتواصل بإنجاز المهام الأساسية التي تقوم بها من دون تأثر، وفي الوقت نفسه تستمر المناكفات السياسية غير المجدية وغير المعرقلة، فالحكومة قادرة على تسيير وتواصل العمل في وزارات الدولة، ولن تتأخر رواتب الموظفين، ومستحقات الضمان الإجتماعي والتقاعد ويتم صرفها، بينما قد تتأثر المشاريع الإستراتيجية والتنموية في المحافظات وهذا يعود بالنتائج السلبية على ساستهم المحليين ورموزهم السياسية أكثر من الحكومة الإتحادية، خاصة في المحافظات الشمالية والغربية، ولن يتحول العراق إلى صومال كما يراهن السياسيون.

إن عرقلة وتأخير تشريع الموازنة أمر يتم تضخيم نتائجه وسلبياته لإحراج الحكومة في مسألة إجراء الإنتخابات ووضع التحديات أمامها، ولكن في الواقع الإنتخابات يمكن إستئنافها، وعمل المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات مستمر وصرفت منحة بهذا الشأن، والمتوقع أن تستمر الحكومة بمواصلة أنشطتها وتأمين إجراء الإنتخابات باعتبارها أهم استحقاق وطني في عام ٢٠١٨.

وحسب رأيي الخاص، "إن تعطيل تشريع الموازنة في هذا العام وكل عام ومحاولة تعطيل عمل الحكومة وإحراجها مجرد دراما كبيرة لكن تأثيرها محدود، وكل الدلائل تشير إلى أن البرلمانيين المناوئين لتشريع الموازنة يعمدون في هذا العام تحديدا بجعل فقرات الموازنة لصالح توجهاتهم السياسية وحساباتهم الانتخابية، من خلال إبعاد عملية الإنفاق عن الحكومة الإتحادية وتحويله نحو المحافظات والإقليم"، بمعنى من خلال النقاش والإعتراض فهمنا ضمناً أن هناك محاولة لإلغاء الدور الحيوي للحكومة الإتحادية في دعم البنية التحتية وتمويل المشاريع الكبرى في المحافظات عملا بمفهوم تحويل الصلاحيات أو ما يعرف باللامركزية، بينما النظم الإتحادية لا تعمل بهذه الطريقة في التمويل والإنفاق بل تعمل وفقا لمفهوم الشراكة في الحقوق والمسؤوليات، إضافة إلى أن كل ما يخصص في الموازنة الإتحادية هو إتحادي يجب أن يستثمر وينفق بالشراكة بين الحكومة الإتحادية والحكومات المحلية والفيدرالية، وبالإعتماد أيضا إذا سمحت الظروف، على الدور الإستثماري للقطاع الخاص في الإنجاز.

ففي قراءة عامة لمشاريع الموازنات في الدولة العراقية بعد عام ٢٠٠٥ نرى هذا الصراع والتجاذب السياسي في تشريعها من جهة، وعدم الفاعلية في توزيعها وتسييرها من خلال سياسة التخصيصات العامة دون هياكل لمتابعة إنجازها وتفاصيل إنفاقها، فالأجدر في سياسة الموازنة أن لا يتم الإعتماد على المنح والإطلاقات المالية العامة في تنفيذها، وإنما يجب أن يتفق البرلمان والحكومة على إتباع سياق تشاركي في تشريع الموازنة، قائم على أساس: ألا يتم تخصيص أموال للمحافظات أو الأقاليم، أو لدعم هذه الشريحة أو تلك أو إعادة الإعمار، وبناء القطاعات العامة، بل يجب أن يتم تقديم مشاريع قوانين تولد وتستنفذ المبالغ والتخصيصات المحددة، بمعنى يشرع قانون وتلتزم الحكومة في الموازنة بتخصيص الأموال اللازمة لتمويله.

فمثل هذا السياق يضع مدى جدوى وقدرة وواقعية أية خطة للموازنة وفق المعايير المعتادة في الأنظمة الإتحادية؟ لأنها ستقدم دعماً حقيقيا للمصلحة العامة، وهذا سيحدد النفقات ويقلص الهدر ويطوق الفساد في تنفيذ الميزانية العامة للدولة وسيأتي على حساب البرامج التي تدعمها القوى السياسية التي تعول في مدخولاتها على تلك الميزانية، من خلال عمومية التخصيصات دون قوانين تحدد وتجعل هامش مناقلتها أو عدم صرفها أو إهدارها قائم دون حساب، مما يخصب التجاذب السياسي على الموازنة المالية للدولة ويجعلها مسألة حيوية لدعم الأحزاب والقوى السياسية، بدل أن تكون لصالح الشعب بصورة عامة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق